أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - تقرير هيئة الرئاسة لمؤتمر الشيوعيين السوريين الحادي عشر















المزيد.....



تقرير هيئة الرئاسة لمؤتمر الشيوعيين السوريين الحادي عشر


قاسيون

الحوار المتمدن-العدد: 1553 - 2006 / 5 / 17 - 03:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


■يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا!
■ كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار!
■ تحرير الجولان واجب مقدس وعلى رأس أولويات الشيوعيين السوريين!
■ وطن حر بشعب مقاوم!
■ الحرية للوطن، الثروة للجماهير، والديمقراطية للمجتمع!
■ الالتزام بميثاق شرف الشيوعيين السوريين.
■ الوطن في خطر ولا خيار أمامنا إلا المقاومة الشاملة!
■ غلاء الأسعار = إفقار الشعب = إضعاف الوحدة الوطنية!
■ لا سيادة ولا تقدم ولا استقلال من دون اجتثاث مراكز الفساد والنهب الكبير.

انعقد مؤتمرنا الاستثنائي السابق تحت شعار كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، وانعقدت جلسته الثانية تحت شعار (وطن حر بشعب مقاوم)، وقد جسد هذان الشعاران سياسة وأهداف الشيوعيين السوريين خلال المرحلة السابقة، ومازال العمل من أجل تحقيقهما مستمراً، ويتضح من خلال سير الأحداث أكثر فأكثر عمق وصحة الربط بين كرامة الوطن والمواطن، فكل من هذان الجانبين يتطلب الآخر وفقدان أي منهما ينسف الآخر.
واستجابة لضرورات اللحظة التي تتمثل بضراوة المواجهة مع الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية وامتداداً للشعار الأول أكدنا أن الوطن الحر لايمكن حمايته إلا بشعب مقاوم ،أي شعب يجسد شعار ومفهوم المقاومة الشاملة في زمن الهجمة الإمبريالية الشاملة.
وإذا كان هذان الشعاران يحافظان على راهنيتهما وهما مايزالان هدف منتصب أمامنا ويتطلبان التحقيق، إلا أن تحقيقهما لايمكن أن يجري إلا بتعبئة كل القوى صاحبة المصلحة في المجتمع.
تنعقد جلسة مؤتمرنا هذه بعد أيام قليلة من الاحتفال بالذكرى الستين للجلاء المجيد، وهذه الذكرى لها دلالات عميقة بالنسبة لنا، فسورية كانت أول بلد عربي يتحرر من الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية، وسورية لم يستطع أن يمكث فيها الاستعمار طويلاً بعد موقعة ميسلون عام 1920 قياساً ببلدان أخرى، وسورية ظلت ملتهبة بالنار طوال سنوات الاحتلال الفرنسي ولم تريحه يوماً واحداً، وليس مصادفة أن يقول الجنرال ديغول: «واهم من يعتقد أنه بالإمكان إركاع سورية».
وإذا كان الجلاء تعبيراً عن ماض نفتخر به، فإن اللحظة الراهنة، ومن أجل الحفاظ على مكتسبات الجلاء تتطلب استكماله وتعميقه.
واستكمال الجلاء يمر عبر طريقين:
1. تحرير الجولان كاملاً.
2. ضرب مواقع الفساد الكبرى التي هي بوابات العبور للعدوان الخارجي.
وحينما نقول تحرير الجولان كاملاً، فإن هذه المهمة تنتصب أمام الشعب السوري دائماً والآن خاصة، وعلى الشيوعيين أن يتحملوا قسطهم فيها حتماً، وهم قد تعودوا على مر التاريخ المعاصر أن يكونوا في طليعة المناضلين من أجل استقلاله وسيادته. لقد تعلمنا أن الوعي الشيوعي الحقيقي يرفع المشاعر الوطنية إلى أعلى مستوياتها، والشيوعي هو وطني حقيقي ويجسد سلوكه وأفعاله الوطنية الحقة.
لقد فرضت الإمبريالية الأمريكية على شعوب الأرض وشعوب منطقتنا بالدرجة الأولى مواجهة مكشوفة ومباشرة، ولايمكن مواجهة الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الإسرائيلية الصهيونية إلا بالطريقة التي يفهمونها، فالحق لاينتصر في مواجهتهما إلا بالقوة، وإرادة الشعوب هي قوة مادية لاتقهر.
إن ملامح مواجهة كبرى ترتسم في منطقتنا، ولانقصد هنا فلسطين والعراق ولبنان فقط، فالمواجهة المباشرة في هذه البلدان قد بدأت وجعلت المخطط الإمبريالي يتعثر، وإنما نقصد كل تلك الأجزاء من المنطقة التي بقيت حتى هذه اللحظة خارج المواجهة المباشرة، فهي مرشحة للدخول فيها بسبب الأزمة التي يعاني منها المخطط الأمريكي الصهيوني، وأول الدلائل تشير أن هذه المواجهة ستمتد من إيران حتى لبنان، ولن تستثني أحداً، لذلك فواجب الشيوعيين السوريين أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة بكل تفاصيلها، وفي هذه المعركة الشاملة لايجوز أن يبقى الجولان العزيز محتلاً دون استنهاض القوى لتحريره، وهذه العملية في ظل توازن القوى الإقليمي الحالي تتطلب استخدام كل الوسائل والإمكانيات السياسية والشعبية والعملية التي يمكن اختصارها بكلمتين (مقاومة شعبية). ونعتقد أن تلك الجبهة الشعبية على الأرض التي أشارت إليها الوثيقة الوطنية، ستجد في شعار تحرير الجولان أفضل وسيلة لتجسيد نفسها. ومثل هذا الأسلوب ليس جديداً، فقد اعتمدته مصر عام 1954 لإطلاق المقاومة للضغط على قوات الاحتلال البريطاني، ونجح في تعجيل جلائها عن منطقة قناة السويس، وهذا الأسلوب اعتمدته سورية والدولة اللبنانية منذ عام 1990 في جنوب لبنان، وأدى إلى جلاء القوات الإسرائيلية، ورب قائل «إن تطوير عملية تحرير الجولان سيترتب عليها مخاطر سياسية وعسكرية قد تؤدي لاندلاع حرب شاملة في ظل توازن قوى لايميل إلى مصلحتنا» ورداً على ذلك نقول: إنه في ظل الوضع الملموس الحالي في المنطقة، فإن مخاطر عدم تفعيل جبهة في الجولان هي أكبر بكثير من فتحها، ونحن لانطالب أن تعلن سورية الحرب رسمياً وأن تسحب القوات الدولية من على خطوط فك الارتباط، وإنما نقول: إذا كان للدول ضروراتها، فإن للشعوب خياراتها. فلتطلق خيارات الشعب السوري من القمقم، ولنرِ الأعداء أي منقلب سينقلبون!!
إن إسرائيل الصهيونية العدوانية لن تتجرأ على الأرجح، على توجيه ضربات إلى العمق السوري، لأنها طالما ترددت في القيام بذلك ضد لبنان خوفاً من صواريخ حزب الله التي هي أقل تطوراً وأقل تدميراً من الأسلحة السورية.
إن إطلاق المقاومة الشعبية في الجولان سيقلب كل المعادلة في المنطقة، وستصبح سورية جزءاً كاملاً متكاملاً من المقاومات المشتعلة في فلسطين والعراق ولبنان، وسينقل هذا الأمر سورية على المستوى الإقليمي من الدفاع إلى الهجوم، كما أنه سيغير كل معادلات الصراع الداخلي، وسيضع قوى السوق الكبرى وقوى الفساد الكبرى في الزاوية بحيث يضيق هامش مناوراتها، وسيفرض الواقع الموضوعي آنذاك الانتقال إلى اقتصاد المقاومة والمواجهة والابتعاد كلياً عن الحلول الليبرالية للوضع الاقتصادي، والأهم من ذلك أن هذه المعركة ستغير جذرياً الاصطفافات السياسية، وستنسف نهائياً الثنائية الوهمية (معارضة نظام)، وسيحل محلها ثنائية حقيقية ستصطف على أساسها جميع القوى داخل النظام وخارجه: مقاومة أو استسلام وعلى كل الصعد والمجالات، أي فيما يخص تحرير الأرض وتحرير الاقتصاد من رجس وموبقات الليبرالية الجديدة، وتحرير المجتمع من هجمة الأفكار الرجعية والعدمية التي تهدف إلى تفكيكه. والخلاصة، إن معركة تحرير الجولان ستوطد الوحدة الوطنية، وستفشل كل محاولات تفكيك المجتمع السوري على أساس طائفي أو ديني أو قومي، أي باختصار ستجري عملية تطهير شاملة معنوية ومادية للمجتمع والدولة.
في هذا الجو ينعقد مؤتمرنا الذي تقترح هيئة الرئاسة اعتباره المؤتمر الحادي عشر، انطلاقاً من أن مؤتمرنا الاستثنائي الذي عقد في الظروف التي تعرفونها وعلى أساس النظام الداخلي القديم، هو من حيث التسلسل العاشر، وبما أن مؤتمرنا الحالي قد تكون على أساس النظام الداخلي الجديد الذي أقريناه في الجلسة الثانية للمؤتمر الاستثنائي الذي يلزم بتجديد قوام المؤتمر كل سنتين، فإن مؤتمرنا الحالي هو من حيث التكوين ومن حيث النظام الداخلي، مؤتمر جديد ورقمه التسلسلي بالتالي هو أحد عشر.
قد يتساءل البعض لماذا رفعنا كلمة استثنائي، والجواب ببساطة هو أن مؤتمرنا أصبح دورياً قياسا ًعلى النظام الداخلي الذي سمح به، وفي نهاية المطاف فإن المشكلة ليست بالشكل وإنما في محتوى المؤتمر وقراراته، وإن كان للشكل دور أحياناً في تمييزنا عن الآخرين.
إن الموعد الدوري لعقد مؤتمرنا كان يجب أن يتم قبل نهاية العام الفائت، وقد اقترحت هيئة الرئاسة في حينه على مندوبي المؤتمر تأجيله إلى الربيع لأسباب فنية، وقد جرى استفتاء المندوبين على هذا الاقتراح لأنه حسب النظام الداخلي الساري المفعول لايحق لهيئة الرئاسة تأجيله من طرف واحد، وقد جرى استفتاء جميع المندوبين المنتخبين مجدداً ضمن الولاية القانونية الزمنية الصحيحة، بشكل شفهي أو كتابي عبر منظماتهم، وكان هنالك شبه إجماع على الموافقة، وهانحن اليوم نعقد جلستنا الأولى لمؤتمرنا بتركيبه الجديد.
وضمن توجيهات الجلسة الماضية للمؤتمر السابق، كان هناك إصرار على تحسين تمثيل النساء والشباب في المؤتمر وصولاً إلى هيئة الرئاسة الجديدة التي طالب مؤتمرنا السابق أن لاتكون نسبة الشباب فيه أقل من 30% (حوالي ثلاثين عاماً)، وقد خطينا خطوات هامة في هذا المجال، وإن لم يجر ذلك بخطوات متساوية في كل المنظمات، لكننا معكم، كلنا إصرار على تخفيض وسطي عمر أعضاء هيئة الرئاسة القادمة عبر تنفيذ التوجيه الصحيح لمؤتمرنا السابق.
إن هذه القضية حيوية وجدية ويجب التعامل معها بروح من المسؤولية العالية، فنحن لانقصد تقديم الشباب لأنهم شباب، وإنما نقصد أن يجري عمل واع وهادف ومنظم لتسريع تطوير أولئك الرفاق الشباب الذين يتسمون بالسمات الضرورية للكادر الشيوعي، أي أن هذه العملية لايجوز أن تترك للتقادير، ونجاحنا فيها له علاقة في نهاية المطاف، بتحسين تجذير حزبنا في أوساط الجماهير الشعبية التي يشكل الشباب 60% منها في ظروف سورية الحالية. إن عدم تحقيق هذا الهدف بالسرعة المطلوبة سيؤدي إلى شيخوخة تنظيمنا، وإن في المستقبل غير المنظور، مما سيؤدي إلى خلق الظرف الموضوعي لانقطاعنا عن جزء هام من الجماهير الشعبية، والمشكلة عندنا ليست كما عند غيرنا والتي هي وسطي العمر المرتفع في الحزب، فوسطي العمر عندنا منخفض نسبياً، لأن الجزء الأساسي والهام من تنظيمنا هو شاب، ولكن المشكلة أن قياداتنا الحزبية على مستوى المنطقيات والمركز ذات أعمار عالية نسبياً بالمقارنة مع تنظيمها، وهذه الهوة يجب أن تردم وهذا أحد مفاتيح التقدم اللاحق.
إن مؤتمرنا هو مؤتمر عمل وليس مؤتمر ضجة وإعلان، مؤتمرنا هو مؤتمر تفكير وإنجاز وليس مؤتمر شكليات وتخريج حقوقي لقرارات مسبقة، لذلك يتوقف الكثير على حسن التحضير للمؤتمر والنقاش الذي سيجري فيه لمحاسبة هيئة الرئاسة على نشاطها السابق.
لقد قامت هيئة الرئاسة بتدقيق وتطوير الرؤية المقررة في جلستنا السابقة، كما قامت بتطبيق النشاط العملي على الأرض لتنفيذ هذه الرؤية، وسيعرض تقريرنا في فصوله اللاحقة الجوانب والمفاصل الرئيسية ونتائج هذه العملية.
1 - الوضع الدولي:

