سعدون الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6318 - 2019 / 8 / 12 - 02:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب الخليج ( الملف السري).
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005
الحلقة التاسعة عشر
الفصل السادس
كانت الساعة الثانية عشر عند الظهر, عندما هبط الملك حُسين في مطار عمّان, عائدآ من بغداد. بعد أن يصل الى القصر, مُباشرةً يتصِلُّ هاتفيآ أولآ بوزير خارجيتهِ مروان القاسم في القاهرة: " مروان, قُل لزملائك في الجامعة العربية, بأنَّهُ لديَ موافقة صدّام حسين, بأنَّهُ سيشارك غدآ في لقاء القمّة المُصغرّة. و إنَّهُ سينسحب من الكويت ". بعد ذلكَ, يتّصل بحسني مُبارك, الذي لازال في الإسكندرية. و هنا برزت مُشكلة. و لدينا فيها روايتان مُتناقضتان. إذ إنَّ كُلّآ من الرجلين لهُ تفسيرهُ الخاص بهِ. فالملك حُسين أكد لنا, بأنَّهُ حاولَ و لمرّاتٍ عِدّة - و لكن دونَ جدوى - الإتصال هاتفيآ بحسني مبارك أو بالملك فهد. و عندما نجح أخيرآ, أن يدخل في إتصالٍ مع مُبارك, دُهشَ كثيرآ, كيف إنَّ الرئيس المصري قد غيّر موقفهُ و إسلوبهُ. و لم يعد يهتم لكلامِ الملك. و يُضيف الملك حُسين: " و مع ذلك حاولتُ جاهدآ, شرح الأمرَ لهُ. و ذكرتُ لهُ بوضوحٍ شديد, موقفَ صدّام حسين, من لقاءِ القِمّة المُصغرَّة في اليوم التالي. و إنّهُ يمكن أن يُختتم بالخروج الفوري و الكامل من الكويت ". مُبارك - فيما يخصّهُ - لديهِ تفسيرٌ آخر مُختلف قليلآ. إذ ذكر لنا: " سألتُ الملك حُسين: هل أعطاكَ صدّام وعدآ أكيدآ, بأنّهُ سينسحب من جانبٍ واحد من الكويت "؟ و حسب كلام الرئيس المصري, بأنّ الملك حُسين, قد أجابهُ: " لا. و لكن سيتم التوصُّل الى هذهِ النتيجة, إذا ما أمكن الحصول - عن طريق السعوديين – على تنازلاتٍ من الكويتيين ". - " و لكن هل تعهَّدَ بحزمٍ, بأنَّهُ سينسحب "؟ فأجاب الملك: " لا "! مُبارك يعترف: " بأنّهُ إذا لم يعطِ صدّام حسين أيةَ ضمانةٍ بأنّهُ سينسحب من الكويت, حتى في إحتمال إتفاقٍ في إجتماع القِمَّة, فإنّهُ لم تعُد هُناكَ حاجةُ لعقدِ مِثلَ هذا الإجتماع.."*. الشخصيات ذات المُستوى العالي و التي إتصلنا فيها, أكدت لنا, بأنهُ و خلال لقاءات الملك حُسين, فإنَّ الرئيس صدّام, قد وافق على الذِهاب الى جدَّة, للقاء القِمَّة المُصغرَّة في 4 آب. و إنّهُ سيتفاوضُ معَ الملك فهد. و إنّهُ إذا ما حقَّقت المفاوضات نتائجآ إيجابيةً, فإنَّهُ سينسحب من الكويت.
في موسكو, يفقدُ دنيس روس صبرهُ أكثر فأكثر. إذ إنّهُ و منذُ بداية الصباح, فإنَّ مُساعِدُ بيكر يُناضل مع الروس, لتغيير مضمون البيان المُشترك. و الذي من المُؤمَّل أن يقرأهُ كُلٌّ من بيكر و شيفارنادزه. فمشروع البيان الذي جلبهُ تاراسنكو مُساعد الوزير, كان غيرَ ذي جدوى. إذ كان غامضآ كثيرآ في الإسلوب, و ليِّنآ كثيرآ في لهجتهِ. يقولُ دنيس لتاراسنكو: " يجب إعادة صياغتهُ من جديد. فالنص يجب أن يكونَ شديدَ اللهجةِ جدّآ ". يختفي تاراسنكو, ثُمَّ يعود بعد ثلاثِ ساعات. و لكنّ الصيغة الجديدة لم تكُن مُوفَّقةً أيضآ. " أ تعرفون ماذا سيحدُث - يقولُ لهُ روس, بعد قراءة النص الجديد – إذا ما إستعملنا هذا النص, فإنّنا سوف لن نُرسل الرسالة المُلائِمة الى صدّام حسين. و سوف لن يرى بأنَّنا مُوحَّدون و ذوو عزيمة ". " نحنُ موافقون على ذلك - يُجيبُ تاراسنكو – و لكِنَّنا نُواجهُ صعوباتٍ. إذ إنَّ خُبرائنا في القضايا العربية في وزارتِنا, يُعارضون أن نتخلّى هكذا بسهولةٍ عن شريكٍ قديمٍ لنا مِثلَ العراق ". و يختفي تاراسنكو للمرّةِ الثانية. و بعد بضعِِ ساعاتٍ أُخرى من الإنتظار, يعودُ هذهِ المرّة مُنتصرآ.