أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد البدري - تحطيم الأصنام وطمس العقول















المزيد.....

تحطيم الأصنام وطمس العقول


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 1548 - 2006 / 5 / 12 - 06:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان أمام الإسلام والمسلمين في لحظة التأسيس خيارات كثيرة لكنهم انحازوا إلي ما يتفق وثقافة الطمس الجمالي باتخاذ لحظة الطمس الإبراهيمية لتحطيم الأصنام بداية له مما جعل العالم الإسلامي في بدايات تشكيلة وحتى نهاية العصر الأموي من أكثر المناطق الحضارية فقرا وجدبا رغم استيلائه علي فنون الحضارات السابقة. الفن عند العرب لا وجود له مثله مثل الديموقراطية لهذا فالصدام مع عالم الجمال والفن الآن يتسربل بحجة الأصنام. فرغم بؤس وفقر المنطقة الإسلامية، إلا أننا نعيش لحظة تاريخية لا تقل عن كشف كوبرنيكس أو كولومبس. تداعيات كشفيهما جاءت بالكثير في زمن بطئ وصعب التواصل بينما عالمنا أكثر سرعة وتلاحما فلنستعد لانهيارات متسارعة في عالم من عصور الظلام الشرق أوسطية.



لو أن تحطيم الأصنام كان مجديا لما ظل تراث العرب مشغولا بفكرة الصنم. ولما ظلت النفس المسلمة تردد بتكرار ممل وأجوف ما لا يمكن تشخيصه ودون الوصول إلي حل واحد لنفس معاركهم القديمة. وهو ما يعني أن تلك الأصنام مازالت حيه في مخيلة أهلها وما زالوا يحاربونها وربما يضيعون باقي عمرهم ونفطهم في محاربتها. فكم ألف سنة سيحتاجها الفكر الديني الإسلامي والعربي للتخلص من وهم هو صانعه ورفيقه وعدوه في وقت واحد. وكيف يمكن نسيانه وقد دونته ذاكرة العرب الأخيرة بأسماء اللات والعزي ومناة الثالثة الكبرى؟

فالعالم خارج جزيرة العرب لا يعرف فكرة الصنم المعبود لكنه يعرف الفن الجميل فالأمر الأكثر فداحة من ناحية الخسارة أن يرقص أهل الشرق الأوسط كلهم علي إيقاع طبول تلك الحرب الزائفة ويبددوا طاقتهم فيما لا طائل من ورائه. هكذا يقود العقل الجاهلي معركة ليس فيها عدو وليست هي بمعركة أصلا شانها شان قضيا زائفة كثيرة منها الوحدة العربية بين دول وشعوب وأمم هي اعرق من العرب ولها جذور أعمق ولا يربطها سوي ترديد شعارات تحارب أوهام الأصنام.



وللبقاء في هذه الحالة السيكوباتية الدينية الزم العقل الإسلامي الوافد من جزيرة العرب نفسه بصبغ كل ارض غزاها بذات الصبغة التي شكلت مأزقه في وطنه الأول جزيرة العرب. بمجرد أن يشاهد عملا فنيا، بغض النظر عن مدي جمالياتها فان البؤر السيكوباتية تفرز هرموناتها العدوانية لمواجهة تلك المنحوتات أو الإشكال الفنية. قال احد الخلفاء العرب يوما، مخاطبا حجرا، والله إني اعرف انك لا تنفع ولا تضر، لكني ( ... ) إلي آخر الرواية. القسم بالله والمعرفة اليقينية بعدم النفع أو الضرر لم تجد لها موضعا ليلتفت العقل العربي لما هو أهم واجدي. فظل لصيقا بذات الحجر.



بحجة الأصنام امتدت يد العدوان علي الفن في كثير من الأوطان التي تعج بكل أنواع الفنون الراقية والمهذبة للوجدان. ولان الفن هو أول علم أبدعه الإنسان كالرسم والتصوير علي جدران الكهوف بقصد الاستئناس أو محاولة فهم وتحقيق قدر من الشجاعة في مواجهة الضواري، أو نحت أسلحة حادة ومدببة بطبيعة وأشكال مماثلة لأنياب آكلة اللحوم، لما بقي هو علي قيد الحياة. وهكذا تجري الأمور أيضا في عصورنا الحديثة. فنون عصر النهضة في أوروبا هي التي مكنت البشرية من إنتاج العلوم الحديثة للبقاء في رفاهية ينعم بها العربان دون مساهمة منهم سوي التربص بفنون اوروبا حتي يقضي الله امرا كان مفعولا بخروحهم ثانية علي طريقة الطرد من الاندلس.



فتجسيد الواقع في أشكال فنية نحتا وتصويرا هو الأساس الفكري والنظري في أهم قضية علمية أسست للعلم الحديث، ألا وهي عزل الظاهرة. فالبشر طوال حياتهم في لحمة لا تنفصم مع الواقع بكل مفرداته. فما في الخارج يصبح في الداخل ضمن عمليات الغذاء والتنفس والشرب والتناسل وما في الداخل يخرج إلي النور ليعيد الدورة. هذا الخلط الدائم والمستمر أربك البشر فجعلوا من السحر والجن والخرافات أشكالا فنية لا نماذج لها في الواقع لتساعدهم علي فهم ما غمض عليهم. فصورتها يد الإنسان بأشكال تتفق والوظيفة المرجوة منها. فكم هو الشبه او الفارق بين شكل الشيطان وجلاوزة جهنم وحال الوجه الملائكي الناعم السمح علي الجانب الآخر؟

