أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية: النموذج التنموي - العدالة الاجتماعية















المزيد.....

شذرات اقتصادية: النموذج التنموي - العدالة الاجتماعية


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 6313 - 2019 / 8 / 7 - 13:26
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


عرف نهاية القرن الماضي ثورة علمية وقفزة كمية ونوعية في الانتاج والاستهلاك تؤكد قدرة الإنسان على الإبداع والابتكار وقوته على تحدي الصعاب؛ ليكون الأمل في تجاوز المقابل السلبي لهذا الإنجاز السريع الذي حققه النظام الاقتصادي طيلة ما يقارب 150 سنة أمراً ممكنا إذا ما توفرت الإرادة لذلك.

إذا لم نكن نحتفل اليوم بالاختراعات العظيمة المحققة والاكتشافات العلمية المذهلة في جميع المجالات والتي ارتبطت بها حياتنا اليومية (الفردية والجماعية)، لسبب بسيط يكمن في كثرتها حتى أصبحت تبدو عادية وبديهية لنا؛ فإنها تظل في عمقها وجوهرها تُتَرجِم الذكاء والفطنة البشرية، ومن جهة أخرى تعبر عن التقلب العالمي نحو الرقمنة وما ينتج عنه من خلق لتنظيمات مجتمعية وجماعية جديدة ينتفي فيها المفهوم الحالي للحدود السياسية والاجتماعية والثقافية للبلد الواحد. إنه عالم يتشكل دون قاعات للانتظار ويمضي بسرعة قطار "براق" الصين، فإما أن تكون في الموعد أو خارجه.

تحققت معدلات النمو الاقتصادي في العالم بأكبر معدلات من الهشاشة والفقر والتفاوتات المجالية والاجتماعية، وهي الأكثر عمقا على الإطلاق طيلة التاريخ البشري مع دمار كبير في المنظومة البيئية؛ حتى غدت سرعة استهلاكنا لمواردنا الطبيعية تفوق معدل تجددها، بل بعض الموارد الطبيعية والكائنات الحية والنباتية لم يعض لها وجود على الكوكب الأرضي. فالتفاوتات المجالية والاجتماعية تسجل ليس فقط داخل البلد الواحد، بل أيضا بين البلدان. فأصبحت بعض الدول تستهلك لوحدها من 3 إلى 12 من مجموع إنتاج الأرض وموارده الطبيعية، ودول أخرى تظل ضعيفة وفقيرة على جميع المستويات. فإن أخذت صورة لكوكب الأرض ليلا بالقمر الاصطناعي، تجد جزءاً من عالم لا تختفي أنواره وجزء آخر في ظلام دامس. إنها صورة تلخص المقابل السلبي للنظام الاقتصادي والسياسي العالمي طيلة العقود الأخيرة. ينبني النموذج الاقتصادي الحالي على منطق النمو الاقتصادي التصاعدي باستعمال معادلة تحقيق الرفاهية التفضيلية في إطار من التوازنات بين المؤسسات الاقتصادية داخل الأسواق التبادلية. فحقق بهذا المنطق تراكمات مالية ومعرفية وعلمية مهمة، إلا أنه خلق بالمقابل فائضا من النفايات وارتفاعا مهولاً من الفقراء والمهمشين والأميين، وكذا أعداداً كبيرة (وفي تزايد مستمر) من المحرومين من شروط الأمن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في كل البلدان مع تفاوتات مجالية داخل البلد الواحد وبين القارات وبين الدول. كانت هذه النتائج جد متوقعة لدى مهندسي هذا النموذج الاقتصادي لكن تقديرات وخيارات وأهداف المرحلة كانت تميل أكثر لاختيار سرعة النمو على حساب العدالة الاجتماعية والمحافظة على البيئة والثروة الطبيعية.

ليس هناك نموذج تنموي أو اقتصادي مثالي وخالد، بل هناك نموذج يتبلور وفق التصور والأهداف الاستراتيجية التي يتم تسطيرها حسب ظروف المرحلة؛ فلكل نموذج إيجابياته وسلبياته/نواقصه. المهم هو وضعه في انسجام مع بيئته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشكل محيطه العام وشروطه الأولية والأساسية للنجاح ولبلوغ الأهداف. النموذج التنموي يتحدد وفق أهدافه المسطرة وامكاناته الداخلية ومعرفة نقط قوته وضعفه وترجمة فعلية للإرادة السياسية للبلد.

إن الاستمرار في النموذج الاقتصادي العالمي سيؤدي لا محالة إلى أزمة أو أزمات اجتماعية حادة ستخلخل كل الحسابات والتوقعات والتوازنات السياسية والاقتصادية القائمة، وستكون مع مرور الزمن (في غياب تنزيل مخرجات تنموية حقيقية لدى الدول) قوية وعميقة وعنيفة وأكثر خطورة من أي أزمة مرت في الدورات الاقتصادية السابقة. الهدف العام لأهداف التنمية المستدامة ل2030 (ODD) هو محاولة لإعادة توزيع الثروات المنتجة وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ لعلها (أي هذه الأهداف) تنجح في تحقيق بعض من الأهداف التنموية التي فشلت برامج أممية سابقة في بلوغ معظمها، بل أصبحت بعض المشاكل أكثر حدة مما كانت عليه خلال 50 سنة الماضية كالفوارق الاجتماعية والفقر والهشاشة والمساواة.
***
بالنسبة للمغرب، فإنه لا يمكن أن يخرج عن هذا السياق الدولي العام. لكن وضعيته أكثر تأزما مقارنة مع اقتصاديات البلدان الأخرى المتشابهة مع واقعه. مما تأكد على وجود اشكالات أخرى غير مرتبطة فقط بطبيعة بنيته الاقتصادية، والتي تظل بالإضافة إلى ارتباطها بالبنية الاقتصادية السائدة في العالم، مرتبطة بشكل كبير بطبيعة بنية المؤسسات.

