|
حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6351 - 2019 / 9 / 14 - 10:22
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
العالم المعاصر أصبح أكثر تعقيدا بالنسبة لجميع علماء العلوم الانسانية ، من علماء النفس الى علماء الاجتماع ، وبينهما اختصاصيو وسائل التواصل الاجتماعي الذي أصبح يشكل نمطا حياتيا معاصرا لا يمكن التغافل عنه ، بل ان تاثيراته أصبحت تشكل أهم تأثيرات العالم الجديد . فلربما كان باومان يصدر عن نزعة أخلاقية مسيحية ، تؤمن بالفضيلة كأفق انساني منشود ، وهو يشير الى أن عالم الانترنيت مجرد فخ ، يسعد الانسان في الوقوع به . وهذا ما قد يوافقه عليه كثير . لكن دعونا نختبر الأمر من وجهة نظر المقموعين والمهمشين والمقصيين في عالم متخلف كعالمنا العربي ، او كبلد يشبه المغرب . ربما كان باومان يجهل مثلا قضية هاجر الريسوني ، وربما كان يجهل ثورات الربيع العربي عموما . وربما كان يجهل وضعية كاتب وفنان عانى من القمع والحجب ما لم يعانه كاتب وفنان آخر ، وصيغة المفرد لا تنفي صيغة الجمع. هذه الوقائع البسيطة يمكن أن تسلط الضوء على الطيقة أو الجهة التي لم ينظر منها مفكر بقامة زيغموند باومان . اذا كان باومان قد ركز على الفيسبوك كموقع تواصل رائد ومؤثر وذي أرباح فلكية جد عالية ، واعتبره مرآة تنعكس بها صفحات الوجوه وتتردد به أصداء ما تود النفس سماعه . فان هذا لايلغي الحجم الكبير من المرضى الذين يلجون موقع التواصل "فيسبوك" باسماء مستعارة وبصور غير صوررهم الشخصية . وذلك الجيش الهائل من التافهين الذين يقضون به ساعاتهم من اجل الهروب فقط من واقع محبط وفاشل . بل ان منهم من ينخرط في سلوكات مرضية خطيرة تهلك مستقبلهم وحياتهم . في حين نجد عددا هائلا استطاعوا ان ياخذوا موقعهم ضمن نخبة المجتمع من خلال الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى ، ما كانوا ليحظوا بهذه المواقع دونها. ومنهم من ياخذ العلم والمعرفة دون تكلف ، بل وبتوسع كبير . وهو الى ذلك نوع من الترويح عن النفس ، وفضاء للتعارف لا يتيحه الواقع الحقيقي . فالانسان كتوم بطبعه امام الأشخاص الحقيقيين ، لكنه يجد فسحة للتعبير عن نفسه وهو مختبئ وراء شاشة الكامبيوتر . من هنا يمكن أن يتحول الموقع الاجتماعي الى اداة استشفاء . ان دراسة أثر المواقع الاجتماعية ، لم يدرس في الحقيقة بشكل واف ومتسع ومتشعب . فالواقع الافتراضي أصبح يشكل واقعا موازيا للواقع الحقيقي . وهو بذلك يفرض نفسه على الباحثين المهتمين باعطائه نفس القدر من الأهمية . مع علمنا البالغ أن جهات متعددة ومنها الاستخبارات العالمية تشتغل عليه وتتوكأ عليه وتعتمد عليه أكثر من اعتمادها على الواقع ، كما أن مؤسسات كبرى تربح منه ، كما حدث مع شركة كامبردج أناليتيكا . قد تتدخل مواقع التواصل الاجتماعي في خصوصيتنا . لكنني شخصيا لست من أنصار التعميم . ولربما يوافقني في ذلك زيغموند باومان نفسه . ذلك لأني أكشف مثلا ما أود الكشف عنه . فممارستي الطويلة في هذا العالم علمتني الكثير ، ولست من مناصري "المؤامرة " ، لأننا في الحقيقة في صراع وجودي وأزلي من أجل اثبات الذات والتفوق ، لكن هناك طرق عديدة لاثبات الذات وللتفوق . ثم ان الوعي بالشيئ تجاوز له . وبفضل التجاوز يتحقق الانتصار على الذات نفسها وليس على الآخر فقط . ومن قال أننا نظهر نفسنا بّأليق صورة ، تلك عادة الشكلانيين والنرجسيين . شخصيا أفضل اظهار نفسي في صورة مختلفة عما أنا عليه في الجوهر والحقيقة . وهنا أختلف جذريا مع زيغموند باومان ، فلا نرجسية تقودني نحو المشاركة في المواقع الاجتماعية ولا حب الظهور . بل هو نزعة أخرى تماما . وأعرف الكثير من الأصدقاء الذين لا يحتفون كثيرا بصورهم ، ويكتبون عكس ما يسرون ويريدون . انه عالم آخر ، احتفالية باذخة باقنعة جد متخفية . طبعا هي ثقافة سائلة ، وهذا يدخل في المنظور العام المتحكم في منهج باومان المعرفي . وهي حقيقة تحسب له ، فقد كشف بنفاذ عن حقيقة ما كشفه مثلا ألتوسير عن تحريفية انجلز لماركس ، او ما أثاره نيتشه من غبار حول الثقافة المسحية المدججة بالنفاق والدجل ، وهو ما عشناه نحن أيضا في ثقافتنا الاسلامية من ازدواجية المعايير والتحريف العظيم لمبادي الاسلام الصحيح وقيمه الانسانية العالية . ربما كنا ندور هنا حول مأزق المعرفة ككل . لكن ضمن هذا الدوران يمكن احداث طفرات ابستيمية كما انتبه الى ذلك جاستون باشلار ذات زمن .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
-
الربيع الايراني
-
انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
-
حدود الملكية المطلقة بالمغرب
-
لن أيأس
-
أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة
-
عشرون سنة من الحكم ، عشرون سنة من اللاحكم
-
خطأ الملك ، كيف نتعامل معه ؟
-
هل تكمل الجزائر مسارها المتفرد ؟
-
أنوار الخائن -رواية 1-
-
القضاء أول درجات الارتقاء
-
اضحك ، انهم يكرهونك
-
البابا في وظيفته السياسية
-
الشمكار
-
نظرة في بطلان تعاقد الأساتذة
-
جاسيندا
-
طوبوغرافية الثورة الجزائرية
-
صفقة مع السراب
-
جراحة عن بعد ، هل تصدق ؟؟
-
ايران تربك حسابات الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة
المزيد.....
-
عربات قطار بأمريكا تستبدل الركاب بالشعاب المرجانية والسلاحف
...
-
مسؤولان أمريكيان لـCNN: فريق بايدن ليس لديه خطط وشيكة حول اق
...
-
-ميتا- تحظر وسائل الإعلام الروسية الرسمية على منصاتها لمنع أ
...
-
-نزهة الغولف- الخاصة بترامب.. -مصدر قلق طويل الأمد- لدى الخد
...
-
ماهر الجازي: الأردن يستلم جثمان منفذ -عملية اللنبي- في مسقط
...
-
بعد محاولة الاغتيال المفترضة.. بايدن يتصل هاتفيا بترامب
-
بعد رحلة تاريخية من جدة إلى الرياض.. -طائرات موسم الرياض- تس
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس وحدة الصواريخ والقذائف في
...
-
الإعلام العبري يرصد صواريخ باليستية مصرية في جبال سيناء ويتس
...
-
ناريشكين: الأنظمة الموالية لواشنطن في أوروبا تسير على خطى ال
...
المزيد.....
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
المزيد.....
|