|
العراق: هل سيكون كعب آشيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؟
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 1548 - 2006 / 5 / 12 - 10:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم التطورات السياسية والعسكرية المتفاقمة يوماً بعد يوم في أكثر مناطق العالم خطورة وحساسية، ألا وهي منطقة الشرق الأوسط، تنكشف للعالم نقطة ضعف القوة المهيمنة الأعظم في العالم، ويعتقد بعض المحللين كشارل كوبشان، المستشار السياسي السابق للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، أن العد العكسي لأنحطاط وسقوط أكبر إمبراطورية عرفتها البشرية في تأريخها الحديث، قد بدأ ولو ببطء. وعلى خلاف كافة التوقعات والافتراضات والتكهنات بشأن المدى الذي ستصله هذه القوة، فإن إنقاذ أمريكا من مصيرها المحتمل لايمكن أن يأتيها إلا من حليفتها الأقرب والأخلص إليها وهي أوروبا الموحدة سياسياً وعسكرياً، والقادرة على تأكيد وترسيخ قيمها والدفاع عن مصالحها في عالم شديد التعقيد والخطورة، المضطرب وغير المستقر بسبب تشابك المصالح . وعلى غرار ما شهدته الامبراطوريات العظمى السابقة في التاريخ،حسب تشخيص المحلل الاستراتيجي الشهير بول كندي،فإن أمريكا، كما كانت قبلها الإمبراطورية الرومانية في زمنها، مازالت وستظل تقاوم وتكابر لكنها لاتستطيع أن توقف عجلة الزمن وحركة التاريخ والأشياء وتطورها الحتمي، كما لايمكنها تغيير الحقائق وتغيرات الظروف التاريخية والجغرافية، كالتقدم الحاصل، رغم العثرات والعقبات الطارئة، في البنيان الأوروبي الصلد الذي أفلت من قبضتها والذي لم تعد تسيطر عليه أو توجهه كما تريد وفق مصالحها، وهي تسعى جاهدة لكي تنسف هذا الصرح الاقتصادي والسياسي وربما العسكري قريباً، وتخطط لتقسيم أوروبا عملاً بمقولة فرّق تسد ولكن إلى متى؟ وبالتالي ، وحسب التوقعات ، فإن الانحطاط الأمريكي وإنهيار الامبراطورية الساكسونية بات أمراً حتمياً لامفر منه وهذا هو حكم التاريخ ولن يأتيها الإنقاذ، لا من الصين ولا من اليابان ولا من الإسلام الذي استغلته لفترة قصيرة لمحاربة الشيوعية، والذي تخوض ضده اليوم صراعاً عنيفاً ودامياً يستنزف الطرفين معاً ، يل من أوروبا التي تشاطرها قيمها وتاريخها وما علينا سوى تشخيص مكامن الخلل من الداخل الأمريكي وتشخيص العلل وكشف المؤشرات الدالة على هذه الحقيقة. لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مكروهة عالمياً بقدر ما هي مهابة، ويتنامى الاعتراض على قيمها وسياساتها وأساليبها ورؤيتها للعالم.باتت سياستها مرفوضة منذ العقد الأخير من القرن الماضي لاسيما بعد تدنيس قواتها للأراضي المقدسة في نظر المسلمين وانحيازها السافر وغير المشروط لصالح إسرائيل العدو اللدود للعالمين العربي والإسلامي، وليست حربها الحالية على العراق سوى عامل مسرّع لعملية الهبوط إلى الهاوية التي لامفر . ةةى منها حيث يتحدى العالم ، بطريقة أو بأخرى، جبروت القوة العسكرية التي لاتقهر والتحديات التي باتت تواجه أمريكا اليوم لاتعد ولا تحصى. ولايزال السؤال الأهم يشغل بال المراقبين والمحللين للمشهد السياسي الدولي ألا وهو :" ماهي تبعات وتداعيات وانعكاسات وعواقب الحرب على العراق؟" هناك جوابين متناقضين على هذا السؤال وهما: أولاً يرى البعض أننا نخطو نحو ما يمكن تسميته بالقرن الأمريكي الجديد. ففي غضون بضعة أسابيع قليلة على أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية قدرة قتالية مدهشة لآلتها العسكرية المذهلة التي لايضاهيها أحد.