دوافع الإرهاب الدولي

عبد الرحمن علي غنيم
كاتب وباحث
(Abdulrahman Ali Ghunaim)

الحوار المتمدن-العدد: 6310 - 2019 / 8 / 4 - 03:20
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

من المتعارف عليه أن الإرهاب لا يقتصر على كونه ظاهرة إجرامية فحسب، بل هو سلوك يمارسه الشخص في البيئة التي يعيش فيها وضمن المجتمع الذي ينتمي إليه، لذلك يمكن القول أن الإرهاب سلوك اجتماعي منحرف، الأمر الذي يحتم علينا دراسة الدوافع والأسباب التي تكمن وراء الإرهاب والسلوك الإرهابي الذي يتجه الفرد لانتهاجه؛ حيث أن تحديد دوافع الإرهاب تمكننا من الوصول إلى الطرق الصحيحة لمكافحته والتصدي له.
ولقد حددت اللجنة الخاصة للإرهاب الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مجموعة من الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للإرهاب؛ حيث أكدت اللجنة على أن أسباب الإرهاب تتلخص في سيطرة الدول على بعضها البعض، واستخدام القوة ضد الدول الضعيفة، وممارسة القمع والعنف والتهجير وعدم التوازن في النظام الاقتصادي العالمي، واستغلال الموارد الطبيعية للدول النامية، وانتهاك الحقوق الأساسية من خلال السجن والتعذيب أو الانتقام، والجوع والحرمان والجهل والبؤس وتجاهل معاناة شعب يتعرض للاضطهاد والتدمير.
• الدوافع السياسية
هنالك مجموعة من الدوافع السياسية التي توفر المناخ المناسب للممارسة الإرهاب وتنفيذ العمليات الإرهابية، ومن هذه الدوافع ما يلي:
1. الرغبة في الحصول على الاستقلال والحق في تقرير المصير، فعلى الرغم من تأكيد القرارات الدولية على حق الشعوب في تقرير المصير إلا أنه ما زالت هناك شعوب مضطهدة، الأمر الذي يدفع حركات التحرر الوطني إلى انتهاج السلوك الإرهابي والقيام ببعض العمليات التخريبية لإضعاف النظم المستعمرة وإلحاق الضرر بها.
2. الصراع العرقي في بعض المناطق التي تأخذ الطابع المسلح وتلجأ إلى استخدام التكتيكات الإرهابية على المستوى الدولي ضد مصالح بعض العرقيات .
3. مقاومة القوات الأجنبية والسيطرة الخارجية، ومعارضة أنظمة الحكم.
4. السعي إلى جلب الاهتمام العام العالمي لبعض القضايا ذات الطابع السياسي مثل القضية الفلسطينية .
5. استخدام القوة وانتهاك الاستقلال والسيادة والوحدة الإقليمية للدول، واحتلال أراضي الغير والهيمنة على الشعوب، بالإضافة إلى التدخل في الشئون الداخلية للدول .
6. انعدام المشاركة السياسية للغالبية العظمى من أفراد الشعب، الأمر الذي يؤدي إلى الإقصاء والتهميش ويفتح المجال أمام المؤسسات الحكومية للتلاعب في المجال السياسي كيفما تشاء، ومن أجل خدمة قلة من السياسيين والعسكريين .
بالإضافة إلى الدوافع السابقة، قد يكون الدافع وراء الإرهاب السياسات غير العادلة التي تنتهجها الدولة تجاه الشعب، و الصراعات المحلية الداخلية بين الشعب والسلطة، وممارسة إرهاب الدولة ضد شعب معين، أو الانتقام من دولة معينة من خلال الإضرار بمصالحها.
• الدوافع الاقتصادية
تساعد الظروف الاقتصادية على ارتكاب الجرائم الإرهابية؛ ولكنها ليست العامل الرئيسي؛ حيث أن الظروف الاقتصادية السيئة موجودة في كافة النظم الدولية ولكن لم تتمكن أي من هذه الأنظمة من القضاء عليها ومعالجتها. وتتبلور الدوافع الاقتصادية فيما يلي:
1. سوء الأوضاع الاقتصادية ومعاناة الشعوب من الفقر والبطالة والتضخم، ومشكلات السكن والفوارق الاجتماعية، وسوء توزيع واستغلال الثروة؛ حيث أن فئة قليلة فقط تتنعم بموارد وخيرات الدولة، مما يؤدي إلى ارتكاب الجرائم والإرهاب.
2. التقدم العلمي والتكنولوجي للأنظمة المصرفية؛ حيث أدى هذا التقدم إلى سهولة انتقال وتمويل الأموال بين الجماعات والشبكات الإرهابية .
3. عدم إتاحة الفرص للأقليات، بالإضافة إلى العولمة التي ساعدت على نشر الإرهاب من خلال فتح الحدود بين الدول؛ حيث أصبح من الصعوبة مراقبة الحدود، وازدياد مشكلات الهوية .
4. الحرمان الاقتصادي الذي تعيشه غالبية دول العالم، لا سيما دول العالم الثالث والدول النامية منها.
• الدوافع الاجتماعية
تظهر الدوافع الاجتماعية للإرهاب على النحو التالي:
1. أدى تراجع القيم الروحية إلى إشاعة الشعور بالظلم واليأس والإحباط والحقد، مما أدى إلى انحراف في السلوكيات التي تميل إلى العنف والجريمة والإرهاب.
2. الهجرة من الأرياف إلى المدن تساعد على زيادة النزاعات الأهلية، وغياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وغالباً ما يكون بسبب ارتفاع الكثافة السكانية.
3. الحرمان الاجتماعي وعدم قدرة المجتمع على استيعاب فئات معينة استيعاباً كاملاً بما يؤدي إلى الشعور بالاغتراب وانتشار اعتبارات الطائفية والعنصرية والتطرف.
