|
كردستان من القدس إلى شرق الفرات
مسعود دالبوداك
باحث
()
الحوار المتمدن-العدد: 6312 - 2019 / 8 / 6 - 06:18
المحور:
القضية الكردية
الملخّص "مرة أخرى بعد قُرون" الكُرد في صدارة المشهد العسكري والسياسي في "الشرق الأوسط" لذلك تتناول هذه الدراسة الدور الكُردي في الشرق الأوسط؛ حيث تعمل على المقارنة بين واقعتين إحداهما سابقة تتمثّل بالسيطرة الكُردستانية على القدس قبل ثمانية قرون تقريباً، وأخرى حاضرة تتمثّل بالسيطرة الكُردستانية على "شرق الفرات"، وتُسلِّط الدراسة الضوء على تأثير الوقائع التاريخية السابقة في حاضر الشعوب، والمدى التعريفي الذي تُحدِثه في شعب ما، وبلا شك تمتلك كثير من الشعوب إنجازات عبر التاريخ، صنعتها، فعُرفت بها لاحقاً، وكانت دلالةً عليها حيثما ذُكرت، ومِن تلك الشعوب الكُرد، فالدراسة تتعامل مع التاريخ الكُردستاني في الشرق الأوسط من خلال محاكاة تاريخية بين الماضي والحاضر، ومدى إمكانية إجراء مقاربة واقعية تاريخية بين الحادثتين؛ ملكت، وستمتلك كِلا الحادثتين بُعداً إعلامياً عالمياً، فإنْ كان الماضي لا يحتمل هكذا تأويل للضعف الإعلامي وقتها، فالحاضر محكم لا تأويل فيه، ويثبت مدى أهميّة البُعد الإعلامي في حاضر الشعوب؛ كما أنّها محاولة تُسهم في قراءة الحاضر وفهمه من خلال الماضي، فالماضي والحاضر لا ينفصلان، وتتعامل الدراسة مع الأوضاع السياسية في القرن الأخير وتأثيراتها على الكُردستاني من خلال التحليل السياسي، وتهدف الدراسة إلى توعية الرأي العام الكُردستاني ونخبته، وفهم طريقة تعامله مع الأحداث الراهنة، والدور السياسي والإعلامي المطلوب أشخاصاً ومؤسسات، ومدى تحمل المسؤولية نظراً لحساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة عموماً والكُردستانية خصوصاً. الكلمات المفتاحية: الشرق الأوسط، كُردستان، شرق الفرات، القدس، الدولة الإسلامية. المقدمة التاريخ سرد زمنيّ لأحداث طارئة، أو ظواهر متكررة، ومُتخيَّل لوقائع حدثت، أو لم تحدث، فالتاريخ لا يشترط حقيقة وقوع الحدث لتدوينه، كما أنّ هذا السرد المُتخيَّل يختلف مِن مؤرِخ إلى مؤرِخ نتيجة اختلاف قدرة المُتخيِّل الفهمية والمعرفيّة أثناء صياغة الرواية التاريخية، ولا يُشترط في هذا التَّخيُّل أنْ يكون لاحقاً لتلك الوقائع، إذ يمكن أنْ يكون معاصراً لها، كأنْ يُؤرِّخ شخصان يعيشان في زمن واحد واقعةً تُرى وتُسمع لكنها تُؤرَّخ بشكلين مختلفين، فيُصبح من الصعوبة بمكان ادعاء امتلاك الحقيقة التاريخية المطلقة من قِبل أيّ شخص مهما اعتمد على مصادر تاريخية تدعم وجهة نظره، وتجدر الإشارة هنا إلى التفريق بين وجهة نظر المُؤرِّخ وبين التّزوير التاريخي، فالثاني لسنا بوارد الخوض فيه؛ ومصادر كتابة التاريخ إمّا تعتمد على المكتشفات الأثرية (الأركيولوجية) التي يكون هامش المُتخيَّل فيها كبيراً، نظراً لقلة المعلومات المتوفرة، أو يعتمد التاريخ على المخطوطات التاريخية التي كُتبت في فترات زمنية مختلفة وحُققت فيما بعد، أو يعتمد التاريخ على ما يمكن تسميته بالتاريخ المستنبَط من المصدرين السابقين يُضاف إليهما مُخيِّلة المُؤرِخ الذي يعطي الرواية التاريخية بُعداً منطقياً يُحاكي الحاضر، ولا شك أنّ المقاربة الأخيرة في صياغة التاريخ – رغم حداثتها- ستثبِت مستقبلاً أنّها الأصلح منهجيةً لكتابة التاريخ؛ ومن جهة أخرى توجد معارضة لهذه المنهجية تستند إلى نقاط عدة، منها أنّ زيادة مساحة الهامش المتخيَّل أثناء محاولة تجميع تفاصيل حادثة ما، يحرِف التاريخ عن مساره، ومنها أيضاً تداخل المتخيَّل مع خلفيات إيديولوجية وعاطفية لبعض المُؤرِخِين، ومنها أيضاً جدلية إطلاق الأحكام التاريخية المطلقة؛ ربما تُعاني هذه الاعتراضات من هشاشة، فالهامش المتخيَّل حق علميّ لكل مُؤرِخ في ظل غياب حقائق تاريخية وعلمية مطلقة نملكها نحن البشر، وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بوقائع سابقة، أمّا المصادر المكتوبة فقط، فتُمثِّل مُتخيَّل مُؤرِخ بحد ذاته، ولا تمثِّل حقيقة علمية مطلقة لنا، خصوصاً في تفاصيلها المُتخيَّلة، كما يخضع ذلك المُتخيَّل وغير المُتخيَّل من الرواية التاريخية لمستوى فهم المؤرخِين السابقِين، أمّا مسألة إطلاق الأحكام الثابتة فالأكيد أنّها تتعلق بالأكاديمية الغربية التي تتبنى المنهجيّة القاطعة – كما تتدعي – في عدم إطلاق الأحكام ما لم تخضع للصدقية العالية، فالمنهجية الشكية التي تبلورت بشكل واضح مع العقليين في عهد النهضة، والشك بكل المسلمات جعل مسألة إطلاق الأحكام غاية في الصعوبة، وتشربت الأكاديميات الغربية هذه المنهجية لدرجة تبخرت معها منهجية إطلاق الأحكام، وأصبح البحث للبحث فقط! وليس هذا فحسب، فالأكاديمية الغربية تُعاني من ازدواجية المعايير أيضا، فالأكاديمية الغربية تقول: "الادعاء أن الميديين من كُرد يُثير الضحك" لذلك لا يجب التفوه بذلك! ولكن أليس أقوى الاحتمالات الموجودة وفق المعلومات المتوفرة على أصعدة مختلفة تدعم هذا الطرح؟ وربما لا يدري كثير من الباحثِين الكُرد أنّ العلوم التجريبية في قسمها الأعم في الأكاديمية الغربية قائم على أساس الاحتمالات أيضاً، أو تَرى مَن ينشر الاتهامات شمالاً ويميناً، وينعت غيره بالعاطفية في كتابة التاريخ ويصدر أحكاماً على مقاسه رغم أنّ المعطيات التي يعتمد عليها معتمدة من قِبل الجميع! وترى مَن يتعامل مع المراجع التاريخية مثل النصوص المقدسة التي لا تحتمل حتّى التفسير! ناهيك عن التأويل، وأصبح –ذلك الباحث- أداةً لجمع المعلومات والمراجع التي يتفاخر بأعدادها الكثيرة ضمن بحثه دون عناء فهم وتحليل مضامينها! والقائمة تطول! ويبدو أن اجترار نفس المنهجية البحثية طيلة السنوات السابقة لا يكفي! في ظل التحريف الممنهج من قِبل المزورِين في وضح النهار؛ حيث أقدم رئيس إحدى الجامعات في جنوب شرق تركيا على تحريف كتاب ابن الأثير "الكامل في التاريخ" وتغيير كل الأماكن التي ذُكرت فيها كلمة "الأكراد" إلى "أتراك" ويضيف بشكل لا يقبل الشك نقطة مظلمة في تاريخ التوثيق التاريخي في حق الكُرد مرة أخرى! ويبقى أنْ نشير إلى المعرفة التاريخية التي يُنتجها عقل الباحث الكُردي من خلال إسهامه بشكل غير واع في إنتاج معرفة تاريخية، ومدى إمكانية تسميته –الباحث- بالمساهم الواعي والمبدع؟ وهل الإبداع الفردي عقل فردي منظم في عقل جمعي غير منظم يُسهم في إنتاج معرفة تاريخية معينة؟ ويُسخِّر المبدع كل ما هو موجود لإنتاج فكرة ما؟ فهل يمكن تسمية بعض الباحثِين في التاريخ الكُردي بالمساهمِين غير الواعيين في إنتاح المعرفة التاريخية مثلاً؟ الكلّاسة-الحسكة-سوريا-صيف عام 9199م مسعود: دول الشرق الأوسط مصيرها السقوط؟ ألا ترى حماقات العراق التي سهّلت صعود الكُرد إلى مستوى الحكم الذاتي؟ ع، م، خ : النظام العراقي حارب إيران بلا سبب! في حين كان عليه محاربة إسرائيل؟ وأمّا سوريا فقد تحولت إلى مزرعة للعلويين! مسعود: النظام السوري سيسقط لا محالة لكن لا أدري متى؟ والدول التي تتقاسم كُردستان إمّا قومية، أو إسلامية، مثل إيران والعراق وسوريا والأهم أنّها معادية للغرب؟ ع، م، خ: هل هذا سيسهل حصول الكُرد على حقوقهم؟ مسعود: نعم، لكن ماذا عن تركيا العلمانية، والمتحالفة مع الغرب؟ لن تتغير المعادلة إلا إذا تحولت تركيا إلى "إسلامية" معادية للغرب؟ الشرق الأوسط مهد الحضارات وبداية البشرية، ومهبط الأديان التوحيدية وغير التوحيدية، ومركز الصراعات ماضياً وحاضراً، أحد أسرار الكون وأكثر المناطق العصيّة على الفهم من ناحية سبب الاختيار، لماذا هذه البقعة الجغرافية بالتحديد؟ تغيرت ملامح "الشرق الأوسط" دون رجعة مع دخول قوات التحالف العربي "الفاتحة" للمنطقة المعروفة اليوم بسوريا والعراق وإيران وتركيا ومن ضمنها المنطقة الكُردستانية، وذابت كثير من الشعوب والأقليات نتيجة هذه السيطرة المباشرة، وتغيرت أسماء الناس والبلدان، وأصبحت العربية لغة العبادة أولاً، والعلم ثانياً لغالبية شعوب الشرق الأوسط، وتصدرت بعض القوى المشهد السياسي والعسكري في فترات معينة، وغابت قوى أخرى في فترات معينة نتيجة الهيمنة والصراعات المتبادلة بين الفرس والكُرد والعرب والتُرك؛ ويُعدُّ مصطلح "الشرق الأوسط" حديث الظهور، ويرجع استعماله إلى الغرب في ثلاثينيات القرن الماضي، ويُركِّز على الدول العربية، بالإضافة إلى إيران وتركيا وغيرهما من الدول القريبة إلى هذه الجغرافيا، وكلها دول حديثة ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى؛ حيث قُسمت المنطقة وفق "الربع ساعة" الأخيرة من تاريخ المنطقة. "صراع الحضارات" كما يسميه البعض، فتاريخ الحروب على الشرق الأوسط ليس إلا استمراراً للحروب السابقة التي بدأت بين الآريين والإغريق والغزو المقدوني للشرق، وغزو القوات العربية الإسلامية التي أخرجت الشرق عن السيطرة الفارسية والبيزنطية، وغزو القوات المتعددة الجنسية "الحروب الصليبية" ، وحملات دول الحلفاء على المنطقة إبّان الحرب العالمية الأولى، وأخيراً غزو أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا في بداية القرن الواحد والعشرين. السيطرة الكُردستانية على القدس خضع "الشرق الأوسط" عشيّة الحملات الأوروبية "المتعددة الجنسية" في القرن الحادي عشر الميلادي لقوى متصارعة ومتعددة، فالدولة العباسية "السنية" في بغداد تحت الهيمنة البويهية "الشيعية" والخليفة أشبه بمحافظ بغداد، وبينما مصر تحت السيطرة الفاطمية "الشيعية" مع بعض أجزاء من بلاد الشام، والأناضول "تركيا" وكُردستان تحت السيطرة البيزنطية -وريثة الامبراطورية الرومانية- بعد حملات متعددة قامت بها نتيجة ضعف السيطرة في الشرق الأوسط، وقد بلغ الصراع العسكري والمذهبي أوجه في المنطقة نتيجة الضعف المتزايد للسلطة المركزية في بغداد، وشهدت الفترة ظهور قوة جديدة في الشرق الأوسط مع وصول بعض القبائل التركية من وسط آسيا إلى خُراسان، وظهر السلاجقة "السنة" وهيمنوا على الشرق الأوسط بعد استنجاد الخليفة العباسي بهم للتخلص من الهيمنة البويهية "الشيعية" وبعد محاولة إلحاق الدولة العباسية بالدولة الفاطمية في مصر، دخلت الخلافة (1055م) تحت الهيمنة السلجوقة "التركية" بعد قرن من الهيمنة البويهية "الفارسية"، وامتد سلطان السلاجقة إلى بلاد الشام وإيران وكُردستان والأناضول، ونتيجة الميول التوسعية للسلاجقة نحو الغرب حدثت معركة "مَلَازْكِرتْ" (1071م) على الأراضي الكُردستانية بين الجيش السلجوقي والجيش البيزنطي خسر الأخير فيها؛ حيث جرت على عكس الحملة السابقة التي انتصر فيها الجيش البيزنطي وسيطر على "منبج" (1070م)، ومهدت المعركة – مَلَازْكِرتْ - لبداية انهيار الدولة البيزنطية أولاً، وبداية سقوط الأناضول بيد الأتراك ثانياً، وبداية ظهور الدوافع الأولى لتحرك القوات الأوروبية نحو الشرق الأوسط ثالثاً، وازدات السيطرة التركية على الشرق الأوسط لكن الحال لم يستمر طويلاً حتى انقسمت الدولة السلجوقية الكبرى إلى دويلات صغيرة نتيجة ضعف الدولة المركزية، ودبّ النزاع بين ورثتها، وظهرت دويلات "سلاجقة الروم" في تركيا، و"سلاجقة الشام"، و"سلاجقة إيران"، كما سيطرت الدولة الفاطمية في مصر على أجزاء من بلاد الشام نتيجة الفراغ الذي أحدثه ضعف السيطرة التركية. الظروف الأوروبية قُبيل الحملات على الشرق الأوسط لم تكن أفضل حالاً من الشرق الإقطاعي، فالمواسم العجاف في ذروتها والفوضى منتشرة في ظلّ الصراعات وضعف السلطات الحاكمة، والميلشيات المسلحة والهمجية التي اعتادت الجريمة منتشرة، والنظام الإقطاعي أفقر الناس إلى حد الجوع، ورغم ضعف السلطات السياسية الحاكمة في الدول الأوروبية الغربية كانت سلطة الكنيسة قويةً في تلك الفترة، وشكّلت البروبوغندا الإعلامية التي قامت بها الكنيسة عن سوء معاملة "الفاطميين" والأتراك للحجاج المسيحيين ونصارى الشرق عموماً دوراً كبيراً للحشد الديني على الشرق، وراجت الخرافات عن قرب يوم القيامة مع بلوغ الألفيّة الأولى لظهور المسيح، وعُبِّئت الجيوش نحو الشرق الأوسط خصوصاً أن رحلات الحج السابقة زادت تعطش الإقطاعيين الأوربيين إلى السيطرة على أراضي جديدة، وعمدت الكنيسة إلى بيع صكوك الغفران للمذنبين والمجرمين وأصحاب الأحكام القضائية، بالإضافة إلى إرسال الفقراء للجهاد في الشرق الأوسط للتخلص من الذنوب بدلاً عن المال لذا كانت أوروبا الغربية المتخلفة أكثر استجابةً، وتلاقت مصالح السلطات الحاكمة مع مصالح الكنيسة حينها، فالسلطات رأت قسماً من الذين ذهبوا تنظيفاً للمجتمع الأوروبي، أما الكنيسة فعزّزت قوتها وسلطتها أكثر فأكثر في المجتمع الأوروبي، وزادت نواياها في الحكم الثيوقراطية في أوروبا وضمت أملاكاً جديدةً إلى نفوذها، وربما الأهم ضمّ الكنيسة الأرثوذكسية إلى البابوية الكاثوليكية في روما، والخوف على مصير بيزنطة من الوقوع في يد السلاجقة الأتراك "المهرطقين" فتحركت القوات الأوروبية متّجةً إلى "نيقية" في الأناضول وسيطرت عليها، ثم تابعت نحو أنطاكية، وأخيراً توجهت إلى القدس وسيطرت عليها في عام (1099م)، وكانت وقتئذٍ تحت سيطرة السلطة الفاطمية "الشيعية" في مصر، ونتيجة الحملة الأوروبية على الشرق الأوسط تكّونت عدة إمارات منها، إمارة "الرها" ذات الغالبية الأرمنية الشبه المستقلة، وإمارة طرابلس، وأمّا أنطاكية، فإمارة صليبية كاثولوكية لم تكن على وفاق مع بيزنطة الأرثوذكسية، ولا مع الإمارات المجاورة أيضاً. قامت إمارة السلاجقة في الموصل بصد زحف القوات الأوروبية، ونتيجة معارك عدة سقطت إمارة الرها تحت الحكم التركي مما أدى إلى إرسال حملة جديدة من القوات الأوروبية إلى الشرق الأوسط، وعادت السيطرة التركية للمنطقة مع "الزنكي" وابنه، ومع ضعف الدولة الفاطمية امتدّ النفوذ الزنكي إلى مصر، وشكّلت انتصارات "شيركوه" وتولي "صلاح الدين" حكم الاسكندرية ظهور أولى ملامح السيطرة الكُردستانية على المنطقة، وازادت قوة صلاح الدين بعد عمله تحت سلطة الخليفة الفاطمي، وبعد وفاته سيطر صلاح الدين على الحكم بقبضة حديدية وأنهى الحكم الفاطمي، وأبقى تبعية شكلية للخلافة العباسية، وبعد السيطرة التامة على مصر خضعت كُردستان وشرق بلاد الشام والحجاز واليمن وأجزاء من شمال إفريقيا إلى السيطرة الكُردستانية، وشكلت أكبر قوة متحالفة في المنطقة حينها، وتوجهت الأنظار الكُردستانية إلى مناطق سيطرة القوات الأوروبية، وبعد معركة حطين (1187م) تحركت القوات الكُردستانية إلى القدس وأدخلتها تحت سيطرتها، ولم يبق بيد القوات الأوروبية إلّا طرابلس وأنطاكية، ونتيجة الخسائر الكبيرة تحركت القوات الأوروبية وأرسلت تعزيزات جديدة للمنطقة من إنكلترا وألمانيا وفرنسا، ودعمت الكنيسة هذه الحملات بشكل منقطع النظير، ورغم عودة الجيش الألماني والتراجع بعد غرق قائده أكملت القوات الأخرى طريقها إلى الشرق، وسيطرت على مدينة "عكا" وتم تصفية الأسرى فيها، وبعد معارك متبادلة اُنهكت القوات المتحاربة، وجرت مفاوضات بين الطرفين وعُقد صُلح "الرملة" بين الطرفين في عام (1192م) سُمح بموجبه بقاء السيطرة الكُردستانية على القدس مع مجيء آمن للحجاج المسيحيين والاحتفاظ بالشريط الساحلي بيد القوات الأوروبية. استمرت الحملات العسكرية ذات الطابع الديني والإيديولوجي للدول الأوروبية على الشرق الأوسط قرابة قرنين بشكل فاعل بين عامي (1291-1096م) رغم الاعتراض على حصرها من حيث الفترة والعدد والأمكنة، وربما شملت الحملات العسكرية مناطق أخرى لكنها لا تندرج في إطار البحث، ويمتد الاعتراض إلى بواعث الحملات نفسها؛ حيث ينفي الاعتراض اضطهاد الحاكم الفاطمي للمسيحيين وهدم الكنائس في القدس بعد إلغائه تفاهمات الحماية التي أقرها الرشيد وشرلمان مما اضطر آلاف المسيحيين لدخول الإسلام بالتقية، وكانت بداية تغيّر حال النصارى واليهود في الشرق، وينفي اضطهاد السلاجقة "الأتراك" للأقليات المسيحية والحجاج، لا بل ترى أن حال المسيحيين في الشرق تحت حكم السلاجقة "الأتراك" كان أفضل من حالهم في بيزنطة! وأنّ الحملات مُحركها العقل الأوروبي الاستعماري فقط، وظروف الشرق مُنزّهة من أي فعل يُبنى عليه ردُّ فعل أوروبيّ، ولكنْ من جهة أخرى أين الأرمن المسيحيون الذين كان يسكنون في مناطق سيطرة السلاجقة "الأتراك" في الأناضول ماضياً وحاضراً؟ وأين المسيحيون الذين كانوا يسكنون "مرعش"؟ و"قيليقية"؟ و"الرها" ذات الغالبية الأرمنية بعد الحملة العسكرية التركية بقيادة الزنكي؟ رغم الروايات التي تذكر تسامح الزنكي مع النصارى الشرقيين وتدمير الكنائس الكاثوليكية! وأين المسيحيون الأرمن الذين كانوا يشكّلون منطقة حاجزة بين السلاجقة "الأتراك" وبين بيزنطة بغض النظر عن استقلاليتهم عن الكنيسة الأرثوذكسية في بيزنطة؟ الأكيد أن نصارى الشرق عموماً شكّلوا خطراً على السلاجقة "الأتراك" وغاياتهم التوسعية نحو الغرب والدولة البيزنطية دائماً، وتُعيد معركة "مَلَازْكِرتْ" التي شارك فيها كُرد المنطقة بفاعلية وجرت على أرضهم إلى الأذهان الدوافع الأساسية للتخلص من الأرمن بشكل وجودي في المنطقة، فالمعركة أحدثت هجرة كبيرة للأرمن من مناطق العيش المشترك في "وان" وشرق الأناضول المتجاورة والمتداخلة مع مناطق عيش الكُرد إلى داخل العمق الأناضولي، ومن هناك تم إجلاء النصارى إلى المناطق الساحلية نتيجة تعاملهم مع الدول الغربية، ولا تزال تلك الأحداث تُلقي بظلالها على خريطة التّوزع السياسي والديني في وسط تركيا اليوم، فالمناطق الوسطى تُوصف بوجود طبقة الأصوات الانتخابية "الصلبة" للأحزاب الإسلامية، أمّا المناطق الساحلية فتُوصف بوجود الأصوات العلمانية؛ رأى السلاجقة "الأتراك" الجدد على منطقة الأناضول الأرمن والنصارى عموماً تهديداً لوجودهم وخصوصاً أن نوايا الأرمن كانت تطمح دائماً إلى إقامة دولة مستقلة في الأناضول، وهذا ما لا نجده عند الكُرد بشكل واضح مثلاً، أو على الأقل يمكن دمج الكُرد المسلمين في دولة تركية في الأناضول حسب "فهم" السلاجقة، وصراع "الأتراك" من أجل البقاء يختلف عن الصراع من أجل السيطرة، وكما أنّ الصراع كان قائماً على أساس الدين وليس القومية حينها، وستثبت أحداث "مجازر الأرمن" في بداية القرن العشرين (1908م) التي شارك فيها الكُرد –للأسف- نفس الاستراتيجية في التعامل مع الأقليات عموماً في المنطقة، وأمّا آخر فصولها كانت عملية تبادل السكان؛ حيث رحّلت تركيا مئات الآلاف من الأرثوذكس إلى اليونان بموجب اتفاقية عام (1923م) بعد مقتل مئات الآلاف أثناء الحرب التركية-اليونانية (1922-1919م)، ولكَ في العدد الكبير للكنائس التي حُوِّلت إلى مساجد في الأناضول خير دليل على فقدان التسامح الديني، وربما تتقصد السلطات الحاكمة إحداث خلل في ذهن الرأي العام من خلال الخلط بين المطالبة بالحقوق القومية وبين العمالة للدول الخارجية، فعلاقة الأرمن لم تكن جيدة مع بيزنطة نتيجة التنافس على النفوذ في الأناضول سابقاً، ولكنْ في الجانب المقابل لا يمكن انكار أنّ سوء معاملة النصارى في الشرق الأوسط – فيما بعد – لم يكن إلّا رداً على المجازر التي ارتكبتها القوات الأوروبية أثناء حملاتها العسكرية على المنطقة، وخصوصاً في القدس التي أُحرقت على أهلها عرباً ويهوداً ولم ينجُ من المذبحة إلّا جند الفاطميين "الشيعة"! أثارت سيطرة "الأتراك" على بغداد التي تحوّلت إلى سلطة روحية حفيظة "الفرس" الذين استخدموا أجهزتهم الاستخباراتية "الحشاشين" في تدمير دعائم الدولة "التركية" واغتيال الوزير "نظام الملك" أحد أكبر دعائم تلك الدولة، فالقوتان الفارسية والتركية كانتا تتنافسان بشكل كبير للسيطرة على عاصمة الخلافة في الشرق الأوسط في ظل غياب الخلافة الدستورية، ويبدو أن القوة الفاطمية "الشيعية" في مصر لم تظهر رداً عنيفاً على الوجود العسكري الغربي في الشام إبّان سقوط القدس إنما نرى الحملات العسكرية بعدها؛ حيث كانت مصلحة الفاطميين تقتضي استمرار الصراع الغربي– السلجوقي حتى ينتهي أحد الطرفين، بل خطت الدولة الفاطيمية خطوات أكثر جرأةً عندما حاولت التفاوض وتقاسم المنطقة مع القوى الغربية لكن الأخيرة رفضت، يبدو أن التقارب "الشيعي" مع بيزنطة الأرثوذكسية كان أكثر قابلية للوقوع وقتئذٍ نتيجة الصراع السلجوقي "التركي" على الأناضول لكن هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على القوى الغربية المهاجمة حال دون ذلك، ناهيك عن العلاقة السيئة بين بيزنطة والقوى الغربية أيضاً لعدم إيفاء الأخيرة بوعودها للدولة البيزنطة في تسليم المدن وخصوصاً أنطاكية ذات الأهمية الاستراتيجية، وربما لا تزال نفس الأجندة تحكم العلاقات الإيرانية "الشيعية" وروسيا الاتحادية "الأرثوذكسية" بين التحالفات الدولية، وسوء علاقتها مع الدولة التركية تاريخياً، فالقوتان البيزنطية سابقاً وروسيا حالياً تريان الأتراك منافساً قديماً جديداً لمناطق الشرق الأوسط والبلقان والبحر الأسود عموماً، وربما كانت الدوافع الحقيقة وراء الدعم العسكري الغربي للدولة البيزنطية ضد الأتراك هي مغامراتهم في التوسع إلى ما بعد القسطنطينية، وسيثبت التاريخ – فيما بعد- أنّ الحملات التركية على أوروبا لم تتوقف إلّا على أبواب فيينّا، ومع انحسار السيطرة "التركية" في المنطقة، والحياد الذي سلكته القوى "الشيعية"، وضعف الدولة العباسية في بغداد التي عمد الخليفة وحاشيته إلى تقطيع الشَعر والاستغاثة والبكاء حزناً على حال الأمة! ولكن حالة الفراغ والتشتت في الشرق الأوسط كانت تُبشر بصعود السيطرة الكُردستانية على المنطقة بعد الجهود المستمرة للقوى التركية لاسترجاع السيطرة على بلاد الشام من القوى الغربية. انتشرت الرايات الأيوبية "الكُردستانية" الصفراء في المنطقة، وصلاح الدين في مواجهة ثلاث قوى متصارعة فيما بينها، أولها الشيعة وأذرعها واستخباراتها الباطنية "الحشاشين" التي أرعبت الشرق الأوسط نتيجة الاغتيالات، وربما كان أخطرها محاولة اغتيال صلاح الدين أثناء حصاره مدينة "إعزاز"، وثانيها الأتراك الذين كانوا في صراع مع القوى الغربية، وثالثها القوى الأوروبية التي كانت تسيطر على عدة مدن أساسية، ويُلاحظ أنّ صلاح الدين أبقى تبعية رمزية للخلافة العباسية لكسب الشرعية الشعبية، واعتمد صلاح الدين في تأمين السيطرة بالشرق الأوسط على "الوحدة الأيديولوجية" و"النظام الأخلاقي" الذي تمثل بالعدل التام بين الناس والتسامح مع العدو، والاستفادة من التصوف المنتشر بين الدراويش لزيادة الحماس أثناء الحملات العسكرية وتأجيج المشاعر الدينية ضد القوات الغربية الغازية، بالإضافة إلى سهولة تنظيم الدراويش في مؤسسات تخدم السلطة الكُردستانية، أمّا التصوف الفلسفي لم يكن يخدم طبيعة المرحلة حسب الكُردستاني لذلك نرى تخلصه من السهروردي "المقتول" بعد الفتاوى التي صدرت عن فقهاء حلب، لا شك أنّ التنظيم على الأساس الإيديولوجي