كما أثبتت واشنطن بوضوح لا لبس فيه أنها بشن هجومها ضد العراق ، بعد ضربها لأفغانستان وإسقاط نظام طالبان، ولكن هذه المرة بدون موافقة مجلس الأمن الدولي، أنها خرقت واحتقرت وتخطت موقف المجموعة الدولية ممثلة بمنظمة الأمم المتحدة. فكان الدرس جلياً وبليغاً وموجهاً للدول التي ظنّت أنها يمكنها أن تناكف وتعارض القرار الأمريكي " كفرنسا وألمانيا وروسيا" وأن عليها أن تراجع نفسها مرتين قبل أن تتصرف لاحقاً من الآن فصاعداً وإلا ستكون العواقب وخيمة عليها جرّاء مناكفتها للدولة القائدة للعالم التي تقف بكل شموخ وغرور وعنجهية لتتحدى العالم بأسره وتتصرف كما يحلو لها بلا رادع وهاهي تتحدى العالم مرة أخرى بكل عنجهية لتوجه التهديدات والتحذيرات لإيران وسورية . وهكذا تبدو أمريكا في نظر الكثير من الدول والشعوب بمثابة روما جديدة. ثانياً هناك رؤية أخرى على النقيض تماماً من الرؤية الأولى وهي متشائمة جداً تقول أن الحرب على العراق هي بداية الطريق نحو النهاية وليس بداية لعصر أمريكي جديد فواشنطن انحدرت إلى طريق وعرة ومحفوفة بالمخاطر بسبب نزعتها الحربية والعدوانية واللجوء إلى القوة وهذا السلوك هو الذي سيحكم عليها بالزوال إن آجلاً أم عاجلاً. فربما تكون القوة العسكرية الأمريكية حالياً عاتية ولايوجد ما يساويها أو يقف في وجهها بيد أن سلوك واشنطن بالضد من الإرادة الدولية والرأي العام العالمي بذرائع واهية وأكاذيب مفضوحة قد أفقدها أثمن شي تمتلكه ألا وهو شرعيتها الدولية المفترض بها أن تكون راعية وحامية للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية لكنها هي التي انتهكت وخرقت القانون الدولي ومباديء حقوق الإنسان والديموقراطية وحرية تقرير المصيرعكس ما تدّعيه أمريكا لنفسها بأن الديموقراطية الأولى في العالم المدافعة عن الحريات والحال أن واشنطن هي التي تجاهلت قيمها ومبادئها في غوانتانامو وأبو غريب بل وفي داخل أمريكا ذاتها. ترتب على ذلك فقدان احترام الأمم للولايات المتحدة ولقوتها بدلاً من الانضواء تحت رايتها وقيادتها للعالم فكثير من الدول لم تعد تثق بأمريكا ولا بوعودها ، بل أن بعض الدول والمنظمات شعرت أن بإمكانها مقاومة الغطرسة الأمريكية مهماكانت التضحيات التي ستقدمها وإن كانت تعلم مسبقاً أنها ستهزم أمام الجبروت الأمريكي وأن التضحيات ستكون جسيمة. وباعتقادي أن الرؤية الثانية هي الصائبة وهي الأصح بتقدير الكثير من الخبراء في الشأن الأمريكي. فالصراع الدبلوماسي الذي سبق ورافق الحرب على العراق كان بمثابة الإعراض الأول وليس السبب الوحيد للهوة العميقة التي باتت تفصل اليوم بين أمريكا وجزء مهم من أوروبا ، بل وحتى قسم كبير من دول العالم . فالفردانية الأمريكية والتحركات من جانب واحد ، الذي ترسخ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 ، كبديل عن النزعة الانعزالية، وشعور الأمريكيين بقابلية اختراق بلدهم وهشاشة مناعتهم الأمنية وإمكانية اختراق البلد من الداخل ، وغضب واشنطن ورغبتها في الانتقام كل ذلك أدى إلى زعزعة تماسك المجموعة الدولية. فقبل النقاشات الحادة التي دارت بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين والمتغييرين داخل الأمم المتحدة حول العراق ، اتفق بعض أعضاء مجلس الأمن على ضرورة كبح جماح الولايات المتحدة الأمريكية المندفع ووضع حد لغرورها وعجرفتها المتزايدة يوماً بعد آخر . فاحتواء أمريكا كان أحد أهداف السياسة الفرنسية والألمانية والروسية في محاولة لمنع وقوع الحرب علماً أن تلك الدول الثلاثة الدائمة العضوية في مجلس الأمن كانت واعية للمخاطر التي تترتب