اقتصاد المغرب، باختصار، يتميز ببنية اقتصادية تبعية وهشة وغير مستقلة لأربع اعتبارات أساسية:
1. الارتباط القوي لاقتصاده بالمتغيرات المناخية وتقلبات الاقتصاديات العالمية (وأيضا السياسية) وخاصة لاقتصاديات الدول الأوربية؛
2. هشاشة قطاعاته الإنتاجية وضعف مردوديتها، خاصة قطاعاته الانتاجية الاستراتيجية؛
3. سيطرة اقتصاد الظل/الخفي (اقتصاد الريع والاقتصاد الغير المهيكل والاقتصاد الغير القانوني) على الاقتصاد الحقيقي؛
4. بنية تجارية خارجية ضعيف تتسم أساسا في ضعف التنوع والمردودية ومحدودية المشاركين التجاريين.
انعكست هذه البنية الاقتصادية على مختلف المناحي الاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية بالمغرب، فكان التفاعل متبادلا في ما بين كل هذه الجوانب، حتى اختلط السَبب بالمُسبب. لكن النتيجة التي لا يختلف عليها اثنان لدى المتتبعين والمهتمين بالشأن العام المغربي والتي عبرت عنها أعلى سلطة في البلاد هي نتائج اجتماعية ومجالية كارثية وفقدان في الثقة للمواطن(ة) في الوسائط السياسية والمدنية وغياب شبه تام لدور المؤسسات.

الكل يطالب بالنموذج التنموي القادر على تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والرفع من التنافسية الخارجية واستقطاب الاستثمارات وغيرها؛ أي نموذج قادر على تحقيق التنمية المستدامة واختيار قطاعات انتاجية بعيدة عن استهلاك الموارد الطبيعية للمغرب خاصة الذهب الأزرق (الماء) الذي يعتبر العملة العالمية المستقبلية التي ستتحكم في استقرار وأمن ومستقبل الدول خاصة وأن المغرب ببنيته التجارية الخارجية الحالية أوصلته إلى استنزاف ثرواته المائية واللجوء إلى استغلال أمنه المائي الوطني، وهو الخط الأحمر الذي سيفجر مزيدا من الأزمات الاجتماعية في المناطق الجافة وشبه الجافة والجبال والواحات.

إذا كانت النماذج التنموية هي متعددة ومختلفة حسب البنيات المستقبلة لها، فإن النموذج التنموي للمغرب هو واضح المعالم. فبوصلة وضعه وأهدافه جد واضحة ولها امكانيات التحقق والنجاح جد مرتفعة، هذا بالطبع إذا ما واكبتها شروط أخرى للتنزيل والتفعيل حتى لا يمر "البراق" بالمحطة ونحن غير قادرون على الصعود.
النموذج التنموي المطلوب هو النموذج المبني على الإنسان ومن أجل الإنسان. أي النموذج الذي يحقق التنمية الاقتصادية المندمجة والمستدامة من داخل احترام التوازن بين مستويين من الأهداف مع تتبع مرحلي دقيق للتحولات الديموغرافية ومواكبة التطورات التكنولوجية: المستوى الأول: الأهداف المجتمعية والمجالية المتعلقة أساسا بالعدالة الاجتماعية والترابية والتي يمكن تقسيمها إلى أهداف مجتمعية أفقية وعمودية وفق المعايير والمؤشرات الدولية لحقوق الإنسان؛ المستوى الثاني: التحديات والرهانات البيئية المتعلقة أساسا بالمجالات التالية: المتغيرات المناخية، استعمالات الماء العذب، استغلال الثروات البحرية والمناجم والغابات، التلوث المناخي، التنوع البيولوجي وإعادة استغلال وتهييئ الأراضي. احترام هذا التوازن سيؤدي لا محالة إلى توزيع عادل للثروة المنتجة والغير المنتجة بين الجيل الحالي والأجيال المستقبلية. إنه نموذج بَعِيد عن ذلك النموذج الذي يهدف فقط إلى تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية بهاجس معدل نمو اقتصادي كبير (كمؤشر كمي) على حساب تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والأمن البيئي. إنها خطوط استراتيجية طويلة الأمد، لكن بدايتها لا تتطلب مزيدا من الانتظار وإهدارا للفرص...



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد الريع، هل هناك سياسة لمواجهته؟...
- صعود النزعة المقاولاتية والريعية للمجتمع المدني …
- الهدف الرابع للتنمية المستدامة واستراتيجية التعليم بالمغرب- ...
- استراتيجية الهدم ونموذج التنمية بالمغرب …الحصيلة الراهنة 201 ...
- التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية... أية علاقة؟
- النموذج التنموي والعمل السياسي، أية علاقة ؟...
- الدول المستفيدة من الديون… تحليل لمقال
- اندثار معالم الحدود... (الجزء الثاني)
- اندثار معالم الحدود... (الجزء الأول)
- العمل الموسمي والمياوم للنساء بالمغرب عُملة لاضطهاد يومي واس ...
- 8مارس اليوم العالمي للمرأة، هل هو يوم للاحتفال أو لتخليد ذكر ...
- -خديجة- المرأة المغربية و الاغتصاب الجماعي...
- هل ساهمت الأزمة المالية العالمية 2008 في تقوية الحركات الاحت ...


المزيد.....




- وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد ...
- الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال ...
- العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال ...
- تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
- لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
- أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
- قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب ...
- انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ ...
- مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
- مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية: النموذج التنموي - العدالة الاجتماعية