|
الاسلام السياسي بين الفصام و الحيوية
حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 1552 - 2006 / 5 / 16 - 17:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا كان الإسلام هو طريقة تشكل لأفكار و مشاعر و مواقف و مصالح عبر صيرورة تاريخية مستمرة إلى الآن ، و إذا كان الإسلام فاعلا و مؤثرا في حاضر العرب و المسلمين و البشرية، و إذا كان الإسلام , أو بالأحرى طريقة نظر المسلمين إلى أنفسهم و الآخرين، مؤثرا في صياغة مستقبلهم, و تحديد التوازنات المتحكمة في مصيرنا في عصر العولمة و الحرب الشاملة على الإرهاب. فلماذا نبخس الإسلام حقه, و نكتفي بالتعصب معه أو ضده؟! هل الإسلام السياسي بمثابة انحراف عن الإسلام النبوي كما يزعم غالبية المثقفين العرب من قومين و يساريين و ليبراليين؟ أم أن الإسلام السياسي- تحديدا- هو الإسلام الأكثر ظهورا، و المؤهل لكي يلعب دورا مهما في صناعة المستقبل للشعوب العربية و الإسلامية، بغض النظر عن طبيعة هذا الدور ايجابيا كان أم سلبيا؟ إنَّ تاريخ المجد العربي يرتبط بالإسلام، و وحدة الجماعة ترتبط بالخلافة الإسلامية ، فالإمبراطورية العثمانية رغم تخلفها و استبدادها، كانت تحقق الحد الأدنى من التوحيد و الحضور على المسرح الكوني . و التفاعل الخلاق بين الإسلام و الثقافات المجاورة هيأ لظهور الخصب الحضاري العربي اليتيم، فأسماء شوارعنا و حدائقنا و أسماء أبنائنا و ماركات بضائعنا تنتمي إلى تلك الحقبة الفردوسية الخصيبة. فلماذا لا نعيد اتصالنا مع هذا التراث بوصفه تراثنا؟! و لكن الإسلام السياسي يشكو من اعتلالات و تأثيرات جانبية ليست طفيفة، بل قد تكون كارثية ؟ ترى كيف تعامل الإسلام السياسي مع الأقليات الإسلامية و غير الإسلامية ألم يحرض على الحروب الأهلية و الطائفية القذرة في أكثر من بلد عربي؟! وكيف تعامل الإسلام السياسي مع الأنظمة الاستبدادية؟ ألم يتحالف معها في السودان " النميري" و مصر " السادات" و أفغانستان، و دخل أحيانا أخرى في صراع دموي معها، صراع دفعت ثمنه أولا و أخيرا المجتمعات و الناس البسطاء؟ كيف تعامل الإسلام السياسي مع الغرب، و هل النظر إلى الآخرين من خلال عقيدة الولاء و البراء و منطق الكفر و الإيمان، يصلح ،و قابل للحياة؟ و كيف تعامل الإسلام السياسي مع مفهوم الحرية، و القيم المنبثقة عنه من ديمقراطية و حقوق إنسان و حرية التعبير و حقوق المرأة و حق الاعتقاد؟! و هل من بدائل فاعلة للإسلام السياسي؟! و هل يشكل الإسلام السياسي خيارا يستحق الاهتمام؟! و هل ثمة خيار خارج إطار المنهجية الغربية ، خارج الماركسية و القومية و الليبرالية و البنيوية و الوجودية و الوضعية و الفرويدية...الخ و هل استطاعت هذه المناهج أن تتحول إلى وعي نقدي سياسي جماهيري، أم أنَّ معظمها باستثناء الماركسية و القومية و الليبرالية لا تكترث أساسا بالسياسي؟! ما علاقة الإسلام السياسي بالإسلام؟ المثقفون الحداثيون يقولون : الإسلام السياسي بدعة من بدع العصر، و ما كان ليزدهر و يفرِّخ خارج الحاضنة الغربية، و سيقولون أن الإسلام السياسي هو استيلاء على الإسلام، و القضية بما فيها أنَّ هناك متعصبين يستغلون العاطفة الدينية لتحقيق مآربهم الخاصة و المشبوهة؟ و لكن هل هناك إسلام منزوع السياسة؟ إسلام على الطراز المسيحي أو البوذي؟! و إن وجد هذا الإسلام ما هو رصيده، و هل يحمل إمكانات مستقبلية تستحق المراهنة؟ بعد كل هذه التساؤلات كيف نخلص الإسلام السياسي من التأثيرات الجانبية الضارة و ربما القاتلة؟! و نستثمر هذه الحالة، حيث أن تربته موجودة في مجتمعنا، و بذوره حاضرة لم تغب لنستجلبها أصلاً. كيف نحافظ على موضوع و شكل الإسلام السياسي و نفكك جوهر الذات العصابيَّة المحتواة فيه ، و كيف نحل التناقض بين الشكل و الجوهر، الشكل الحضاري و الجوهر التعصبي؟
الإسلام طريقة تشكل لأفكار و مشاعر و مواقف و مصالح عبر صيرورة تاريخية و احتمالية. طرق التشكل المختلفة و التعبيرات الملازمة لها على مدى القرن العشرين و حتى الآن تعاني من خطأ جسيم، و اضطراب على أرضية مزمنة، جعلت من العرب و المسلمين -أفراداً و جماعات- عاجزين عن إرادة شؤونهم و القيام بواجباتهم، و تحمُّل مسؤولياتهم. إننا أمام حالة فصام عن الواقع و تفكك بين مختلف مقومات هذه الشخصية الإسلامية، فهناك توهمات و أفكار نحتضنها بحرارة و نجزم بصحتها و يقينيتها رغم انحطاطها إلى مستوى التفاهة و إعاقتها الخطيرة لتكيف الفرد و الجماعة، و قياساً على الفصام النفسي ، يمكن حصر هذه التوهمات في سبعة عناوين
توهمات الخطيئة: لقد ارتكبنا إثماً بابتعادنا عن الإسلام النبوي و عن شريعة الله و سنة النبي و سيرة الصحابة " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ، و تخاذلنا عن نصرة النبي ، أو تخاذلنا عن نصرة الحسين عند الأخوة في الطائفة الشيعية، أو تخاذلنا عن نصرة فلسطين و العراق عند الأخوة في الطائفة القومية
الوساوس هناك خراب وكوارث وشيكة ستصيبنا، سواء أكانت كوارثاً طبيعية ً" زلازل و براكين و أعاصير و أوبئة" أو بتسلط قوى الهيمنة علينا، و يكمن ذلك الوسواس بهاجس العدو الخارجي، و حضوره الدائم كجزء من آلية تفكيرنا..... أنا مراقب دائما" الجدران لها آذان" و هناك من يتحين الفرصة للإيقاع بي و الوشاية بي ،هاتفي تحركاتي مراقبة، يجب أن لا أثق بالآخرين ...فيعيش الفرد و الجماعة هاجس القلق الدائم و عدم الآمان مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض المر دودية الفكرية و الإنتاج الاقتصادي
توهمات العدمية نحن حثالة الأمم، نحن أهون الناس، نحن الأكثر تخلفاً على الصعيد المعرفي و الاقتصادي و السياسي، نحن لا شيء..." العرب جرب" و كأن جوهر العربي و المسلم لا يقبل التغيير و التطوير؟!
توهمات الاضطهاد الآخرون المختلفون عن ديني و طائفتي و عرقي من صهاينة و أمريكان و فرس و أوربيين ، و المتواطئين معهم من الأقليات ، كلهم يضطهدونني. فقط لأنني مسلم، و يريدون أن يطفئوا نوري، فالسلطة تضطهدني، و الأغلبية تضطهد الأقلية ، و الأقلية ترد الاضطهاد باضطهاد مضاد، الكل يضطهد الكل الرجل يضطهد المرأة، و البالغ يضطهد الطفل، و الغني يضطهد الفقير ....الخ
توهمات الإسناد العالم بأبواقه الإعلامية، يشوه صورتي كعربي و كمسلم، و دائما أنا محور أحاديثهم و مؤامراتهم... الناس يغتابونني و يكيدون لي، فقط لما أنعم الله عليَّ، و يتحينون الفرصة للقضاء على سلطتي و أملاكي...
