|
الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 09:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان الإله رمسيس هو فرعون مصر، يحكم سياسيا، ودينيا، فى آن واحد، يرتدى ملابس الحكم فى الأعمال الخاصة بالسياسة والاقتصاد والدولة، ثم يتنكر داخل الثوب الدينى، ليحكم باسم السلطة الإلهية. وكان الكهنة، ورجال الدين، من حوله، يخدعون الشعب باسم الإله، يفرضون الضرائب، على هيئة قرابين تٌقدم فى المعبد، ويستولون عليها. ولم يكن للكهنة أى عمل منتج. فقط يتمتمون بالآيات المقدسة، وأيديهم بدماء الشعب ملوثة.
كانوا يوهمون الشعب أن الإله يملك حياتهم، ورزقهم، وأعناق أولادهم، ويملك أيضا موتهم. فى البداية، كانت القرابين تقدم للإله، بشرية، حيث يذبح الأب ابنه البكر، ويقدم بناته العذراوات، كل شهر، حينما يكتمل القمر، ليتم اغتصابهن من قبل الكهنة، ويشتغلن خادمات فى المعبد. وهناك قبائل، ومناطق مختلفة فى العالم، يقدم رجال الدين، للحاكم فتاة عذراء كل شهر، يغتصبها، ليرضى عن العبيد المحكومين بسلطته، ويمنع عنهم الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والبراكين، والفيضانات، وكذلك يحميهم من الإصابة بالأمراض. وكان المصريون القدماء، يعبدون النيل، إلها، يقدمون له عذراء، هى عروس النيل، ليمنع عنهم غضبه، وفيضانه المدمر.
كانت الثورات الشعبية ضد هذا القهر الاقتصادى، والجنسى، وضد استعباد البشر، واغتصاب النساء، تقوم باستمرار، لم تتوقف عبر التاريخ فى جميع بلاد العالم. لكن يتم إجهاضها بواسطة الكهنة، ورجال الدين، وخُدام الإله. والملاحظ أنه على مدى التاريخ فى كل البلاد، قديما، وحديثا، يوجد الترابط بين السلطة الدينية، والسلطة السياسة، السلطة الطبقية الأبوية، وأن القهر سلسلة متصلة لا تنفصم. حتى فى البلاد التى تزعم الفصل بين الدين والدولة، فإن هذا الفصل هو جزئى، أو ظاهرى، وسرعان ما يتم التلاحم من جديد، خاصة فى وقت الأزمات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية.
نتذكر عندما أمسك الرئيس الأمريكى، جورج بوش، بالإنجيل فى يده، ورفع رأسه، معلنا الحرب ضد العراق، باعتبارها حربا مقدسة ضد الشيطان فى عام 1991. وكذلك عندما لجأ الرئيس بيل كلينتون إلى الله، والقسس والكنيسة، بعد أن تكشفت خيانته الزوجية، وعلاقاته السرية بالبنات والنساء فى عام 1998. وتحت اسم الوعد الالهى لليهود بالأرض الموعودة، لشعب الله المختار، تم احتلال فلسطين، وطرد أهلها، وقتلهم. وفى مصر، رأينا كيف سمى السادات نفسه بالرئيس المؤمن، وكبير العائلة، وكيف كان يدعو إلى الرجوع إلى التقاليد العائلية، التى هى بالأساس تقاليد ذكورية أبوية، وكيف لتحقيق مشروعه السياسى، أعاد للتيارات الإسلامية قوتها، ونشاطها فى تحجيب النساء، ومنع الاختلاط وعمل المرأة، فى ظل انفتاح اقتصادى نعانى ويلاته حتى الآن. ونجد أن التيارات المسيحية فى الغرب الآن «التحالف المسيحى »، تدعم السلطة الأبوية وقيم العائلة، والقيم الدينية، وإرجاع النساء إلى البيوت، ويطلقون النارعلى الأطباء الذين يمارسون الإجهاض القانونى، ويدعون إلى تدريس الدين فى المدارس، وحذف النظريات العلمية المتعارضة مع نظرية الخلق فى الكتاب المقدس.