في أزمنة الصراع العسكري يُعدُّ من أقوى أدوات النصر، ويشكل بنية صلبة غير قابلة للتفكك والاختراق بسهولة، ومن ناحية أخرى لم يكن ممكناً توحيد الشرق الأوسط في تلك الظروف بدولة واحدة إلّا من خلال التبني الإيديولوجي القائم على أساس مجابهة العدو الغازي المفترض، ولكنّ هذا النوع من الدول لا تملك الاستمرارية بسبب ضعف الجانب السياسي، فعند زوال العدو المفترض تفقد الدولة السبب الأساسي لوجودها، كما عمد الكُردستاني إلى نظام الإقطاع لكسب رضى القادة في الجيش وهذا يجري على أفراد عائلته أيضا؛ حيث تقاسم أبناء الكُردستاني الدولة بعد وفاته، مما اُعتبر تفريطاً بوحدة الدولة، وبعد قرون لا يزال هذا النظام يُطبّق عند الكرد فإن لم يظهر جلياً في توزيع الإقطاع يظهر جلياً في توزيع مراكز السلطة على غرار ما يحدث اليوم في جنوب كُردستان، ويُلاحظ أيضاً ارتباط أسماء السلاطين في الدولة الأيوبية مثل غيرها من الدول في تلك الفترة بـ "الدين" حيث كانت تعكس مسوغ السيطرة على الشرق الأوسط من خلال الدفاع عن الدين؛ أمّا أسماء الخلفاء العباسيين فقد ارتبطت بـالله مباشرة نتيجة التأثر بالهيمنة الفارسية التي تعدّ الملك "ظل الله على الأرض" وشرعية السلطان تختلف عن شرعية الخليفة. شوّهت العديد من "الدول" في الشرق الأوسط التاريخ الكُردستاني ونسبت كثيراً من إنجازاته التاريخية إلى نفسها، فالدولة الأيوبية "الكُردستانية" وصلاح الدين حسب المناهج التعليمية السورية والإعلام العام، عربيٌّ! أمّا في تركيا فالدولة الأيوبية تركية وسترى مئات الأطروحات الجامعية التي كُتبت ونُوقشت حول تركيَّة الدولة الأيوبية! أمّا في إيران فالدولة الأيوبية فارسية! أمّا الدعاية الإعلامية التي تسوقها تلك الدول حول الدولة الأيوبية لخدمة أجندة سياسية خاصةً في الوقت الراهن ليست أقل من التزيف التاريخي على مستوى المناهج والبحث والتأليف الجامعي، وأمّا ما يُثار حول أنّ رعايا الدولة الأيوبية لم يكونوا من الكُرد فقط! ففي هذا رأي، فهل كانت الدولة البويهية فارسيةً خالصةً مثلاً؟ أم كانت الدولة السلجوقية تركيةً خالصةً مثلاً؟ فالرعية في الدولة السلجوقية كانت تتحدث الكُردية والفارسية، وأمّا العربية فلغة العلم، والتركية فكانت لغة السلطان وزوجه وبعض القادة والجنود! أما ما يُقال حول الطابع العسكري البحت للدولة الأيوبية وأنّها لم تحمل مؤهلات العلم والحضارة، فلهُ في المدارس والمؤسسات التعليمية التي بُنيت في تلك الحقبة خير مثال، وهل كانت ظروف تلك الحقبة تسمح إلا بإعطاء الجانب العسكري الأولوية الأساسية على حساب باقي جوانب الدولة؟ ورغم أن كتب التاريخ الكلاسيكية تذكر "بلاد الأكراد" أي كُردستان بشكل واضح، لا يزال أغلب الباحثين العرب يستعملون تسمية "شمال العراق"! ذات الدلالات السياسية المعينة، ولن نخوض في البرامج التلفزيونية والإذاعية والمسلسلات والأفلام التي مدحت "صلاح دينها" العربي أو الفارسي أو التركي. السيطرة الكُردستانية على شرق الفرات غيّرت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وجه الشرق الأوسط ولا تزال، وانتهت السيطرة التركية على الشرق الأوسط بعد تحالف العرب مع الحلفاء مدفوعين بوعود الاستقلال وإنشاء دولة عربية، ولكن الدول الغربية لم تفِ بوعودها للعرب وفق رأيهم، وتقاسمت فرنسا وبريطانيا وفق اتفاقية "سايكس بيكو" المنطقة وأدخلت دولها تحت الاحتلال، أمّا تركيا فقد خسرت الحرب بعد دخولها إلى جانب الألمان و"خيانة" العرب لها "حسب فهمها"، وتقاسمت اليونان الساحل الغربي وإيطاليا وفرنسا الساحل الجنوبي ودخلت إسطنبول تحت سيطرة الحلفاء، وخرجت على إثرها مقاومة بقيادة "أتاتورك" أخرجت الدول الغربية ووقعت اتفاقية في لوزان (1923م) اعترفت بتركية حديثة، وبعدها أعلنت الجمهورية التركية القومية، واُلغيت الخلافة، وتخلصت تركية من التركة العثمانية الثقيلة من خلال إصلاحات تغيرت معها لغة الكتابة والثقافة والقوانين واتجهت تركية نحو الحضارة الأوروبية وقلبت صفحة العثمانين، وتعاقبت الانتخابات بين الأحزاب العلمانية والأحزاب ذات الميول الإسلامية تخللتها الضربات العسكرية، وفترات انهيار للاقتصاد التركي، ومنذ عام (2002م) تُحكم تركيا من قِبل حزب العدالة والتنمية؛ أمّا إيران فقد أصبحت مسرحاً للصراعات العسكرية بين بريطانيا وروسيا رغم محاولة بقائها على الحياد أثناء الحرب العالمية الأولى، وسيطرة الأسرة البهلوية على السلطة في إيران (1925م) وحتى قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام (1979م) مع أية الله الخميني وسيطر رجال المذهب الشيعي على كامل مفاصل الدولة، ولا تزال إيران تُحكم من نفس النظام؛ أمّا العراق فأصبحت تحت الاحتلال البريطاني ثم الانتداب وفي العام (1932م) حصلت العراق على استقلالها وقامت المملكة الهاشمية العراقية، وتحولت إلى النظام الجمهوري بعد الإطاحة بالنظام الملكي (1958م) وبعدها شهد العراق عدة انقلابات بين ضباط الجيش حتى سيطر "صدام حسين" على السلطة إلى عام (2002م) حيث اطيح به بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، وبعدها خضعت العراق للنظام الفدرالي الاتحادي التوافقي؛ أمّا سوريا فقد دخلت تحت الانتداب الفرنسي وبدأت على إثرها حركات مقاومة لم تلبث أن تحولت إلى ثورة عسكرية كبرى لم تخمد إلا عام (1926م)، ونتيجة الأحداث المتسارعة في المشهد السوري وقّعت فرنسا اتفاقية عام (1936م)، حصلت بموجبها على الأولوية في الاستفادة الاقتصادية، والسياسية، وبناء قاعدتين عسكريتين مقابل منح الاستقلال، واستمرت فترة عدم الاستقرار السياسي حتى جرت مباحثات طويلة في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، تم الاتفاق على انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من سوريا، وحدث الجلاء فعلياً في نيسان من العام (1946م)، وأدت حالة تهميش بعض القطاعات الشعبية وعدم مراعاة الفوارق المذهبية والعرقية في المجتمع السوري إلى احتقان شعبي جعل المؤسسة العسكرية تستغل الظروف وتستولي على الحكم في سوريا بهدف إعادة الأمور إلى نصابها، وقام الكُرد والمسيحيون بقيادة حسني الزعيم عام (1949م) بانقلاب عسكري على الرئيس شكري القوتلي؛ حيث كان عدد الضباط الكُرد في القيادة العامة فقط، خمسة، ونتيجة انخفاض شعبية الزعيم حدث انقلاب عسكري من قِبل سامي الحناوي أدى إلى إزاحة حسني الزعيم وإعدامه، ومع ظهور بوادر الاتحاد مع العراق، قام أديب الشيشكلي بانقلاب عسكري عام (1949م)، وسيطر من خلاله على نظام الحكم، وعزّز مكانه بتصفية قام بها عام (1951م) داخل القيادة العسكرية، وتلاها انقلاب عسكري قام به فيصل الأتاسي عام (1954م)، تم من خلاله الإطاحة بأديب الشيشكلي، وجرت انتخابات فاز بها شكري القوتلي برئاسة الجمهورية، وتطورت العلاقات السورية المصرية، ومهدت قيام الوحدة بينهما عام (1958م)، غير أن الوحدة لم تستمر طويلاً حتى قامت مجموعة من الضباط العسكريين الذين انزعجوا من فرض السلطة المصرية على سورية بانقلاب عسكري بقيادة عبد الكريم الحناوي عام (1961م)، وقامت مجموعة من الضباط البعثيين عام (1963م) بانقلاب عسكري وسيطرت على السلطة، وفي عام (1966م) قام صالح الجديد بضربة عسكرية عزّزت حضور البعث السوري بشكل أكبر من خلال سلطة عسكرية حاكمة، وبعد إزاحة صالح الجديد عن السلطة تولى حافظ الأسد رئاسة الجمهورية عام (1971م)، وقام حافظ الأسد بتعزيز مكانته في رئاسة الدولة، وعمد إلى تصفية معارضيه في الجبهة الداخلية، وعزّز علاقاته الخارجية، ونتيجة الحرب الأهلية في لبنان