توهمات التأثير الأعداء يجتاحون مجتمعاتنا ،و يجهزون الأساطيل من المستشرقين و مراكز البحوث و المتأمركين من المثقفين العرب ،لغزو ثقافتنا و تدمير عقيدتنا، و نحن لا حول لنا و لا قوة. نحن ممثلين في مسرحية، ساحة المنصة فيها بلادنا و أرضنا،و الممثلين فيها حكامنا ، و المخرج دائما يدير الأحداث من خاف الستار و من وراء البحار
توهمات العظمة نحن أمة فذة ، نحن العرب و المسلمون أمة استثنائية، أنيط لها أن تنقذ البشرية و تصلح الفساد الذي غمر الأرض،وكما أخرج الإسلام العرب و البشرية من الجاهلية و الضلال إلى النور و الحضارة في زمن مضى، نستطيع نحن كذلك إنقاذ البشرية من الفساد و الفجور و التلوث و الإباحية و الامبريالية و المادية...فنحن خير أمة أخرجت للناس".... أنا زعيم هذه الأمة، أنا ظاهرة فريدة في السياسة،أستطيع إيصال هذه الأمة إلى شاطئ الأمان و المجد، و لكن على الشعب و الرعية أن يعترفوا بعظمتي، و يقدروني حق قدري ، و لو أنهم فعلوا لأصبحنا أسياد العالم..... أنا على صواب و الآخرون على باطل.... أنا جيد و أنا الأفضل و الآخرون سيئين... أنا من يحبُّه الله، و أنا من اختاره الله إلى جانبه، و الآخرون غضب الله عليهم لأنهم لم يؤمنوا بعقيدتي و أفكاري... أنا من الفرقة الناجية و الآخرون في ضلال مبين...
أليست هذه التوهمات في جوهرها ، سوى إخراج منمق لآليات الأنا الدفاعية للجماعة، و التي تهدف إلى إبعاد اللوم عن الذات و إسقاطه على سواها . و بالمقابل و أمام هذا الكم الهائل من التوهمات و الفصام عن الواقع و الاضطراب السياسي و الاجتماعي و الثقافي، ألسنا نحن العرب و المسلمون مؤهلين لو قمنا بتفعيل طاقاتنا و إعادة تشكيلنا للإسلام و منظومته الفكرية، ألسنا مؤهلين للعب دور دوله عظمى.... ماذا ينقصنا؟! لدينا البترول و الموقع الاستراتيجي و الكتلة السكانية و لدينا الكثير من الخبرات و التقنية و الإبداع ، و لكنها طاقات مهجَّرة و مغتربة؟ ألا يمكن استردادهم و الاستفادة منهم ماذا ينقصنا؟ لا ينقصنا سوى العقل، و التخلي عن التفكير الزوري؟! يجب أن نكف عن تفصيل العالم على مقاسنا، و يجب أن نتأقلم مع العالم، و نتخلى عن توهمات الحقيقة المُستملكة، فلسان حال المنطق الزوري يقول : أنا عربي أنا مسلم ، أنا عظيم ، و لكن الناس لا يعلمون أنني عظيم الناس يخطئون ، و عليَّ أن أصحح لهم مسار حياتهم و أهديهم إلى جادة الصواب أنا مسلم أنتمي إلى الحقيقة السماوية الوحيدة في تاريخ البشرية، الحقيقة الوحيدة التي لم تمسها يد المزوِّرين، فالله قد وعدني بالنصر ووراثة الأرض ، و إذا لم يتحقق هذا في حياتي، فبالتأكيد سيتحقق لأبنائي. فالعقيدة الإسلامية وفق المنطق الزَوَري هذا ، ايدولوجيا تضحي بالإنسان في سبيل الأفكار، إيديولوجيا مسلحة بسلطة النصوص المُستملكة من قبل رجال الدين و السلطة الزمنية , و هذا لا يمنع وجود إمكانيات أخري لتشكل صيرورة الإسلام وفق احتمالية أكثر انفتاحا و تسامحا و واقعية و حيوية
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرب ال48 ليسو أقلية و ليسو أكثرية
-
الشاعر طالب هماش في أيقونة المراثي
-
تجليات عشتار في مجموعة الدائرة للشاعر عايد سعيد سراج
-
من أجل جوكندا عربية إسلامية
-
ملكوت الزبالة الوطنية
-
عندما يضرب المثقفون الطبول - دبكة حماة
-
الديمقراطية و الإحتلال الوطني
-
من هنا طريق غير المسلمين
-
قصائد وطنية
-
شهداء البسوس : من الزير سالم إلى جبران تويني
-
الحوار المتمدن فضاء تنويري
-
هولاكو...سيدة الرمال
-
مشاغل سيدة الرمال
-
عتبات سيدة الرمال
-
مجتمعات بني إسرائيل
-
تابوت لماري
-
الحيوية الإسلامية و البحث عن إمام
-
لماذا أنا مواطن على مذهب السلوكيين
-
المستوطنون
-
نحو لاهوت اسلامي جديد-الخروج من القوقعه-
المزيد.....
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|