|
الإله والدولة
محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6329 - 2019 / 8 / 23 - 06:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
الإله والدولة
أكاد في العامين الأخيرين متفرغ تماماً للقراءة، فقرأت فيها عشرات الكتب، ومع ذلك ورغم انتقائي للعناوين بعناية وحرصي الشديد في ان تكون محتوياتها وفق التوجه الذي أميل إليه فإنني ما استفدت ولا استمتعت إلا ببعض العناوين، وربما لا تتجاوز نسبتها إلى ما قرأته من كتب الخمسة عشر بالمئة او المائة ومن هذه العناوين، العنوان الذي سأقدم له في السطور التالية.
الكتاب الذي أقدمه عبارة عن كتابين في مجلد وواحد، وفي الحقيقة هما كتابان غير مكتملان جمعا في مجلد واحد، ولأنهما غير مكتملان، فيمكننا اعتبارهما بحثان منفصلان في الموضوع متوافقان في الفكرة العامة، إذ الثاني مكمل للأول من حيث توضيح المؤلف ما يريده كبديل عن الدولة التي يسعى جاهدا في القسم الأول من الكتاب إلى تحطيمها وإلغائها، وذلك لتحقيق الهدف الاشتراكي الأسمى في المجتمع الإنساني، الهدف هو "الحرية".
سأطرح أفكار الكتاب الأساسية دون ترتيب، او بالأحرى سأرتبها بالوجه الذي أرى أنه الأفضل للقارئ، فأبدأ:
يحاول المؤلف التفرقة بين الاشتراكي الثوري والشيوعي الثوري، فالأول هدفه تحقيق "الحرية المطلقة" والثاني هدفه تحقيق "استبداد الطبقة العاملة"، وهو ينتقد بشدة الخط الشيوعي، إذ أن خلق الشيوعيون لاستبداد الطبقة العاملة سيولد مستقبلاً طبقة حاكمة تؤسس لدولة وبالتالي الدولة ستحتاج لحكومة والحكومة تتطلب أفراداً يسيرونها، وبوفق التوجه الشيوعي الثوري، فإنه يتحتم أن تتشكل هذه الحكومة من أفراد الطبقة العاملة الشيوعية، وبمرور الزمن ستتولد مصالح طبقية للطبقة الحاكمة، مما سيجعله يميل إلى مخالفة كل تحرك تحرري من قبل الأفراد او طبقات المجتمع، فضلاً عن ذلك، فإن مجرد تأسيس الدولة سيتطلب إبتداع أوهام واوثان ترفع من شأنها في نظر المحكومين، وتتمثل هذه البدع بالقوانين المفروضة من فوق والمنافية لقوى الطبيعة والآلهة بكافة أشكالها والمؤسسات الفرعية الحكومية، وفي النهاية فإن النتيجة تكون ضد مصلحة الفرد وتقيد حريته التي يطمح إلى تحقيقها الاشتراكي الثوري.
ما البديل عن الحكومات وبالتالي البديل عن الدول؟ يرى المؤلف أن البديل هو الاتحادات الاجتماعية "ككمونة باريس"، ولن تتحقق هذه الاتحادات من دون وعي شعبي عام (أقول: وهذا البديل عبارة عن طوبى، وإن كان من الممكن تسيير المجتمع عن طريق الاتحادات، لكن هذا الأمر يتطلب أن يتحلى أغلب افراد المجتمع بالصفات النبيلة او بالقليل تساعدهم الظروف في أن يكتشفوا صفاتهم النبيلة وبالتالي يستفيدون منها لتحقيق الرخاء العام والسلام الإنساني).