لقد صاغت هيئة الرئاسة خلال الفترة المنصرمة منذ انعقاد الجلسة الثانية للمؤتمر الاستثنائي في كانون الأول 2004 مواقفها على ضوء التقارير التي أقرها المؤتمر الاستثنائي في جلسته الأولى والثانية والتي يمكن تلخيص نقاطها العلام التالية:
رغم اختلاف ميزان القوى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، إلا أن الإمبريالية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، تعاني من أزمة مستعصية ذات طابع بنيوي شامل، لا حل لها إلا اللجوء إلى الخيار العسكري.
وإذا كانت الإمبريالية الأمريكية محكومة بالحرب بسبب أزمتها الاقتصادية المستعصية والمالية المتفاقمة، وبسبب التناقضات الاجتماعية الداخلية العميقة فهي، فهي بسبب مجموع هذه العوامل غير القابلة للحل بالطرق العادية، محكومة بتوسيع رقعة الحرب.
لقد بينت التطورات خلال العام المنصرم 2005 حتى هذه اللحظة الأمور التالية:
بسبب عدم قدرة الإمبريالية الأمريكية على تحقيق انتصار عسكري كامل، تعقدت أمورها في العراق، وهي تسعى للخروج من المأزق عبر إشعال نيران الحرب الأهلية وعبر نقل نيران الحرب إلى المناطق المجاورة.
وانطلاقاً من ذلك، وبسبب المخاطر التي تزداد في المنطقة، وبسبب زيادة استهلاك النفط في العالم، والانخفاض النسبي لاحتياطاته، أصبح الميل العام لسعر البرميل نحو الارتفاع بشكل ثابت، وهو قد لامس حاجز الـ 70 دولار مؤخراً، والأرجح أن هذا الميل سيظل ثابتاً مما سيحبط الهدف المتوسط المدى للحرب الأمريكية على المنطقة التي دون توسيع رقعتها، لن تستطيع التحكم بسعره لصالحها.
كما تبين آخر الدراسات والتقارير أن الإمبريالية الأمريكية، نتيجة كل هذه الأوضاع المستجدة مضطرة لزيادة كتلة الدولار الورقي في التداول العالمي، مما جعلها تمنع منذ آذار الماضي نشر أي معطيات جديدة حول الكتل الدولارية الجديدة الداخلية إلى السوق وهذا الحل له حدان:
فهو إن كان من جانب يسمح بزيادة نهب ثروات العالم، ليخفف ضغط الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، إلا أنه من جانب آخر، بزيادته للكتلة الدولارية إلى حدود غير مسبوقة، يزيد مخاطر الانهيار المفاجئ والكارثي للدولار، وما سيتبعه من انهيارات ملاحقة في كل المجالات.
وإذا كانت هذه الملامح التي تحدثنا عنها باكراً، قد أصبحت الآن واضحة للعيان فإن ما يؤكدها أكثر، هو تفاقم الأزمة الاجتماعية السياسية في الغرب الرأسمالي، والتي يمكن الإشارة إلى بعض معالمها.
فإعصار كاترينا، بما أظهره من عجز للإدارة الأمريكية في معالجة هذه الكارثة، أثبت ضعف كبير في بنية الدولة، وأوضح الخلل في آلية معالجة أية هزة محتملة، التي يمكن بسبب ذلك أن تتطور بشكل لايمكن توقع نتائجه الكارثية.
أثبتت ثورة المهمشين في أوروبا وفي فرنسا بالدرجة الأولى، عمق التشققات الاجتماعية وعدم إمكانية الرأسمالية، رغم ادعاءاتها بتحقيق الرفاه والرخاء، على معالجة المشاكل الاجتماعية، بل أثبتت أن سياساتها تعمق الفرز الطبقي، وتفاقم تناقضاته.
كما أن موجة الرفض التي اجتاحت أوروبا جزئياً ضد الدستور الأوروبي، أكدت أن هناك قوى اجتماعية جديدة صاعدة، ترفض الليبرالية الجديدة، وبدأت بأخذ زمام المبادرة، مما سيعزل بالتدريج اليمين الليبرالي السائر في ركاب سياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
ومؤخراً، جاءت موجة الاحتجاجات الفرنسية الشعبية ضد قانون عقد الوظيفة الأول، لتثبت أنه يمكن إسقاط السياسات الليبرالية بضغط شعبي منظم.
إذاً، إذا أجملنا كل ماأتى أعلاه، يمكن أن نستنتج أن الخط العام الذي صغناه والذي خرجنا على أساسه باستنتاجات خلال السنوات القليلة الماضية هو صحيح باتجاهه العام.
لذلك لم نرتكب بعض الأخطاء التي ارتكبتها قوى أخرى فيما يخص استقرار نوايا ومخططات الإمبريالية الأمريكية.... لماذا؟
لأن تحليلنا قد استند إلى نقطتين منهجيتين تعلمنا إياهما الماركسية:
1. الرؤية الطبقية في تحليل الظواهر الاجتماعية، أي البحث عن المصلحة الطبقية العميقة التي تقود هذا السلوك أو ذاك.
2. الرؤية الشاملة لمنطقتنا ضمن اللوحة العالمية، وعدم اجتزائها وفصلها عن هذا السياق.
إن البحث في أوضاع المنطقة دون ربطها بالمخطط الشامل للإمبريالية الأمريكية، ودون رؤية جذوره الطبقية العميقة ومصالحه المباشرة وغير المباشرة، كان يمكن أن يوقعنا في دوامة التخبط والتنجيم والتبصير، أما الانطلاق من رؤية ماركسية علمية راسخة فهو يضمن الوصول إلى استنتاجات كالتي توصلنا إليها سابقاً، ونلخصها اليوم بالتالي:
الإمبريالية الأمريكية كانت محكومة بالحرب، وهي اليوم محكومة بتوسع رقعة الهيمنة والحرب، وهي غداً محكومة بالفشل الذريع الذي سيتبعه انهيار شامل. وجلي لنا أن هذا الانهيار الشامل لن يأتي لوحده، وهو إن حدث، فسيحدث فقط نتيجة للمقاومة الشاملة ضد المخطط الإمبريالي الأمريكي التي تتصاعد في كل مكان، وحساب القوى هنا، لايدخل فيه التوازن التكنولوجي كعنصر حاسم، بل إن العنصر الحاسم فيه، هو الإرادة السياسية، فالتجربة في النصف الثاني من القرن العشرين، أثبتت أنه في الحروب غير المتوازنة وغير المتكافئة، النصر سيكون للطرف الأضعف تكنولوجياً، إذا امتلك الإرادة السياسية للمواجهة، وطبيعي أن الطرف الأضعف تكنولوجيا ًومادياً، سيبقى أضعف وسيُهزم إذا لم يمتلك إرادة المواجهة السياسية.
لقد قلنا حرفياً في تقرير هيئة الرئاسة 17/12/2004: «إن ملامح التصعيد الأمريكي في المنطقة واضحة لالبس فيها، وهي إن كانت تستهدف في التصعيد سورية أحياناً في الدرجة الأولى، فإنها تنتقل لاستهداف إيران في التصعيد هذا نفسه في لحظة أخرى في الإطار العام لما يسمى بتحمية الجو ضمن التحضير الإعلامي النفسي للغزوات اللاحقة، وإذا كانت الغزوات اللاحقة لن تأخذ الشكل الذي أخذته في العراق تماماً، إلا أن هدفها يبقى واحداً، وهو تفتيت جميع البنى من دول ومجتمعات ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تفتيت وإعادة تركيب دول ومجتمعات المنطقة بكاملها، ولاأهمية كبرى هنا لأولويات الضربات الأمريكية التي سيحددها تطور الوضع الملموس على الأرض. ولكن من الواضح منذ الآن أن الضربات اللاحقة ستأخذ شكلاً مركباً، أي ستستخدم الضغط الداخلي والخارجي بشكل متبادل، وستستخدم فيه كل الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والنفسية، وأخيراً العسكرية، للوصول إلى هدفها المنشود وعبر عملية تصعيد تدريجية محكومة بإطار زمني محدد، حسب مايصرحون هم أنفسهم بين أعوام 2005 2010 ، هذه الفترة التي لابد لهم من أن يستكملوا مشروعهم فيها في هذه المنطقة بالذات كي يهيئوا أرضية مواجهة منافسيهم الكبار بعد عام 2010 على أرضية الأوضاع الجديدة على الأرض من أفغانستان حتى البحر المتوسط. وهكذا برأيهم يحصلون على تفوق استراتيجي على خصومهم بالمعنى الجغرافي السياسي، أي أوروبا وروسيا والصين».
لذلك، في هذه اللحظات، ومع اقتراب عام 2010، أصبح العامل الزمني عاملاً حاسماً في رؤية ومعالجة الوضع، فإذا كنا سابقاً نتكلم عن وقت متبق، فالوقت المتبقي الآن عملياً لانتقال المخطط الأمريكي إلى مراحله الأخيرة، يقارب الصفر، وإذا كانت هنالك شكوك لدى البعض، انطلاقاً من أن ورطة العراق ستمنع الإمبريالية الأمريكية من توسيع رقعة التوتر، إلا أن أحداث السنة الماضية، من اغتيال الحريري، إلى طريقة معالجة الملف النووي الإيراني، أثبتت أن لدى قاطني البيت الأبيض إرادة ثابتة تعلن بالتدريج في استكمال السيطرة على المنطقة بأي شكل كان، وتحت أية ذريعة كانت، وضمن الآجال الزمنية المحسوبة سابقاً. إن القضية التي يجب توضيحها لإزالة كل لبس وغموض حول هذا الموضوع، هي أن عدم وضع الإمبريالية الأمريكية يدها على نفط المنطقة كاملاً، لن يخرجها، حسب رأيها، من أزمتها المؤكدة، لذلك فإن هذا الاستيلاء الذي يعتبر مخرجاً لها وسداً لطريق منافسيها العالميين بآن واحد، هو الطريقة الوحيدة لتجنب الانهيار المؤكد، مع أن الحرب وتوسيعها، لايقدمان الضمانات المطلقة للوصول إلى النتائج المطلوبة، ولكنهما يفتحان احتمال، إذا مانجح المخطط العسكري، الخروج من الأزمة.
وتخلق هذه القضية اليوم، صراعات ونقاشات حادة ضمن الأوساط الأمريكية الحاكمة نفسها، فهناك اتجاه يتوسع، يعارض اتجاه الإدارة الحالية التي تمثل مصالح طغم النفط والسلاح، ويرى أن الحل العسكري لن يؤدي إلى نتيجة، بل إلى هزيمة، لذلك تقوى شيئاً فشيئاً، الاتجاهات الانكفائية نحو الداخل التي تريد الحفاظ على مايمكن الحفاظ عليه. ونعتقد أن الإدارة الحالية، في الفترة المتبقية لها، ستجرب حظها في السيطرة على المنطقة، وإذا ماأخفقت، سيجري انعطاف حاد في شكل تنفيذ السياسة الأمريكية مع محاولة إبقاء جوهرها الساعي إلى التوسع والهيمنة قائماً، وفي كلا الحالين، فإن حظوظ الإمبريالية الأمريكية بالخروج سالمة من المستنقع هي حظوظ ضعيفة جداً، ولانبالغ إذا قلنا إننا أمام مشهد انهيار متدرج شامل للنظام الإمبريالي العالمي الذي تمثل الإمبريالية الأمريكية طليعته، وذلك بالمعنى التاريخي وخلال المدى المتوسط المنظور.
لقد شهدنا خلال العقد الأخير، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اختلالاً شديداً في ميزان القوى العالمي لصالح الإمبريالية الأمريكية، على حساب قطب الشعوب، وكان سلوك الإمبريالية الأمريكية بعد أحداث أيلول 2001، دليلاً على تخوفها من تغير ميزان القوى لغير صالحها، نتيجة لعوامل موضوعية عديدة، مما اضطرها للجوء إلى الخيار العسكري كخيار وحيد لأزمتها المستعصية، ورغم ذلك يجب ملاحظة أنه رغم همجية وعنجهية السلوك الإمبريالي الأمريكي، إلا أن ميزان القوى، بدأ بالتغير لغير صالحها، وهذه العملية ستأخذ فاصلاً زمنياً معيناً، إلا أنها حتمية، وقد بدأت، وملامحها الأساسية هي التالية:
1. المقاومة البطولية للشعب العراقي ضد قوات الاحتلال التي عقدت كل خططه، وأكدت أنه يمكن لجم العدوانية الأمريكية.
2. الانتصارات المتتالية التي تحققها شعوب أمريكا اللاتينية، التي اليوم بكتلتها الأساسية أصبحت أنظمتها مناهضة لحكام الجار الشمالي، ولاشك أن الانشغال العسكري للآلة الأمريكية في ماوراء محيطها، قد فتح ثغرة كبيرة بالمعنى العسكري والأمني في أمريكا اللاتينية لصالح شعوبها.
3. الازدياد المتصاعد لمقاومة الشعوب المباشرة للسياسات الناتجة عن الليبرالية الاقتصادية في كل القارات، وخاصة في القارة القديمة، أوروبا، وقد أخذت هذه النضالات تعطي نتائجها الأولى بتحقيق انتصارات هامة، ولو جزئية، ضد السياسات النيوليبرالية.
4. التمايز المتزايد والمستمر للدور الصيني والروسي، ونعتقد أنه باقتراب الخطر الأمريكي من حدودهما، سيضطر هذان البلدان لاتخاذ مواقف أكثر جذرية من المصالح الإمبريالية الأمريكية.
5. يشتد الصراع في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، ضد الهيمنة الأمريكية وأبرز مثال على ذلك، مايجري في منظمة التجارة العالمية، حيث بدأت قوى جديدة: الهند البرازيل جنوب أفريقيا، بلعب دور كابح ومعرقل لسياسات الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على المستوى العالمي.
إن كل هذه المؤشرات تجعلنا نستنتج أنه مع تفاقم أزمة الإمبريالية العالمية وتصاعد نضال قطب الشعوب، كرد فعل على سياساتها، لامناص من تغيير جذري في ميزان القوى،وهذا الأمر قد تكونت عناصره إلى حد كبير، وتكفي اليوم هزيمة عسكرية واحدة جدية للإمبريالية الأمريكية كي تبرز على السطح بسرعة كل تداعيات الانهيار المتوقع.
إن الحل العسكري الشامل الذي اعتمدته الإمبريالية الأمريكية لمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، لايمكن أن يشكل أية ضمانة لخروجها من أزمتها، فتجربة التاريخ تبرهن أن للقوة العسكرية حدوداً، وهذه الحدود تتحدد في نهاية المطاف بقدرة هذه القوة العسكرية على الانتشار الذي لايمكن أن يكون بلا حدود، وإلى مالانهاية. لذلك يصبح موضوع مواجهة الإمبريالية الأمريكية، وإجبارها على توسيع رقعة توسعها، هو عامل أساسي وهام في هزيمتها ومن ثم انهيارها، لذلك يجب أن ننظر إلى منطقتنا، وليس إلى منطقتنا وحسب، وإنما إلى العالم بأسره كساحة صراع واحدة مترابطة، مما يتطلب التنسيق الميداني الفعال بين كل القوى المناضلة ضد هذا العدو.
نعم إن التفوق التكنولوجي للإمبريالية الأمريكية وحلفائها المختلفين يمكن أن يسبب خسائر كبيرة بشرية لمن يقرر أن يواجههم، ولكن الإرادة السياسية، واستمرار النضال في هذا المنحى كفيلان بإلحاق الهزيمة بهم.
لقد قدم النصف الثاني من القرن العشرين أمثلة كثيرة على هذا الموضوع، فالشعوب التي انتصرت على الإمبريالية الأمريكية من فييتنام إلى جنوب لبنان، مروراً بالجزائر وجنوب أفريقيا، كانت جميعها أضعف بمعنى العدة والعتاد، ولكن الذي انتصر في نهاية المطاف هو الإرادة السياسية للطرف الأضعف مادياً.