وفى بلادنا فإن التنظيمات الإسلامية، تفعل الشىء نفسه، باسم الرجوع إلى الدين، ورجوع المرأة إلى البيت، وتغطيتها تمسكا بالفضيلة، واستعادة للحكم السياسى الدينى، كما عرفه المسلمون والمسلمات الأوائل.
ثورة إيران عام 1979، بدأت ضد القهر السياسى الاقتصادى للشعب الإيرانى، لتحرير النفط من الأيدى الاستعمارية، لكنه سرعان ما تعاون الاستعمار الأمريكى والإسرائيلى لتحويل الثورة الإيرانية، إلى ثورة دينية بزعامة الخمينى، وتم إجهاضها بواسطة رجال الدين، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
وكذلك الثورة المصرية، فى يناير 2011، بواسطة الإخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية السلفية، التى أمدها الاستعمار الأمريكى الإسرائيلى، وتوابعه فى أوروبا، بالمال والسلاح.
وهكذا نشهد فى هذا العصر، فى كل مكان، الارتباط العضوى الوثيق، يتم تجديده، وترسيخه، بين الحكم السياسى، والحكم الدينى والحكم الأبوى، فى ظل أصوليات دينية سماوية، أو أرضية، وتحت مظلة، ورعاية الرأسمالية العالمية، فى أوج تنمرها، وذروة شراستها للاستهلاك والربح، والهيمنة،
والقوة الباطشة.
إن الكيل بمكيالين، أو الازدواجية، هو الأساس الذى تحكم به السلطة الدينية، والسلطة السياسية، والسلطة الطبقية الأبوية. إن طاعة رجال الدين، وطاعة رجال الحكم السياسى، وللنساء تُضاف طاعة رجال الأسرة الأبوية، ثالوث محكم، تأسس منذ آلاف السنوات، وتشتد قبضته، مع اشتداد الفقر، والجهل، والمرض، والتبعية، والفوارق الطبقية بين الناس.
ومثلما يغيب العدل فى الصراع المحلى، الدائر حول حقوق النساء داخل الأسرة، يغيب أيضا العدل فى الصراع الدولى العالمى، حول حق الشعوب فى الاستقلال، والنهضة والتحرر. صراع لم يخمد طوال التار يخ، والذى بدأه العبيد مع النساء، ضد نظام الرق أو العبودية. وأدى التراكم المتتالى من هذا الصراع، إلى انتهاء عصور العبودية. لكن مازالت العلاقات فى الأسرة، على المستوى الشخصى، والعلاقات بين الدول على المستوى العام، علاقات بين طرف أدنى، وطرف أعلى، علاقات غير متكافئة، فى جذورها علاقة بين «أسياد»، و«عبيد».
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر
-
أنت مختلفة.. أنت مختلف موسيقى أو نشاز؟
-
ثمن العبودية أفدح من ثمن الحرية
-
لجنة القصة بالمجلس الأعلى الدائم
-
تجديد الفكر الدينى.. ماذا يعنى؟
-
الأنانية الموروثة وروابط الدم
-
القدم فوق الرأس والعقل بلا ثمن
-
الحجاب والنفط والسلاح ونيوزيلندا
-
منابع الإبداع فى عيد الأم المصرية
-
تجربتى الذاتية والجدل حول الدستور
-
أيامى بالمستشفى العسكرى بكوبرى القبة
-
جائزة الاستغناء عن الجوائز
-
الوزيرة وسلطة الزوج المطلقة
-
الإنسان نعمة وليس نقمة
-
عنب لذيذ فى احتفال العام الجديد
-
الديمقراطية الرأسمالية تتهاوى فى فرنسا
-
القانون والنقاب
-
الأم الكبرى للعلم والفن
-
وزراء الصحة وعمليات الختان
-
كم من كاتبة مبدعة تحمل لقب الشيطان؟
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|