أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - نضال نعيسة - ديمقراطية الطوائف















المزيد.....

ديمقراطية الطوائف


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1549 - 2006 / 5 / 13 - 11:17
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


الوعي، والبنية المعرفية المجتمعية العلمية السليمة، هي أفضل الشروط لخلق مناخ وطني صحي مقاوم لجميع عوامل وإغراءات الانهيار والتفتيت. والعكس صحيح، أيضاً. فالجهل، والنقص المناعي، والفقر المعرفي قد يشكل عائقاً، وعامل نكسة حقيقي أمام أي تطلع وطني إنساني، وإيجابي. والمفاهيم الديمقراطية، والعلمانية، والحداثوية بشكل عام، لا تتأتى بفعل قرار سلطوي، أو بنشر مقال تنظيري فيه من الألغاز، والتمائم، والتراتيل، والمزامير بأكثر مما فيه من التوضيح، والشروحات، والتفاسير. وإن نشر، وتعميق، والتأسيس للثقافة الوطنية، والعلمانية والتنويرية هي الضمان الأكيد لرفع بنيان وطني متماسك قوي. فكل تلك المفاهيم العصرية المركبة، تحتاج لبنية تحتية عريضة تؤسس لانطلاقات ناجحة في فضاء التغيير الكبير، وتسير به في الاتجاه الصحيح.

وفي مجتمعات تفتقر لأدنى حد من التجارب والتاريخ الديمقراطي العريق، أو أي شكل آخر من ممارستها عبر تاريخها الاستبدادي الطويل، فقد يكون من الصعوبة بمكان، تقديم وشرح هذا المفهوم السياسي العصري والحديث. وهذا ينسحب أيضاً على باقي التيارات التي تطورت تاريخياً، وبشكل متصاعد في مجتمعات أخرى. ولذا نرى كيف تشكّلت حالة انفصام معرفي، وقيمي، وسلوكي حقيقي عند كل تلك المجموعات التي يممت شطر الغرب، للعيش فيه، واصطدمت بثقافته، وانكفأت على نفسها، حيث لم تتمكن من تفهم، أو تقبل الكثير من الممارسات الاجتماعية، أو السلوك السلطوي، وتعتبره خروجاً عن التقاليد، وتعاليم الدين. وتجلى ذلك برفضها الشديد لقبول تلك المستجدات الفكرية والسلوكية، وتطور هذا لاحقاً ليتجلى بمحاولات إرهابية لتقويض هذه "البدع المستهجنة والمستحدثة" والنيل منها بشكل عنيف. إذ أن تقبل الأفكار الحديثة، والتجارب الأممية العصرية المتحررة من أفكار القرون الوسطى وعصر الظلام المديد، لا يتم بين ليلة وضحاها. وأن تاريخا طويلاً من الاستبداد الفكري، والسياسي لا يزال بمرسوم جمهوري، أو بالنيّة الطيبة لوحدها لدى دعاة التغيير، أو مجرد مقال تنويري صغير. ولكن دون الانتقاص، بنفس الوقت، من شأن، وقدرة ذاك التراكم المعرفي على إحداث التغيير حين يصل لنقطة لا بد سيحمل معه التحول النوعي. ولا شك أيضا، أن مقاومة التغيير، أي نوع من التغيير، أقوى بكثير من الرغبة فيه، وستصطدم بالكثير من المعوقات، والقوى، والعراقيل.

كما أن شيوع الأمية السياسية، وسيطرة الفكر الغيبي على شرائح عريضة من المكونات المختلفة لهذه المجتمعات، وتسلحها برزمة من المسلمات الفكرية الماضوية التبسيطية، التي لا تقبل الجدل والتأويل، لتفسير جوهر وجودها، وطبيعة كينونتها، ساعد كثيراً في حالة العنّة الحضارية التي تعاني منها هذه المجتمعات، حيث اقتصرت حالة الوعي المعرفي، على نخب فكرية محدودة، وضئيلة، لم تستطع، ولعوامل شتى، من إحداث ذاك التأثير المطلوب في جوهر هذه المجتمعات المخدرة بـفكرة "الماضي التليد"، الذي يشكل أمل العودة إليه، حلماً كبيراً لدي الكثيرين. ولقد كان هذا، ربما، واحداً من الأسباب التي أدت لتعثر اليسار، وتقهقر الفكر الماركسي بشكل عام، ونبذ العلمانية كخيار بديل، أمام تيارات الفكر السلفي الموغل في الجنوح نحو التبسيط، والتسهيل. لا بل لقد أصبحت الديمقراطية مثلاً، عامل خطر داهم حين ارتبطت لدى كثيرين بالعشيرة، والقبيلة، والفخذ، والعائلة، أكثر من ارتباطها بالمفهوم الوطني الشامل الحديث، الذي لم يتبلور، بعد، وبكل أسف، لدى قطاعات واسعة عند هذه الجماهير. ومن هنا فقد حملت بعض العمليات الديمقراطية التي جرت هنا، وهناك، في هذا المحيط البائس التعيس، مخاطر جديّة على أمن بعض المجتمعات التي حاولت أن تلعب ألعابها الديمقراطية وفق شروط وظروف طائفية، وغيبية، وكان الخاسر الأكبر فيها، الوطنية الحقة، الحصن الحصين للجميع. حيث كان هناك عدم تركيز، وتجاهل ملحوظ لتنمية الشعور الوطني، وساعد في إضعافه بعض السلوك السلطوي المريض.