2 - الوضع العربي:

تأكدت موضوعة انهيار النظام الرسمي العربي، وحينما نقول النظام الرسمي، إنما نقصد تلك المنظومة التي تجمع الأنظمة العربية المختلفة، وتحدد موقعها في النظام الرسمي العالمي الذي تمثله اليوم بالدرجة الأولى الأمم المتحدة ومؤسساتها المختارة، والجدير بالذكر أن مقولة «النظام الرسمي العربي»، هي غير الأنظمة السياسية الرسمية العربية، وإن كانت بمجموعها هي المكون الأساسي لهذا النظام.
إذا، النظام الرسمي العربي، هو منظومة علاقات الأنظمة العربية، وليس هي نفسها تحديداً، وإن كانت هذه الأنظمة من حيث تكوينها وطبيعتها، تطبع النظام الرسمي العربي بطابعها. لقد كان مؤتمر القمة الأخير في الخرطوم إثباتاً فاضحاً على فشل هذا النظام وانهياره، الأمر الذي يقتضي إعادة تكوين النظام الرسمي العربي، هذا التكوين الجديد الذي أصبح ضرورة موضوعية، والذي لن يتكون إلا بتغيير جذري لطبيعة أنظمته، وهذا التغيير لابد أن يطال قضيتين أساسيتين:
1. الموقف من الإمبريالية، وخاصة الأمريكية، سياسياً واقتصادياً أيضاً، وهذا الموقف يتطلب الانتقال من حالة الخضوع والخنوع إلى حالة المواجهة والتصدي في كافة المجالات.
2. الموقف من الداخل باتجاه إصلاحات وطنية ديمقراطية، تحرر الجماهير من أغلالها، وتؤمن لها العيش الكريم من ثرواتها المنهوبة.
والواضح أن ملامح النظام الرسمي العربي الجديد، قد بدأت بالتكون، وتظهر أحياناً بشكلها الكامن عبر:
1. الموقف العدائي الشديد للجماهير الشعبية من الإمبريالية والصهيونية، هذا الموقف الذي لم يسبق له مثيل بحدته في التاريخ المعاصر.
2. الغربة الشديدة بين الحكام العرب والجماهير، مما يضطرهم بغية الحفاظ على مواقعهم إلى استخدام كل أشكال القمع المستتر والمفضوح.
3. التدني الشديد للمستوى المعاشي للشعوب العربية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدود لم يسبق لها مثيل من فقر وبطالة وقصور في النمو رغم الثروات الهائلة التي تراكمت مؤخراً خلال العقود الماضية بسبب الريع النفطي بالدرجة الأولى، الأمر الذي أدى إلى استفحال الاستقطاب الطبقي بشكل مذهل وغير مسبوق، فقد ازداد الأغنياء غنى بشكل فاحش، وازداد الفقراء فقراً بشكل متوحش.
4. ضعف، وحتى إفلاس تنظيمات سياسية مختلفة، كان قسم منها حتى الأمس القريب يعتبر في عداد حركة التحرر العربية، مما خلق فراغاً سياسياً مؤقتاً، يتطلب بالضرورة تعبئته بأشكال جديدة قادرة على التعبير عن مطالب ومطامح الجماهير الشعبية في الظروف الجديدة.
إذاً، فالقديم يموت، والجديد لم ينشأ بعد، وهو سيكون ثمار تحول عميق في بنية الأنظمة السياسية العربية التي تؤكد المؤشرات الموضوعية أنه قد آن أوان قطافها. والمفارقة أن أصحاب النظام العالمي الجديد يعون هذه الحقيقة تماماً، ويريدون الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لدفع الأمور نحو الوراء مانعين التقدم نحو الأمام من خلال خلق واقع جغرافي سياسي جديد، يسمح بدفع التناقضات الثانوية إلى السطح، من دينية وطائفية وقومية، وجعلها تصبح رئيسية بشكل مفتعل ومصطنع وموجه لمنع التناقض الأساسي بين الإمبريالية والشعوب، وبين الشعوب وأنظمتها الديكتاتورية المهترئة، من أن يأخذ مداه، وصولاً إلى إجهاض، أو على الأقل تأخير أي مشروع تاريخي يسمح بإحداث اختراق إلى الأمام.
وينصب اهتمام الإمبريالية العالمية، وبالدرجة الأولى فصيليها الأساسيين الأمريكي والصهيوني على منطقتنا في هذا الاتجاه، لأنها حسب رأيهم، تشكل قلب العالم، ومن يسيطر عليها، سيسيطر على مقدرات العالم في المستقبل، أي أن المعركة التمهيدية الحاسمة للسيطرة الإمبريالية الأمريكية على العالم، تجري في منطقتنا، وجدولها الزمني يحده عام 2010، فلماذا 2010 بالتحديد حسب مايصرحون هم أنفسهم؟
لأنه بعد ذلك الحين، وإذا لم تتم السيطرة الكاملة على منابع النفط، إنتاجاً ونقلاً وتسويقاً، فإن حظ المنافسين الكبار للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، مثل الصين واليابان وأوروبا، يصبح كبيراً جداً في الإفلات من الهيمنة الأمريكية باتجاه تغيير جذري ونهائي لارجعة فيه في موازين القوى الاقتصادية التي ستملي في نهاية المطاق الدور السياسي والعسكري لكل طرف على حدة.
إذاً، تقوم الإمبريالية الأمريكية بالتواطؤ مع إسرائيل الصهيونية بإغلاق المستقبل أمام منافسيهما، وهذه العملية يمكن تسميتها اليوم، أنها المحاولة الثالثة لإعادة تقاسم مناطق النفوذ بين المراكز الإمبريالية المختلفة، وإذا كانت المحاولتان الأولى والثانية قد ترافقتا مع حربين عالميتين، فإن مايجري اليوم، هو حرب عالمية بشكل جديد، يمكن بأية لحظة أن ترتد لتأخذ الشكل القديم عند أي استعصاء جدي تشعر به الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الصهيونية العالمية ممثلة بإسرائيل.
لقد كان احتلال أفغانستان والعراق هو الحلقة الأولى في هذا المخطط،، وكانت كل خطوة تتطلب اختراع حجة، فالحجة في أفغانستان كانت أحداث 11 أيلول، والحجة ضد العراق كانت ماتسمى بأسلحة الدمار الشامل، والحجة اليوم ضد إيران هي الملف النووي، أما الحجة ضد سورية فهي ملف اغتيال الحريري. وكما بينت التجربة، فالحجة ضرورية للتعبئة الإعلامية والسياسية، وتسقط أهميتها فوراً بعد بداية الفعل العسكري الذي يصبح له منطقه الخاص.
لقد خلقت المرحلة الأولى من المخطط الأمريكي في المنطقة،(غزو أفغانستان والعراق) تعقيدات كبيرة على المستوى العالمي والإقليمي، جعلت ليس من السهولة بمكان كالسابق الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي إخضاع سورية وإيران، ولكن الإمبريالية الأمريكية تسير نحو هذا الهدف بإصرار، لأنه دون ذلك، لايمكن تحقيق المخطط بمداه المتوسط،، أي الاستيلاء على النفط والتحكم بأسعاره، كي تصبح شبه مجانية للاقتصاد الأمريكي، وبأعلى الأسعار للاقتصادات الأخرى.
فما هي التعقيدات التي واجهها المخطط الأمريكي في مرحلته الثانية:
1. لبنانياً: لم تتمكن حجة مؤامرة اغتيال الحريري من شل حزب الله حتى الآن، عبر القرارين الدوليين 1559 1595، اللذين كان يقصد بهما، تجريد المقاومة من سلاحها لضمان الأمن الإسرائيلي في حال ضرب إيران. لقد استطاعت القوى الوطنية اللبنانية حتى الآن أن تمنع تحقيق المخطط الأمريكي الصهيوني، وبقي لدى هذا المخطط الوسائل التالية لتمرير بنوده:
أ. تغيير رئيس الجمهورية، بهدف نشر الجيش اللبناني في الجنوب لخلق مواجهة مصطنعة مع حزب الله.
ب. محاولة توجيه ضربة لحزب الله والقوى الوطنية عبر إشعال حرب أهلية مرة أخرى، تستخدم فيها بالدرجة الأولى هذه المرة قوى أصولية إسلامية (على شاكلة القاعدة مثلاً).
إن ذلك يبين قصور أدوات الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، فهي اليوم، وبسبب تعقيدات الوضع اللبناني، غير قادرة على القيام بعمل عسكري مباشر، فهي غير قادرة على استخدام القوى الأطلسية، وعلى رأسها الأمريكية، لأن المعركة في لبنان لن تكون ضد جيش نظامي، وحلها الأخير، أي استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية، يشوبه مخاطر عديدة، وبالدرجة الأولى، يحمل في رحمه خطر نسف كل المشروع الأمريكي في المنطقة، لأن كل ادعاءاته حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ستنفضح لحظة استخدام الآلة العسكرية الإسرائيلية.
لقد فشل المخطط الأمريكي الصهيوني حتى هذه اللحظة في تحقيق أهدافه في لبنان، وفشله اللاحق مشروط بصلابة وحكمة القوى الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله.
2. فلسطينياً: أدت الهجمة الإسرائيلية والوقاحة الأمريكية في دعم حكام إسرائيل، إلى جانب تنازلات السلطة الفلسطينية السابقة والفساد الكبير الذي مارسته وحمته، إلى وصول حماس إلى السلطة، والذي جاء كتعبير شعبي عن رفض أوسلو، وتبني خيار المقاومة، والمطالبة بمحاربة الفساد داخلياً. لقد استطاعت حماس أن تجد أذناً صاغية لدى الجماهير الفلسطينية، لأنها كانت واضحة وملموسة في هذه القضية، وابتعدت عن المواربة والتلميح في مابين السطور الذي كان أحد نقاط ضعف القوى اليسارية الفلسطينية.
إن وصول حماس للسلطة عبر انتخابات تشريعية، هو مؤشر على جذرية مواقف الجماهير الشعبية الفلسطينية، وفي هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ المنطقة، سيكون لهذا الموضوع تأثيراً حاسماً على تطور الصراع، فالحكومة الفلسطينية الجديدة، إذا حافظت على وحدتها، قد تصبح قوة حليفة إضافية للقوى المناضلة ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
3. عراقياً: اضطر الاحتلال الأمريكي إلى إذكاء فتيل الفتنة الطائفية، كي تصبح الحرب الأهلية حرباً موازية لحرب الشعب العراقي ضد الاحتلال الأمريكي، ويقوم بإذكاء نار الفتنة الطائفية عبر تنظيماته السرية (فرق الموت) وعملائه السياسيين في أوساط القوى السياسية المختلفة الذين يقومون بوظيفتهم في تعقيد الأمور، وما تأخر تشكيل الحكومة العراقية أشهر عديدة بعد الانتخابات التشريعية، إلا دليلاً على ذلك، يؤكد فيه الاحتلال إصراره على إحداث فراغ سياسي، كي يهيئ أكثر للظروف المناسبة للاقتتال الداخلي، بهدف تخفيف العبء والحمل عن قواته في حال جرى الصدام مع إيران. إن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أمر غير منظور في المدى القريب، وهي باقية هناك حتى إتمام مهمتها في المنطقة، وفي أحسن الأحوال في حال إشعال الحرب الأهلية، ستقوم بإعادة تجميع قواتها في قواعد عسكرية في العراق وفي المنطقة بشكل يضمن الهدف الأساسي، وهو النفط.
4. مصرياً: استطاعت الإدارة الأمريكية عبر النظام الحاكم، أن تقوم العام الماضي بالأمور التالية:
أ. غض النظر عن استمرار فعل قانون الطوارئ لقمع الجماهير الشعبية، خلافاً لكل الادعاءات حول نشر الديمقراطية.
ب. رفع الوزن النسبي السياسي للإخوان المسلمين، وتمثيلهم بكثافة في السلطة التشريعية، مقابل عدم اعتراضهم على ترشيح مبارك لولاية جديدة.
ج. إشعال فتيل الفتنة الطائفية الإسلامية المسيحية، وأخذ موقف المدافع المنافق عن أقباط مصر، وتثبت الأحداث الأخيرة، أن قوى ما في جهاز الدولة، قد لعبت دوراً هاماً في الصدامات الطائفية.
وبذلك خلقت كل الظروف كي تكون مصر مرتبكة بأمورها الداخلية ومشلولة في حال نشوء أي وضع جديد في المنطقة.
إن التوتر الاجتماعي يتصاعد في مصر، كما يتصاعد الاستياء في الجيش من الموقف التخاذلي والمشبوه لنظام مبارك الذي كان آخر تصريحاته حول الشيعة في المنطقة تحريضاً للاقتتال الطائفي في المشرق العربي، وتبريراً للسلوك الأمريكي الممكن ضد إيران، ومحاولة لكبح مشاعر بعض الجماهير العربية في حال حدث صدام أمريكي إيراني.
5. سودانياً: ازدادت مخاطر الحرب الأهلية في السودان، كما ازداد خطر التدخل الدولي، الأمريكي خصوصاً في شؤون السودان الداخلية، تحت ستار الأمم المتحدة، إن الوضع الذي يتكون في وادي النيل مصرياً وسودانياً، لايختلف بمعالمه الأساسية عن ذلك الذي تكون في المشرق العربي، لقد حدث انفراج داخلي نسبي في السودان خلال السنة الماضية، وهو أمر يمكن أن يعيق بجدية محاولات التدخل الخارجي.
إن كل هذه اللوحة، تؤكد أن هناك مشروعاً متكاملاً يجري الإعداد له وتنفيذه، وتشعر إيران أنها المستهدف القادم، وتواجه الوضع بواقعية ورباطة جأش، ودون تنازلات مبدئية مع المرونة التي تبديها.
تؤكد مراكز الأبحاث الاستراتيجية الغربية، أن خطة العمليات العسكرية ضد إيران أصبحت جاهزة، ويمكن أن تضرب مئات الأهداف جواً، حتى باستخدام قنابل نووية تكتيكية.
إن المقامرة الأمريكية الجديدة إن حدثت، ستنقل الوضع في المنطقة والعالم إلى حالة جديدة، تهدد بجعل الحرب العالمية الجارية حالياً، حرباً مباشرة ومكشوفة، وتقول آخر التقديرات أن الضربة ضد إيران إن حدثت، ستكلف 3 ملايين قتيل، 35 مليون مصاباً في المنطقة الممتدة حتى باكستان.