4. التحولات الاجتماعية وما نتج عنها من تبديلات في البنى والهياكل والمؤسسات الاجتماعية، وتفاعلات وتغييرات في القيم الاجتماعية .
• الدوافع الشخصية
1. قد يكون الدافع وراء الإرهاب هو تحقيق رغبات شخصية مثل الهروب من بلد معين، أو يكون الدافع مادي بهدف الابتزاز والحصول على الأموال، أو اختطاف طائرة والهروب بها لأسباب سياسية أو عقائدية.
2. الإحباط والحرمان الشخصي الذي يتولد بسبب القهر وقمع الحريات وسلب الحقوق الأساسية، مما يؤدي إلى خلق السلوك الإرهابي في نفوس الأفراد بصورة أو بأخرى .
• الدوافع الدينية
هنالك بعض الدوافع الدينية التي تقف وراء انتشار الإرهاب والعمليات الإرهابية، ومنها:
1. عدم فهم مقاصد الشريعة الإسلامية والجهل بالدين.
2. تلقي الخطاب الديني من أفراد غير مختصين، الأمر الذي يؤدي إلى فهم الأمور على غير حقيقتها مما يجعلها دافعاً للإرهاب.
3. الغلو في الدين والتعصب الديني والطائفي والمذهبي .
• الدوافع الإعلامية
تكون الدوافع الإعلامية من خلال الرغبة في نشر القضية أمام الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي؛ حيث أن الحركة الثورية تمارس الإرهاب بهدف لفت أنظار الرأي العام إليها، لذلك قد يكون الدافع وراء الإرهاب هو إيجاد السبل لحل القضية محل النزاع عن طريق نشر الرعب والذعر باستغلال وسائل الإعلام للضغط على الطرف الآخر في النزاع والأطراف المحيطة لحل القضية .
ومن هنا يرى الباحث أن دوافع الإرهاب كثيرة ومتعددة، وتختلف باختلاف الأوضاع والظروف المحيطة بالأفراد داخل المجتمعات التي ينتمون لها، حيث أن هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤثر في سلوك الأفراد، فمعظم أفراد الجماعات الإرهابية هم من الدول الفقيرة والنامية، وغالباً ما يكون الدافع وراء دخولهم في هذه الجماعات والتنظيمات هو التخلص من الفقر والجهل والبؤس، كما وتسهم الأنظمة الاستبدادية والطاغية في تهجير الأفراد من بلدانهم وتجعلهم يلجئون للجماعات الإرهابية للتخلص من الحكم الظالم كملاذ آمن لهم.
وقد يكون الجهل بالدين والشريعة الإسلامية عند الشباب دافع كبير وراء الإرهاب؛ حيث يستغل هذا الجهل بعضاً من ضعفاء النفوس ويبدءوا بترويج الأفكار الخاطئة عن الجهاد والقتال في سبيل الله، ويتخذون من التضليل والتطرف نهجاً وسلوكاً لغسل أدمغة الشباب الذين يعانون من الفراغ و الضياع والبعد عن الله، ولابد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام ووسائله المختلفة في نشر الأخبار الكاذبة والمضللة، والتي تدفع الأفراد بشكل أو بأخر للانضمام إلى الجماعات الإرهابية من خلال الحديث عنهم وعن قدراتهم المادية و العسكرية المتطورة.
وأخيراً، وبما أن معرفة الأسباب هي بداية طريق العلاج، يمكننا القول أن تحديد الدوافع والأسباب الكامنة وراء الإرهاب يقودنا إلى وضع تصور للتخلص من هذه الدوافع أو على الأقل معالجتها ومحاولة التصدي لها بهدف مكافحة الإرهاب.
قائمة المصادر والمراجع
• الهاشمي ناصر. الإرهاب: الجذور والمظاهر وسبل المكافحة، ط1، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، عمان، 2016، ص 191- 192.
• د. جمال محمد المري. الأمن القومي، ط1، أكاديمية شرطة دبي، دبي، 2005، ص 63.
• د. جميل حزام الفقيه. مفهوم الإرهاب في القانون الدولي العام، مجلة دراسات يمنية، عدد 93، 2009، ص40.
• د. محمد مسعود قيراط. الإرهاب: دراسة في البرامج الوطنية واستراتيجيات مكافحته، ط1، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2011، ص 67.
• د. محمود عزت اللحام وآخرون. الإعلام الأمني، ط1، دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص 210.
• عبد الله بن الشيخ بن بيه. الإرهاب التشخيص والحلول، ط1، شركة العبيكان للأبحاث والتطوير، الرياض، 2007، ص 42.
• عثمان علي حسن. الإرهاب الدولي ومظاهرة القانونية والسياسية في ضوء أحكام القانون الدولي العام، ط1، مطبعة منارة، كردستان العراق، 2006، ص 38- 39.
• مليكة قادري. الإرهاب في ظل القانون الدولي مجلة الندوة للدراسات القانونية، عدد( 16)، 2017، ص 81.
• د. شريف عبد الحميد رمضان. الإرهاب الدولي أسبابه وطرق مكافحته في القانون الدولي والفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، عدد( 31)، 2016، ص 1147.
• رائد قاسم. الإرهاب والتعصب عبر التاريخ، ط1، دار الحجة البيضاء للنشر والتوزيع، لبنان، 2008، ص 30.

#عبد_الرحمن_علي_غنيم (هاشتاغ)       Abdulrahman_Ali_Ghunaim#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات