أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غياث المرزوق - التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وَسَلْبِيَّاتُهُ (2)















المزيد.....



التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وَسَلْبِيَّاتُهُ (2)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6309 - 2019 / 8 / 3 - 05:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ أنْ يَرْمَأَ رَمْأَ العُصَابِيِّ
حِينَمَا يَسِيرُ تَسْيَارًا نَفْسَانِيًّا بِسَيْرُورَةِ التَّمَاهِي
زيغموند فرويد


شرحتُ بشيءٍ من التفصيلِ اللسانيِّ والنفسانيِّ، في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، فحوى ظاهرةِ «التَّمَاهِي» identification، على اعتبارِهِ فحواءَ التعبيرِ النفسانيِّ عن أبكرِ ارتباطٍ عاطفيٍّ تقيمُهُ «هُوِيَّةُ» الطفلةِ، أو الطفلِ، المُدْرَكَةُ من لَدُنْ أيِّهِما مع هُوِيَّةِ شخصٍ آخَرَ، وعلى اعتبارِ هذا الارتباطِ العاطفيِّ الناشئِ مقترنًا، بدورِهِ هو الآخَرُ، بصِلَةٍ لَبِيديةٍ (نسبةً إلى «اللبيدو» libido) موازيةٍ مع ذلك الشخصِ الآخَرِ. وقلنا إنَّ لهكذا ظاهرةٍ من الأهميةِ والخطورةِ بمكانٍ مضمونَيْنِ نفسانيَّيْنِ متناقضَيْنِ تناقضًا مطلقًا، بأدنى تَجَلٍّ: مضمونًا إيجابيًّا (أو صِحِّيًّا) يشيرُ إلى شعورِ المُتَمَاهِي نحوَ المُتَمَاهَى (فيهِ) بالإضفاءِ المثاليِّ idealization، من طرفٍ أوَّلَ، ومضمونًا سلبيًّا (أو مَرَضيًّا) ينوِّهُ عن شعورِ المُتَمَاهِي نحوَ المُتَمَاهَى (فيهِ) بالإبداءِ العدوانيِّ agressivity، من طرفٍ ثانٍ. ففي حينِ أنَّ الصِّلَةَ اللبيديةَ التي تميلُ إلى النشوءِ عن نوعٍ، أو أكثرَ، من أنواعِ التَّمَاهِي الإيجابيِّ (أو الصِّحِّيِّ) تقتضي «مَرْكَزَةً (نفسانيةً)» cathexis، أو توظيفًا (نفسانيًّا)» investment، يتطبَّعانِ بطابعِ رابطٍ نرجسيٍّ من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ» homosexuality، فإنَّ الصِّلَةَ اللبيديةَ النظيرةَ التي تميلُ إلى النشوءِ عن شكلٍ، أو أكثرَ، من أشكالِ التَّمَاهِي السلبيِّ (أو المَرَضِيِّ) تبتني مَرْكَزَةً (نفسانيةً)، أو توظيفًا (نفسانيًّا)، نظيرَيْنِ آخرَيْنِ يتطبَّعانِ، والحالُ هنا، بطابعِ رابطٍ ساديٍّ-مازوخيٍّ من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُغَايِرِ» heterosexuality، في ظاهرِ الأمرِ – أو، بالحريِّ، من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ» مقلوبًا، على الخلافِ، قلبًا «سلوكيًّا» لبيديًّا من الاتِّجاهِ المنفعليِّ إلى الاتِّجاهِ الفاعليِّ، في باطنِ الأمرِ. وبيَّنَّا كذلك تبيانًا تمهيديًّا كيف أنَّ هذَيْنِ المضمونَيْنِ النفسانيَّيْنِ المتناقضَيْنِ لظاهرةِ التَّمَاهِي ناشئانِ، في الأصلِ، عن عينِ الطبيعةِ الازدواجيةِ الكنينةِ، فيما يبدو للعيانِ، لهكذا ظاهرةٍ نشوئيةٍ، من حيثُ كونُها طُوَيْرًا مشتقًّا من طُوَيْرَاتِ «الطَّوْرِ الفمِّيِّ» oral phase، في حدِّ ذاتِهِ، ذلك الطورِ الذي يتجلَّى بوصفهِ أوَّلَ طورٍ نشوئيٍّ كائنيٍّ-نوعيٍّ «واقعيٍّ» من بينِ أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ (نسبةً إلى «الأنا» the ego). فقد تبيَّنَ تبعًا لذلك التبيانِ التمهيديِّ، إذن، أنَّ هذه الطبيعةَ الازدواجيةَ التي تبديها ظاهرةُ التَّمَاهِي إلى حدِّ التأرجُحِ النسبيِّ (أو حتى إلى حدِّ التناقُضِ المُطْلَقِ)، إنَّما تؤكِّدُ تأكيدًا قطعيًّا وجازمًا على تسيارِ هذا الطُّوَيْرِ المشتقِّ من طُوَيْرَاتِ الطَّوْرِ الفمِّيِّ بالذاتِ بتسيارِ ما يقابلُهُ من مثيلٍ مشتقٍّ، أو من مثائلَ مشتقَّةٍ، من الوسطِ البهيميِّ أو شبهِ البهيميِّ، حيثُ يتمُّ في هذا الحينِ كُنُونُ الرَّغائبِ كُلاًّ، على اختلافِ درجاتِ جُمُوحِها وعلى ائتلافِ دركاتِ جِمَاحِهَا كذاك، حيثُ يتمُّ في هذا الحينِ كُنُونُ الرَّغائبِ كُلاًّ في ذاتِ الشخصِ أو ذاتِ الشيءِ (الخارجَيْنِ عن الذاتِ الرَّاغبةِ)، وحيثُ يُصَارُ من ثمَّ إلى تحطيمِ وإلى تدميرِ هذا الشخصِ ذاتِهِ أو هذا الشيءِ ذاتِهِ كلِّيَّةً في حينٍ آخرَ – تمامًا مثلما تتجلَّى هكذا «تَيْمُومَةٌ» وهكذا «صَيْرُورَةٌ» في التَّمَارُسِ الحياتيِّ الفعليِّ الذي يتمارسُهُ والعَدُوَّ آكِلُ اللَّحْمِ البشريِّ المُعَرَّبُ تَسْمِيَةً بـ«القَنْبَلِيِّ» cannibal، ذلك «الآدَمِيِّ»، أو الأديميِّ، المتوحِّشِ الذي يُبدي في البدايةِ توقًا رَغَائِبِيًّا شديدًا إلى التهامِ ألدِّ أعدائِهِ، ولكنَّهُ في النهايةِ يعدو بتوقٍ رَغَائِبِيٍّ أشدَّ (مِنْهُ حتى) إلى التهامِ أحَمِّ أصدقائِهِ وأحَمِّ أقربائِهِ وحتى أحَمِّ «أعزَّائِهِ» الأشدِّ حميميةً من هؤلاءِ كلِّهِمْ وبكلِّيَّتِهِمْ.