** يجب الإسراع في الأمور و في صياغة البيان المُشترك. إذ إنَّ طائرة بيكر, توشكُ أن تهبط في مطار موسكو. جلس الإثنان في أماكنهما في سيّارةٍ فخمةٍ, ستقلَّهما الى مطار " فنوكوفو ". قرأ روس النص و وجدهُ مُقنعآ. أشارَ فقط الى المقطع, الذي يُطلبُ فيهِ, حصارآ مُشتركآ, يُمنعُ فيهِ بيع الأسلحة الى العراق. و الذي يبدو إنَّ زملاء تاراسنكو كانوا قد حذفوهُ. إذ أثار دنيس إنتباه تاراسنكو حول هذا الموضوع. فيُجيبهُ المسؤول الروسي: " أُوه! لا بأس, فليس هُناك من مُشكلة. يُمكن أن يتحدّث وزير خارجيتكم مع الرفيق شيفارنادزه ". تمكن الرجُلان أن يصلا قبل هبوط البوينك الأمريكي, ذو العلم المرفوع. مدَّ بيكر يدهُ لشيفرنادزه, الذي كان بإنتظارهِ على سُلَّم الطائرة. بادرهُ السوفيتي بإبتسامةٍ خجولة و مُرتبكة: " لقد خُدعتُ جيم, حينما قُلتُ لك بأنّهُ سوف لن يحدث غزو..". أتجهَ الرجُلان بعد ذلك, و هُما مُحاطان بروس و تاراسنكو, نحوَ قاعات المطار المحروسة بشدّة. بادرَ بيكر بالحديث مُباشرةً: " يجب أن يكونَ واضحآ لصدّام و للعالمِ كُلِّهِ, بأنَّنا سنسيرُ معآ ". أداورد شيفرنادزه, شديد الغموض كالعادة, وافق ولكن دون حماسٍ شديد. بعدَ أن إستمعَ لِحُججِ بيكر, أجاب الوزير السوفيتي و بحزمٍ فاجأ الوزير الأمريكي. قائلآ: " نحنُ نؤكِّدُ لكم, بأن الإتحاد السوفيتي سوف لن يقبل أن تُمارسوا دبلوماسية و لُغة القوّة ". حاولَ بيكرتهدِأتهُ قائلآ: " سوف لن نُقدِمُ على أيةِ عمليةٍ من جانبٍ واحد, إلاّ إذا تعرَّض المواطنون الأمريكيون للخطر ". يوافق شيفرنادزه, و لكن نصف مُقتنع, ثُمَّ يُضيف بحزم: " و لكن لن نقبل بعمليةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ بأيِّ حالٍ من الأحوال ".
في جدّة, و في بداية المساء, يصلُ الرجلُ العراقي الثاني, عزّة إبراهيم, يصلُ الى المملكة العربية السعوديةِ للحديث معَ الملك فهد. في نفسِ تلكَ اللحظة, تتمكّنُ أقمار التجسُّس الصناعية, من رصدِ تحرّكاتٍ لخيرة (؟) القطعات العراقية, التابعة للحرس الجمهوري. و قد وصلت الى الحدود التي تفصل بين الكويت و المملكة السعودية.
في عمّان, كان الملك حُسين في حالةِ إنهيارٍ تام. إذ كان يشعرُ وقتها, بأنَّهُ مُهانٌ و فاقدٌ لأيِّ أملٍ تمامآ. إذ هو إستلمَ رسالةً, بعد ساعةٍ من حديثهِ مع مُبارك. وزير الخارجية المصري, كان قد أذاعَ للتو, بيانآ شديد اللهجة, يُدينُ فيهِ العراق و الرئيس صدّام بسببِ غزو الكويت. في نظرِ العاهل الأُردني, كانت العملية عُبارةً عن مُؤامرةٍ مُدبَّرةٍ من بعض الدول العربيةِ, لإجهاضِ جهودهِ التي كادت تنجح. و لمنعِ القِمَّةِ المُصغرّة المؤمَّل عقدها يوم غدٍ في جدّة. هذا الرجُل, الذي إعتادَ أن يتحرّك و يُناضل و يُقاتل, سيبقى هذهِ المرّة لساعاتٍ طوالٍ, مُحبطآ لوحدِهِ في بلاطهِ. و هو يرفضُ وجود أيِّ أحدٍ بجانبهِ, سِوى أخيهِ الأمير حسن. " يجبُ - يُردِّدُ هوَ بنبرةٍ مُنهزِمةٍ أمام أخيهِ -أن يُثبت العرب في هذهِ الساعات المصيرية, بأنَّهم يستطيعون حلَّ هذا النزاع بأنفسهم. يجب أن نحذر كي لا نرتكب خطأً جسيمآ ما. الآن من المُمكن أن يحدث أيُّ شيءٍ. و رُبَّما أشدُّ الأمور مأساوية ".
