أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - بين سلمى وعيوني بندقية















المزيد.....

بين سلمى وعيوني بندقية


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6347 - 2019 / 9 / 10 - 20:53
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


أن تقرأ رواية جديدة في ساعتين أو ثلاث ساعات وتكتسب معرفة كنت نحتاجها في قضية ما فذلك جيد، والأجود منه أن تقرأ ويعتريك الخجل من نفسك، وهذه أبرز سمات الكاتب العبقري، فهو يجبرك أن تستحي، ويقضي على كافة محاولات التهرب وتبرير الشر والفساد الخلقي. وهو يسعى لتكون بشراً سوياً تمدّ ظلالك على آفاق شاسعة. وكونك بشراً يعني على وجه الدّقة أن تكون مسؤولاً. يعني أن تعرف الخجل أمام بؤس لا يبدو أنه يتعلق بك.

وقد كنتُ محظوظاً بقراءة الرواية الأولى للكاتب والإعلامي السوري شعبان عبود "ملكة الفوعة تلميذ بنِّش" الصادرة حديثاً عن دار نون للنشر والطباعة والتوزيع. تقع الرواية في مئة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، وهي من الروايات التي يُفضَّل أن تُقرأ في جلسة واحدة، تعالج الرواية حالة حب في زمن الحرب والتهجير والحصار والمأساة الطائفية، وتستند في ذلك إلى شخصيات حقيقية وتجارب واقعية، حيث تدور أحداثها الرئيسية بين بلدتي بنِّش السنيَّة والفوعة الشيعيَّة المتجاورتين في الأرض والمعاش المتباعدتين في المذهب والاعتقاد.

عنوان الرواية فيه هذا الغموض المُحبب والمستتر خلف ستائر من الحب الشفيف يُدركه القارئ البعيد عن الشمال الغربي من سورية حين يبدأ رفع الستارة عن فصول الرواية فصلاً بعد فصل، يساعده في ذلك أن بلدتي الفوعة وبنِّش ذاع خبرهما عبر وسائل الإعلام العالمي التي تغطي الحرب السورية القائمة ما تزال على قدم وساق من سنوات، وخاصة بعد تهجير أهل الفوعة الشيعيَّة وخراب أغلب مباني بلدة بنِّش السنيَّة ونزوح أغلب أهلها إلى أوروبا وأمريكا.

أنا أنحني أما عبقرية الكاتب شعبان عبود في مقدرته على تحمل هذا الحب الكبير والنادر الذي فاض في قلبه ووجدانه مثل فيوض الربيع، وأغبطه عليه. قليلة هي القلوب التي تستطيع تحمل تناقضات هذا العالم الذي نعيش فيه، وقد برع في إضفاء طابع حضاري رفيع لبطله وفرحت لأنه استمر بذلك حتى أخر سطر في الرواية. من الصعب جداً أن تُنهى قراءة الرواية دون أن تترك تأثيراً شديداً في نفسك وتضطر في بعض الأحيان لتوقف عن القراءة لأن الدموع تحجب الرؤية.

تسلط الرواية الضوء على الأثمان الباهظة التي يدفعها البشر في حروب مهلكة تستمر لسنوات عديدة وتحصد الحب حصداً وتترك الكراهية تعشش في كلِّ زاوية ومنعطف حيث يهرب الأخ من أخيه والولد من أبيه وأمه والزوج من زوجته. نعم، هذا هو الوجه القبيح للحرب. يُحاول الكاتب رصد هذه التحولات في المصائر والأقدار من خلال علاقة حب بين الفتى شعبان من بلدة بنِّش السنيَّة والفتاة سلمى من بلدة الفوعة الشيعيَّة، وقد بدأت علامات الحب بيتهما منذ كانا صغيرين يدرسان في إحدى المدارس الثانوية، التي تقع، غرب بنِّش شرق الفوعة، في منتصف المسافة بين البلدتين.

