|
هل أسس شبلي النعماني علم الكلام الجديد؟
عبدالجبار الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6323 - 2019 / 8 / 17 - 23:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظهر تعبيرُ "علم الكلام الجديد" للمرّة الأولى عنوانًا لكتاب ألفه شبلي النعماني (1857 – 1914)، الذي كان من مؤسّسي ندوة العلماء بلكنو سنة 1893، وهي مؤسّسةٌ دينيةٌ تهتمّ بالتعليم الديني التقليدي، وتعارضُ دراسةَ العلوم الحديثة، خلافًا لجامعة عليكرة التي أسَّسها أحمد خان سنة 1875. وكان شبلي النعماني يتحدّث العربيةَ والفارسيةَ والأرديةَ والتركيةَ والهندية. ولا يمكن الجزمُ بأن النعماني أولُ من نحت مصطلح "علم الكلام الجديد" الذي أضحى عنوانًا للاتجاه الحديث في إعادة بناء علم الكلام، لكنه كان أولَ مؤلِّفٍ يؤلّف كتابًا تحت هذا العنوان. فقد ألّف شبلي النعماني كتابًا في علم الكلام أملاه على أحد تلامذته وهو على سرير المرض، فرغ منه في 18 مارس 1902، ونُشر في الهند في مارس 1903. وكان هذا الكتابُ الجزءَ الأول، ثم تلاه تأليفُه للجزء الثاني الذي خصّصه لـ "علم الكلام الجديد"، وفرغ منه سنة 1903، ونشره في الهند أيضًا سنة 1904. في الجزء الثاني من كتابه هذا يتحدّث النعماني عن مجال علم الكلام الجديد فيقول: "لقد كان علم الكلام القديم منصبًا فقط على بحث العقائد الإسلامية، لأن المخالفين للإسلام في ذلك العهد كانت اعتراضاتُهم تتعلق بالعقائد، ولكنه في الوقت الحاضر يبحث في الجوانب التاريخية والحضارية والأخلاقية للدين. إن عقائد أيّ دين عند الأوروبيين لا تكون جديرة بالاعتراض إلى هذا الحد، ما لم تكن هذه المسائل قانونية وأخلاقية. وفي رأيهم إن إباحة تعدد الزوجات والطلاق، والرق، والجهاد، في أي دين لهو أكبر دليل على بطلان هذا الدين، بناء على هذا سيتم بحث هذا النوع من المسائل في علم الكلام، وهذا الجزء بالكامل من علم الكلام الجديد. أهمّ الأشياء الضرورية في هذا الصدد أن تقدّم مثل هذه الدلائل والبراهين بأسلوب بسيط وواضح، تستوعبه الأفهام بسرعة، ويستقر في القلب، فقد كان يستخدم في المنهج القديم مقدمات معقدة ومتشابكة، ومصطلحات منطقية، وأفكارًا دقيقة وحساسة جدًا، فكان المخالف يصمت بعد أن يصاب بالرهبة، ولكن لا يوقر في قلبه حالة من الوجدان والإيمان. المهم أنه يجب مراعاة تلك الأمور المذكورة عند تأليف علم الكلام الجديد". أدرج النعماني في هذا الكتاب مسائلَ جديدة مثل: الدين والعلوم الحديثة، حقوق الإنسان، مسألة الانتحار، حقوق المرأة، الإرث، والحقوق العامة للشعب، بموازاة مباحث: وجود الباري، والنبوة، والمعاد، والتأويل، وغير المحسوسات، كالملائكة والوحي وغيرها، والعلاقة بين الدين والدنيا. لكننا لم نعثر له على رأي في الوحي خارج سياق الكلام القديم، ولم نجده في مسائل الاعتقاد الأخرى يفكر في فضاء العقلانية الحديثة، ولم يعالجها من منظور مختلف عن المنظور التقليدي، ولم يطل على أفق جديد في تدوينها. وهذا يعني أن علمَ الكلام الجديد في مفهوم النعماني يعني استيعابَ مسائل جديدة تضاف إلى مسائله القديمة، والتحدّثَ بلغة أكثر وضوحًا وأقل التباسًا، والبحثَ عن أدلّة جديدة في مناقشة ما يُثار من إشكالات واستفهامات. تظل وظيفةُ الكلام الجديد في مفهوم النعماني دفاعية، إذ يمكث علمُ الكلام في مقولات متكلّمي الفرق القديمة، يشرحها ويعزّز أدلتَها بأدلة جديدة، من دون أن يعيد النظرَ في مضمونها، ويتعرّف قدرتَها