أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الإله بوحمالة - كفايات التناظر التلفزيوني















المزيد.....


كفايات التناظر التلفزيوني


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1552 - 2006 / 5 / 16 - 17:47
المحور: الصحافة والاعلام
    


أصبحت القنوات التلفزيونية الفضائية تحتل مكانا بارزا في صناعة الرأي العام العربي وتشكيله وتوجيهه. وبدأ الوعي بأهميتها كمنبر لطرح وتسويق وجهات النظر وتقديم صورة إعلامية للآخرين يزداد يوما بعد يوم. كما بدأت الحكومات والجهات الرسمية تدرك جيدا أن الوسائط الإعلامية، وخاصة منها الفضائيات، تتيح إمكانيات غير مسبوقة يجب استثمارها في المجهود الدبلوماسي والمفاوضات السياسية والعلاقات العامة.
ومن ضمن الظواهر التي ارتبطت بواقع تبادل المنافع بين سلطة الإعلام والسلطة السياسية تحولت الفضائيات إلى مجال للمرافعات والتناظر حول قضايا ونزاعات وطنية وإقليمية ودولية شائكة، وطرحها على محك الجدل والسجال والحوار المباشر على الهواء.
وبالفعل ربح أنصار بعض القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية نقطا وأحرزوا تقدما على خصومهم فقط بفضل اهتمامهم بهذا الجانب وبفضل إتقانهم لفن المناظرة التلفزيونية وامتلاكهم لأدواتها.
في هذه الورقة سنقدم ما اخترنا له كعنوان مصطلح "الكفايات"، لاستعراض بعض الآليات الأساسية التي تسعف في إنجاز مناظرة تلفزيونية ناجحة. وهو المصطلح الذي تتقاطع عنده كل الخبرات والملكات التواصلية والنفسية والمنطقية والتوثيقية والأخلاقية..
علما بأن هناك مداخل أخرى وكفايات تم إهمالها، بعضها يغلب عليه الطابع النظري وبعضها لا يخص فعل التناظر عبر التلفزيون.
I. كفايات العرض:
"إتقان الشيء ومعرفة عرضه هو إتقان له مرتين" كما يقال..
والشيء الذي لا يعرض جيدا كأنه غير موجود أصلا، لذلك فالمناظر ملزم وهو يدافع عن أطروحته أن يكون متمتعا بالكفايات والقدرات التالية:
 الملكة اللغوية:
أي أن يكون متمكنا، نسبيا، من أواصر اللغة التي ستجري بها المناظرة. قادرا على خوض حوار واضح مسترسل سلس وبسيط. دون لحون أو أخطاء شنيعة في النحو واللغة. وبلا تقعير في الكلام أو خطابة أو عبارات رنانة.
 الملكة الصوتية:
يعتبر عامل الصوت عاملا مؤثرا بالنسبة للجمهور ولدرجة انتباهه أو إعراضه ونفوره.
فقوة الصوت أو ضعفه عادة ما يكونان انعكاسا للمشاعر الداخلية للمتكلم. وبالتالي فصوت الشخص غير الواثق يشوبه الضعف والرقة والتردد والحشرجة، ويحتاج باستمرار إلى "التنظيف المتوالي للحنجرة".
بينما صوت الشخص الواثق يكون مرتاحا دافئا ومطمئنا، ويستطيع أن يتصاعد أو يتنازل في الكلام بكل حرية وسهولة، انسجاما مع الحالة التعبيرية والانفعالية.
 الملكة الاستدلالية:
وتعتبر في المناظرات السياسية من أهم الملكات، حيث يتعين على المتكلم أن يكون متحليا بمنطق قوي ومنهج متماسك في الحديث، وبأفكار منظمة وبديهة حاضرة وسريعة. وأن يكون قادرا على التعامل مع الطروحات المضادة وتفنيدها وكشف مغالطاتها. وله دراية باستعمال أساليب القياس والاستنباط والاستشهاد. وأن يتوخى الإقناع في أجوبته والإفحام في ردوده.
 الحضور القوي والتوازن النفسي:
فكلما كان المناظر سريعا في التأقلم مع المستلزمات الشكلية والإعلامية والتقنية التي يتطلبها العمل التلفزيوني، مستعدا للتآلف معها ( أو تجاهلها )، كلما أمكنه التركيز أكثر على مجريات المناظرة وكان عطاؤه مثمرا وفعالا.
ولبلوغ هذا الغرض يتعين عليه أن يكون ذا حضور قوي وثقة كبيرة بالنفس وقدرة على مواجهة الجمهور ( الحقيقي أو المفترض )، وعلى التفاعل مع التقنيات الإعلامية المزعجة كالآلات والأضواء والديكور وأن يجيد فن التواصل والتحاور من خلال الكاميرا والميكروفون.
 استراتيجية الصمت والإشارة:
في بعض نظريات التواصل التي تقول باستحالة وجود حالة اللاتواصل في حياة الإنسان، لا يشكل الصمت لحظة انقطاع أو بياض عديم الأهمية والدلالة، وإنما هناك انتقال ومراوحة من صيغة تواصل لفظي باللغة، إلى صيغة تواصل غير لفظي بالجسد والجوارح.
أي أن التواصل لا يتم باللغة فقط وإنما بالإشارات والإيماءات المرمَّزة، وبالأشياء الخارجة عن نطاق الجسد، ( الورود والهدايا مثلا )، وبعلاقات الجسد التحيزية..
ولكل من الصيغتين التواصليتين ( الصمت والإشارة )، وظائف وميكانيزمات حوارية بالغة التعقيد تختلف من ثقافة إلى أخرى، وقد تختلف وتتنوع حتى داخل سياق نفس الثقافة الواحدة.
فالمناظر، بالنسبة لجمهور المشاهدين، لا يتوقف عن إنتاج الرسائل الاتصالية طيلة المدة المخصصة للبرنامج بما في ذلك اللحظة التي يتكلم فيها خصمه. فتقاسيم وجهه في حالة الارتخاء أو التقلص، الانبساط أو التقطيب.. ونظرات عينيه في حالات التماس، الطويل أو القصير، بأعين الآخرين أو في حالات التطريف العشوائي والزيغان والنظرة الشزرة أو الخاطفة.. ووضعيته الجسدية العامة التي قد توحي بالارتياح والحرية والرحابة وقد تشي بالتضايق والحرج والانقباض.. كل ذلك انعكاس لحالات نفسية ووجدانية تطفو على السطح لا إراديا لتقول كلاما على هامش ما يتفوه به المناظر أمام الجمهور.
وعلى هذا الأساس فالمناظر في التلفزيون مدعو إلى ضبط أداءه الإشاري والتحكم في لغته "غير اللفظية" بنفس القدر من الاهتمام الذي يوليه لضبط وتجميل أدائه اللفظي.
وقد توقفت بعض الدراسات المهتمة بالتواصل السياسي عند نماذج للحركات والإشارات المقبولة والأخرى المستهجنة في المناظرة السياسية التلفزيونية، علما أن هذا الفن أصبح يعتبر من مقتضيات المواجهات الانتخابية في بعض الدول الديموقراطية، وله خبراء ودارسون ومحللون.
ومن الإشارات التي تعتبر مقبولة:
ـ الإشارات الوثوقية التي تدل على أن الكلام دقيق ومضبوط..
ـ الإشارات الانفتاحية المعبرة عن الود والعطف والتواضع..
ـ الإشارات التواطئية التي توحي برغبة المتكلم في تقاسم رأيه مع الجمهور..
ـ إشارات الاهتمام والشرح والتمثيل... إلخ.
أما الإشارات غير المقبولة التي يجب تجنبها فتتلخص في:
ـ كل إشارات العنف..
ـ كل إشارات التسليم والتراجع..
ـ وكل إشارات الازدراء والامتعاض وغيرها مما يكون وليد الانفعال والتوتر وعدم اللباقة...
II. الذخيرة المعرفية:
تتشكل هذه الذخيرة من عناصر كثيرة ومتنوعة نستعرض منها ما يبدو لنا أنه الخلفية الأساسية التي ينبغي ألا يفتقر لها كل من نصب نفسه أو خوله موقعه السياسي أو الإعلامي أو الثقافي للدفاع عن موقف ما بخصوص قضية ما.