علاقة الحب البريئة هذه، انتهت بعد نهاية المدرسة دون وداع حميم، دون مصافحة أو قبلات، فقط نظرات عيون خجولة عاشت على أمل اللقاء الذي تأخر أكثر من ثلاثين عاماً، وخلال هذه الأعوام جرت مياه كثيرة كما يُقال، وأهمها هذه الحرب الضروس التي أفنت البشر والحجر. فبعد مئات السنين من العيش المشترك يجد أبناء البلدتين أنفسهم وقد تحولوا إلى أعداء.

بطل الرواية كان قد هاجر من سورية منذ سنين طويلة واستقر في الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على جنسيتها، لكنه بقي مرتبطاً بما يحدث في وطنه، والحنين إلى الديار في غربته الطويلة تلك كان يدفعه للبحث عن سلمى، تلك الفتاة التي كانت تدرس معه، ثم يكتشف لاحقا أنها ما زالت تعيش في بلدة الفوعة تحت الحصار، وليكتشف أيضا أن أحد أبناء سلمى قد قُتل في الحرب.

بعد محاولات عديدة والبحث الحثيث عبر وسائل التواصل الاجتماعي يجد طريقة للتواصل المباشر مع سلمى. وعندما يبدأ التواصل عبر الرسائل النصية، والمكالمات الهاتفية، تبدأ ستائر فصول الرواية بالانزياح وانكشاف مسرح الحياة الحقيقي حيث تكمن التفاصيل الصغيرة، يكتشف أن سلمى تلك الفتاة التي كان يعرفها ويحبها، تعيش في حالة من الحزن الشديد واليأس بسبب موت ابنها الأثير لديها نور الدين، حتى بدت كما لو أنها غير تلك الفتاة التي يعرفها، فيقرر أن يفعل أي شيء ليعيد لها الفرح.

تحاول الرواية من خلال رصد موثَّق أن تنتصر لقيم الحب على الحرب والكراهية. وتحاول أن تجد مساحة ولغة مشتركة بين طائفتين متنازعتين في مساحة جغرافية ضيقة وتأثير ذلك على السكان الذين كانت تربطهم قبل قليل الكثير من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المتشابكة، وقبل كل ذلك، تؤكد على أهمية السعي للاقتراب من الآخر صاحب الملَّة المختلفة عن ملَّتي وفهم نوازعه الإنسانية التي تشبه نوازعي والاستماع إليه بصدر رحب وفهمه والتعاطف معه وحبه ومساعدته والأخذ بيده بدلاً من تجريمه وتخوينه وتكفيره وإخراجه من رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء.

لفت نظري أحد المشاهد في سياق الرواية، أعتقد من وجهة نظري أنه من أجمل المشاهد التي صورتها الرواية في سياق سردها علاقات مختلف بين بشر تنوعت ثقافاتهم وتعددت مشاربهم الاجتماعية ومصائرهم. مع أن في الرواية العديد من المشاهد الجميلة المذهلة والموفقة. وأعتقد أن شخصية آية في الرواية على ضيق مساحة ظهورها قد أضافت إلى الرواية سحراً خاصاً لأن شخصيتها ساحرة.

نحن الآن في هولندا البلد الذي استضاف مئات الآلاف من السوريين الهاربين من عنف الحرب. في أحد شوارع أمستردام ينطلق بطل الرواية الذي وصل من الولايات المتحدة الأمريكية لرؤية أخيه وأفراد عائلته ومنهم آية، وفي الطريق إلى شقة آية رأى وهو يمشي على رصيف الشارع العام وعبر النافذة الزجاجية لإحدى الشقق التي بمحاذاة الرصيف رجلاً في الثلاثين من عمره يمارس الجنس مع سيدة في مثل عمره، استغرب أن يفعلا ذلك على مرأى من المشاة العابرين واستغرب أن ألا يكون للنافذة ستائر، لا في تلك الشقة، وتلك النافذة فقط، بل لم ير الستائر في كل البيوت التي زارها والشقق التي دخلها. أين ذهبت تلك الستائر التي تحجب نور الشمس في بعض الأحيان، وتحجب عن أعين المارة تفاصيل حياتنا اليومية في منازلنا، وهل يستطيع البشر العيش دون ستائر في منازلهم التي لها في القلوب منازل؟