التي جرت عام (1976م) دخلت القوات السورية للمحافظة على الأمن والسلم الأهلي فيها، واستمرت سياسة حافظ الأسد بتوطيد أركان حكمه خصوصاً على الصعيد العائلي حتى توفي حافظ الأسد في عام (2000م) وتولى ابنه بشار الأسد حكم سوريا، ولا يزال. خضعت "سوريا" بعد الاحتجاجات والحرب الأهلية الطاحنة (2019-2011م) لقوى متعددة متصارعة فيما بينها؛ فدمشق تحت السيطرة الإيرانية الشيعية "العلوية" المدعومة من روسيا الاتحادية و"الرئيس" السوري أشبه بمحافظ دمشق، بينما يخضع "شرق الفرات" وغرب كُردستان ((ROJAVA لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ((HSD المدعومة من التحالف الدولي، أما "غرب الفرات" من جهة الشمال فيخضع لسيطرة "جبهة النُصرة" وقوات "المعارضة" المدعومة من تركيا، وقد بلغ الصراع في سوريا أوجه بعد تحوّل الاحتجاجات السلمية إلى مسلحة؛ حيث باتت أشبه بالحرب الأهلية ذات الطابع المذهبي بين الشيعة "النظام" وبين المعارضة "السنة"، وأدى انكفاء سيطرة النظام على الأراضي السورية إلى تسليم المناطق البعيدة عن المركز لقوات محلية من أبناء تلك المناطق وخصوصاً مناطق الأقليات التي كانت أكثر حذراً من الانزلاق إلى أتون حرب لا تُعرف نتائجها على الرغم من مشاركتها في الاحتجاجات السلمية بدايةً، وفي ظل حروب النفوذ والسيطرة على السلطة بين النظام والمعارضة لم تملك الأقليات إلّا خيار حمل السلاح دفاعاً عن النفس، وخصوصاً مع زيادة تهديدات النظام باستهدافها، وزيادة حدة خطاب "المعارضة" الإقصائي الذي أوحى بالتفرد المستقبلي بالسلطة، ويبدو أن النظام تقصد "تسليم" المناطق التي انسحب منها إمّا إلى تنظيمات متطرفة تحمل أجندات إسلامية مثل المناطق العربية السنية، أو إلى قوات من الأقليات العرقية التي تؤمن بأفكار "حزب العمال الكُردستاني" مثل المناطق الكُردية، فالحاضنة الشعبية "السنية" التي سُلِّمت إلى التنظيمات المتطرفة كانت أقرب إلى المعارضة منها للنظام لذلك انتهج النظام هذه السياسة في الانسحاب من بعض المناطق السنية، أمّا الحاضنة الشعبية في المناطق الكُردية فكانت منقسمة بين الانضمام إلى المعارضة وبين البقاء على الحياد، وخصوصاً في ظل البروبوغندا التي اتّخذت من الظلم والتهميش اللذان تعرض لهما الكُرد سلاحاً لانضمام الأخير إلى المعارضة ضد النظام، ومهدت سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مساحات كبيرة من سوريا وغرب كُردستان إلى ظهور أولى بوادر تدخل القوات الغربية أولاً بعد التهديد الصريح باستهداف المصالح الغربية، وإقامة الخلافة الإسلامية المعادية للمصالح الغربية، وبدء السيطرة الكُردسانية على شمال سوريا وروجافا بشكل كامل ثانياً، ونهاية آمال عودة سيطرة النظام إلى تلك المناطق ثالثاً، وبداية صعود الدور الكُردستاني في الشرق الأوسط رابعاً، ولا شك أن ارتباط ظهور التنظيمات الرديكالية المتشددة بعوامل عدة مباشرة وأخرى غير مباشرة، فمثلاً التهميش الممنهج في بعض المناطق وحرمانها من التنمية الاقتصادية والتعليمية وتقصد تجويعها، ومنع الحقوق القومية والدينية من يُعدّ أهم عوامل تهيئة بيئة حاضنة تتفاعل بشكل سريع مع التنظيمات المتشددة التي غالباً ما تتبنى الخطاب الديني القائم على أسس العدالة والمساواة والتخلص من ظلم السلطات الحاكمة، أمّا العوامل المباشرة فتتعلق بالمؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي تعمل في الخفاء على دعم تنظيمات متشددة يُعدُّ وجودها بحد ذاتها خدمة لمصالح تلك السلطات، ويُعدُّ تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق أحد أهم التنظيمات المتشددة التي ظهرت في سوريا، وسيطر على مساحات كبيرة من سوريا والعراق نتيجة البروبوغندا الإعلامية التي جندت له آلاف المقاتلين في العالم في ظل ثنائية غض الطرف عن الالتحاق بالتنظيمات المتشددة تارةً، وفشل كثير من الدول في التمييز بين الدعوة والتبشير لديانة معينة وبين الدعوة للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة تارةً أخرى، وخصوصاً في الدول الغربية التي رأت في ذهاب هؤلاء تنظيفاً لمجتمعاتها! كما راجت خرافات قيام الخلافة الإسلامية على غرار الخلافة الأولى واندحار قوى الشرك والإلحاد في الدنيا، وذلك من خلال تجييش العاطفة الدينية ووعود الجنة بعد القتال والشهادة في سبيل الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى تلاقي مصالح تنظيم الدولة مع مصالح بعض الدول في الشرق الأوسط مثل تركيا التي اتهمت بغض الطرف عن دخول آلاف المقاتلين والسلاح عبر حدودها إلى سوريا؛ حيث كانت هذه الأحداث بداية الخلاف بين حزب الحاكم و"جماعة الخدمة" التي عارضت التدخل التركي في سوريا وكشفت شحنة أسلحة متجه إلى سوريا، أمّا إيران فكانت تُفضل رؤية المناطق السورية الخارجة عن سلطة النظام واقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة بدلاً من المعارضة، والأكيد أن ازدياد قوة تنظيم الدولة نتيجة تلك العوامل استدعى تدخل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في القوات الكُردستانية العدو الحقيقي لتنظيم الدولة بعد استهداف التنظيم مناطقهم بدعم من بعض دول الجوار، وكانت سيطرة القوات الكُردستانية تقتصر في البداية على المناطق صغيرة المساحة لكن مع تقديم الدعم الجوي بدايةً ثم الأسلحة والمعدات والمشاركة الفعلية على الأرض إلى جانب "وحدات حماية الشعب" ((YPG و"وحدات حماية المرأة" ((YPJ اتسعت السيطرة أكثر فأكثر، ودخلت القوات الكُردستانية في حرب طاحنة مع تنظيم الدولة، وانتزعت مناطق منبج والرقة ودير الزور وأصبح كامل غرب كُردستان وشرق الفرات تحت السيطرة الكُردستانية، وأبقت وجوداً شكلياً للنظام في تلك المناطق، والأكيد أن السبب الأساسي للوجود الأمريكي في غرب كُردستان و"شرق الفرات" بالتحديد جاء نتيجة ظهور الدولة الإسلامية التي لعبت بعض دول الجوار السوري دوراً أساسياً في دعمها، فهل الكُرد مسؤولون عن مجيء قوات التحالف؟ أم الدول الداعمة لتلك التنظيمات المتشددة؟ وهل ملكت القوات الكُردستانية الخيار في الانضمام إلى التحالف الدولي في ظل الاستهداف الوجودي لها في المنطقة من قبل عدة أطرف مجتمعة؟ وماذا عن برامج تدريب قوى المعارضة الفاشلة؟ أم أنّ تهم العمالة جاهزة في حق الكُرد دائماً؟ وماذا عن النوايا التوسعية لتركيا وإيران في المنطقة؟ ألم تُثر سيطرة إيران "الشيعية" على دمشق رغبات الأتراك في السيطرة على المعارضة؟ الأكيد أن القوتان الفارسية والتركية تتنافسان بشكل كبير للسيطرة على سوريا في ظل غياب سلطة شرعية في دمشق. انتشرت الرايات الكُردستانية الصفراء في مواجهة ثلاث قوى متصارعة فيما بينها، أولها التنظيمات المتطرفة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، وثانيها المعارضة المدعومة من تركيا، وثالثها النظام المدعوم من إيران وروسيا الاتحادية، يُلاحظ أن القوة الكُردستانية المسيطرة على غرب كُردستان "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD) اعتمد على "الوحدة الإيديولوجية" والاستفادة من أفكار "حزب العمال الكُردستاني" (PKK) لزيادة الحماس بين المقاتلين أثناء الحملات العسكرية ضد الدولة الإسلامية، وتأجيج المشاعر القومية ضد القوات المعادية، بالإضافة إلى سهولة تنظيمهم في مؤسسات تضمن انضباطهم، فلا شك إنّ التنظيم على الأساس الإيديولوجي في أزمنة الصراع العسكري تُعدُّ من أقوى أدوات النصر وتشكل بنية صلبة غير قابلة للتفكك والاختراق بسهولة، من جانب آخر لم يكن بالإمكان توحيد القوى المقاتلة في غرب كُردستان في هذه الظروف إلّا من خلال التبني الإيديولوجي القائم على مجابهة العدو الغازي –الدولة الإسلامية- ولكن هذا النوع من الإدارات لا تملك الاستمرارية بسبب ضعف الجانب السياسي والمؤسساتي الذي يخضع للإيديولوجيا الحزبية الضيقة، ويستوجب إقصاء الآخر الذي لا يتبنى نفس الإيديولوجية رغم كونه من نفس القومية! ويظهر هذا واضحاً في غرب كُردستان التي تسيطر فيها إيديولوجية "العمال الكُردستاني" على كامل مؤسسات الإدارة الذاتية بشكل مطبق حتى تحوّلت الإيديولوجيا الحزبية إلى القضية الكُردية نفسها، ورغم أنّ الكُرد لم يحظوا بإدارة ذاتية أو ما سُمي "الدول المشرقية" في ظل الانتداب الفرنسي على غرار العلويين والدروز، إلّا أنّ ضعف سلطة المركز في سوريا وموازين القوى في الوقت الراهن مكّنت الكُرد من إقامة حكم وإدارة ذاتية في غرب كُردستان؛ حيث عمدت فرنسا إلى تهميش الأغلبية "السنية" إبّان الانتداب بغرض تهميش القومية العربية، وكانت هذه السياسة من أهم عوامل صعود الأقليات الدرزية والكُردية والعلوية للحكم والنفوذ في سوريا، ويفسر موقف الأقليات الداعم للانتداب الفرنسي، ويُضاف إلى هذه السياسة الفرنسية في دعم الأقليات وجود النشاط العلمي والأدبي للكُرد والدروز على عدة مستويات شملت فتح المؤسسات والجامعات والمجلات العلمية ومواكبة الغرب المتقدم فلا غرابة في حكم سوريا من قبل الكُرد والدروز، أمّا الأقلية العلوية التي حكمت في سوريا أظهرت نفسها بلباس قومي مدافع عن قضايا الأمة القومية الذي فُهِم كنوع من السيطرة على الأغلبية السنية في سوريا، وكانت أكثر قوةً نتيجة انخراطها في المؤسسة العسكرية، وعمدت إلى الاقتراب من الدول التي تتبنى المواقف الداعمة للقضايا العربية مثل الاتحاد السوفيتي سابقاً. اُعتبر الكُرد أكثر إقناعاً للأمريكيين في مسألة تقديم الدعم العسكري كون الكُرد لم يكن لهم أجندة حكم غيرهم أو ميول توسعية، وكانوا الأعداء الحقيقين لتنظيم الدولة الإسلامية، كما مكّن التعامل الأخلاقي مع العدو وخصوصاً أسرى تنظيم الدولة الإسلامية، والتعامل مع الحالة من باب الحل لا الانتقام نضوجاً سياسياً لدى قوات سوريا الديموقراطية التي دخلت ميدان الدول الكبرى. تختصر تركيا "المسألة الكُردية" في الشرق الأوسط حسب "فهمها" في مجموعات قبلية وعشائرية تسكن مناطق جبلية بقيت خارج السلطات المركزية نتيجة الولاء للعشيرة لا الدولة، مما ولّد حالة من عدم الاستقرار في تلك المناطق أدت إلى استغلال الكُرد، واستعمالهم من قِبل الدول الامبريالية، وربما لذلك تفضل تركيا التعامل مع حكومات قائمة على أساس عشائري أكثر من إدارات قائمة على أساس إيديولوجي عابرة للعشائرية لضمان استمرار ضعف الانتماء الوطني الكُردي، وضمان عدم قيام وطن كُردي بسبب الخلافات العشائرية، وخصوصاً استراتيجية جنوب كُردستان التي تتبنى الكفاح المنفصل لكل جزء من أجزاء كُردستان! وتعدّ تركيا الوجود الأمريكي اليوم في غرب كُردستان استغلالاً للكُرد ضدها! ولكن قد لا يمثل هذا الطرح الحقيقة الكاملة فالأكيد أن مسوغ الوجود العسكري للقوى الغربية في المنطقة يستند بالأساس إلى محاولات الهيمنة التركية والفارسية على منطقة الشرق الأوسط، وليست المسألة محصورة في استغلال الأقليات فقط؛ حيث تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع "الربيع العربي" من حيث ثنائية أمن إسرائيل أولاً، وأمن النفط ثانياً، وضمان عدم ظهور قوة إقليمية تسيطر على الشرق الأوسط، وتسعى تلك القوة إلى جمع دول المنطقة حولها، وربما ينطبق الوصف الأخير على تركيا وإيران اللتان تمتلكان مشاريع توسعية خارج الحدود، وترى تركيا أنّ أيّ حركة قومية تحررية في غرب كُردستان تشكّل خطراً على أمنها القومي! والمسألة لا تتعلق بالعمال الكُردستاني فقط. وتجدر الإشارة إلى ثنائية العلاقة بين الكُرد، ودورها في سيطرة إيديولوجيا "العمال الكُردستاني" على غرب كُردستان؛ حيث تُعد العلاقة بين كُرد الجنوب والشرق قوية جداً مقارنة بالأجزاء الأخرى، وتُعد علاقة كُرد الشمال والغرب أكثر قوة، تُفسرها علاقات القربة والزواج والتداخل الحدودي والتاريخ السياسي للحركة الكُردية في الجزأين، وخصوصاً أن فرنسا تخلت عن فكرة الحدود الطبيعية الفاصلة بين سوريا وتركيا، وجعلت من سكة القطار الحديدية حدوداً فاصلةً بين البلدين، وقد حاولت تركيا كثيراً الفصل بين غرب وشمال كُردستان من خلال زرع الشريط الحدودي بالألغام (1960م) بين غرب وشمال كُردستان، ولا تزال المحاولات مستمرة تحت مسميات "المنطقة الآمنة" التي تسعى تركيا إلى إنشائها من الشريط الحدودي إلى داخل العمق السوري، فالاستراتيجية التركية لم تتغير منذ عقود، بل زادت في السنين الأخيرة وخصوصاً مع نهاية "مرحلة السلام" بين الحكومة التركية والكُرد نتيجة اتهامات الكُرد للحكومة بعدم تنفيذ إصلاحات حقيقية ودستورية تؤدي إلى الاعتراف الحقيقي بالحقوق القومية للكُرد في تركيا، ولكن السبب المرجح في انتهاء "مرحلة السلام" يتعلق بالظهور الكُردي في سوريا، ورغم العلاقة التركية – السورية التي وصُفت بالمتميزة قبل الاحتجاجات تراجعت إلى حد الانقطاع نتيجة الاستراتيجية التركية للتعامل مع الفراغ السياسي الذي حدث في سوريا، وربما محاولة استنساخ التجربة الإيرانية في تصدير النفوذ إلى الخارج من خلال مشاريع دينية وإيديولوجية قامت بها تركيا لم تنجح نتيجة الفارق الكبير بين طبيعة وظروف النظام الإيراني والنظام التركي، ولا تبدو فرص نجاح إنشاء كيان موالي لتركيا في "غرب الفرات" أمراً وارداً نتيجة الظروف التي تمر بها تركيا التي تتعلق بوجود اللاجئين السوريين الذين حضّرتهم لهذا الغرض، ولكنّ إخفاق الأتراك في تقدير مدة الأزمة السورية التي طالت جداً جعلت المجتمع التركي يضيق ذرعاً باللاجئين السوريين مما يُشير إلى علاقة تركية – سورية سيئة على المستوى الشعبي مستقبلاً. وقعت أجزاء كبيرة من أراضي العراق تحت سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد أحداث دراماتيكية بدأت بهروب الجيش العراقي من المدن وتركه العتاد والسلاح الذي استولت عليه الدولة الإسلامية في فترة حكم نوري المالكي، وشكّل سقوط الموصل واعتقال أفراد السفارة التركية فيها، ومن ثم إطلاق سراحهم إشارات واضحة تُحدد شكل المرحلة المقبلة. وربما تجنب إقليم كُردستان خوض حرب مع الدولة الإسلامية بدايةً، كون الكُرد لم يتعرضوا إلى عدوان مباشر، واعتقدت القيادة في جنوب كُردستان أن الحدود المرسومة لسيطرة الدولة الإسلامية كانت المناطق "السنية" فقط، لكن هجوم الدولة الإسلامية على الإقليم الذي لم يتوقف إلا بقصف مباشر من طائرات أمريكية أكد أن طموحات الدولة الإسلامية وداعميها كان يشمل أراضي جنوب كُردستان أيضاً، وأدى سقوط المدن العراقية الهامة إلى زيادة قوة الدولة الإسلامية التي أعلن "البغدادي" من الموصل قيامها، وإزالة الحدود بين سوريا والعراق بعد أكثر من قرن على ترسيمها، ودخلت قوات البشمركة المدعومة من التحالف الدولي في حرب وجودية ضد الدولة الإسلامية، وسيطرت على كثير من المناطق، أما إيران التي لا تمتلك حدوداً جغرافية مع سوريا كان هاجسها الأكبر إنشاء ممر بري يربط بين طهران والبحر المتوسط، وأغلب الخطط الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان تخضع لهذه الاستراتيجية القديمة. الأكيد أن الصراع على الأراضي السورية يحمل طابعاً إقليمياً ودولياً وخصوصاً ما تُسمى "حروب الوكالة" وتصفية الحسابات بين الدول العظمى المتمثلة بالغرب من جانب وروسية الاتحادية من جانب