على الاستجابةِ والوفاءِ ببناءِ رؤية توحيدية تواكب إيقاعَ حياة المسلم، ومتطلباتِ العقل والروح والقلب في عالم نسيجيّ متشابك مركّب، وتحريرِ صورة الله مما تراكم عليها من غبار التاريخ، ولوّثها من دماء الحروب، وشوّهها من أزمنة الاستبداد. لم نعثر في كتاب النعماني على نقضٍ أو إعادةِ تفسير لـ "مقولات الإسلاميين واختلاف المصلين"، أو غيرِه من كتب المتكلّمين المعروفين، ولم يتعامل معها بوصفها اجتهاداتٍ قالها بشر، ترتسم فيها ملامحُ ثقافتهم، ودرجةُ تطوّر العلوم والمعارف في عصرهم، ولم يناقشها كاجتهاداتٍ بشريةً قابلةً للصواب والخطأ. أما ما اقترحه النعماني من أمثلة جديدة يضيفها إلى علم الكلام فإنها تنتمي للمدونة الحقوقية والقانونية، وتتصل بالشريعة أكثر من اتصالها بالعقيدة. وكأنه يحسب علم الكلام الجديد مجرد إستيعاب مسائل مُستحدَثة، وإن كانت لا تعود لعلم الكلام. ولا نقرأ في آثار شبلي النعماني أو نجد في محطات حياته ما يشي بخروجه على مسلمات الكلام القديم في تفكيره، ولا نرى محاولةً لبناء رؤية جديدة لله والعالم في كتابه "علم الكلام الجديد"، أو فهمًا جديدًا للوحي والنبوة، أو مسعىً لتوظيف المكاسب الحديثة للفلسفة وعلوم الإنسان والمجتمع في فهم الدين وتفسير نصوصه. لا شيء يشبه علمَ الكلام الجديد في تفكير النعماني وآرائه، كلُّ شيء يشبه الكلامَ القديم. شبلي النعماني يستأنف القديمَ بلغة أكثر وضوحًا واختزالًا للاستطرادات والتفاصيل المملة، وحتى العناوين الجديدة التي أدرجها في كتابه هذا لا نرى في حديثه عنها ما يشير إلى معالجة تخرج من جلباب الآباء، وتنزع لبناء نهجٍ جديد في التفكير الديني، كما نجده في آثار سلفه أحمد خان، أو خلفه محمد إقبال. ونخلص من ذلك إلى أن شبلي النعماني شارحٌ جديدٌ لعلم الكلام القديم. وذلك ما يدعونا للظنّ بأن النعماني اصطاد مصطلحَ "علم الكلام الجديد" من أحمد خان، غير أنه لم يشأ أن يخبرنا عن مصدر تلقيه. آثارُ أحمد خان هي الوحيدةُ التي خرجت على التراث الكلامي قبل النعماني، وبعضُ ما جاء فيها يشبه علمَ الكلام الجديد، إذ بحثت قضايا محورية في علم الكلام بطريقة تخرج على تقليد المتكلمين، وقدّمتْ فهمًا مختلفًا عن فهم المتكلمين. ونعترف بأن المراجعَ تنقصنا للوثوق بأول من ابتكر تسميةَ علم الكلام الجديد. وإن كنا نعدّ المفهومَ الجديدَ للوحي الذي يقول به أحمد خان وغيرُه من أهمّ القضايا التي يمكننا على وفقها أن نصنّف آثارَ مفكرٍ بأنها كلامٌ جديد. شبلي النعماني متكلم تقليدي وضع عنوانًا جديدًا لمضمونٍ قديم
#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ ج
...
-
التديّنُ الشكلي
-
التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
-
التديّنُ الرحمانيّ
-
التديّن الأخلاقي
-
الفنُ القصصيّ في القرآن الكريم ثالث عناوين الضجة في النصف ال
...
-
تلوّينُ النصِ
-
أمينُ الخولي والهِرْمِنيوطيقا
-
منهج التفسير الأدبي للقرآن عند الخولي
-
التطورُ سُنّةٌ شاملةٌ عند الخولي
-
أمين الخولي وفكرة التطور
-
دعوة الشيخ أمين الخولي للتجديد
-
الديمقراطيةُ ليستْ محايدةً
-
التباس مفهوم مدنية الدولة
-
الدين والاغتراب الميتافيزيقي مقدمة الطبعة الثانية
-
دين الدولة
-
ولادةُ الدولةِ في الفكرِ السياسي الحديث
-
الدولةُ ظاهرةٌ أنتجها الإنسانُ
-
لا يمكن استئناف تراث المتصوّفة كما هو في عالمنا اليوم
-
محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|