أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - القيم الكونية بين الدين والفن














المزيد.....


القيم الكونية بين الدين والفن


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 6346 - 2019 / 9 / 9 - 09:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُنسب للفن بالمعنى العام للمصطلح كل ما لا يُقدّم إلاّ لمتعة الروح، ولا نقصد هنا تلك المُتع التي يقدّمها الفن للمرء إنما تلك التي تحظى برضى ذوق المتلقي، ويشمل بنفس المستوى الدين والذي يرى نفسه أفضل، فالفن منحط وسوقيّ أما الدين فهو أسمى، ذلك توصيف لاهوتي عابر للقارات، يضع الأمور بنصابها ولا يحتاج لإضافة إلاّ من قبل الفتاوي الملائمة لأوضاع معينة، ورغم نمطية تلك الرؤى لا شك بأن الدين قد جسّد إيمان البشر من دون بشر، وقرر وحده القيام بتمثيل البشرية، كالفن الذي يصنع جسدا بلا أعضاء ثم يلعب دورها دون أن ينسى حفظ الألقاب، والرسالات البشرية هي كما أخواتها السماوية لم تخرج عن ذات الإطار، فليس ثمة إيمان بل أدلة وبراهين عملية على الإيمان، وليس ثمة عقيدة بل أعمال عقيدية تصنع الدين لا العكس.
لو أن متاحف تاريخ الأدب الإنساني لم تشي بأن قصة الخلق وهبوط آدم وملحمة الطوفان وقرابين إبراهيم ومسلسل الأنبياء نسخا كلاسيكية منقولة عن مدوّنات جدران كهوف ما قبل التاريخ المعروف لدينا، لكانت قصة الأنوناكي نظرية قابلة للبحث بدائرة العلوم في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وليس في قسم الأساطير بكلية الفنون والآداب في جامعة هارفرد، فهل الدين بما يحمله لنا من أفكار شكلا من أشكال تطوّر الفن؟ قد يكون السؤال السابق مبتذل وينبغي تلطيفه على الفور.
للوهلة الأولى لايكون الدين تاما بلا فن، فالفن يسعى لتحقيق مطالب الروح من مُتع، ولا تدور المتعة إلاّ حول موضوع الإشباع، وهنا يتميّز الفن الذي يداعب الأحاسيس البشرية عن الدين الذي يسعى لامتلاك ليس فقط المشاعر والأحاسيس وأنما البشر أنفسهم لمصلحة الشخوص المذكورة في القصص المقدسة، إن المرء لا يمكنه إلاّ أن يعتقد بأنه أينما وجد الفن فحتما سترى الدين يتسوّق في متجره، فبدون الفن لن ترى معجزة من معجزات الغيب، بل لن ترى المؤمنين أنفسهم، لأنه بلا الفن يستحيل تصوّر ألم ومعاناة وخوف وقلق وفرحة المؤمن، وبلا الفن لن يتمكن مشعوذٌ من مداعبة جسد إمرأة بحجة إخراج جنّيا من فرجها، وسيغدو الدين كائنا لا مباليا لن يهتم الأتباع في استثمار أموالهم وأرواحهم فيه. إن الأمر ليس فيه أي تناقض، فكما أن الفن متعة الروح، فإن خلاص تلك الروح مرتبطة بالدين، لذا فالدين في المآل نتيجة يتم التعامل معه باعتباره وقاية وعلاج، وهو اختصارا وسيلة للبقاء، فهل يُمكن للبشر الإستغناء يوما عن الدين لصالح الفن؟
إنه قرار يُمكن أن يظلّ قائما ومرتبطا بأصحابه، شريطة أن يعلن الفن براءته من الدين وليس العكس، فالدين قد أعلن حربا قاسية على كل ماله علاقة بالفن، وحرّمه في التوراة والإنجيل والقرآن باعتبار الفن مدخلا لتجسيم الصور والوثنية، لكن الدين بالمقابل يستخدم الفن في وصفه لكل شيء في الحياة والممات والكون والنعيم والجحيم، لذا فإن نزع الوظيفة الفنية من الدين حتما سيجعله بلا وظيفة، فالمسلم الذي يبني مسجدا ليتعبّد فيه والنصراني واليهودي وحتى البوذي بكهفه الجبلي، كل أولاءك يعبّرون عن إهتمام (إيمان) بأن نجاة أرواحهم مرتهنة بذلك الإيمان، رغم أن المتع الروحية والثوابية للمؤمن لا يمكن تجسيدها أو حتى وصفها إلا عن طريق الفن.
إن الأمر يبدو كما لو أننا نعود بالزمن لشعب المايا أثناء احتفالاتهم الدموية ونتناول أحد أصنام آلهتهم من قمة هرم المذبح أثناء تدحرج مئات الرؤوس البشرية المقدمة كقرابين لآلهتهم ثم نعود لزمننا الحالي مودعين ذلك الصنم في الواجهة الزجاجية لمتحف اللوفر، لاريب بإن كافة القيم التي كانت لها غايات دينية مقدّسة، أضحت اليوم تعرض في متاحفنا كأعمال فنية، نمر من أمامها ونأسف على كل تلك الأرواح التي أُزهقت باسم تلك الغايات الدينية، وقد يمر الزائر في المتحف أمام تلك الأيقونات والأصنام ولا يأبه بها، بل يلفت انتباهه مجسّما لطائر منقرض زاهي الألوان كان يعيش في تلك الحقبة، ولو قُدّر لهذا الطائر أن ينطق لقال لزوّاره: اغربوا عني فلستم بأفضل حال من أسلافكم.
إن معيار الإختيار بين كافة الأمور التي تعدّ صالحة أو غير صالحة للتداول بين البشر مرتهن بمدى قيمته الكونيّته، فإذا ما نحن قمنا بانتاج معايير مادية وروحية صالحة لنا فإننا بذلك نكون قد حدّدنا سلفا ما هو خاص بمجتمعنا فقط وليس قيما كونية أي ليست بالضرورة صالحة للإستعمال الكوني، فلا يجوز فرضها على باقي الأمم، فما هوهام جدا لقاطن الربع الخالي ليس كذلك لمقيم في مدينة كان، إن هذه الإزدواجية للمعايير المُحددة للقيم الإنسانية تجعل الفصل بينها عملية ذهنية فكرية في ظل واقع عملي معاش، لذا فمن الواجب القول بأن القيم الصالحة هي كل ما يستحسنه البشر في كافة أرجاء المعمورة بلا مقدمات، وفي ميدان المقارنة بين الدين والفن وفق ذلك المفهوم فإن الكفة تميل لصالح الفن، لكن هل كان الأمر دوما هكذا؟
إن الواقع قد يقول غير ذلك، فمن المعلوم أن الحيرة في أمر ما تقابله كثرة التفسيرات والتأويلات، ولو أن الفن دوما يعجب كل الأذواق لما كان له عموما ما يقدّمه أكثر ممّا فعل سلفه في كافة المجالات، فماتراه جيدا في طوايا نفسك قد لايكون كذلك عند الآخرين، وذلك هو الدافع المحرك لإنتاج المزيد بمجال الفن، والفن الجديد الذي حفر قبر سلفه سيُبديه خلَفه بنفس القوة التي مُورست قبلا، والأمر ذاته يحدث في الأديان، والراسخون في الدين يقولون بأن قيمة الدين لا تقدر بثمن أو تقاس بحد، رغم أنهم هم أنفسهم من يقومون بالتقييم والتثمين والتقدير والقياس والحد بلهجة لاتقبل الرّد، ليس لأن الدين دائما على حق بل لأنه هو نفسه أزاء البشر لا يتمكن أبدا من إظهار نبيا دون أن يحطّ من قيمة إنسان آخر يفترض أن يكون مساو له في الندية، ويبدو بأن الخصومة التاريخية بين الأنبياء والصالحين وبين الملوك الفاسدين هي سياسية في جوهرها، وحتى يحافظ الدين على من كانوا بحظيرته (إبليس مثلا) تم منحه وظيفة مدير أكبر رواق للشر في الكون، ولا تكمن فكرة الدين في منع توسع رواق الشر، وإنما في الكلفة الباهضة لمحاربة الشر نفسه.



