|
من لفيف الى وارسو رحلة الالف ميل!
سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 6337 - 2019 / 8 / 31 - 09:25
المحور:
سيرة ذاتية
لو كنت اعرف ان الرحلة التى تستغرق عادة ثمانى او تسع ساعات ستستغرق عشرين ساعة لكنت قد انتظرت حتى اجد تذكرة فى القطار و لو بعد بضعة ايام . لكن متعة السفر هى بالاكتشاف و بالتعرف على اماكن جديد و افكار جديدة و ثقافات جديدة.و اكثر شى كنت اشجع طلابى عليه هو حب الاستطلاع المعرفى .
المهم مضى القطار فى الليل الهادىء فى ريف اوكرانيا .الشوارع غير مضاءة و لا يوجد سوى ضوء الباص .الى الجهة اليسرى كان هناك رجل يجلس مع ابنة له و امامه زوجته الجميلة مع طفلها الصغير.كان الرجل ينزل كلما اعلن عن توقف الباص عند محطات البنزين لاجل الذهاب الى الحمام و الاكل و التدخين .فى هذا الوقت لم اكن قد تحدثت مع فيكتور الذى يتحدث الانكليزية بطلاقه .لان فيكتور صار يترجم لى لاحقا كل اعلانات سائق الباص القصير .و لذا كان هذا الرجل يومى لى ان اخرج للتدخين كلما توقف القطار.لم اتحدث معه بسبب الحاجز اللغوى .لكن الانسان يشعر بنوع معدن البشر احيانا من خلال التعابير التى على وجههم .و فهمت منه انه يعمل فى فرن للخبز هو و زوجته فى وارسو و انه ليس سعيدا هناك لكن ماذا يفعل اذ لا يوجد لديه عمل فى بلده .
ووراءه كان هناك رجل فى اوائل الثلاثينات مع ابنه الذى كان يعلمه الحروف الاوكرانية.كان الشاب يقول الحرب و الابن يردد وراءه . كان ركاب الباص من العمال الاوكران الذين يعملون فى بولندة .و من الواضح كما فهمت من فيكتور انهم قادمون من مناطق مختلفه من اوكرانيا .
كنت قد حملت معى زادا لرحلة تستغرق ثمانى ساعات مع بعض الماء و العصير .و لما طالت الرحلة بسبب توقفنا لساعات خلتها دهرا على الحدود نفذ الطعام و شعرت بالجوع .قلت لفكتور متى نتوقف امام ال محطة بنزين كونه يعرف هذه الرحلة التى قطعها عدة مرات .قال ان علينا ننتظر بضعة ساعات .و لما توقفنا لاجل استراحة عشر دقائق تقدم فيكتور و قال انا لا اعرف ان كنت يهوديا ام مسيحيا ام مسلما لكن معى سندويشات عملتها امى و هى ليست ابرع طباخة فى العالم.كم هو امر جميل ان تسمع هذا المنطق المتحضر من شاب و نحن فى عصر نرى فيه ازدياد ماهر الكراهية و العنصرية .و لما كان اوكرانى من اصل بولونى سالته هل تشعر اوكرانى ام بولونى قال الاثنين بصراحة.و لما اخبرنى انه يفكر بالزواج من بولونية قلت له مازحا انك ستصبح بولونيا اكثر اذن.
فى المقد الخلفى كان هناك نساء اثنتين كان يتحدثان كل الوقت و انا بالطبع لا اعرف ماذا يقولا .لكن الطريف فى الامر انهما كان يتحدثان ثم بعد وقت ينامان و لا يسمع صوتهما الى مرحلة ثانية ينهضان و يبدا فى الحديث .احداهما كانت سمينة و كلاهما يرتدان فستانا .و هة امر لاحظته لدى المراة الاوكرانية انها لم تزل تفضل ارتداء الملابس النسائية و قلما تجد امراة فى البنطلون كما هو الامر فى اوروبا الشمالية على سبيل المثال .و فى بدنا يقولون دوما اوروبا و يستخدمون تعابير مثل الرجل الاوروبى و المراة الاوروبية .و اعتقد انها تعابير عامة و فضفاضة كثيرا على قارة شديدة التنوع .
للحات خلت نفسى انى اشاهد فيلما روسيا من افلام الحرب العالمية الثانية التى يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى .فقد شاهدت العديد من الافلام الجميلة التى مثلت عن تلك المرحلة و كان لها تاثيرها على نفسى.
كان الباص يتهادى فى الليل كانه سفينة فضائية .نام ركاب الباص و لم يعد يسمع صوت واحد.و امامى على اليمين كان هناك شابه تستخدم ضوءا خافتا لعله ضوء الموبيل لكى تقرا . الى جانبها شابة اخرى كانت تغط فى نوم عميق .بين حين كان هنام اصوات شخير متقطعة تاتى من اخر الصفوف .لا اعرف من الذ كان يشخر لكنه كان شخيرا معقولا .
و فى اخر مؤتمر للجالية الفلسطينية فى المانيا وضعونى فى الفندق فى غرفة مع احد المشاركين ف المؤتمر .و هو شخصية طريفة تحدثنا كثيرا على البلكونة حيث كان امامنا نهرا كبيرا قيل ان الكثير من صناعات هتلر العسكرية كانت على ضفافة.و كان هذا الزميل يصدر شخيرا لم اسمعه فى حياتى .كان يبدو مثل قصف الرشاشات الثقيلة حينا ثم يتطور الى نوع من قصف مدفعى .و كنت ايقظه بين وقت و اخر لكى يتوقف الشخير .و كان يتوقف بالفعل لكن ما هى الا دقائق الا و يبدا الشخير .