في بلاطهِ شبه الفارغ, بقيَ الهاتفُ صامتآ لا يرن. إذ لا يطلبُ عمّان أيُّ زعيم! في هذهِ اللحظات و الساعات العصيبة, ٌ التي تمُرُّ ثقيلةً, و عندما لم تعُد لدبهِ ثقة بأيِّ شيءٍ, حتى بنفسهِ هوَ, بدأ الملك الأُردني يُفكِّرُ بالتنازل عن العرش. كان تُسمعُ بوضوح أصداء الأصوات التي تتصاعدُ في المدينة. إذ كانت تجري مظاهرات شعبية تأييدآ لصدّام حسين. و كانت الحناجرُ تهتفُ بأسمِ الرئيس العراقي. معظمُ المُتظاهرين كانوا من الفلسطينيين. كانت الجموع تصرخُ بحقدٍ ضدّ حكومات الخليج.." الكويت ليست بلدآ و لا شعبآ, لا هي عاصمة و لا حتى مدينة. إنَّها بئرُ نفط. حكومات الخليج المليئة بالتكبُّر و الغطرسة, ترفضُ منحَ الجنسيةِ للعرب الوافدين للعملِ في دولهم الخليجية. الذين خدموهم بإخلاص و بنوا بلدانهم مُنذُ عشرات السنين. يجب على صدّام أن يغزو السعودية أيضآ... ". بالنسبةِ للملك الأُردُني, فهذهِ المُظاهرات, هي " نصرٌ مُر ". كان ينظرُ من شبّاكهِ و يتأمَّل, كيفَ يُخيِّمُ الظلام على الوديان المُحيطة بعَمّان. و كأنَّما يشعرُ بمرارةٍ, ضخامة التمزُّق و الدمار الذي سيحِلُّ بالعالم العربي.
في هذهِ اللحظات, في القاهرة, قرَّرَت الجامعة العربية أن تضع حدّآ للمُهلةِ التي قُدِّمت للملك حُسين, كي ينجح في جهودهِ للوساطة. إذ تبنّى وزراء الخارجية العرب, قرارآ يُدين العراق. كما يطلبون فيهِ الإنسحاب الفوري و غير المشروط لقواتهِ الى ما خلف الحدود. سبعُ دولٍ من بين واحدةٍ وعشرين دولةٍ عضوٍ, رفضت التصويت على القرار. و هي إضافة للعراق, كُلٌّ من الأُردُن و ليبيا و اليمن و السودان و جيبوتي و مُنظّمة التحرير. قبلَ التصويت, كان وزير الخارجية الليبي قد غادرَ القاعة. كان واضحآ للوفود, بأنَّ ضغوطآ شديدةً, كانت قد مورست على الرئيس مُبارك من قِبلِ الأمريكيين, طيلة النهار. و لقد كانت برقية جون كيلي التي ورد ذكرها, إحدى هذهِ الضغوط. مصر هي بلدٌ مُتميِّزٌ لدى الأمريكان مِثل إسرائيل. إذ هي تحظى - أي مصر - على مُساعدةٍ ماليةٍ أمريكية, تزيدُ على ملياري دولار سنويآ. كما يُطالبُ القرار الذي تمَّ التصويت عليهِ, عَقدَ إجتماع قِمَّة عربية عاجلة. و ذلك " لغرض مناقشة مشكلة العدوان العراقي على الكويت. و البحث عن وسائلٍ, يتمُّ من خلالها الوصول الى حلٍّ دائمٍ للأزمة ". و هكذا إختفى أيُّ أملٍ في الوقت الراهن لتسوية الأزمةِ عربيآ. و بهذا, و كما أشارَ الملك حُسين, بأنَّ صدّام حسين, كان قد أعلن عن إستعدادهِ لمُناقشةِ موضوعِ إنسحابهِ من الكويت, خلال لقاء القِمَّة المُصغرَّة, شرطَ أن لا تُدينهُ الجامعة العربية. هذا اللقاء, الذي كان من المؤمّلِ أن يُعقد في اليوم التالي الرابع من آب في جدّة. قد أصبح الآن - في حقيقة الأمر - بحكم الملغي..
...........................................................................................................................................................
* طبعآ تفسير الرئيس المصري و التغيير الواضح لموقفهِ, لهُ عِدّة دلالات:
أولآ, يبدو واضحآ تأثير الضغط الأمريكي الكبير على المصريين.
و ثانيآ, هذا الإسلوب من الكلام, هو أسلوب المُنتصر مع المُنهزم.
و ثالثآ, تبدو واضحة المصيدة التي أعدّها الأمريكيون لصدّام, و التي وقع فيها الأخير ضحية بسهولة.
المُترجم.
** تبدو جلية العلاقة الجديدة بين الإتحاد السوفيتي و الأمريكان في عهدِ غرباشوف. و التي تحوَّلت من علاقة النِدّية بين القوتين الأعظم في العالم, الى التبعية و الإستسلام من قِبل القيادة السوفيتية, للإدارة الأمريكية و للإرادةِ الأمريكية - المُترجم
#سعدون_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