ويرى المؤلف أن ما يميز الإنسان عن باقي الموجودات هو ملكتي الخيال والتفكير، هاتان الملكتان يشترك بهما الإنسان المعاصر مع الإنسان القديم، لكن الاختلاف بينهما هو في التاريخ فقط، وبما أن ملكة التفكير تعتمد على التجربة، فإن إنسان اليوم تمكن من تغيير الكثير من أفكاره وأوثانه وذلك لمروره بعدد لا يحصى من التجارب مكنته من تشخيص ملكة الخيال عنده وبالتالي إدراكه تأثيراتها في صيرورته، ولهذا نجد اختلاف مفهوم الإله والدولة بين كل من افلاطون وآرسطو وسبينوزا وفولتير وروسو وغيرهم من الفلاسفة. (أقول: ما يقصده المؤلف في أن إنسان اليوم لا يختلف عن إنسان الأمس في ملكتي التفكير والخيال، بالضبط كما لا يختلف إنسان اليوم عن إنسان الأمس في ملكتي الجوع والجنس، فالحاجة واحدة لكن فهمها المختلف، ويعود سبب هذا الاختلاف إلى الظروف وعقل الإنسان)
كذلك فالمؤلف حين ينادي بالمساواة المطلقة بين افراد المجتمع الإنساني، فهو لا ينفي وجود العباقرة ووجوب رعايتهم، لكن رعايتهم لا تتم على حساب المجتمع وبالتالي خلق منهم طبقة، وهو يقدم الذكاء الاجتماعي على ذكاء الأفراد العباقرة، والسبب في ذلك مرجعه إلى اعتقاد المؤلف أن الحركة الاجتماعية أمر طبيعي، وبما أن الطبيعة نظامية في سيرورتها وبالتالي صيرورتها، فلا داعي لإتيان العباقرة بقوانين تحاول ضبط هذه الآلية الطبيعية وفق خيالاتها.
ويدعو المؤلف إلى محاربة كل قانون يخالف الحركة الطبيعية للمجتمع، والمعيار الأساس لتشريع القوانين في الاتحادات الشعبية هو "القوانين الطبيعية"، فالحقيقة الوحيدة هي القوانين الطبيعية وكل من يخالفها يجب القضاء عليه لذلك وجب القضاء على الإله والدولة، الإله متمثل في الكنيسة والدولة متمثلة في الحكومة.
ويعارض المؤلف أشد معارضة حكم الدولة من قبل العلماء المتخصصين، فهؤلاء لا يتعاملون او ينظرون إلى الأشياء إلا بصفة مجردة، وهم لا يختلفون عن الكهنة في تجريدهم الذي اوصل البشرية إلى الخضوع لخيال "الإله"، وهذا بالطبع لا يعني عدم الاستفادة منهم في تسيير الاتحادات الشعبية، والحدود لعملهم تنحصر في مدى تقبل القوانين الطبيعية لاقتراحاتهم.
ويفرق المؤلف بين نظرة كل من الشيوعي والاشتراكي للعلم، فالأول يود فرضه على المجتمع، والثاني يسعى لنشره.
ترجمة الكتاب جيدة جداً، بحيث لا يشعر القارئ لجودتها انه يقرأ كتاب مترجم. وقد اختصرت الكثير جدا مما في الكتاب من أفكار وآراء...
#محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما قاله لي استاذي
-
فاسيلي كوماروف .. قاتل متسلسل في زمن الثورة الروسية
-
سلبيات المال
-
الفاشية وليدة الرأسمالية
-
ايقونات شيوعية:توماس سانكارا جيفارا افريقيا
-
ايقونات شيوعية : هوشي منة زعيم الاستقلال الفيتنامي
-
علاقة الفن بالثوره-ايهما اسبق؟-
-
مستقبل الثوره في مصر
-
مذبحة نانجنغ .. احد افظع مذابح القرن العشرين
-
آخر الوداع
-
محاكمتي
-
حديث مع النفس
-
ألم بعد ألم
-
صفحتي القديمة
-
علي أبواب الحنين
-
إمرأة عبثية
-
فراق
-
النجاة
-
إحتمال
-
تحبيني أو تحبيني
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|