اسوا شىء هو الانتظار و الاسوا عدم معرفه سبب الانتظار .انتظار ساعات و ساعات .و ما ازعجنى ان الناس فى الباص لم يغضبوا و كان الامر حدث عادى.اما لماذا كل هذا التاخير فلم افهم .شعرت برغبة ان اصرخ قائلا مش معقول هذا الامر .فى عشرين ساعة يمكن لى ان اصل استراليا بالطائرة .كنا ننزل الى امكنة بدون تواليت لقضاء الحاجة الطبيعية .و ا ن كان كانك توايت واحد لا يمكن الوقوف فى طابور طويل للباص احيانا لاكثر من باص .الباصات تتراكم على الحدود .و السائق القصير مع معاونه يخرجان يدخنان و يتحدثان و كذلك الناس .
تقدمت منى امراة فى خمسينيات العمر و طلبت ان تشعل سيجارتها .كان التافف باديا على وجهها و فهمت منها من الاشارة و يكلمات من هناك و هناك انه لم يعد بوسعها الوصول الى عملها فى سوبر ماركت بالوقت المناسب.
و فى احدى المرات بينما كنا متوقفون على الحدود .التقطت صورة للباص الامر الذى لم يعجب السائق الذى قال لا .حاولت ان اشرح ان الامر هو صورة لذكرى هذه الرحلة. و بعد طول انتظار وصلنا للجانب البولندى و بدا انتظار اطول .و بعد ساعات انزلزنا و اخرجنا كل ما لدينا و ذهبنا لنقطة تفتيش الحدود كاننا داخلون الى طائرة.ثم بدانا ننتظر الاخرين لكى ينتهوا من التفتيش.خرجت بسرعة و وفقت فى شراء قهوة من ماكينة.لم يكم معى نقودا بولندية لكنى اعطيت امراة نقودا اوكرانية لكى تضع لى نقودا بولندية .وقفت اشرب القهوة و انا اتمل هذه الجموع من الاوكران العاملين.يا الهى ما اقسى الحياة على البشر. اه الهجرة ما اقساها .اقتلاع الانسان من مكانه الطبيعى قد يكون اكبر جريمة لا يحاسب عليها القانون فكرت و انا اتامل من بعيد القرى الاوكرانية الواقعه خلفنا .و القمر الذى بدا و كانه يقف فى مكان بعيد .ما اجمل السفر فى الليل .تامل الاضواء الخافته للقرى و المدن .و هناك حين يبدا النهار تستيثظ المدن و الرى و تبدا الحياة !
و اخيرا بعدما فقعنا و انا اسستخم التعبير العامى لانه لا يوجد اقوى منه بدانا نسير فى اراضى بولندة .كنت انظر من خلال النافذه الى اوكرانيا ببعض شعور الحزن الذى لا استطيع تفسيره .لا استطيع ان انكر انى احببت هذه البلاد التى امضيت فيها ثمانية ايام .فكرت فى تاريخها الحزين ,تاريخ الحروب و المجاعات .يا لتاريخ البشر الحزين .
فى بولندا مررنا بقرب او شاهدت لوحة كتب عليها مدينة بوزنان التى قدم منها المجرم بن غوريون كما اعتقد .يا الهى كم يبدو المشهد سورياليا ان يات بن غوريون من هذه البلاد لكى يطرد شعبى على بعد الالاف الاميال من هنا .فكرت فى كل هذا فى حين توقف الباص و خرجت فى اول مدينة بولونية .سالت فيكتور كم تبقى لنا ان نصل وارسو فقال لا يقل عن ستة ساعات .قلت فى نفسى فللاغمض عينى عسى ان انم بضعة ساعات .نمت بعمق كانى انام فى البيت .و لما نهضت رايت الريف البولندى المتطور مقارنة بالريف الاوكرانيى. فيما كان الباص يسير بسرعة متجها نحو وارسو التى وصلناها فى المساء بعد رحلة عشرين ساعة .
#سليم_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن عالم سعيد,عن عالم متصالح مع ذاته !
-
محاولة لفهم المسالة الطائفية !
-
كبسولة الزمن
-
تاملات فى فضاء الكون !
-
ملاحظات حول العمل الحزبى !
-
اشكاليات مرحلة ما بعد الحداثة!
-
سى لا فى ! او هذه هى الحياة !
-
ما زلت على الطريق !
-
لا بد من حظر الاحزاب الدينية !
-
لا مناص من احضار الحصان !
-
مرحلة التخبط!
-
تفكيك الاسلاموفوبيا
-
عن اقدار الشعوب المغضوب عليها !
-
لاجل انفتاح عربى على الثقافات المجاورة للعرب !
-
من هيفا الشاهدة على التاريخ الى اورسولا التى اصبحت التاريخ ذ
...
-
قال لى استاذ دانماركى حسنا ماذا تخططون انتم !
-
نحو حواراسلامى غربى شامل نحو عولمة قيم الحوار و الاخوة الانس
...
-
نهاية الايديولوجيا !
-
من اجل تجديد روح عصر النهضة !
-
التغيير الثقافى هو الاساس!
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|