3 - الوضع حول سورية وفيها:

أكد سياق الأحداث أن استكمال الهيمنة الأمريكية على المنطقة، لابد له في سياقه العام من إخضاع سورية، والهيمنة على مقدراتها، ولهذا التوجه دوافعه ومبرراته، فسورية من الناحية الجغرافية السياسية، هي منطقة حساسة، لايمكن استكمال السيطرة على المنطقة دون إخضاعها، إضافة إلى أن مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تفتيت وإعادة تركيب المنطقة، والذي ابتدئ تنفيذه من العراق، لايمكن أن يستثني بلدنا، لذلك لم تخالجنا للحظة واحدة أية أوهام حول النوايا الأمريكية تجاه سورية، لأنها جزء من مخططهم بشكل عام، وبقي السؤال قائماً: هو كيف ستعمد الإمبريالية الأمريكية إلى تنفيذ مخططها؟ وقد قلنا في حينه: إنها ستلجأ إلى حل مركب، يجمع خلاصة التجربتين في إخضاع مصر وفي إخضاع العراق، وقلنا إن الحل المركب هو استخدام للأساليب السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية والنفسية وحتى العسكرية بآن واحد، وأوضحنا أن تناسب هذه الأشكال مع بعضها بعضاً، والتناسب فيما بينها، سيحدده الوضع الملموس على الأرض لاحقاً.
وفعلاً، بدأت تتضح معالم السلوك الأمريكي تجاه سورية بعد القرار 1559 لمجلس الأمن وبعد اغتيال الحريري في شباط 2005، وكان المقصود في المحصلة انكفاء القوة العسكرية السورية إلى الداخل، بما يمكن أن يحمله ذلك من تعقيدات، والشلل التدريجي لمراكز القوى في النظام تحت الضغط الإعلامي والدبلوماسي والنفسي لملف اغتيال الحريري، كل ذلك بالاستناد إلى مراكز الفساد الكبرى التي حذرنا باكراً من كونها نقاط اختراق أساسية محتملة للعدو الخارجي التي يدخل في صلب وظيفتها تهيئة الظروف المناسبة، من خلال زيادة الاستعصاء واستحكامه اقتصادياً واجتماعيا ًوسياسياً، للوصول إلى مايشبه الثورة البرتقالية على الطريقة السورية. ومع تنامي الضغط الخارجي، تبين بوضوح أن هناك مراكز سياسية وإعلامية في النظام، قد ارتعدت فرائصها، وبدأت تبحث عن مخارج من خلال مساومات غير مبدئية تحت حجة الانحناء أمام العاصفة، لدرجة أن بعضهم وقبل تقرير ميليس الثاني، اقترح التنازل عن كل شيء للحفاظ على النظام بانتظار مرور العاصفة، مما اضطرنا للرد على أولئك عبر إحدى افتتاحيات صحيفة قاسيون حيث قلنا: إن مايجري ليس عاصفة مؤقتة، بل استبدال للمناخ بشكل مصطنع، ولاحل إلا المواجهة الشاملة، لأن ثمن الهزيمة إن حصلت، هو أقل بكثير من ثمن الاستسلام. وجاء خطاب الرئيس بشار الأسد على مدرج الجامعة عشية تقرير ميليس، ليحسم الجدل الجاري في النظام حول طريقة التعامل مع الضغط الخارجي، حينما أعلن: أن «ثمن المواجهة هو أقل من ثمن الفوضى»، وبرأينا، ومن دون مبالغة، أن هذا التوجه السياسي، كان عاملاً مهماً في إحباط الهجوم الشامل الذي كانت تديره الإدارة الأمريكية من أجل الاستيلاء على النظام، وكما تبين لاحقاً، لم تكن قوى من داخل النظام بعيدة عن هذه العملية.
في هذا السياق، وفي هذه الظروف، جاء إعلان دمشق الذي حددنا موقفنا منه، صلباً من حيث الجوهر، ومرناً من حيث الشكل.
إن الصلابة في الموقف الجوهري من إعلان دمشق، أملته الأمور التالية:
1. الملاحظة المبدئية على الإعلان أنه لم يشر في متنه إلى الإمبريالية الأمريكية وإلى الصهيونية العالمية، ولا إلى الكيان الصهيوني، ودورهم فيما يجري في المنطقة، والأسوأ من ذلك أنه كان يتضمن اقتراحات وتلميحات تفضي إلى توتير ديني وطائفي، وصولاً إلى التعامل مع الشعب السوري كمجموعة كيانات دينية وطائفية وأثنية، بما يهدد بشكل عميق الوحدة الوطنية، في ظروف النضال ضد مخطط الشرق الأوسط الكبير.
2. توقيت الإعلان: جاء عشية تقرير ميليس الذي كان البعض يتوقعه ضربة قاسية للنظام، لذلك اعتبرناه استقواءً بالخارج، حتى لو صرح في متنه بعكس ذلك.
3. لفت انتباهنا، فتوجسنا شراً من الدفعة الثانية للموقعين الذين كان من بينهم العميل الأمريكي العلني «فريد الغادري» وقيادة الإخوان المسلمين في لندن، والتي وكما تبين بشكل سريع، أنها كانت لاعباً أساسياً في صياغة هذا الإعلان، ولم يكن قد جف بعد حبر بيانها في 3/4/2005 حينما أعلنت أن «شمس الحرية تشرق على العالم اليوم» قاصدة نشر الديمقراطية الأمريكية، والتي أعلنت أيضاً ضرورة الذهاب إلى مؤتمر وطني على أساس طائفي وديني، وليس سياسياً. هذا من حيث الجوهر، أما من حيث الشكل، فقد ارتأينا التعامل بمرونة مع بعض الموقعين الذين لانشك بإخلاصهم ووطنيهم، والذين جرتهم الظروف للتوقيع على الإعلان، إن كان بسبب تأخر النظام عن فتح حوار وطني، وعدم استجابته السريعة للمطالب الحقة والمشروعة بإحداث انفراج ديمقراطي مطلوب وطنياً لتمتين اللحمة الوطنية على أساس رفع حالة الطوارئ وإيقاف الاعتقال السياسي إلا في القضايا التي تهم الأمن الوطني، أي التي لها علاقة بالخارج أو إصدار قانون الأحزاب والانتخابات الجديدين، وإن كان بسبب ضيق نفسهم وعجزهم عن التفاعل المطلوب مع الشارع والتحول إلى قوى حقيقية على الأرض، وأيضاً بسبب عدم قدرتهم على القراءة الصحيحة للمخطط الأمريكي ولتوازن القوى في المنطقة وفي الداخل، الأمر الذي أدى بهم لاستنتاجات خاطئة، وعولنا على أن تطور الأحداث اللاحق، مضافاً إليه الحوار الأخوي، يمكن أن يعيد اصطفاف القوى على أسس صحيحة.
ونعتقد أن تأخير إعلان الوثيقة الوطنية، ذلك الأمر الذي لم يحدث بسببنا، وإنما بسبب عدم تقدير بعض القوى في النظام لحجم الخطر الماثل على سورية، قد لعب دوراً في هذا الاصطفاف، مع أن هذه الوثيقة كان يجري الإعداد لها قبل إعلان دمشق بوقت طويل، وكانت جاهزة للتوقيع والإشهار، لكن التأخير الحاصل فيها، أفقدنا جزءاً من المبادرة، ونقل جزءاً من موقعيها المحتملين إلى صفوف إعلان دمشق مؤقتاً.
ونقول مؤقتاً، لأن ماجرى بعد ذلك من ظهور خدام في صفوف المعارضة وتحالفه مع الإخوان المسلمين، تحت غطاء مايسمى: جبهة الإنقاذ الوطني، قد قسم فعلياً صفوف موقعي إعلان دمشق، ويأخذ اليوم مؤسسو ماسمي «جبهة الخلاص الوطني» على جماعة «إعلان دمشق» في الداخل، أنهم بقيوا في إطار الإعلان، ولم ينطلقوا إلى التحرك، مما اضطرهم إلى البحث عن أطر جديدة، والحقيقة أن وظيفة إعلان دمشق، قد انتهت فعلياً مع فشل تقرير ميليس الثاني في تحقيق وظيفته، مما اضطر اللاعبون الكبار إلى إجراء تعديل أساسي على المخطط الأول، في إطار الحل المركب نفسه، وهذا التعديل يتضمن بنوداً جديدة:
1. إظهار شخصية من صلب النظام، كشخصية معارضة كانت حتى الأمس القريب تلعب دوراً من داخل النظام، في تنفيذ المخطط ذاته.
2. هدف إظهار هذه الشخصية هو: تجميع القوى المحتملة داخل النظام والتي يمكن تشخصيها من حيث المبدأ: بالقوى المستفيدة من الفساد، بحيث تتحول إلى قاعدة جبل الجليد التي ستلعب دوراً أساسياً في اللحظة المناسبة، والجدير ذكره أن مهمة قوى الفساد الكبرى تتلخص اليوم في تأخير، وحتى تعطيل أي إصلاح وطني ديمقراطي للحفاظ على حالة التوتر الاجتماعي والسياسي، خدمة للمخططات اللاحقة، إذ تعتقد هذه القوى أن أي تصعيد للتوتر في المنطقة، سيشل مراكز القوة في النظام، وسيجعلها أكثر قدرة على الفعل والتأثير وإدارة الدفة على هواها.
3. لم يُلغ دور لجنة التحقيق الدولية في محاولة إحداث الخلخلة المطلوبة في البلاد، وهي إن أخذت اتجاهاً يتميز بتخفيف الضجة الإعلامية بعد تغيير رئيسها، إلا أن مهمتها تبقى نفسها، أي استخدام ملف اغتيال الحريري للضغط على النظام وتخويفه وإجباره على التراجع، وصولاً إلى تفكيكه.
لقد أكدنا دائماً أن مهمة الأمريكان اليوم، ليس تطويع النظام كما يتوهم البعض، كما أوضحنا أنهم لن يقبلوا بأي تغيير ما للنظام، بل سيسعون إلى ذلك النوع من التغيير الذي يفتح إمكانية تغير بنية الدولة ككيان، والمجتمع كوحدة مترابطة.
وهنا دققنا، أن تفكيك كيان الدولة الوطنية، أي التي تكونت مع غيرها من الدول بعد سقوط نظام الاستعمار القديم، يتطلب أول مايتطلبه إلغاء، أو على الأقل شل الدولة كجهاز حكم وإدارة، وبينت تجربة العراق أن انهيار جهاز الدولة، هو شرط ضروري لانهيار تكوين الدولة الوطنية، لذلك أكدنا أن دور الدولة الحالي يجب أن يتغير، لأنه أصبح غير قادر بشكله السابق على القيام بواجبه، وهو الدفاع عن الكيان الوطني، وقلنا إن الحفاظ على الدور القديم الذي أنتج إفرازات سلبية كثيرة، منها اغتراب المجتمع عن السياسة ومنها تحول جهاز الدولة إلى جهاز لايخضع فعلياً لأية مراقبة، وليس آخرها استفحال التواطؤ بين الفاسدين في الدولة والمجتمع الذين أصبحوا العقبة الكبرى أمام التقدم في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أصبح غير ممكن الاستمرار فيه، بل إن الاستمرار فيه عنوة ومعاندة للقوانين الموضوعية، يمكن أن يخلق الشروط المثلى لانهيار الدولة، الأمر الذي تسعى إليه الإمبريالية الأمريكية وصولاً إلى تفكيك بنية المجتمع والكيان الوطني، إن كل ذلك يتطلب صياغة دور جديد للدولة، رسمنا ملامحه الأساسية، وقلنا عنه أنه يحب أن يكون: تنموياً، عقلانياً، منفتحاً على المجتمع. .
تنموي: أي قادر على تحقيق النمو الضروري اللاحق المترافق مع العدالة الاجتماعية والمتوازن مع الطبيعة.
عقلاني: أي يأخذ بعين الاعتبار المصالح بعيدة المدى والإستراتيجية للاقتصاد والمجتمع، دون البحث عن مكاسب صغيرة مؤقتة ويستند إلى ما أنجزه العلم في كل المجالات.
منفتح على المجتمع: أي يضمن تأمين مصالح المجتمع عبر ضمان الرقابة المجتمعية على جهاز الدولة، الأمر الذي يتطلب ذلك المستوى من الديمقراطية للمجتمع الذي يسمح له بصياغة مطالبه والتعبير عنها والدفاع عنها.
استراتيجية المقاومة:


إن كل ماتقدم يضع بلادنا أمام مرحلة جديدة، فقد فرضت علينا المقاومة والمواجهة كخيار وحيد، ونقصد المقاومة الشاملة على جميع الجبهات، وهذه الإستراتيجية، تتطلب إيجاد الهياكل الضرورية في المجتمع والدولة، التي تستطيع القيام بهذه المهمة لإحباط مخطط الهيمنة والتفكيك، وبما أن الهجوم الإمبريالي على بلادنا هو هجوم مركب، كما أسلفنا، فإن المواجهة أيضاً، يجب أن تكون مركبة، إذ لاتقتصر على جوانب دون جوانب أخرى، وترتدي في هذا المجال الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية أهمية قصوى، وهي يجب أن تكون مترابطة ومتكاملة ومتشابكة بشكل لم يسبق له مثيل.
أ سياسياً: إن المواجهة السياسية تتطلب استقراءً صحيحاً لنوايا العدو، وهو الأمر الذي لايحدث دائماً بالشكل الأمثل، وإذا حدث فإنه يحدث متأخراً، هادراً وقتاً ثميناً، كان يمكن استخدامه في تعبئة القوى.
إن صلف وعنجهية الإمبريالية الأمريكية، قد أقنع كل الوطنيين اليوم تقريباً أن المواجهة قد بدأت، بغض النظر عن الشكل الذي تأخذه، أو الذي يمكن أن تأخذه، إن موقف سورية الوطني العام، الذي لايقبل التنازل عن الثوابت الوطنية الكبرى هو موقف يحظى بدعم الجماهير الشعبية في البلاد وفي العالم العربي، وحتى في العالم أجمع، وفي هذا السياق، تزداد الأهمية النوعية لقضية تحرير الجولان، فهذا الجزء الغالي من ترابنا، لايمكن أن يبقى تحت الاحتلال، وكي يدمر الاحتلال يجب مقاومته، وإذا كانت الظروف الدولية والإقليمية، لاتسمح بتحقيق هذا الهدف بالأساليب العسكرية التقليدية، فإن تجارب المقاومة الشعبية القريبة والبعيدة تاريخياً، والقريبة والبعيدة جغرافياً، تثبت أنه يمكن أن تحل هذه المهمة، إذا ماتوفرت الإرادة السياسية المطلوبة.
إن الارتقاء في تنفيذ هذه المهمة إلى مستوى نوعي جديد، سيخلط أوراق اللعبة التي يعتمدها الصهاينة وأسيادهم الأمريكان، وسينقل الحوار الوطني والوحدة الوطنية إلى مرحلة جديدة، يصبح فيها الفعل هو مقياس الموقف، وليس الكلام والإعلان، وهو ماسيسرع الفرز في الفضاء السياسي السوري على أساس برامج وطنية سياسياً واجتماعياً، مما سيعيد النشاط المطلوب للمجتمع ويسترجع بالتدريج ثقته بقواه السياسية.
ب اجتماعياً: إن استراتيجية المقاومة، تتطلب إغلاق الثغرات الموجودة في المجتمع التي يمكن أن تسبب تصدعات يتسلل منها العدو الوطني والطبقي داخلياً وخارجياً وأهم هذه الثغرات هي:
البطالة التي بتعمقها تتحول إلى قنبلة حقيقية موقوتة قابلة للانفجار بأية لحظة بسبب الازدياد المريع بعدد المهمشين في المجتمع وخاصة بين الشباب في المدن الكبرى والمناطق النائية.
انخفاض مستوى المعيشة وشكله الأقصى: الفقر الذي يتحول إلى مشكلة حقيقية تزيد درجة التوتر في المجتمع، الأمر الذي يترافق مع تمركز خيالي للثروات بأيدي قلة قليلة، مما يخلق إمكانية لهزات وانفجارات لأي سبب كان، قد لايمكن التحكم بنتائجها.
مشكلة السكن، وخاصة العشوائي والذي هو انعكاس لارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، والذي يخلق بدوره مشاكل اجتماعية عميقة، تؤثر على تطور المجتمع، وخاصة من حيث رفع سن الزواج، والانخفاض السريع بنسب الإنجاب، مما قد يؤدي سريعاً في المستقبل المتوسط المدى، إلى شيخوخة مبكرة للمجتمع، وإلى زيادة هجرة العقول والكفاءات، وزيادة نسب الانحرافات الاجتماعية المختلفة بشكل كارثي لايمكن معالجتها إلا بإجراءات طويلة المدى.
مشكلة الخدمات الأساسية المختلفة من صحة وتعليم وضمان اجتماعي التي إلى جانب انخفاض نوعيتها، يصبح حصول المواطن العادي عليها قضية أصعب فأصعب.
ج اقتصاديا: لقد تحول الوضع الاقتصادي إلى عامل حاسم في تأمين استراتيجية المقاومة، وكي يتحول إلى حامل لها، فإن المطلوب منه اليوم، تجاوز القصور في النمو وتأمين معدلات نمو عالية جداً، لأنه دون معدلات كهذه، لم يعد ممكناً لسورية أن تلعب الدور المنوط بها إقليمياً في ظل الأوضاع العالمية والإقليمية المستجدة. إن استراتيجية المقاومة تتطلب مضاعفة الدخل الوطني السوري مرتين على الأقل، خلال عشر سنوات على الأكثر، وهذا الأمر واجب وممكن التحقيق، ولكن تحقيقه له متطلبات وشروط وهي:
1) القضاء على النهب والفساد الكبير الذي يقتطع أجزاء هامة من الدخل الوطني ويخرجها من الدورة الاقتصادية، مكبلاً إمكانية التطور السريع اللاحق، وبالتالي أصبحت هذه المهمة مهمة وطنية كبرى.
2) منع ومقاومة كل أشكال خصخصة قطاع الدولة، فالخصخصة كما أثبتت التجربة التاريخية هي أعلى مراحل الفساد، وهي كآلية، المقصود منها تحويل الشكل القانوني لقطاع هام في الاقتصاد الوطني من عام إلى خاص، لأن الثروة المنتجة فيه، قد تخصصت عبر عملية استيلاء الناهبين عليها بالتدريج خلال العقود الماضية، والمطلوب اليوم إزالة هذا الشكل من الخصخصة في محتوى عمل القطاع العام، أي المطلوب إعادة تأميمه، وليس قوننة خصخصته الجارية على قدم وساق، عبر عملية النهب التي جرت فيه تاريخياً. إن إضعاف قطاع الدولة، إن كان عبر نهبه، أو عبر خصخصته من الناحية الشكلية القانونية، هو جريمة لاتغتفر ترتكب بحق الأمن الوطني، والواجب مقاومتها، لأنها مخالفة لأحكام الدستور الموجود، الذي لايعطي الحق لأحد بالتصرف بالمال العام.
3) إيجاد الموارد الضرورية للتطور اللاحق، كي تنعكس في الاستثمارات المطلوبة وبنيتها، وهنا نقول بصراحة: إنه إذا كان التعويل على الموارد الخارجية، أو على الأقل، على موارد خارج قطاع الدولة، فهذه الموارد افتراضية، وإذا تحققت، أو تحقق جزء منها، فإنها لن تسير بالاتجاه المطلوب لتسريع نمو الدخل الوطني، وهي في أحسن الأحوال، وخاصة الموارد الخارجية التي تتوضع اليوم بالدرجة الأولى في الأراضي والعقارات، ستخلق فقاعة نمو، وليس نمواً حقيقياً، وهي تحمل في كنفها خطر تشويه بنية الاستثمارات لصالح القطاعات الخدمية على حساب القطاعات الإنتاجية التي تعوّد الرأسمال الريعي تاريخياً لى العمل فيها.
4) منع المساس بالمنجزات والمكتسبات التي تحققت تاريخياً، وخصوصاً الإصلاح الزراعي. إن مايجري اليوم من إعادة تقييم للأراضي المصادرة للإصلاح الزراعي، يمكن أن يخلق وضعاً، المقصود منه بحجة التعويض على الملاكين السابقين، وعدم قدرة الدولة على تحقيق ذلك بسبب المبالغ الخيالية التي يتطلبها الأمر، المقصود هو إعادة هذه الملكيات للإقطاعيين السابقين.
والخلاصة: إنه واضح لنا أن استراتيجية المقاومة بمختلف إحداثياتها، وإن كانت في الظروف الحالية صعبة التحقيق لعوامل ذاتية، إلا أنها ضرورية للأسباب الموضوعية التي أشرنا إليها، وفيما يخص الظرف الذاتي، نعتقد أن قوى الطبقة العاملة الممثلة بنقاباتها وأحزابها السياسية المختلفة، بالإضافة إلى القوى النظيفة في جهاز الدولة، قد استطاعت التصدي لموجة الخصخصة الأولى تحت شعارات التأجير والاستثمار وإفشالها، وقلنا في حينه إن هذا انتصار هام، ولكن ستعقبه موجة ثانية يجب التصدي لها، وفعلاً، طرحت مؤخراً شركات الأسمنت والموانئ لمشاريع للاستثمار، وجرى التصدي لها، وتشير المعطيات الأخيرة إلى تعرقل هذه الموجة، وحتى البدء بإعادة النظر ببعض نتائج الموجة الأولى مثل معمل حديد حماة.
إن كل ذلك يدل أن القوى الكامنة في المجتمع السوري والتي تربط بين القضية الوطنية والقضية الاقتصادية الاجتماعية، هي قوى هامة وقادرة على التحول إلى حامل لاستراتيجية المقاومة، إذا ماأحسنت تنظيم نفسها وإدارة الصراع بحكمة وحزم، ونعتقد أن منطق النضال ضد العدو الخارجي المتمثل بقوى العولمة المتوحشة، سيفرض نفسه على الصراع الاجتماعي الداخلي بقدر اشتداد المعركة ضد العدو الخارجي ومخططاته.
من هنا تصبح قضية النضال ضد ارتفاعات الأسعار المختلفة، وانخفاض مستوى معيشة الجماهير الشعبية المتمثل بانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية أمراً أساسياً وحيوياً لتنشيط الحركة الجماهيرية ضمن المستوى المنخفض للديمقراطية عن حاجات التطور الاجتماعي السياسي.