آخر، والأكيد أن القضية الكُردية في سوريا أصبحت تحمل بعداً دولياً نتيجة طبيعة الصراع الجاري على الأخص بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية. الخاتمة التاريخ يحتاج إلى التفكيك والتحليل بشكل يمكن من خلاله قراءة الحاضر والمستقبل، والتنبؤ بما يمكن حدوثه، ورسم الاستراتيجيات المستقبلية بناءً على تلك التنبؤات قدر المستطاع من غير تأطير واستنساخ، فتجنب النمطيات الكلاسيكية في التعامل مع التاريخ يفتح آفاقاً جديدةً أمام الحاضر والمستقبل، ولا يجب أن يُنكَر على الباحث في التاريخ الكُردي جمع المعلومات وربطها، واستنتاج حقائق جديدة، فالعلم يعني البحث عن الحقيقة ولا يعني الحقيقة ذاتها. الأكاديمية الغربية لا تمثل الحقيقة المطلقة خصوصاً في مجال البحث التاريخي كونها تترافق وتتداخل مع مشاريع الغرب لزيادة السيطرة والنفوذ في المنطقة، والحاضر يبرهن تعطش الغرب لمصالحه بغض النظر عن القيم التي ينادي بها صباح مساء في وجه الشعوب الأخرى، ولك في تغاضي الغرب عن الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط مقابل بعض الاستثمارات الاقتصادية في إيران خير دليل على زيف القيم والحضارة الغربية سواءً في السياسة أو التاريخ. أثبت البحث تشابه الأحوال قبل ثمانية قرون تقريباً مع الأحوال التي نعيشها الآن في الشرق الأوسط، فمحاولات الهيمنة الإيرانية والتركية على المنطقة في أوجها، والسلطات الحاكمة والمركزية ضعيفة جداً، والحملات العسكرية الغربية لا تزال مستمرة، والصراع في الشرق الأوسط متداخل بين الدول الغربية والإقليمية والسلطات المركزية الحاكمة والأقليات العرقية والدينية. أحدث الفراغ السياسي والعسكري نتيجة سيطرة التنظيمات المتشددة على مناطق واسعة من الدول على رأسها سوريا والعراق بروز دور فعال للكُرد في جنوب وغرب كُردستان، وعلى الرغم أن الكُرد لا يملكون وطناً بالمعنى الرسمي إلا أن وزنهم العسكري والسياسي أصبح لا يمكن تجاوزه مثل الماضي في سياسات الشرق الأوسط الذي لم يشهد فوضى سياسية وعسكرية مثيلة منذ الحرب العالمية الأولى. أثبت البحث أن الدول الأقليمية –إيران وتركيا- سعت تاريخياً للسيطرة على الشرق الأوسط من خلال مشاريع دينية ومذهبية عابرة للحدود والقوميات، ورأت تلك الدول حقها –حسب فهمها- التاريخي باستعادة أمجاد خلافاتها التي طوى التاريخ صفحاتها، وعمدت تلك الدول إلى كل الوسائل والطرق لتحقيق أهدافها وغاياتها. أكبر باعث على مجيء القوى الغربية إلى الشرق الأوسط ليست الأقليات العرقية والدينية كما تروج بعض الدول الشمولية، إنما يرتبط مجيء القوى الغربية بمحاولات الهيمنة المستمرة لتركيا وإيران على دول المنطقة تحت مشاريع دينية ومذهبية، فالدول الغربية الكبرى لها مصالح في الشرق ولن تقبل بهيمنة قوى إقليمية على تلك المصالح خصوصاً النفط والغاز، وربما الأهم أمن إسرائيل الذي يحتم عدم ظهور أي قوة إقليمية منافسة. أثبت البحث أن الدعاية الإعلامية الدينية لا تزال المحرك الأساسي لكل حروب المنطقة ماضياً وحاضراً، أما وقود هذه الحرب فهم الناس السذج المتدينون سطحياً، والمنفصلون عن مجتمعاتهم نتيجة التهميش المادي والتعليمي والصحي، ومثال الملتحقين بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، والحشد الشعبي المذهبي في العراق، والقوات المذهبية التي تقاتل إلى جانب قوات الجيش السوري النظامي، وقوات المعارضة التي تقاتل ضد الجيش السوري النظامي خير دليل على تأثير الدعاية الدينية في الحشد العسكري ومعارك السيطرة والنفوذ في المنطقة. التغيير الديموغرافي والقضاء على الأقليات العرقية والدينية في الشرق الأوسط يحفل بتاريخ طويل ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا، وربما نستخدم مصطلح الأقلية بالنسبة للكُرد تجاوزاً، ونتيجةً لوجودهم في أربع دول أصبحوا فيها أقليات قومية، ولم تدخر الدول الإقليمية جهداً في محاولات التغيير الديمغرافي مثلما يحدث الآن في سوريا من قبل الدول الإقليمية المهيمنة على الأرض. وجود الدول في الشرق الأوسط لا ينبع من وجودها الحقيقي بل يعتمد على سحق الآخر والتخلص منه، وترى تلك الدول "الآخر" المختلف عرقياً ومذهبياً تهديداً لوجودها، فوجود الشعب الكُردي خطر على أمن وبقاء الدول، لا بل يتجاوز الخطر على شعوب تلك الدول بحد ذاتها! محاولة تركيا استنساخ التجربة الإيرانية من خلال أسلمة المجتمع التركي وتطويعه إيديولوجياً لمشاريع عابرة للحدود ليس قابلاً للحياة، فطبيعة المجتمع التركي والتاريخ السياسي ومستوى العلاقات مع الغرب يختلف تماماً عن التجربة الإيرانية التي تُحكم من خلال ولاية الفقيه والنتائج الانتخابية لا تغير السياسات الأساسية، وستثبت الأيام المقبلة فشل مشاريع "الجمهورية الإسلامية التركية". يُظهر واقع العلاقات بين تركيا وإيران وروسيا تحالفاً ثابتاً ومتقفاً عليه، ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً كون التحالفات بينها قائمة على مصالح مؤقتة قابلة للتغيير والتصادم أيضاً، والكل يخاف ويتربص بالكل، ومحاولات إخراج تركيا من معسكر الغرب ليس قابلاً للحياة، إلا إذا تم اعتماد شكل النظام الإيراني في تركيا، وهذا غير قابل للتطبيق أبداً. نجح الكُرد في سوريا بخلق معادلة جديدة مكنتهم من السيطرة على غرب كُردستان "شرق الفرات" وإقامة إدارة ذاتية، وإنشاء قوة عسكرية مدعومة من التحالف الدولي الذي حارب الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ويُعد وقوف الكُرد على الحياد مع تنامي ظهور الصراع المذهبي والأهلي في سوريا أحد أهم عوامل نجاح الكُرد في إدارة الأزمة السورية. محاربة التنظيمات المتطرفة في سوريا فُرِض على الكُرد الذين لم يملكوا خياراً غير الانضمام إلى التحالف الدولي في ظل الحرب الوجودية التي كانت تستهدف وجودهم، لا حكمهم، ولا حتى اعتبارهم رعايا على شاكلة أهل الذمة، ولا يكاد يُنكر أحدٌ أحداث معارك كوبانى التي أظهرت نظرة الدولة الإسلامية وداعميها للكُرد في سوريا. يُخون الكُرد اليوم لتحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية مضطرين إلى ذلك حمايةً لوجودهم وبقاءهم من قِبل دول تُسوّل لنفسها التحالف مع الدولة الإسلامية بهدف القضاء على الكُرد، ولا ترى في ذلك أي خيانة للدين والقيم والأخلاق، لا بل تراه شرعياً بحجة أمنها القومي. الاعتماد على الإيديولوجيا الفكرية في خلق "وحدة تنظيمية" على الصعيد العسكري والسياسي ينجح في كثير من الأحيان والتاريخ ذاخر بذلك، وينجح أيضاً في تأجيج المشاعر ضد القوى المعادية، مثلما رأينا في الفترة الأيويبة، وقد نجح الكُرد في غرب كُردستان بتسخير "الوحدة الإيديولوجية" في محاربة الدولة الإسلامية وانتزاع السيطرة منها، لكن استمرار نفس استراتيجية "الوحدة الإيديولوجية" بعد انتهاء التهديد المباشر يمزق المجتمع، ويهدم فرص النجاح في مشاريع الإدارة ذاتية خلال مراحل السلم، لذلك يجب الإسراع فوراً بإزالة إديولوجيا الحزب الواحد وأفكاره، وحصر تلك الأفكار في حزب واحد يمارس دوره إلى جانب الأحزاب الأخرى، والإسراع في إطلاق الحرية السياسية والحزبية، والابتعاد عن التسلط وفرض الأفكار على المجتمع بالقوة، ودعوة الأطراف الكُردية في الخارج للعودة وممارسة دورها السياسي والعسكري. الطرف الكُردي في الخارج "المعارض" عليه الاعتراف بتفوق طرف في الصراع السوري، والإسراع في فتح قنوات التواصل مع الكُرد في الداخل، والخروج من "المعارضة" السورية التي فشلت في إدارة الأزمة، وتغليب المصالح الكُردستانية العامة على المصالح الحزبية الضيقة. عاد الكُرد الآن إلى مشهد التاريخ من جديد بعد قرون طويلة من التعتيم والتهميش، وانتشر خبرهم في الآفاق بعد المعارك مع الدولة الإسلامية، ولا تكاد ترى وسيلة إعلامية إلا تتحدث عنهم، وتُعرِّف بهم، فلنكن نحن الكُرد في الداخل والخارج مساهمين حقيقين في نهضة أمتنا من خلال الإسهام البنّاء مهما كان صغيراً؛ مثل تعلم لغتك الأم الكُردية أو تعليمها، أو ترجمة كتاب إلى اللغة الكُردية، أو المساهمة في نشر توعية مفيدة على صفحات التواصل الاجتماعي. المراجع البحث موثق بالهوامش، ومنشور على الشبكة العنكبوتية. 