أ ـ المعرفة التاريخية والجغرافية والقانونية والبشرية والثقافية الممكنة التي تسعفه في مقارعة الخصم ومحاصرة حججه وادعاءاته وتفيده في بناء أطروحة مضادة لها حجيتها وبراهينها المقنعة.
ب ـ معرفة بما يمكن أن يقابل هذه الحجج عند الخصم، ومواطن قوة وضعف هذه الأخيرة، بحيث يسهل الرد عليها وإبطالها، أو محاصرتها بحجج مضادة تقلل من جاذبيتها ومن حظها الإقناعي عند الجمهور.
ج ـ المعرفة الشاملة والدقيقة للقضية المتناظر بشأنها وبتطوراتها التاريخية ومساراتها والأطراف المتدخلة فيها. ثم الضبط الجيد للأحداث والتواريخ المرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بهذه القضية.
د ـ معرفة جيدة ( أو على الأقل في حدود المعقول )، بالخصم المحاور، بنسبه وسيرته الثقافية والاجتماعية وموقعه السياسي وخلفيته الإيديولوجية، و"نقط ضعفه وقوته ودوافع القلق والشك لديه"، ثم المداخل التي يعتمدها في الدفاع والهجوم، بحيث أن حجية القضية وصدقها عند الجمهور يتوقفان على مصداقية صاحبها.
فقد تغني معلومة بسيطة واحدة حول شخصية الخصم وتاريخه الشخصي في إبطال الكثير من أطروحاته.
III. الذخيرة الوثائقية:
يعتبر التسلح ببعض الوثائق أو بنسخ عنها شيئا ضروريا بالنسبة للمناظر إذ يمكن أن يلجأ إليها في أي لحظة من المناظرة لإسناد مرافعته ودعم أدلته.
وهناك أنواع متعددة ومختلفة من الوثائق تختلف من حيث القيمة والأهمية، لكنها بالنسبة للمشاهد تلعب دورا حاسما، ففعاليتها الإقناعية الأكيدة ونجاعتها، إن أحسن توظيفها كدعائم حجاجية، فعالية لا تنكر.
كما أنها تغني المتكلم عن بدل طاقة كبيرة في محاولة تسويغ رأيه وتقوية أركان دعواه.
ومن بين الوثائق التي توظف عادة في المناظرات التلفزيونية نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
ـ الوثائق التاريخية والقانونية
ـ المخطوطات والوثائق الصحفية
ـ الأشرطة المصورة أو المسموعة
ـ البيانات والإحصاءات واستطلاعات الرأي
ـ الخرائط والصور الفوطوغرافية
ـ الشهادات والمذكرات والكتب
ـ وقد انضافت قبل سنوات قليلة الوثائق التي تطرحها شبكة الإنترنيت...
IV. أخلاقيات التناظر السياسي:
تفترض أخلاقيات التناظر أن يتحرى الطرفان المناظران من مناظرتهما "الحقيقة المجردة ويسعيان متضافرين للوصول إليها" والالتقاء عند حدودها.
لكن المناظرات السياسية التي تجري على شاشات التلفزيون حادت عن هذا المبدأ العام تقريبا. فالمقصود من المناظرة لم يعد هو البحث عن الحقيقة بل أصبح إقناع الجمهور بوجهة نظر المناظر وما يعتقد أنه الحقيقة.
فالمناظرون أصبحوا يكابرون في التمسك بالمضادة وعدم الاقتناع، ويستميتون في التشدد لعقائدهم السياسية، ويتحايلون لذلك بكثرة اللجاجة والشحناء وتفريع الكلام. كما صار يحتكم في تقييم الفعل التناظري على المعدل النسبي للهيمنة الإقناعية التي يحصل كل طرف متكلم عليها وليس على الإفحام التام للخصم أو الانتصار للحقيقة.
لكن هذا لا يعفي المناظر من الالتزام ببعض المبادئ التي تدخل في نطاق أدب الحوار والمناظرة ونستعرض بعض أمثلتها فيما يلي:
ـ مراعاة عقلية الجمهور وذكائه بحيث يتجنب المناظر أي قول أو سلوك يفهم كأنه استبلاد للمشاهدين أو استغفال لهم..