وحين يتقدم الولاء للوطن على الولاء للطائفة، والعشيرة، والقبيلة، والعائلة والنزعات الفئوية المتداولة بشكل عام، فقد يكون هناك أمل ببزوغ فجر يحمل بذور تغيير ديمقراطي. وحين لا يتم التمثيل بناء على اصطفافات، وعمليات فرز لونية، قد يمكن القول أنه شروع حقيقي نحو أفق ديمقراطي جديد. فعلى هامش مشاريع التغيير التي تبنتها القوى الكبرى كوسيلة لنشر الديمقراطية، وفي ظل مناخ سائد وطاغ من غياب، أو تغييب للبعد الوطني، والفكر العلماني، وفقر عام بالوعي المستقبلي، فلقد ظهر نوع جديد من الديمقراطية، في هذا المشرق الملون عرقياً، ودينياً، وإثنياً أفضت إلى ما صار يعرف بـ"الخيارات الفيدرالية"، لأوطان موحّدة، وعريقة ضاربة الجذور في التاريخ، ولم تعرف يوماً هذا النوع من الفرز المقيت، والتي هي حالات تقسيم حقيقية تحت قالب وإطار وطني شكلي هزيل. وكل ذلك بناء على ما يمكن تسميته بـ"ديمقراطية الطوائف" التي تقدمت كثيراً على المشروع الديمقراطي الوطني الكبير. ديمقراطية الطوائف هذه، في الواقع، هي نزوع آخر نحو ممارسة جديدة، وبنسخة منقحة، وأكثر وضوحاً ربما، لآفة الاستبداد الخطير. فهل يمكن الحديث هنا، وبتحديد واختزال شديد، عن "الخطر الديمقراطي؟ ألا يبرز هنا، وفي هذه الحالة، إشكال بنيوي، ومن نوع غريب، للفعل الديمقراطي؟ وتصبح الصورة كالتالي، أغلبيات عامة تمارس حقها الاقتراعي، وينقصها الوعي والعمق المعرفي، في مقابل أقليات نخبوية فكرية، وليست طائفية أو عرقية، ودرءاً لأي لبس وسوء فهم.

ومن هنا ايضاً، تبرز العلمانية، والوعي القيمي، والمعرفي لأهمية المفهوم الوطني، كشرط موضوعي أوّلي للفعل الديمقراطي. وفي مجتمعات لا تولي العلمانية أي اهتمام جدي، وتعيش على الدساتير المستمدة من الغيب والشرائع السماوية، سيكون الفعل الديمقراطي محفوفاً بالكثير من احتمالات التشويه. وإذا كانت النخب العلمانية، والديمقراطية، والوطنية أقليات مهمّشة، وفاقدة التأثير فهل سيكون هذا فعل ديمقراطي حقيقي؟ وإذا سلّمنا، جدلاً، بأنه فعل ديمقراطي، فهل سيعود بريعية سياسية إيجابية، ونفع عام، ووطني طيب على الجميع، على المدى الطويل؟ ألا تشكّل عودة القوى السلفية والماضوية، ومن البوابة الديمقراطية بالذات، نكوصاً، ورجوعاً بخطوات كثيرة نحو الوراء، فيما المطلوب، وبإلحاح، خطوات حثيثة نحو الأمام، ودخول العصر بقوة من الباب التحديثي والعصري العريض، لا بتلك الأنماط التقليدية الهشة والمتآكلة التي لا تصمد أمام أي امتحان حقيقي، والشروع فوراً، ودونما إبطاء، بالتنافس الإيجابي، والاتجاه نحو أفاق مستقبلية تمكّن من اللحاق بـ، والمنافسة مع الشعوب التي قطعت أشواطاً بعيدة في هذا المضمار الطويل.

لقد أورثت أنظمة الاستبداد، والبساطير الوحشية، وممارساتها القهرية، أمراضاً سياسية، واجتماعية مزمنة عضالاً، أصبح من العسير جداً الشفاء منها بشكل سريع. فبدلاً من تنمية الشعور الوطني وتبني خياراته النهضوية، وتعزيز الاتجاهات العصرية والعلمانية، اتجهت نحو تكريس فكر الفئة، والعشيرة، والقبيلة، والطائفة، والعائلة،والحكم الفردي وتضخيم كل تلك الدوائر المنتفعة والمغلقة، مما أحدث بدوره ردّات فعل عكسية عامة، وبنفس الشدة، والطبيعة، والتأثير.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدهاء السياسي، واللعب على المتناقضات
- الاستخفاف بالداخل
- فاتح جاموس: عزيمة الأحرار
- الاستبداد والإرهاب
- إرهاب فيديو- كليب
- وسام شرف جديد على صدر الحوار المتمدن
- منظومة الاستبداد، ومخاطر التغيير
- آفة العقل السقيم
- قبل فوات الأوان
- تخصيب الشحّاطات
- الحُقََراء
- مدخل إلى التغيير
- الحرية والإبداع
- نعم: إنهم مختلون عقلياً
- حَرْبٌ ضدّ الأشباح المخفيّة
- قوائم الموت
- ماذا بعث البعث؟
- تكايا المعارضة السورية
- تَرَجّل فارسُ الحرفِ الجميل
- قنوات التحريض الشامل


المزيد.....




- فرنسا: هل ستتخلى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان عن تهديدها ...
- فرنسا: مارين لوبان تهدد باسقاط الحكومة، واليسار يستعد لخلافت ...
- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا ...
- حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع ...
- صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
- بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - نضال نعيسة - ديمقراطية الطوائف