كان البدائي يعرف هدفه بدون لف او دوران. فالطبيعة امامه مستباحة لو امتلك القوه لصيد ثرواتها. ولم يكن هناك كاهن او شيخ او قسيس توسطا لتلبية مطالبه. كان فقر مخزونه لا يسمح بمثل هذه الوظائف لان تحتل خياله وتصادر فوائضه وتستهلك جزءا مما لا يكفي اصلا من رصيد الجماعة. وكانت الغلطة الكبري في اختراع تلك الوظائف وما زال يدفع البشر ثمنها. مع ظهور الفائض والمخزون نشأ لها جهازها الاستهلاكي المبدد لها، في مؤسسات دينية تكفر مرة وتستيب آخرين وتفتي بطمس الحقائق وجماليات الفنون. فمن لغة غامضة لا تعبر بحق عن ما هو موجود إلي تخيلات وتوهمات مع فزع ورعب منها، إلي استجدائها للخلاص منها، إلي ظهور الوسيط الذي حاز علي معظم الفائض الحضاري لغه وفنا وثقافة. بمسايرة تلك الوظائف الكهنوتية تحجرت العقول ومعها لغة لا تشرح بقدر ما تطمس لحمايتهم والدفاع عنهم وتدعي شرح دون فهم لكل غوامض الاساطير والخرافات. فمن يعيد اللغة والفن والرصد الصحيح ثانية هو إذن من الكافرين. . فمتي يدرك هؤلاء الطفيليين الذين يستبيحون في صلافة فقهية اجمل ما ابدعه البشر خطأهم؟



الوظيفية والتشبه هما المحددان للملمح عند أهل الفن البدائي في قديم الزمان، وما الطمس أو التحطيم سوي تعبير عن عدم فهم كيف يمكن للاصنام الادارة. فهل حلت الادارة الجديدة كل تلك المتناقضات في آن واحد؟ فيما بين التشكيل الدقيق في الفن الحديث والطمس والتحطيم القديم يكمن الفارق بين اصحاب الحضارة ومبدعيها وبين اعدائهم المخربون لكل شئ. لم تمتد يد العرب بالتخريب للفن فقط بل شطبوا وطمسوا تاريخ امم عريقة وحضارات عظيمة. كراهيتهم لكل شئ حملتهم علي اغلاق العقل عن فهم ابداعات البشر. ولا اغلاق للعقل الا بطمس الملامح وكسر التشكيل.

واذا كان الفن واللغة والصورة هم ادوات ادراك للمتصل التاريخي لنا فانهم يحملوا نقائضهم في ادواتهم التعبيرية ممثلة في الحفاظ علي مضمون ما نعبر عنه مع محاولة للتخلص من المضمون بطرده وجعله مشخصا وموضوعا خارجيا يمكن تخطيه لصالح حركة تقدم التاريخ بفنون ولغة وتصاوير مختلفة. الفن واللغة إذن مجرد إجراءات فنية ولغوية لعلاج امراضنا الحضاريه. وهما يعبران بصدق عن الحالة الحضارية و يقوضان تلك المرحلة لصالح تقدم تاريخ الانسانية. وعليه فالفن واللغة هما طبيبان معالجان والحاجة لهما ضرورة إذا ما بدات اعراض المرض تنهش فينا وفيمن حولنا بعد ان استهلكت من يحمله. من يحطم الفن ولغته هو محطم للحضارة وللانسانية. الم يدرك العرب والمسلمون ان غياب الفن متزامن ومتعاقب دائما مع بقائهم متخلفون.



تاريخ البشرية يؤكد دوما اطروحة الطمس وما يلازمها من عدم الفهم مع بقاء العداوة والكراهية والجهل في اوج اشتعالهم. والعكس صحيح، فالحضارة الفرعونية بكل أبهتها وعظمتها قامت فيها معرفة وفن بتلازم صارم مع علوم متعددة كانت رصيدا لفيثاغورث وارشميدس واقليدس وافلاطون ولم تفقد الايمان الذي لازم المصريين طوال تاريخهم. بابل واليونان والصين وحضارات أمريكا الوسطي، كلها خضعت لنفس القانون. فالصورة هامة لفهم محتواها. بل إن العصر العباسي بقدر تواضعه فيما قدمه من ترجمات لاعمال باقي الحضارات المحيطة بجزيرة العرب فالصورة وما رسمه الفرس في زمن العباسيين عن رموز الاسلام تؤكد نفس الطرح بين الفن والعلم.



فليس غريبا ان يكون من هم اشد كفرا ونفاقا هم ايضا المحطمون للفنون والابداعات الانسانية. كان الاستاذ راسم النفيس محقا في آهاته حيث قال: وآه ثم آه من العرب ومن عملهم الجاد!!!!

فرغم سياق حديثه عن الديانات والعلمانية التي تحتاج نقدا ما الا ان موقف الاعراب من الفنون اشد جرما. وحتي لا يتفلسف دعاه الطمس بحجة التجريد من نقاد الفن الردئ فاللغة هي التي وصمت العرب بانهم اشد كفرا ونفاقا. فالاعراب جمع عرب علي وزن قلم - اقلام وكوب - اكواب وغنم - اغنام. فمتي سيرتقي العرب والمسلمين بانفسهم إلي حضاراة العصر الحديث؟



محمد البدري

[email protected]



#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاوضات المسلمين ومفاوضات العرب
- الإسلاميون في سدة الحكم
- رأسماليتنا بين ثقافة مشلولة ومركزية عرجاء وسلطة من خارج التا ...


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد البدري - تحطيم الأصنام وطمس العقول