ـ الالتزام بتداول الحوار وتجنب المقاطعات وأخذ الكلمة بالقوة وبدون كياسة أو استئذان..
ـ تجنب التشويش بالصراخ ورفع الصوت عاليا والحركات الجسمانية الطائشة وإزعاج الخصم أثناء حديثه، لأن هذا العمل مرتبط في ذهن الجمهور بكونه قصورا في المنطق وضعفا في الحجة كما من شأنه أن يدفع الجمهور إلى التعاطف مع الرأي الآخر..
ـ تجنب السخرية من شخصية الخصم ومن كلامه وأفكاره
ـ الامتناع عن إظهار ملامح التهكم والازدراء والاستخفاف..
ـ تجنب السب والقذف والكلمات النابية والتعابير السوقية
ـ تجنب "الطعن في مروءة الخصم" والتشنيع به أو بالجهة التي يتكلم باسمها..
ـ وأخيرا، تجنب تمييع الحوار بسلوكيات من نوع التصفيق للخصم ازدراء، أو وصف كلامه بأنه خطبة عصماء لا تستحق الرد أو أنها مجرد بلاغة جوفاء أو كلام إنشائي وما إلى ذلك.. فهذه أحكام متروكة للجمهور.
V. التلفزيون ركح لمسرحة الفعل التناظري:
المناظرة التلفزيونية "فرجة ديمقراطية" تخضع لقواعد مسرحية وأخرى تلفزيونية.
وانطلاقا من هذه المقدمة يحاول معدو ومقدمو البرامج السجالية وبرامج المناظرات أن يلتزموا بنوع من الحياد بالنسبة للموضوع المتناظر بشأنه. لكنهم في نفس الوقت يعملون من أجل "مسرحة" الفعل التناظري بالشكل الذي يجلب انتباه الجمهور ويشده للمتابعة عن طريق خلق جو من التشويق والتوتر والصدام الناتج عن الإحماء الشديد للحوار والاستفزاز بالأسئلة والملاحظات.
لذلك ينبغي على المناظر أن يتموقع بشكل صحيح بإزاء مقدم البرنامج. إذ يتعين عليه مبدئيا ألا يضيع جهدا كبيرا في محاولة التودد إليه أو تملقه بغية كسبه واستدرار تعاطفه، كما ينبغي عليه أن يحذر من كل ما من شأنه أن يستعديه أو يستفزه فيدفعه بالتالي إلى الانحياز النهائي للخصم، إن لم يكن بشكل مباشر وصريح فأقله من خلال الجو النفسي العام الذي قد يضفيه على أجواء المناظرة.
فالسلطة التي يمتلكها مقدموا البرامج، خصوصا إذا كان البث مباشرا، يمكن أن يستغلوها سلبيا بالتشويش أو المقاطعات أو الحيف في توزيع الوقت أو الكلام أو طرح أسئلة المحرجة ونصب الفخاخ والمآزق.
ومقدم البرنامج في النهاية طرف خارجي لا يهتم إلا بنجاح برنامجه ومصلحة القناة التي يشتغل لصالحها وله في هذا الشأن حساباته وإستراتيجيته الخاصة التي لا يجب أن تشغل المناظر.
VI. مزالق الفعل التناظري:
 أخطاء وهفوات:
على المناظر أن يفترض دائما أن كلا من خصمه، ومقدم البرنامج وجمهور المشاهدين جميعا يتحلون بيقظة تامة وانتباه كامل وإلمام كاف بالموضوع المطروح للحوار.
وبالتالي لا ينبغي له أن يعول على جهلهم أو غفلتهم أو عدم اهتمامهم. فهو مطالب بألا يقع في هفوات معرفية أو تعبيرية، مهما صغر شأنها، مثل الخطأ أو التحريف أو التصحيف في ذكر أسماء الأشخاص والأماكن والهيئات وما إلى ذلك.
فقد يوحي خطأ بسيط بنطق كلمة أو تهجئتها للجمهور المتتبع بأن المناظر مجرد دعي أو متطفل على الموضوع أو بعيد عن حيثياته أو يتكلم فيما لا يعرف. فتكون هذه الهفوة، على بساطتها، مدعاة لتسرب عوامل الشك لدى الجمهور في شخصية المناظر وبالتالي في قوة وتماسك حججه ودرجة مصداقيته ومصداقية قضيته.
 فلتات اللسان:
لكل أطروحة خلفيتها الإيديولوجية المحددة..
وبالتالي لها سجلها التعبيري والمعجمي ونسقها الرمزي والدلالي أيضا، بحيث لابد لأي فاعلية تروم التحاجج دفاعا عن هذه الأطروحة أن تتحرك انطلاقا من ترسانة متشعبة بمعانيها وحمولاتها وتأويلاتها الممكنة لتقارع ترسانة أخرى مضادة ومناقضة ولها نفس الكفاءة الإقناعية.
وهكذا في خضم التفاعل الكلامي المشحون بانفعالات نفسية حادة ومتأججة. وفي خضم مراوحات الأخذ والرد، يتعين على المتكلم أن يحذر من الانزلاق إلى الحقل الحجاجي للخصم من خلال بعض الفلتات اللسانية الصغيرة غير المراقبة التي قد يحدث أن ينتبه لها هذا الأخير فيتلقفها ويستثمرها لصالح أطروحته بشكل من الأشكال أهونها وأقلها إحراجا المناورة الديماغوجية العقيمة أو التبكيت والسخرية وغمز الجانب.
فالكلمات كما لا يخفى ليست أوعية فارغة مجردة أو ثابتة المعنى أو أحاديته، لذلك يجب ألا يطمئن المتكلم إلى غرور خطابي أو يستجيب لإغراء بلاغي متدفق يدفعه إلى حشو واستبدال وترادف عفوي غير حريص ولا حذر.
فمن يتكلم كثيرا يخطئ كثيرا كما يقال.
وللتوضيح نستشهد بالتجاذب الذي يحصل في الحقلين الحجاجيين المتضادين من خلال كلمات مثل ( انفصال/ استقلال، ثورة/ تمرد، احتلال/ تحرير.. )، فما قد يسمى عند شخص ( ألف ) انفصال يسمى عند شخص ( باء ) استقلال وهكذا..
في المقابل يمكن للمتكلم أن يستثمر من جانبه فلتات لسان خصمه في حالة ما كان المنحى العام للمناظرة يجرى لصالحه، وذلك لتعزيز التفوق وتأكيده فقط.
أما إذا كان العكس هو الحاصل، أي أن المتكلم أحس بخصمه قد تغلب عليه أو نال منه أو أصاب أطروحته بالوهن، أو نسف بعض أركانها الأساسية، فمن الأفضل ألا يلجأ لهذا الأسلوب حتى لا يظهر بمظهر قناص العصافير الصغيرة، فيظل هذا الانطباع السيئ مرسوما في ذهن الجمهور إلى آخر لحظة.
 التناقض الذاتي:
وهو أن ينفي المتكلم في آخر كلامه ما سبق أن أثبته في الأول، أو العكس بالعكس. سواء كان ذلك في قضايا جزئية تفصيلية أو في القضية الأم المتطارح حولها.
فالفعل الحجاجي التناظري كلام/ ( نص )، ينتجه متكلمان اثنان، لذلك فهو عبارة عن متواليات استدلالية موصولة، تتفاعل فيها الشواهد والأدلة وتتوالد، من قضية إلى أخرى ومن دعوى إلى أخرى ومن نتيجة إلى أخرى.
كما أن التحاجج السياسي بشكله المعروف في القنوات التلفزيونية يدفع المتكلم إلى توظيف ماهو سياسي وماهو اقتصادي واجتماعي وثقافي وديني ويضطره إلى الاحتكام حينا إلى الواقع الجغرافي وأحيانا إلى الوقائع التاريخية وما إلى ذلك.
ومن ثم فالموقف الحجاجي للمتكلم ينبغي أن يكون برمته بناء واحدا متكاملا، يسند بعضه بعضا، ويكمل بعضه بعضا، بحيث لا يجوز أن يُهدَم ركن من أركانه، بوعي أو غفلة، في سبيل بناء ركن آخر.
