|
العَلمنة سبيلا لِنزع القداسة عن الفاعل السياسي ومحاسبته؛
محمد زويتنات
الحوار المتمدن-العدد: 6336 - 2019 / 8 / 30 - 22:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أمام الظواهر الطبيعية التي استطاع العِلم المعاصر مُتسلحا بالتقنية فهم وتفكيك عِللها المُسببة بل والتنبؤ والتحكم في ميكانيزماتها الحتمية وتطويع سيروراتها لأغراض ونزوعات بشرية (مع ضرورة التحفظ على دلالة تلك الأغراض)، وأمام اكتساح التفسيرات المادية،التقناوية موضوعات وأشياء العالم لدرجة أضحى الإنسان متحررا من مخاوفه وخرافاته القروسطوية فنزع بالتالي "السحر والأسطرة عن العالم" بتعبير ماكس فيبر،واقترب من تحقيق الحلم/الخَلْق البروميثيوسي (نسبة إلى أسطورة برمثيوس الإغريقية)، أمام كل ذلك؛ لم يَعد من المقبول لا ابستمولوجيا ولا سياسيا بحديث ما يبتغي دعاته شرعنة أودعاية أي تسويغات سياسية تنهل من التوظيف الأيديولوجي للدين لتبرئة ذمة الفاعل السياسي أي كان شأنه وموقعه في مسؤولية التقصير وعدم نهج المقاربة الإستباقية إزاء الكوارث والمصائب، خصوصا حين تخلف أرواحا بريئة كهاته التي حدثت بملعب قرية "تزيرت" بمدينة تارودانت الأربعاء المنصرم مُخلفة سبعة ضحايا، ليخرج بعدها السياسي المغربي (رئيس الحكومة) عن صمته مكتفيا بتدوين عبارات العزاء لأهالي الضحايا وحثهم على الصبر عبر صفحته بمواقع التواصل الإجتماعي(فايس بوك)، أو مخاطبا إياهم مباشرة بعبارات من قبيل؛قدر الله ومشيئته،لله ما أخد ولله ما أعطى،الإرادة الإلهية أكبر من طاقتنا!!!....إلخ،من مثل ما شاهده المغاربة على شريط مصور لعامل الإقليم (أعلى سلطة سياسية وإدارية بالإقليم) وهو يخاطب أهالي الضحايا قائلا:(هادوك ثلاثة لي ماتوا عندكم الله يرحمهم وغادي نبقى ندفنهم معاكم بقاوا متحدين وهنا فين كتبان الرجلة.. !!!)، ولنتأمل هنا دلالة كلمتي " هادوك،عندكم .. !"،لِنفهم ونستقرء منها ذهنية المسئول المغربي الذي يرى في حياة المواطنين وأمنهم وحتى موتهم شأنا يعنيه ويسائله وبالأحرى أن يجرمه، وهو المُنعَم بالراتب السمين والتعويضات الخيالية..،فأي خطاب هذا ومجمل ألفاظه المُنوِّمة "أي المسئول المغربي" تروم الإفلات من المسؤولية والمحاسبة وتضليل المواطن، بل استغباء ذكاءه بقصد واعٍ أو غير واعٍ، ولإن تأملناه بعمق سيعـود بنا ذهنية القرون الوسطى والعصور الغابرة زمن سيادة أباطرة وملوك الثيوقراط في الشرق القديم وهرطقات حِقبة ما قبل انبثاق مفهوم الدولة الحديثة القائمة على فكرة التعاقد السياسي وما يسستبعها من مفاهيم الواجب والمسؤولية والمحاسبة الفعلية؛ كلها اذن مسوغات قروسطوية سخيفة لم يتحرر منها لا المسئول المغربي،ولا الدولة نفسها في خطابها الرسمي حين تُجيِّـش أيديولوجّيها من خبراء في الإعلام وأئمة مساجد لترويج أسطوانة "التأمر على البلد وتهديد أمن ووحدة المملكة الشريفة .. !!"، وهي تُهَمٌ ساذجة وجوفاء رُمي بها كل الأبرياء من معتقلي حراك الريف وجرادة وكثير من الصحفيين في غياهب السجن،واقع لم تعد معه بمقدورها تغليط وتضليل فهم المغاربة أو تشويه رؤيتهم وتحليلهم للفواجع المتتالية التي تقع لأبنائهم من كل صوب وحدب،ولعل ما خرج به الناطق الرسمي أمس الخميس من ترديد نفس الأسطوانة القديمة التي ألفناها عند وقوع كل كارثة طبيعية كانت أو اجتماعية،مصرحا بضرورة انتظار نتائج التحقيق لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين والمقصرين.. !!، وكأن التحقيق في الكوارث السابقة التي مازلت تؤلم الذاكرة الجماعية للمغاربة؛ (فيضانات كلميم،حادثة طنطان،مقتل مي فتيحة ومحسن فكري وعماد العتابي وشهداء حراك الريف وجرادة،مقتل نساء الصويرة،نهب أموال المخطط الإستعالجي والصناديق العمومية..إلخ) قد كُشفت نتائجها أمام الرأي العام وحُسِب وسُجِن مُرتكبيها.. !! فألا تخجل الدولة بهاته الهراءات والأوهام التي يئس الشعب المغربي منها، ومن شيء اسمه "التحقيق" وأضحى مرادفه لديهم مجرد أفيونا تذيعه وأجهزتها الأيديولوجية لتهدئة منسوب السخط الإجتماعي المتزايد جراء سياساتها الكارثية ونهجها في تكريس الفوارق الطبقية؛ من هنا تجد القوى الحرة والمناضلة في المجتمع المدني نفسها أمام ضرورة لا محيد عنها لممارسة عمليات النقد والتفكيك والتعرية اتجاه أسس وخطاب هذه الأيديولوجية المحايثة للفعل السياسي المغربي وكشف أبعادها الهجينة والباتولوجية- بالمعنى السياسي- الممتدة سياسيا،اجتماعيا وثقافيا على باقي الفاعلين المستفيدة من الوضع الطبقي القائم،مادامت تروم في عمقها وأد وإجهاض كل حلم أو يوطوبيا تطلعية جماهيرية نحو إرساء دولة ديمقراطية مدنية بتعاقدات سياسية حقيقية مصدرها الشعب، وبفصل واضح لكافة السلطات، يُفصَل فيها الديني عن السياسي وتسود عبرها علمنة تدبير الشأن العام ذرءا لما ينتج عن دمجهما من استغلال وانتهاك واستبداد،وفي ذلك تقويض لأحد جذور الشر التي أنتجت كل ويلاتنا وأعطابنا الكبرى عبر التاريخ الممتد من القرن السابع ميلادي.
#محمد_زويتنات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاجِعة إجوكاك بين تخاذُل الإعلامي وتَجاهُل السياسي.
-
بين تَخاذل شارل أزنافور و دُروس سلامة كيلة
-
الشباب المهدور
-
ذكريات في المقهى
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|