1. دالبوداك، مسعود، الكُردي مسلما-القومية في مهب رياح الدين، بحث نشر على الشبكة العنكبوتية في موقع الحوار المتمدن، والموقع الكُردي السويدي للدراسات، 2018. 2. دالبوداك، مسعود، "جامعات الأمس" المدارس الكُردستانية، بحث منشور على الشبكة العنكبوتية في موقع الحوار المتمدن، وموقع المركز الكُردي السويدي للدراسات، 2018. 3. دالبوداك، مسعود، رحلة العقل الكُردي، بحث نشر على الشبكة العنكبوتية في موقع الحوار المتمدن، والموقع الكُردي السويدي للدراسات، 2018. 4. دالبوداك، مسعود، التهميش الممنهج للوجود الكُردي في جغرافية شعوب آريا في ظل هيمنة العنصر الفارسي على القوميات الأخرى، بحث نشر على الشبكة العنكبوتية في موقع الحوار المتمدن، والموقع الكُردي السويدي للدراسات، 2018. 5. دالبوداك، مسعود، الأنا الكُردية بين الدين والقومية – بديع الزمان سعيد النورسي نموذجاً، بحث نشر على الشبكة العنكبوتية في موقع الحوار المتمدن، والموقع الكُردي السويدي للدراسات، 2019. 6. عاشور، سعيد عبد الفتاح، الحركة الصليبية، جـ1، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2010. 7. قاسم، عبده قاسم، ماهية الحروب الصليبية، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-الكويت، 1990. 8. مكاوي، نجلاء سعيد، مشروع سوريا الكبرى، ط1، دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010. 9. نيقولاوس، فام دام، الصراع على السلطة في سوريا، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1995. 10. الجاف، حسن كريم، ترايخ إيران السياسي، مـ 4، ط1، الدار العربية للموسوعات. 11. لونغريغ، ستيفن هامسلي، تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، (ترجمة بيار عقيل)، دار الحقيقة، بيروت، 1978. 12. الخالدي، محمد فاروق، المؤامرة الكبرى على بلاد الشام، الراوي، ط1، دمام، 2000. 13. جلال، يحيى، المدخل إلى التاريخ العالم العربي الحديث، دار المعارف، مصر، 1965. 14. عثمان، هاشم، تاريخ سورية الحديث، ط 1، رياض الريس، بيروت، 2012. 15. قاسم، عبده قاسم، ماهية الحروب الصليبية، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-الكويت، 1990. 16. رانسيمان، ستيفن، تاريخ الحملات الصليبية، (ترجمة نور الدين خليل)، ط1، الهيئة المصرية، 1994. 17. بوزرسلان، حميد، تاريخ تركيا المعاصر، (ترجمة حسين عمر)، ط1، كلمة، 2009. 18. فمبيري، أرمينيـوس، تاريخ بخارى منذ أقدم العصور حتى العصر الحاضر، (ترجمة أحمد محمود الساداتي، يحيى الخشاب)، نهضة الشرق، القاهرة، د ت. 19. زابوروف، ميخائيل، الصليبيون في الشرق، (ترجمة الياس شاهين)، التقدم، موسكو، 1986. 20. شاكر، محمود، تركية، المكتبة الإسلامية، ط7، 1988. 21. العريني، السيد الباز، الشرق الأدنى في العصور الوسطى، النهضة، 1967. 22. فان دام، نيقولاوس، الصراع على السلطة في سوريا، مدبولي، القاهرة، 1995. 23. ممبور، لويس، تاريخ الحروب الصليبية، باريس، 1975. 24. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط1، (تحقيق أبي الفداء القاضي)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987. 25. الأصفهاني، عماد الدين، تاريخ دولة آل سلجوق، الموسوعات، القاهرة، 1900. 26. أرمينيـوس، تاريخ بخارى منذ أقدم العصور حتى العصر الحاضر، (ترجمة أحمد محمود الساداتي، يحيى الخشاب)، نهضة الشرق، القاهرة، د ت. 27. ابن القلانسي، تاريخ ابن القلانسي تاريخ ذيل دمشق، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت، 1908. 28. الصلابي، علي، تاريخ السلاجقة، دار ابن الجوزي، القاهرة، 2006. 29. ابن العديم، زبدة حلب من تاريخ حلب، ط1، (حواشي خليل المنصور)، الكتب العلمية، بيروت، 1996. 30. العريني، السيد الباز، الشرق الأدنى في العصور الوسطى، النهضة، 1967. 31. شاكر، محمود، تركية، المكتبة الإسلامية، ط7، 1988. 32. هيفاء، الفاطميون والغزو الصليبي، مجلة كلية التربية، جامعة بابل، ع 13، 2013. 33. ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، جـ19، (تحقيق محمد الحسن، كامل الخلاط)، ط1، الرسالة العلمية، دمشق، 2013. 34. ابن واصل، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، جـ2، (جمال الدين الشيال-حسنين محمد ربيع-سعيد عبد الفتاح عاشور)، دار الكتب والوثائق القومية - المطبعة الأميرية، 1957. 35. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ( المحقق: خليل شحاده - سهيل زكار)، دار الفكر، بيروت، 2001. 36. ابن اياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، جـ1، (تحقيق محمد مصطفى)، الباز. 37. كرد، محمد علي، خطط الشام، جـ2، مكتبة النوري، دمشق، 1983. 38. خضيرات، عمر، مواقف القوى الدولية والإقليمية من ثورات الربيع العربي وأثرها على النظام الإقليمي الشرق أوسطي، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، مج 14، ع 1، 2017، ص 131-163. 39. كانتور، نورمان، التاريخ الوسيط، قصة الحضارة البداية والنهاية، جـ 1، (ترجمة قاسم عبدة قاسم)، عين للدراسات، ط 5، القاهرة، 1997. 40. زين العابدين، بشير، الجيش والسياسية في سوريا، (2000-1918)، دار الجابية، ط 1، 2008. 41. LANDAN, jacob. M, Modern Arap Edebiyatı Tarihi (20.Yüzyıl), (çer.Bedrettin Aytaç), Kültür Yay, Ankara, 2002. 42. Armaoğlu, Fahir, 20. Yüzyıl Siyasî Tarihi (1914-1995), 24.b, Timaş Yay, İstanbul, 2017. 43. Buzpinar, Ş. Tufan, “Suriye” T.D.V. İslâm Ansiklopedisi, C. 37, İstanbul, 1998. 44. Özkoç, Özge, Suriye Baas Partisi: Kökenleri, Dönüşümü, İzlediği İç Ve Dış Politika (1943-1991), Mülkiyeler Birliği Yay. Ankara, 2008. 45. IMPR, Uluslararası Ortadoğu Barış Araştırmaları Merkezi, İran Kürtlerinin Türkiye’deki Kürt Sorunu ve Çözümüne Yönelik Algısı: İran Kürtleri Saha Araştırması Raporu, Ocak 2014 Sayı 21. 46. ULUÇ, A.Vahap, Suriye Kürtleri:Türkiye Kürtleri’nin Devamı, SAD/JSR Sosyoloji Araştırmaları Dergisi/Journal of Sociological Research Cilt/Volume 19 Sayı/ Number 1 (Nisan/April 2016): (191-223). 47. Kaymaz, İhsan Şerif, Emperyalizmin “Kürt” Kartı, Gazi Üniversitesi, Fen-Edebiyat Fakültesi Tarih Bölümü Akademik Bakış, Cilt 1, Sayı 1, Kış 2007. 48. Qasımlo, Abdurrahman, İran Kürdistanı, 1. Baskı, Belge Yay, 1991.
#مسعود_دالبوداك (هاشتاغ)
#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التيه الكُردي (الأنا الكُردية بين الدين والقومية، بديع الزما
...
-
الكُردي مسلما-القومية في مهب رياح الدين
-
التهميش الممنهج للوجود الكُردي
-
جامعات الأمس-المدارس الكُردستانية
-
-جامعات الأمس- المدارس الكُردستانية-
-
رحلة العقل الكُردي
المزيد.....
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|