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات الكربونية
- مادية الخطاب الديني
- هويّة المُقدّس
- حروب الآلهة -3
- حروب الآلهة -2
- حروب الآلهة -1
- تكوين المُدرك
- لكي نبقى على الأرض 2
- لكي نبقى على الأرض
- العلّة الغائبة
- قوة الفكرة
- نرجسية الأديان
- المجتمعات البريئة
- السُحُب الفارغة!
- الإتجاه الجغرافي للتاريخ
- القيمة العلمية للأديان السماوية
- ضجيجُ الموتى!
- المتغيّر والثابت في الوطن العربي!
- الصحافة الرسمية الرائجة
- المعارفُ والقناعات!


المزيد.....




- هيئة البث الاسرائيلية:اندلاع النيران في كنيس يهودي بمدينة مو ...
- تونس.. تسعة معالم دينية في القيروان مهددة بالانهيار
- بزشكيان:العلاقات الطيبة بين البلدان الاسلامية تحبط مؤامرات ا ...
- “ارسمي الفرحة على وجه البيبي الصغير” استقبل حالا تردد قناة ط ...
- الرئيس بزشكيان: على الدول الاسلامي التعاون ووضع الخلافات جان ...
- هل أحاديث النبي محمد عن الجيش المصري صحيحة؟.. الإفتاء ترد
- المكتبة الخُتَنيّة.. دار للعلم والفقه بالمسجد الأقصى
- “خلي أطفالك مبسوطين” شغّل المحتوي الخاص بالأولاد علي تردد قن ...
- قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - القيم الكونية بين الدين والفن