كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 6346 - 2019 / 9 / 9 - 14:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعددت آلهة مصر الفرعونية في توافق وسلام وأريحية، إلى أن صارت مصر إمبراطورية عظمي في عصر أمنحوتب الثالث، تشمل أطراف العراق وسوريا شمالاً والنوبة جنوباً، حتى نهاية القرن الخامس عشر ق. م.، فكانت الحاجة إلى إله عالمي يوحد الإمبراطورية، جاء به أمنحوتب الرابع (إخناتون) من بين الآلهة المصرية المعروفة، باسم "آتون".
ترتب على حروب إخناتون الداخلية للتوحيد الديني انهيار الإمبراطورية وتفكك الدولة المصرية، وتغلب كهنة "آمون" على الانقلاب التوحيدي بعد موت إخناتون. فقام أحد قادته المتحمسين للدين التوحيدي بقيادة "لفيف" من المؤمنين به، والتحقوا بقبائل أسيوية سكنت شمال شرق البلاد من زمن غزو الهكسوس، واستغلوا حالة انهيار الدولة المصرية بعد الأسرة الثامنة عشر، وغادروا البلاد باتجاه "قادش" جنوب فلسطين، حيث التقوا بقبائل ميديانية بدائية وحشية. وهي الرواية التي أعطى لها التدوين في مرحلة لاحقة (حوالي 800 ق.م.) أبعاداً تراجيدية ملحمية.
هناك تم توحيد وتعاهد مرحلي بين المتحضرين أصحاب التوحيد القادمين من مصر، وبين القبائل الميديانية التي كانت تعبد إله براكين محلي وحشي.
التحالف الجديد الذي استهدف انتزاع المناطق المحيطة من الشعوب العديدة التي تسكنها، لم يكن بحاجة لإله واحد متسام بقيمه التقوية الإنسانية مثل "آتون"، ليجمع إمبراطورية ويوحد شعوبها، بل كانت بحاجة لإله تختص به ويميزها، وذو قيم وطبيعة وحشية، تعين التحالف الجديد على اقتلاع شعوب الأرض بحد السيف وسفك أنهار من الدماء لتملك الأرض بعد إخلائها ممن عليها.
فكان أن توارت عبادة "آتون" مرحلياً في قلوب القادمين من مصر، بعدما اغتيل فيما يبدو قائدهم في واحدة من ثوارت التمرد بين القبائل المتجمعة. لتسود عبادة "يهوه" إله البراكين الوحشي، الذي رفعوا رايته وهم يزحفون لانتزاع محيط فلسطين.
ولم يصمد التحالف بين الفريقين النقيضين طويلاً بعد تأسيس مملكتهم الأولى، وسرعان ما انقسموا إلى مملكتين متعاديتين باسم إسرائيل ويهوذا.
هكذا كان الدين في خدمة السياسية ومن إنتاجها ويتطور ويتلون بتطورها وتلونها.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