أيضاً في شقة آية لم يلحظ وجود ستائر على النوافذ، سألها عن السبب فأخبرته أن الهولنديين يُعبرون بذلك عن انفتاحهم على كل العالم الخارجي والثقافات الأخرى، وأضافت أن هناك رأياً يقول إنه لا يمكن إخفاء عقليتنا وسلوكنا، وكيف نعيش عن الآخرين فما نظهره في المجال الخاص يجب أن يكون منسجماً مع سلوكنا في المجال العام، وهناك رأي يقول: إن الهولنديين يريدون إظهار مقتنياتهم وما يملكون للجيران والمارة.

سأل آية عن الخصوصية وحاجة البشر إليها فأجابته: انظر يا عمي، لا يمكنك الشعور بالحاجة إلى الستائر عندما تعيش في مجتمع وبيئة لا يهتمان بها، ولا يعدانها أمراً أساسياً لهم، لا بل إنها أحياناً تثير الفضول إذا وضعتها، وأنا قررت أن أكون مثل كل الناس. نعم، دع آية يا سيدي تعيش حياتها، هي ولدت لتكون آية لا تحجبها ستائر من أية قماش كان.

وقبل أن أختم مقالي عن هذه الرواية البديعة تذكرتُ أنني قرأتُ خبراً في صحيفة سورية من سنوات مضت جاء فيه أن المواطن الكندي ينتابه الكثير من الحزن والقلق حين يشرف على الموت ولم يتم بعد قراءة ألف رواية، مش ألف كتاب، ألف رواية. وأظن هذا المواطن الفطن على حق، لأن أحد فوائد قراءة الروايات أنها تُضيف إلى حياتنا حياة جديدة، لذا كلَّما قرأنا أكثر طالت حياتنا أكثر، فحق لهذا المواطن أن يحزن.

أستميحكم العذر في القول إن شعبان عبود كتب رواية مدهشة، نعم يا شعبان أنت كتبت رواية رائعة تهز الوجدان هزاً عنيفاً. وأنا أميل بطبعي إلى الواقعية النقدية، ورغم كمية التراجيديا الهائلة التي تفصح عنها فصول روايتك، إلا أنك أجدت في عجن تلك التفاصيل الصغيرة التي تسببت فيها الحرب السورية، ومن ثمَّ أخرجتها من تنورك الموقد بالحب، حكاية ملحميَّة طازجة تعيش وتُحكى في قادم الأيام.

لمن يريد:
هذا بريدي الالكتروني وسأكن ممتناً لو أرسلتم في طلب نسختكم الالكترونية من الرواية بكل الود والتقدير أرسلها لكم على الرحب والسعة.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قاسيون أُطلُّ يا وطني!
- تفتيش المرأة جسدياً
- الإرهاب والكباب
- صورة فيدل كاسترو
- في رحيل الرفيق إبراهيم الخياط
- فيلسوف معرة النعمان
- ماركس فيلسوفاً
- حكايةاختطاف أدغاردو مورتارا
- مناقب الترك
- كان الحمام يطير محترقاً
- يهشّون عند المائدة
- الكانطيون الجدد وعمي أحمد
- أين أنت يا جهاد أسعد محمد؟
- استعمل مخَّك و إلَّا فقدته
- فدائيون في جدارية بيروت آب 1982
- نساء بيكاسو الجميلات
- الجسارة في مشروع طيب تيزيني الفكري
- فيتامين الأشعة الشمسية
- هل كان لينين شيوعياً؟
- قومي إذا ما أيسروا أنا موسر


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - بين سلمى وعيوني بندقية