على معارضتها ومخالفتها للاندفاع الأمريكي الأهوج والشرخ الخطير الذي تحدثه في كينونة الحلف الأطلسي . وكان هناك أعضاء صغار في مجلس الأمن من غير الدائمين مثل المكسيك وشيلي والكامرون وغينيا وغريهم، مستعدون للوقوف بوجه القوة الأعظم وعرقلة مساعيها العدائية والتجرؤ على قول كلمة كلا للقرار الأمريكي والتصويت ضده واللحاق بركب الدول العظمى الأقل قوة من أمريكا لتخطئة مقولة " كل الطرق تؤدي إلى واشنطن، على غرار جملة كل الطرق تؤدي إلى روما" وكأن العالم كان يرنو إلى فتح طريق جديدة تمر عبر أوروبا رغم تاريخها الاستعماري المثقل بالجرائم . فالرغبة الأمريكية الجامحة في قيادة العالم وفق المعايير الأمريكية والمنهج الذي اتبعته واشنطن لفرض رؤيتها وسياستها كان السبب الأساس في تصلب المواقف المناوئة وتجذر الاختلافات بين شاطئي الأطلسي أي بين أمريكا وحليفاتها وكانت هذه الأخيرة قد انطلقت من مسلمة أنه كلما أثبتت أمريكا قيادة صارمة لاتقبل المساومة كلما ضمنت طاعة بقية دول العالم وبقائها ضمن الفلك الأمريكي شاءت ذلك أم أبت لكن العكس هو الذي حدث. إذا كانت تصريحات وقرارات ومواقف وسلوكيات جورج بوش قد اعتبرت نوعاً من الحزم والصرامة في بلده فقد تلقتها الدول الأوروبية على أنها نوعاً من العجرفة والغطرسة وخلقت ردود فعل معادية للمسلك الأمريكي الحربي. وقد بالغة الرئيس جورج بوش في تقدير تفوق بلده العسكري وأبدى احتقاراً وتجاهلاً لرأي ومشورة حلفائه وأعتقد أنه ليس بحاجة لدعمهم وتأييدهم ونسي أن الحرب على الإرهاب العالمي يتطلب تعاوناً دولياً كاملاً . وبالرغم من عدم نجاح فرنسا وروسيا وألمانيا في منع وقوع الحرب على العراق إلا أنهم نجحوا في حرمان واشنطن من شرعية الأمم المتحدة وبالرغم من الانتصار العسكري السريع انزلق العراق نحو الفوضى وغرق في دوامة العنف ولم تنجح القوة ألأمريكية العاتية والمدججة بالسلاح من منع وقوع ضحايا بين صفوف الجنود الأمريكيين الذين تجاوز عددهم الـ 2500 قتيل وآلاف الجرحى والمصابين والمعوقين ومليارات الدولارات من النفقات التي لم تحقق شيئاً للشعب العراقي ويمكننا القول أن القضية العراقية كانت الأصل في نشوء مناخ دولي متوتر ومنقسم على نفسه . لذا فإن فشل المشروع الأمريكي في العراق سيكون بمثابة الكارثة التي ستقع على رأس الولايات المتحدة الأمريكية وثورة العالم بأسره ضد الهيمنة الأمريكية وبالتالي فإن العراق سيكون بحق كعب آشيل الولايات المتحدة الأمريكية فهل تعي واشنطن ذلك؟
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أ
...
-
ما أشبه اليوم بالأمس هل دقت ساعة إيران بعد العراق؟
-
العراق : بعد ثلاث سنوات من السقوط هل حان وقت تقديم الحسابات؟
-
ماذا يخبيء لنا الغد في العراق؟
-
العراق: تشاؤم أم تفاؤل؟
-
العراق وأمريكا: إنعطافة تاريخية؟
-
حكومة وحدة وطنية أم حكومة إستحقاقات انتخابية رسالة إلى رئيس
...
-
من سيحكم العراق؟
-
إلى أين يسير العراق... نحو الهاوية أم باتجاه نهاية النفق؟
-
التهميش الاجتماعي أبعاد الظاهرة ودلالالتها
-
العراق: تحديات الأيام المقبلة الدستور،المحاكمة،الانتخابات، و
...
-
قراءة في كتاب: المذبحة تحت المجهر «الهولوكوست
-
جورج دبليو بوش رئيس مسكون بلعنة العراق
-
أمريكا ومعضلة دول محور الشر
-
الاستقطابات المميتة في العراق
-
المعلن والمخفي في السياسة العراقية
-
كتاب العراق وأمريكا وحافة الهاوية
-
آفاق الحرب العالمية لمكافحة الإرهاب
-
المفارقة العراقية
-
دروس في الإخراج السينمائي
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|