 الكذب والتلفيق:
من المعروف أن لا شيء يبرر الكذب المكشوف والتلفيق الواضح المبيت إطلاقا. ولا ينبغي للمتكلم أن يلجأ إليهما حتى ولو من باب الميكيافيلية في الحوار، لأن في ذلك انتقاصا من ذكاء الجمهور وطعنا في حصافته وحدسه.
لكن يمكن للمتكلم أن يجتهد في تلافي مثل هذا الموقف بتوجيه اشتغاله الاستدلالي على الحقيقة التي يملكها والتصرف فيها بدلا من الاشتغال على الكذب والتلفيق، وذلك على سبيل اللجوء إلى أخف الضررين.
فالذي يقول جزءا من الحقيقة لا يقول الحقيقة كاملة طبعا، لكنه يظل في عرف الجمهور صادقا ولا ينعت بالكذب.
 الجدل البيزنطي:
على المناظر ألا ينحرف نحو أي سبب من الأسباب التي تجعل من الحوار جدلا عقيما لا يخلص إلى نتائج ولا ترجى منه فائدة. كما يتعين عليه أن يتعاون مع خصمه لتحديد مرجع أساسي مبدئي متفق عليه بينهما، وأن يضعا إطارا عاما وأرضية لمناقشتهما، سواء اقتضى الأمر أن يكون حوارا في الجزئيات أم تعداه إلى الكليات. فمصداقية نتيجة المناظرة من مصداقية الأسس المنطقية والعقلانية التي التزم بها المناظران طوال مناظرتهما.
 تعابير الشك:
وهي من الأشياء التي تضعف الكلام وتنقص من علميته وتفرغه من شحنة الصدق والحقيقة.
وتواتر عبارات الشك في الكلام من قبيل ابتداء الجملة دائما بكلمات متذبذبة ك"أظن" أو "ربما" أو صيغة المبني للمجهول ك "يُحْتمل" أو "يُقَال"، ( ولو على سبيل العادة التعبيرية السيئة )، يفقد أية قرينة أو دليل يأتي بعدها نصف قيمته الصدقية لأنها عبارات لاوثوقية تثبت على المتكلم صفة نصف الجهل كما يقول علماء اللغة.
ـ إقفال.
أخيرا.. ليس مطلوبا أن يخرج المناظرون منتصرين انتصارا حاسما في كل مرة من مواجهاتهم التلفزيونية، أيا كان موضوعها. ولكن من المطلوب جدا ألا يخرجوا مغلوبين، ( فقط )، لمجرد أنهم لا يتقنون فن المناظرة والمحاجة أو لا يلمون بآداب الحوار، أو يقدمون على المشاركة بوفاض خاو من أي معلومات ووثائق مقنعة ودامغة.
وقد يتساءل متسائل، هل يتعين إدراك كل هذه الكفايات مجتمعة وتحصيل هذه المعارف المتنوعة والمتباعدة، من أجل مناظرة تلفزيونية أو برنامج حواري عابر؟.
نقول إن الجواب بالتأكيد سيكون نعم..
على الأقل في تلك الحالات التي يكون الموضوع موضوعا وطنيا والقضية قضية أساسية ومصيرية بالنسبة للدولة أو المجتمع برمته.
فقد يتوجه الرأي العام نحو هذا الموقف أو ذاك، وقد يتأثر مجرى قضية وطنية عامة على المستوى الداخلي أو حتى على المستوى الدولي بفشل من يتحملون مسؤولية الدفاع عنها في المنابر الإعلامية. وبالتالي فمن يضع على عاتقه مثل هذه المسؤولية الثقيلة يجب أن يتسلح لها بما يلزم من أدوات الدفاع والإقناع.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك الطريق.. ذلك النمو
- نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة
- أكاديمية الآلهة
- الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة
- الفساد.. ينزل من أعلى
- عم.. يتنافسون؟
- خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
- من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم ...
- الأحزاب السياسية في المغرب
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
- تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
- هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه ...
- حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما ...
- هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
- زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الإله بوحمالة - كفايات التناظر التلفزيوني