الوضع السياسي العام:
ما تزال القضايا السياسية الداخلية الموضوعة على بساط البحث، والتي تتطلب الحل عالقة، ولا تتقدم بالشكل الذي تفرضه ضرورات التطور العام، وأهم هذه الملفات هي المتعلقة بتنشيط الحركة السياسية من خلال خلق مناخ ديمقراطي عام وهي:
أ- قانون الأحزاب والانتخابات.
ب- طريقة التعامل مع قضية قانون الطوارئ، والمادة الثامنة من الدستور.
ج- نتائج الإحصاء الاستثنائي في الجزيرة لعام 1962.
لقد أوضحنا مرارا موقفنا من قانون الاحزاب المفترض و أكدنا أن هذا القانون يجب أن يصاغ بشكل يساعد على تدعيم الكيان الوطني المستهدفة وحدته من قبل مخطط الشرق الأوسط الكبير،لذلك أكدنا أن هذا القانون يجب أن لا يسمح بقيام أحزاب على أساس ديني أو طائفي،أما مايخص بنية الاحزاب التي سيشرعها القانون فيجب أن تكون برامجها و أنظمتها الداخلية قائمة على أساس وطني شامل يطرح قضايا مجموع الوطن بغض النظر عن طريقة الطرح،ويضمن كذلك عضوية أي مواطن سوري فيها بغض النظر من أية منطقة من البلاد كان.وأشرنا بشكل واضح أن قانون الاحزاب لن يستطيع أن يقدم المطلوب منه إذا لم يرافقه قانون انتخابات جديد يسمح بتنشيط الحركة السياسية و كان رأينا أن القانون الامثل في ظرفنا السياسي الملموس هو المبني على أساس نسبي بإعتبار البلاد دائرة واحدة،مع اعتماد نسبة حسم منخفضة (أقل من خمسة بالمئة)،وأوضحنا أن قانون الاحزاب شرط ضروري لتنشيط الحياة السياسية و لكنه شرط غير كافي اذا لم يعتمد نظام انتخابي جديد يلغي الشكل القديم الذي سبب اضرارا كبيرة للحياة السياسية في البلاد.
لقد أكدنا دائما على أهمية رفع حالة الطوارىء و حصرها بالقضايا التي تهم الأمن الوطني فعلا، وطالبنا بحصرها و تحديد فعلها مكانيا و زمانيا حين تتطلب الظروف ذلك و أن لا تستخدم لتقييد الحركة السياسية و خاصة تلك التي سيشرعها قانون الاحزاب.و وافقنا على ما جاء في الوثيقة الوطنية( إعلان البلازا) حول التداول السلمي للسلطة الأمر الذي لا يمكن الحديث عنه عمليا الا في ظل قوننة الحياة السياسية في البلاد،
ظهرت بوضوح الاثار السلبية لاستمرار نتائج الاحصاء الاستثنائي و ابدينا ارتياحنا للتصريحات الرسمية حول انهاء اعادة النظر بنتائجه، الأمر الذي تأخر كثيرا مع مايحمله من أ ضرار على قضية الوحدة الوطنيةو نرى أن حل قضية الاحصاء الاستثنائي و تأمين الحقوق الثقافية للمواطنين السوريين من القوميات الصغرى التي هي جزء من النسيج الوطني السوري تاريخيا(كالاكراد مثلا)، سيخلق انفراجا في جزء هام من المجتمع السوري الذي سيحاول اعداء الخارج استخدام التوترات الموجودة فيه ضد مصلحة البلاد و وحدتها الوطنية.
إن بقاء الأوضاع على حالها يثبت استمرارية الثنائية الوهمية: (معارضة نظام) والتي أكدت الأحداث خطورة استمرارها، فها هي بعض القوى التي كانت محسوبة على النظام تعلن انتقالها إلى صفوف المعارضة الخارجية، ليس فقط مكانياً، وإنما بالدرجة الأولى برنامجياً. إن التوزيع غير الصحيح للقوى السياسية على أساس معارضة نظام، يعيق الفرزالاجتماعي السياسي الحقيقي، الأمر الذي لابد منه لتعبئة قوى المجتمع لكل الاحتمالات القادمة.
نعتقد أن تحقيق الملف الديمقراطي على الأرض هو ضرورة وطنية، وإذا كان بعض الخارج يطالب به، فإنه يطالب بشكل ومضمون آخرين لما يسميه ديمقراطية ،هدفها فعلاً تفكيك قوى المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية الحقيقية هي مطلب داخلي، يحق للمجتمع الحصول عليه من أجل حماية نفسه من الأخطار الخارجية والفساد الداخلي، ونرى أن تحقيق وتنفيذ المطالب الديمقراطية المعروفة لايتم بانتظار هبة من أحد، أو تنازل من طرف ما، بل إن ذلك سيكون ثمرة لتوازنات اجتماعية وسياسية جديدة، تكون محصلتها تحقيق هذا البرنامج. من هنا نختلف مع بعض القوى السياسية الوطنية التي ترى نفسها عاجزة عن تحقيق مطالبها، فتنكص باتجاه الروح الانتظارية المستندة للاعتماد على التقادير، إن المدخل الحقيقي للإصلاحات الديمقراطية المنشودة هو زيادة دور وفعل الجماهير الشعبية في العملية الاقتصادية والاجتماعية.
لقد أكدنا دائماً على أهمية ترابط القضية الوطنية بالقضية الاقتصادية الاجتماعية والقضية الديمقراطية، وقلنا دائماً إن هذه القضايا هي وجوه لقضية واحدة، هي قضية الوطن، لايمكن تسبيق أحد جوانبها على الجوانب الأخرى، وهذا صحيح وأكيد من حيث الرؤية المنهجية، ويواجهنا البعض بسؤال: من أين نبدأ في هذه الحال؟ هل يمكن البدء بهذه القضايا مجتمعة؟ ونقول: إن الرؤية وتثقيف الجماهير وتعبئة القوى، يجب أن تتم على هذا الأساس، ولكننا نعي أن الممارسة العملية، هي أغنى من كل المخططات والتوقعات النظرية، فالممارسة متعلقة إلى حد كبير بدرجة نضج الجماهير وروحها الكفاحية، واستعدادها للدفاع عن مصالحها باتجاه الفعل الحقيقي، والحياة هي التي ستقدم الجواب الملموس: من أين نبدأ في تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل المطلوب؟، وبانتظار ذلك لابد من الدفاع عن مطالب الجماهير الاقتصادية الاجتماعية، الجزئية والشاملة، الأمر الذي يمكن أن يعتبر مدرسة حقيقية لتدريب الجماهير على نيل حقوقها، وبدرجة تقدم هذه العملية، نتيجة العمل المنظم للقوى السياسية الطليعية، بقدر ما سيتوضح من خلال الأجوبة التي ستقدمها الحياة: من أين نبدأ بشكل ملموس على الأرض، ويمكن القول أن هناك سيناريوهات عديدة لهذه العملية، فأية معركة وطنية جدية، إذا فرضت علينا المواجهة، ستنقل القضية الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية إلى مستوى جديد غير مسبوق، ومن جانب آخر، فإية معركة اقتصادية ـ، اجتماعية جدية، ستغير موازين القوى جذرياً ضد قوى الفساد الكبرى التي تعوق الإصلاح الشامل، مما سيفتح الطريق واسعاً أمام النهوض الديمقراطي المطلوب. المهم بالنسبة لنا، أن الاستحقاقات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، يجب أن تتم بمعزل عن الضغوط الخارجية التي لن تتوقف بل ستزداد، والضمانة الحقيقية لمواجهة هذه الضغوط هي الإصلاحات الداخلية الشاملة نفسها، ونعتقد أن إستراتيجية الضغط الخارجي تأخذ بالحسبان أمورا مختلفة من أجل خلق حالة استعصاء، وحتى تخبط، في الداخل إذا لزم الأمر، وعلى مايظهر فقد أضحت قضية المراوحة في المكان، داخلياً على الأقل، هدفاً بحد ذاته، لأنها تعوق تحقيق إستراتيجية المقاومة، ونرى أن إستراتيجية الحل المركب ضد سورية في الظروف الحالية، ستأخذ المناحي التالية:
1. ضغط القوى الليبرالية الجديدة لجر الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة في الاتجاه الخاطئ والمدمر، أو على الأقل، منع أي تقدم حقيقي في هذا المجال، من هذه الزاوية نفهم موضوع محاولات خصخصة القطاع العام بأشكاله المختلفة.
2. خلق حالة ضغط على الليرة السورية، وخلق ما أمكن من ظروف تؤدي إلى انهيارها في اللحظة المناسبة، مما يمكن أن يهز الاقتصاد والمجتمع، وصولاً إلى خلق حالة استياء اجتماعي شديد، يتم الاستفادة منها من بعض القوى المشبوهة.
3. استمرار تعطيل الحركة السياسية، وزيادة الهوة إن أمكن، بين الأحزاب والشارع، لكي يبقى هذا الشارع بلا رأس، الأمر الذي يمكن الاستفادة منه في لحظات التوتر القصوى لخلق الفوضى المطلوبة.
4. استمرار الضغط الإعلامي والنفسي والدبلوماسي من خلال لجنة التحقيق الدولية لخلق جو يعزل سورية عالمياً، ويشل إرادة جهاز الدولة فيها قدر الإمكان، من خلال الاتهامات التي يمكن أن توجه إلى البعض، مما يمكن أن يخلق جواً حسب بعض الحسابات، يتسم بالخوف والانكفاء وشلل الإرادة.
5. استمرار الضغوط لمحاولة قسم النظام من داخله، ونرى أنه يجب عدم الاستخفاف بظاهرة خدام، فتراكم ممارسات الفساد خلال عقود، قد خلق أشباها كثيرين له في جهاز الدولة، وهم مستعدون للتحول والانقلاب على النظام مع المعلمين الجدد حفاظاً على مصالحهم التي أصبحت تتمثل بحساباتهم وثرواتهم الفاحشة الموجودة في البنوك الأجنبية.
6. استمرار تهديد النظام عسكرياً، وشحن الأجواء حوله بأيةحجة كانت (العراق لبنان فلسطين)، وتهيئة الأجواء لضربات نقطية أمنية عسكرية، إذا تطلب الأمر ذلك كعنصر متمم الأشكال الضغط الأخرى.
7. زيادة حقن بؤر التوتر المختلفة في البلاد، وهي كثيرة وموجودة في كل محافظة، بهذا الحجم أو ذاك، وتوتيرها على أساس ديني أو قومي أو طائفي حسب ما يتطلب الأمر، وهنا يجب الانتباه الشديد للدور الاستفزازي لتحقيق هذا الهدف من عناصر مدسوسة أو مدربة في الخارج، وفي إسرائيل تحديداً كي تظهر في ساعة الصفر كعنصر أساسي في اصطناع الفوضى.
لانعتقد بتاتاً أن الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، لاتريدان الفوضى في سورية خوفا ًمن آثارها على الكيان الصهيوني، فالفوضى المطلوبة هي فوضى ستستنزف القوى الداخلية، وتستهلكها، وتجعل الكيان الصهيوني في مأمن كما لم يكن خلال كل تاريخه، إن مالاتريده الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني هو الوحدة الوطنية الحقيقية التي ينتفي فيها كل تصدع على أساس إثني أو ديني أو طائفي وعشائري، لأن مثل هذه الوحدة الوطنية تشكل خطراً حقيقياً على المخطط الإمبريالي بشكل عام وإمكان تنفيذه.
لقد قمنا بنشاط هام من أجل توطيد الوحدة الوطنية على أساس قرارات مؤتمرنا في جلساته السابقة، واستطعنا أن نصدر الوثيقة الوطنية، وأن نكوّن لجنة المبادرة للحوار الوطني، رغم الصعوبات التي اكتنفت هذه العملية،هذه اللجنة التي يجب أن تسير نحو تشكيل أوسع جبهة شعبية على الأرض من أجل المواجهة، ونعتقد أن نشاط لجنة الحوار الوطني يجب أن يسير نحو تعميق هذا الحوار بين القوى السياسيةالوطنية المختلفة، والوصول إلى أوسع الجماهير الشعبية،و هو يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تعزيز الوحدة الوطنية، والآن تنتصب أمامنا مهمة تشكيل لجان المحافظات للحوار الوطني، الأمر الذي يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن. إن هذه العملية يجب أن تفضي إلى المؤتمر الوطني المنشود، وتصورنا عن هذا المؤتمر مبني على أساس أنه سيكون ملتقى أساسياً لتتويج الحوار الوطني وإيجاد البوتقة الضرورية لتوحيد القوى الوطنية، على أساس برنامج مواجهة ودفاع عن الوطن وكرامته، وليس برنامج حكم بتاتاً، من هنا، فإن كل القوى الوطنية، بغض النظر عن وزنها أو حجمها، إن كانت داخل النظام أو خارجه، يجب أن نسعى بجدية لإفساح المجال لها للمشاركة في هذه العملية.
إن نجاحنا في هذه المهمة سيخلق الآفاق الضرورية لإحباط الهجمة الإمبريالية الصهيونية.

آفاق التطور الاقتصادي واحتمالاته:

يتميز الوضع الداخلي بالملامح التالية:
1. قصور في معدلات النمو.
2. نضوب في الموارد الضرورية للتطور اللاحق.
3. التدهور المستمر للمستوى المعاشي للجماهير الشعبية، واختلال هيكلي عميق في معادلة الأجور والأرباح.
4. استمرار النزيف الاقتصادي عبر الفاقد الذي يسببه النهب الكبير المرافق للفساد.
5. المخاطر التي تحيق بوضع الليرة السورية التي مرت بهزات جدية، لانعتقد أنها عابرة ونهائية.
إن كل ذلك يؤدي إلى انخفاض حصة الفرد من الدخل الوطني، الأمر الذي يتعقد أكثر من خلال ازدياد عدم عدالة التوزيع المترافق مع تمركز هائل للرساميل لم يسبق له مثيل، فقد أصبح من الصعب الحصر السريع لعدد المليارديرية الجدد، وهذه ظاهرة خطيرة توضح عمق الاستقطاب الطبقي في البلاد.
إن القضية التي لايعلو عليها شيء، هي قضية تحقيق معدلات نمو عالية، لأنه كما تبين الدراسات، لايمكن الحل الجذري لقضية مستوى المعيشة والبطالة ضمن آجال زمنية معقولة، حتى لو أعيد توزيع الدخل لصالح الأجور، فالحجم الكلي للدخل الوطني اليوم قاصر عن حل هذه المهام، والمشكلة الأساسية تكمن في تحديد الآجال الزمنية لحل هذه المشاكل، فيجب الوصول إلى استنتاج وقرار نهائي حول ذلك. كم سينتظر المجتمع لحل مشكلة البطالة ومستوى المعيشة إذا تقرر السير في هذا الاتجاه؟ خمس سنوات؟ عشر سنوات؟ خمسين سنة؟
إن الوضوح في هذه القضية ضروري، لأن حلها مرتبط بالتحديات المنتصبة أمام سورية، وخاصة التحديات السياسية، ونعتقد أن مهلة سبع سنوات، هي الحد المعقول الذي يمكن أن يتحمله المجتمع، أقل من ذلك مستحيل عملياً وأكثر من ذلك يحمل مخاطرو نتائج سلبية ، وإذا اعتمدنا هذه المهل، آخذين بعين الاعتبار، أنه يجب مضاعفة الدخل الوطني مرة ونصف، أو مرتين، خلال الفترة المطلوبة، يصبح من الضروري تأمين نمو سنوي، لايقل عن 12%، الأمر الذي يتطلب استثمارات تتجاوز 3 تريليون ل.س (3آلاف مليار ل.س)خلال كل الفترة المطلوبة، فهل هذا الأمر ممكن التحقيق؟ نعم بحالة واحدة، إذا تم اجتثاث النهب والفساد المرافق له، الذي يقتطع من الدخل الوطني من 20 40 % منه، فإعادة تحويل هذه الموارد إلى مصادر للنمو إلى جانب المصادر الأصلية كفيل بحل هذه المهمة، وبغير ذلك يبقى الحديث عن الإصلاح، وعن أي نمو حقيقي لحل المشاكل الفعلية للاقتصاد والمجتمع، وهماً وقبضاً للريح.
قدرت الخطة الخمسية العاشرة مواردها الضرورية بـ 1800 مليار ل.س، تقوم الدولة بتأمين 850 مليار ل.س منها، وتركت الباقي كموارد افتراضية، وهي بحجم 60% من الموارد المقدرة، يمكن أن تأتي من القطاع الخاص الداخلي، أو الخارجي، وبالتالي فقد تحولت الخطة التي اعتمدت رقم نمو 7% في نهايتها إلى خطة افتراضية بالكاد قادرة أن تحقق نصف هدفها المعلن في النمو، إذا لم تتوفر المصادر الخارجية، وهي لن تتوفر، وإذا ماتوفرت، فإنها لن توظف في مجالات إنتاجية حقيقية كما يتبين الآن، لأن الأموال الريعية (ريع النفط) ستعمل فقط في مجال الريع، كما تفعل الآن، أي في مجال الأراضي والعقارات التي تمثل السياحة الوجه الأمثل لها في ظروفنا السورية.
إن البحث عن الطريق الأمثل لتأمين الموارد لايفترض أن يكون الأسهل، بل يمكن أن يكون الأصعب، ولكن الأضمن، لذلك نرى أن قضية تأمين موارد النمو اللاحقة، هي قضية اجتماعية وسياسية، وليست اقتصادية تكنيكية، وهي من الخطورة بمكان بحيث يجب أن لاتترك للاقتصاديين وحدهم غير القادرين على حساب التبعات السياسية والاجتماعية لهذه الحلول.
إن الأمراض التي يعاني منها الاقتصاد السوري حتى اليوم، هي أمراض قابلة للعلاج، ولكن التأخر في حلها يمكن أن يجعلنا نتأخر، بحيث أن تصبح غير قابلة للعلاج بالإصلاحات العادية التدريجية، لذلك فإن التأخر في إطلاق الإصلاح الجذري الشامل في كل المجالات، يمكن أن تكون نتائجه كارثية.
في هذا السياق أقر المؤتمر القطري العاشر مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ويصر رئيس مجلس الوزراء مؤخراً أن هذا القرار لارجعة عنه وقد أوضحنا موقفنا في حينه حين قلنا في إحدى افتتاحيات قاسيون( 251) "أحسن المصطلحات والشعارات لاتعني شيئاً، إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها. فالاقتصاد السوري كان يوصف خلال عقود في النصوص القانونية وفي الوثائق الرسمية على أنه اشتراكي، بينما كان في الواقع رأسمالياً مشوهاً ومتخلفاًُ. إذن فقوة النص أو المفهوم تأتي في الواقع وليس بالعكس، واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة»، يأتي مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليفتح إمكانية، مجرد إمكانية للقوى المناهضة لأخطار السوق الحرة، كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في الاتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق، إن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية، فالشكل النهائي والملموس له، ستحدده على الأرض محصلة صراع القوى الاجتماعية المختلفة، والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير ملائمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم وإيجاد أشكالها التطبيقية على الأرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري في البلاد حول آفاق التطور اللاحق».
ولكن المفارقة أن الممارسة الاقتصادية في الواقع تسير بالاتجاه المعاكس تماما ًللخطاب السياسي، فهذا الخطاب الذي يعبر عن إرادة مواجهة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية يحظى بتأييد الجماهير ليس في سورية فقط، وإنما في كل أنحاء العالم العربي، وبالنتيجة فإن الحديث الكثير عن الإصلاح، يرافقه تراجع في أهم مؤشرات صحة الاقتصاد السوري، الذي كان يجب أن يصبح عاملاً هاماً في الصمود لا أن يتحول إلى أداة لإضعاف إرادة المواجهة، لذلك فإن قلق الناس حول الوضع في البلاد، هو قلق مشروع، فالقرارات الاقتصادية والاجتماعية تستفز الشارع وتهز الاستقرار الاجتماعي، وتضعف مصداقية الخطاب السياسي، لذلك يحق لنا أن نظن أن هناك في بنية النظام ألغاما موقوتة، تعمل بالتواتر مع الضغوطات الخارجية لخلق الأرضية وتوسيعها لبعض المعارضات المرتبطة بالخارج، و خاصة تلك التي كانت جزءا من النظام حتى الأمس القريب.
إن استهداف الأمن الاجتماعي والاقتصادي في ظروفنا، هو جريمة كبرى تسمح للعدو بالتقدم بأقل وقت وبأقل الخسائر، وصمود سورية اليوم هو مطلب شعبي داخلي وعربي وعالمي، ولتأمين هذا الصمود، لم يعد هنالك مجال للتأجيل أو التطنيش أو المسايرة، فالمطلوب هو اتخاذ مواقف واضحة وحازمة، وتسير مباشرة باتجاه تأمين مستلزمات الصمود، وأهم مستلزمات الصمود في ظروفنا الحالية هو أنه أصبح من الضروري الإقلاع الجدي بحملة مكافحة الفساد، وأهم ضمانات نجاح هذه العملية هي:
إعطاء هذه العملية بعدها الشعبي عبر تشجيع كل أشكال العمل الجماهيري الواعي والمنظم في هذا الاتجاه.
إضفاء طابع العلنية على هذه العملية، كي تكون موادها وملفاتها تحت أنظار الجمهور الواسع.
عدم السماح بالتردد بعد إطلاق الحملة، لأن التردد فيها يعني إجهاضها، وهي ستلاقي صعوبات كبيرة حين تنطلق وسيشتد الضغط بأشكال مختلفة لإيقافها، لذلك يصبح موضوع استمرارها شرطاً أساسياً لنجاحها.
ويبقى الضمان الأساسي لنجاح هذه الحملة هو التفاف الجماهير حولها، الأمر الذي لايمكن أن يتم دون أن تنعكس هذه الحملة بنتائجها على مستوى معيشة جماهير الشعب.
وإذا كنا نتحدث عن الفساد الكبير والنهب الذي يرافقه، فإن الوقائع تثبت أن دور حديثي النعمة في هذه العملية، ليس أقل أهمية من دور الناهبين الكبار في قطاع الدولة نفسه، بل إن دورهم هو جزء مكمل وأساسي لعملية النهب. وإذا كان البعض يظن عن حسن نية أحياناً، ونتيجة للموجة السائدة في العالم أنه من الضروري أن يصنع رجاله في اقتصاد السوق، كي يسمعوا كلمته، ويدينوا له بالطاعة بعيداً عن قوى السوق الكبرى التقليدية ذات الارتباطات التاريخية والعضوية بالسوق العالمية، فإن التجربة الماضية القصيرة بينت أن هؤلاء الطارئين الجدد يميلون إلى التحليق خارج السرب والانفراد بقراراتهم الاقتصادية والسياسية بقدر سرعة نمو ثرواتهم دون أي رادع وطني أو أخلاقي، كي يثبتوا مرة أخرى أن الرأسمال الكبير لاوطن له، وأنهم قادرون على الارتباط بأصحاب السوق العالمية بأسرع مما اعتقد الكثيرون حفاظاً على ثرواتهم الجديدة ومصالحهم الضيقة، وهم بذلك يتحولون شأنهم شأن مراكز الفساد الكبرى إلى نقاط اختراق سهلة للعدو الأمريكي الصهيوني الذي يحشد اليوم كل قواه من أجل إخضاع سورية بالضغط من الخارج والداخل.
وحين قلنا إن الذي يملك يحكم، وإن الذي لايملك لايحكم، إنما كنا نقصد أن تحويل الملكية إلى هؤلاء ولو جزئياً لن يضمن استمرار استقلال القرار الوطني ولن يعزز شروط المواجهة الوطنية، ولن يدعم الجبهة الداخلية، بل سيضعف الوحدة الوطنية، وسيعمق التفاوت الاجتماعي الذي سيتحول إلى صدع أساسي تهتز له أركان المجتمع، الأمر الذي سيكون فقط في مصلحة من لاينوون الخير لبلادنا، لأنهم حينذاك، وحين يصبحون المالكين الحقيقيين الأساسيين، سيستطيعون إخضاع جهاز الدولة لمشيئتهم السياسية والاقتصادية.
وعلى هذه الأرضية يصبح غير مفهوم، بل ومثير للشك أيضاً أي كلام حول تأخير الإصلاح بحجة الأخطار الخارجية، فالضغط الخارجي تحديداً يهدف إلى تأخير ومنع أي إصلاح جدي، لأنه بمفاعيله يقوي ويدعم ويحصن الوضع الداخلي، مما يقطع الطريق على المخططات الأمريكية الصهيونية، وعلى مراكز اختراقها الداخلية المتمثلة بالدرجة الأولى بمراكز الفساد الكبرى.
إن سرعة تطبيق الإصلاح المنشود والذي يلبي مصالح المجتمع والوطن، تحددها ضرورات الوضع، وليس الإمكانية كما يحلو للبعض أن يصور لنا الأمر، فانتظار نضج الإمكانات بشكلها المثالي هو أمر خيالي لامكان له في الحياة الواقعية والإمكانات نفسها تنضج بقدر ما نغذ السير على طريق الإصلاح الشامل الضروري.
إن الذين يعملون على تأخير الإصلاح الشامل، إنما يعملون على تأخير تطبيق إستراتيجية المقاومة من أجل إبقاء البلاد مكشوفة أمام المخاطر حينما تصل إلى لحظة المواجهة الكبرى، وهذا بحد ذاته هو أقصر الطرق نحو الانهيار الشامل لبنية الدولة والمجتمع، وهو مايريده أصحاب مخطط الشرق الأوسط الكبير.
إن الإصلاح إذا سار في طريقه الصحيح معبراً عن مصالح المجتمع سيجد كوادره وقادته القادرين على تحمل عبء هذه المهمة، إذ ستفرز الجماهير من بين صفوفها أولئك الذين يستطيعون القيام بذلك، ومفردات هذه العملية بسيطة إذا أردنا البدء فيها وهي:
ضرب مراكز الفساد.
تحسين الأوضاع المعيشية للشغيلة بسواعدهم وأدمغتهم.
تأمين النمو الاقتصادي المطلوب بالاعتماد بالدرجة الأولى على الإمكانات الوطنية.
تأمين قانوني أحزاب وانتخابات يضمنان استمرار كيان الدولة الوطنية ويعكسان مستوى الديمقراطية المنشودة كما يضمنان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تؤمن الوصول إلى الأهداف المذكورة أعلاه خلال فترة زمنية سريعة وقياسية.
وفي هذا السياق لابد من الاهتمام بالقضية الزراعية التي تؤمن جزءا هاما من الدخل الوطني ولعبت دورا أساسيا في تأمين الأمن الغذائي في الفترة الماضية ،و يشير منحى التطور في هذا المجال الى ازدياد احتمال التراجع من حيث الا نتاجية و من حيث مستوى معيشة جماهير الشغيلة في هذا المجال من عمال زراعيين و فلاحين فقراء و متوسطين ، وتكمن عوامل التدهور في ازدياد المنافسة في ظل سياسة فتح الاسواق أمام الخارج و في ظل ازدياد تحكم الوسطاء في اسعار مستلزمات الانتاج مما يرفع سعر االمنتج لصالح ناهبي الاقتصاد الوطني, و في تدهور احتمالات المنافسة في الاسواق الخارجية مما يضع النتجين المحليين في وضع غير متكافىء مع السوق الدولية...إن الاستقرار النسبي معاشيا واجتماعيا الذي عاشه الريف السوري يشارف على الانتهاء و تمتد عملية النهب المنظم لتطاله اسوة بباقي قطاعات الاقتصاد الوطني مما سيدمجه بشكل اوسع في الصراع الجاري ضد السياسات الليبيرالية الجديدة التي تحاول بعض الاوساط أن تمررها.و الخلاصة إن جوهر الحل يكمن في استمرار دعم الدولة للمنتج الزراعي أو عدمه..إن الدول المتقدمة التي تسير باتجاه اقتصاد السوق الحر تدعم منتجيها الزراعيين و التخلي عن هذا الأمر في ظروفنا سيوجه ضربة قاسمة لللاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي..لذلك فإن استمرار دعم المنتج الزراعي و توسيع الاهتمام بالبنية التحتية الزراعية ( الأرض) هي شروط ضرورية لتأمين التطور الاقتصادي و الاجتماعي المتوازن في الظروف الدقيقة التي تمر بها بلادنا.
إن الوضع الاقتصادي الداخلي بحاجة بشكل عام إلى حلول إسعافية لضمان تحصين البلاد وتأمين استراتيجية المقاومة، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.


4 - بين تطوير الرؤية وتعميق الممارسة:

إن الرؤية هي التعبير الملموس لموقف الشيوعيين الفكري في الظرف السياسي الملموس، أي أن الرؤية هي الرابط بين المنطلقات الفكرية التي تبقى ثابتة نسبياً وبين الواقع الملموس الذي يتغير بشكل دائم، فبدون رؤية واضحة لايمكن ربط الفكر بالواقع.
وإذا كان تسارع العمليات التي جرت في أوائل هذا القرن بعد عقد من انهيار الاتحاد السوفييتي قد انعكس في شيء، فقد انعكس في ضرورة تكوين رؤية تجذر وتجدد موقفنا الفكري ولاتنسفه كما يحدث مع البعض نتيجة التسارع العاصف للأحداث.
لقد أوضحنا في تقرير هيئة الرئاسة السابق أن تكوّن الرؤية بحد ذاته ليس هدفاً، وإنما يجب أن تفضي إلى خطاب يتفاعل مع الجماهير آخذاً بعين الاعتبار مستوى وطريقة الوعي الاجتماعي، وهذا الخطاب بدوره إذا كان ناجحاً سيؤدي إلى خلق الأساس الصحيح للممارسة الفعالة على الأرض، من هنا رأينا الطريق التي يجب أن نجتازها لردم الهوة بيننا وبين الشارع، لذلك في البدء كانت الرؤية، فكيف تكونت بالتدريج خلال الأعوام القليلة الماضية منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين في 15/3/2002 حتى الاجتماع الوطني الخامس في تاريخ (3 حزيران 2003)، وكذلك مانتج عن جلستي مؤتمرنا الاستثنائي من موضوعات وأفكار، كل هذه المواضيع يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1. الإمبريالية وخاصة الأمريكية تمر بأزمة مستعصية، ولاحل لديها إلا الحل العسكري الشامل، وهذا دليل على انسداد الأفق التاريخي أمامها، وهي محكومة بتوسيع رقعة الحرب والهيمنة.
2. بالمقابل، هناك أفق جديد ينفتح أمام الحركة الثورية العالمية التي كانت بحالة تراجع حتى الآن، وهذا يسمح بالاستنتاج أن المبادرة تنتقل إليها، وأن أفقها التاريخي الذي كان مسدوداً مؤقتاً في النصف الثاني من القرن العشرين قد انفتح، وبدأت عملية مد جديدة لها، وهذا لايمكن أن يتحقق دون المقاومة الشاملة فكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً.
3. انهيار النظام الرسمي الدولي والنظام الرسمي العربي، وبداية صعود الشارع في كل مكان.
4. هناك هوة بين الحركة السياسية المأزومة والشارع الذي يسبقها.
5. خيارات الشعوب ليست متطابقة بالضرورة مع خيارات الأنظمة، بل هي يمكن، بل ويجب أن تتناقض معها في أكثر الأحوال. في مقابل شعار (السلام خيار استراتيجي) طرحنا شعار (المقاومة الشاملة) لأن السلام المقصود في ظل التوازن الحالي لن يكون إلا عدواناً بطرق أخرى جديدة.
6. طورنا مفهوم الوحدة الوطنية، وطرحنا عدم إمكانية المصالحة بين الجماهير وقوى السوق والسوء، وأكدنا على ضرورة عدم الخلط بين أمن الوطن وأمن الذين ينهبون الدولة والشعب.
7. أكدنا أن الليبرالية الجديدة اقتصادياً، لاتحمل إلى بلداننا إلا المزيد من تقييد الحريات السياسية، والديمقراطية عدو لها.
8. حذرنا من أن مراكز الفساد الكبرى هي نقاط الاختراق الأساسية للعدو الخارجي.
9. أكدنا أنه في ظروف سورية سيستخدم حل مركب لضربها وضرب سيادتها الوطنية.
10. ربطنا الوطني العام والاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي، وقلنا إنها وجوه لموضوع واحد هو موضوع (كرامة الوطن والمواطن).
11. أوضحنا أنه دون القضاء على الفساد الكبير، لايمكن حل أية قضية من القضايا المنتصبة أمام البلاد في أي مجال من المجالات: وطني أم اقتصادي اجتماعي أم ديمقراطي.
12. أثبتنا أنه لم يعد هناك مكان للنمو ولا للتنمية في ظل النهب الكبير والفساد وفي شكل إدارة الدولة الحالي.
13. طرحنا ضرورة صياغة دور جديد للدولة يقف على نقيض من موقفين: الأول الذي لايريد التغيير والثاني الذي يريد نسف دور الدولة من حيث المبدأ.
14. أوضحنا أن المدخل للحريات السياسية وإشاعة الديمقراطية لايمكن أن يمر إلا عبر النضال الاقتصادي الاجتماعي على أرضية النضال الوطني العام ضد المخططات الإمبريالية الأمريكية، وأكدنا دائماً أن المهم تغيير السياسات وليس تغيير الحكومات، وبيّنا أن هناك مايكفي من القوى في المجتمع إذا نظمت صفوفها ستستطيع التصدي لخطر الليبرالية الجديدة.
15. لذلك أكدنا أن المعركة الجارية حول الاقتصاد الوطني، هي إحدى خطوط المواجهة الرئيسية للنضال ضد مخطط الشرق الأوسط الكبير.
16. أكدنا أن الاستقواء بالداخل هو الحل الوحيد لمواجهة الخارج، وأوضحنا أن الذين يستقوون بالخارج يعبرون عن عجزهم، وليس فقط عن خيانتهم.
17. حذرنا دائماًَ من خطورة وحتمية العدوان القادم، وطالبنا بإطلاق الحوار الوطني لتوطيد الوحدة الوطنية.
18. تحدثنا عن الخلل الوظيفي في الحركة السياسية، وشخّصنا، وطرحنا الحلول لمعالجته.
19. شخصنا أمراض العمل الجبهوي الثلاثة، وقلنا إن الجبهة ليست سقفاً للوحدة الوطنية.
20. استنتجنا أن وحدة الشيوعيين السوريين أمر ضروري وحتمي، وهي أمر قادم بفعل إرادتنا، وهي تعني إعادة تكوين الحركة الشيوعية في البلاد، ورفضنا التوجه نحو تشكيل فصيل آخر في الساحة.
هذا جزء أساسي من رؤيتنا، ولكن ماكان لهذه الرؤية أن تلعب دورها لولا تطور الخطاب الذي لن نتوقف عنده كثيراً، لأنه ينعكس في صحافتنا ووثائقنا وبياناتنا، ولكن سنتوقف عند الممارسة وأدواتها.
لقد كونا وبنينا خلال الفترة الماضية الأدوات الرئيسية لممارستنا، ورغم أننا قطعنا شوطاً هاماً في هذا المجال، إلا أن نقطة الضعف الأساسية في مجمل عملنا تكمن هنا، وهذا الأمر يتطلب البحث والمعالجة، وإذا لم يحل بشكل صحيح فإن الرؤية التي بذلنا جهداً كبيراً من أجل تطويرها خلال السنوات الماضية ستبقى في إطار الرؤية ولن تتحول إلى فعل.
إن تحويل رؤيتنا إلى فعل مرهون بتفعيل أدواتنا، فما هي هذه الأدوات باختصار؟
1. التنظيم الحزبي.
2. اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.
3. الحوار الوطني.
4. مكافحة الفساد.
5. النشاطات على الأرض من اعتصامات ومظاهرات وتوزيع بيانات.
6. شبكة توزيع قاسيون.
7. التثقيف الحزبي والمدارس الحزبية.
8. العمل في النقابات.
9. رفع الوزن النسبي للشباب والنساء في قيادة العمل الحزبي والسياسي.
10. إصدار مجلة فكرية/ نظرية، وإنشاء مركز دراسات فكرية نظرية.
من كل ذلك يتبين أن أمامنا مهام كبيرة ومعقدة، وهذا طبيعي، فالوضع لايمكن معالجته بحلول بسيطة، لأنه وضع معقد ومتعدد الإحداثيات، لذلك لكي تكون الحلول ناجعة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تعقد الوضع الذاتي. لقد تعودنا وبسبب طبيعة تطور الوضع سابقاً أن تكون حلولنا بسيطة وغير مركبة، أما الوضع اليوم فيتطلب غير ذلك، وهذا يمكن اعتباره أحد الاستنتاجات الهامة في الرؤية نفسها. لقد أنجزنا الكثير وأمامنا الأكثر، وعلى الحلول الصحيحة التي نستخرجها من الواقع سيتوقف إلى حد كبير مصير حركتنا حاضرها ومستقبلها.
يمكن تلخيص مهامنا في المجالات المختلفة بالشكل التالي:
1 الحزب:
نسير باتجاه الانتهاء من كل الظواهر التي تمنع التنظيم الحزبي من أن يتكوّن بشكله اللينيني، ونعتقد أن البطاقة الحزبية وطريقة التعامل معها وآلية تسديد الاشتراكات الحزبية ستلعب دوراً حاسماً في ذلك، ولم ترتح لهذا الموضوع تلك الأوساط الحزبية التي تريد إبقاء التنظيم مارتوفياً من حيث الشكل، وجرت مقاومة أحياناً لموضوع البطاقة الحزبية التي كان هدفها رسم وقوننة حدود التنظيم، وماتزال آثار خفيفة لهذه المقاومة موجودة هنا أو هناك. إن نجاح هدف إطلاق البطاقة الحزبية والمالية مرهون باستمرارية هذه العملية والالتزام بقواعدها دون تردد، وعليها سيتوقف الكثير في البناء الحزبي.
كما أن التوسع بين الشباب كمهمة حزبية لم يجر التعامل معه بجدية أحياناً، واعتبر في أحيان أخرى مهمة موسمية عابرة، والأكيد أننا سنستمر لفترة طويلة قادمة بالتركيز والتصعيد والتطلب في هذا المجال. إن الحديث عن الشباب والعمل بينهم يعني البحث عن المستقبل، ومن لايعي ذلك لايعي معنى إمكانية انقراض أية حركة سياسية، حتى وإن أعلنت عن نفسها أنها شيوعية.
نعتقد أن التثقيف الحزبي المركزي وفي المحافظات يجب أن يصبح منذ الآن وبقرار ملزم لجميع الهيئات والكوادر أمراً دائماً ومستمراً يكاد يصل لأهميته إلى شروط العضوية، ولم يعد ممكناً البقاء على حالة العفوية في هذا المجال. المطلوب من هيئة الرئاسة القادمة تأمين كل مستلزمات نجاح هذه العملية التي عليها سيتوقف الكثير في عملية نجاح إعادة تكوين الحركة الشيوعية.
2 اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين:
بعد مؤتمرنا هذا سنتجه بكل قوانا لإنجاح الاجتماع الوطني السادس من خلال عملية الانتخابات التي ستسبقه. لقد أكدت عمليات التحضير للاجتماع الوطني الخامس ضرورة وأهمية هذه العملية، وعلينا الآن بذل جهود مضاعفة في هذا الاتجاه. إن اللجنة الوطنية الجديدة التي ستنبثق عن الاجتماع القادم، يجب أن تكون نوعياً خطوة إلى الأمام باتجاه تكوين ذلك التيار الشيوعي الذي سيفرض وحدة الشيوعيين السوريين، ونعتقد أن هذه المهمة الاستراتيجية يزداد توفر عناصرها الموضوعية والذاتية، فالوضع السياسي العام يسير بشكل متسارع نحو احتداد المعركة الوطنية والطبقية، والقيادات المتنفذة في الفصائل الشيوعية لم تغير شيئاً في سلوكها السياسي والحزبي وكأنها تعيش خارج الواقع، وإذ اعتبرنا أنها مصابة بحالة موت سريري، فهي تصر على نقل هذه الحالة إلى تنظيماتها نفسها مع ما يحمله ذلك من خطر وأضرار على الحركة الوطنية عموماً والشيوعية خصوصاً.
وإذا أضفنا إلى كل هذا النمو المتسارع لرغبة الشيوعيين في الوحدة يتضح لنا أن وحدة الشيوعيين السوريين أمر لم يعد وراء الأكمة، وهو إن كان مهمة استراتيجية، إلا أنه ليس مهمة بعيدة المدى، فأي وضع جديد يسمح لنا ببداية استعادة الدور الوظيفي، يعني بدء الانتصار النهائي لوحدة الشيوعيين السوريين.
مع احتمال إقرار قانون الأحزاب هذا العام لابد لنا من التفكير في كيفية تعامل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين مع هذا الموضوع، وهو أمر يجب أن يطرح وأن يناقش بشكل معمق للوصول إلى النتائج.
3 الحوار الوطني ومكافحة الفساد:
تعرفون أهمية الوثيقة الوطنية وأهمية لجنة المبادرة التي تكونت على أساسها، ونحن اليوم أمام أمرين مطلوب تنفيذهما فوراً خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة:
1 تشكيل لجان في المحافظات.
2 بدء حملة ندوات جماهيرية شعبية واسعة الطيف حول الوثيقة وطرق تطبيقها، ومن المؤكد أن لمنظماتنا دور في هذه العملية من ناحية التنظيم والتعبئة وصولا ًإلى استمرارها وتواصلها، إن عمل لجنة الحوار لايسير بالسرعة التي نريدها، العوائق نسعى للتغلب عليها، وهي ذات طابع له علاقة بالتباينات بتقدير الوضع، أكثر مما له علاقة بالجوهر، وقد وصلت اللجنة مؤخراً وبالإجماع إلى قناعة حول ضرورة تسريع عملها وعدم انتظار موافقة أحد على نشاطها. نعتقد أن الأساس التي تكونت عليه اللجنة كاف وقابل للتطوير، وهي قد اتخذت قرارات ملموسة مؤخراً لتوسيع دائرة الحوار، وباشرت في ذلك، ونأمل أن تظهر بعض النتائج الإيجابية قريباً.
بالإضافة إلى ذلك وحسب كل المعطيات، يتم تذليل كل الإعاقات القانونية أمام عمل الجمعية الشعبية لمكافحة الفساد، مما سيطلق إمكانياتها بشكل واسع قريباً، والمطلوب من رفاقنا ومنظماتنا دعم عمل هذه الجمعية بكل الأشكال، وهي يمكن أن تتحول إلى إطار وطني لتجميع القوى الحية في المجتمع وتنسيق جهودها في مكافحة النهب والفساد عبر إطلاق أكبر حركة مجتمعية ممكنة.
أيتها الرفيقات، أيها الرفاق:
يتوقف الكثير على استمرارنا في العمل على الأرض، من خلال العودة إلى الجماهير، مستخدمين كافة أشكال النشاط والتي صقلناها خلال الفترة الماضية من اعتصامات وتوزيع بيانات وتوقيع عرائض ومظاهرات إلخ...
إن المنظمات التي سارت قدماً في هذا المجال تحقق نجاحات حزبية وسياسية هامة أكثر بكثير من تلك المنظمات التي تأخرت أو التي لم تقلع بعد في هذه العملية، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن صحيفة قاسيون كحامل لخط الحزب تلعب دوراً هاماً في تطور حركتنا مما يتطلب إيلاء حملة الاشتراكات وشبكة توزيعها أهمية قصوى.
ولاشك أن استمرار عملنا في النقابات العمالية والمهنية وتطوير عملنا بين الشباب والنساء هي عوامل مهمة في تحديد مساحة تأثيرنا المقبلة.
إلى الأمام أيها الرفاق...
نحو حزب الشيوعيين السوريين الواحد الموحد.
نحو حزب لايكتفي برصيده بل يضيف صفحات مضيئة جديدة.
نحو حزب يعيد الطهارة إلى لقب الشيوعي.
نحو حزب يسير في طليعة النضال الوطني والطبقي.



#قاسيون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وثيقة المهام البرنامجية التي أقرها المؤتمر
- الخطة العاشرة على الطاولة الاقتصادية
- توضيح من اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في حمص-قاسيون-
- ويتحدث الوزراء عن «الدلال» الذي يعيشه المواطن!!
- الخطة الخمسية...الامتحان العاشر لمجلس الشعب
- في مجلة أبيض وأسود:ما الذي يحدد طبيعة النظام الاقتصادي؟
- د. قدري جميل في حوار حول الخطة الخمسية العاشرة:معدلات النمو ...
- العصر الأمريكي ... شراسة، وصراعات طائفية دموية
- تعويم الليرة مطلب العولمة لتسهيل النهب والسيطرة
- الإصلاح بين الممكن والضروري
- مشروع موضوعات حول وحدة الشيوعيين السوريين المقدمة إلى:الاجتم ...
- الإصلاح الاقتصادي... أو 340 ألف جامعي على قارعة الطريق
- بلاغ :عن اجتماع اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين
- رئيس اتحاد العمال العرب لقاسيون:تطبيقات الليبرالية الجديدة ب ...
- الإصلاح المنشود واستراتيجية المقاومة
- كم ستخسر الخزينة عند الخصخصة؟!!
- لو رفعت الحكومة أسعار المازوت... قد تربح ولكن سيخسر الناس
- أكثر من نصف السكان دون مأوى ..أزمة السكن بين مطرقة الركود ال ...
- عرب «النقب» في مواجهة سياسة الاقتلاع والتهجير الصهيونية
- «الوطن في خطر» استعارة ستالينية أم صرخة وطنية أصيلة؟


المزيد.....




- بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
- فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران ...
- مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو ...
- دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
- البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
- ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد ...
- بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
- مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
- مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو) ...
- الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - تقرير هيئة الرئاسة لمؤتمر الشيوعيين السوريين الحادي عشر