وقد تبيَّنَ وفقًا لذلك التبيانِ التمهيديِّ كذاك، إذن، أنَّ هذا التغايُرَ الصَّارخَ والسَّافرَ بين سَيْرِ التماهي الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) وبين سَيْرِ التماهي السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) لَقابلٌ للمقارنةِ المثلى بالتبايُنِ الأشدِّ صَريخًا والأشدِّ سُفورًا مِنْهُ حتى بين طُوَيْرِ النُّزُوعِ إلى «المَصِّ الفمِّيِّ» oral sucking وبين طُوَيْرِ النُّزُوعِ إلى «العَضِّ الفمِّيِّ» oral biting (لدى الرَّضيعةِ، أو الرَّضيعِ)، كما يدلُّ بالحرفِ الجليِّ مَعْنَيا هذين الطُّوَيْرَيْنِ الأخيرَيْنِ، بوصفِهِما طُوَيْرَيْنِ «سلوكيَّيْنِ» حتميَّيْنِ من طُوَيْرَاتِ الطَّوْرِ الفمِّيِّ المشارِ إليهِ قبلَ قليلٍ[1]. وبما أنَّ النطاقَ اللبيديَّ لفتحةِ الفمِ بالذاتِ لَهُوَ النطاقُ الأساسيُّ للإثارةِ الحِسَّانيةِ، أو «الجنسانيةِ»، من حيثُ كونُهُ ذاتَ المصدرِ الرئيسيِّ لاكتسابِ «اللذَّةِ» في الطورِ الفمِّيِّ بالذاتِ، فإنَّ المتماهِيَ الذي يسعى إلى تركيزِ (أو حتى إلى مَرْكَزَةِ) رغبتهِ الحِسَّانيةِ، أو «الجنسانيةِ»، على شخصٍ أو شيءٍ (خارجيَّيْنِ) تركيزًا لاواعيًا في الطورِ الفمِّيِّ ذاتِهِ، فإنَّهُ لا ينزعُ، في الأغلبِ والأعَمِّ، إلى التماهِي الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) في هذا الشخصِ أو في هذا الشيءِ باعتبارِهِما شخصًا أو شيئًا «مثاليَّيْنِ» (أي ممثِّلَيْنِ تجريبيَّيْنِ للعالَمِ الظاهريِّ الذي يقيمُ المتماهِي معهُ علاقةً «مثاليةً» ببعضٍ من الامتيازِ)، بلْ ينزعُ، بالتضادِّ كاملاً، إلى التماهِي السلبيِّ (أو المَرَضِيِّ) في ذاتِ الشخصِ أو في ذاتِ الشيءِ المعنيَّيْنِ هنا، ذلك التماهِي «اللاسَوِيِّ» الذي يُفضي بالمتماهِي إلى إضمارِهِ حساسيةً بالغةَ الخطورةِ من حساسيَّاتِ ما يُسَمَّى بـ«النَوَسانِ المَسِّيِّ-الانقباضِيِّ» manic-depressive oscillation، وعلى الأخصِّ حينما يتفاقمُ هكذا نَوَسانٌ رويدًا رويدًا في اللاحقِ من الطُّوَيْرَاتِ بجزئيَّتِهَا، أو حتى في اللاحقِ اللاحقِ من الأطوارٍ بكلِّيَّتِهَا. وهكذا، إذا ركَّزتِ الرَّضيعةُ، أو إذا ركَّزَ الرَّضيعُ، رغبتَهُما الحِسَّانيةَ، أو «الجنسانيةَ»، على ثديِ الأمِّ تركيزًا لاواعيًا، ناهيكُما علمًا بأنَّ هذا الثديَ لَهُوَ ذلك الشيءُ الخارجيُّ الوحيدُ الذي يتيحُ لأيٍّ منهُما تمثيلَ العالَمِ الظاهريِّ (أو عالَمِ الآخَرِ) في الطورِ الفمِّيِّ بالذاتِ، فإنَّ هذا التركيزَ الرغائبيَّ اللاواعيَ، حتمًا، سوفَ يؤدِّي بالرَّضيعةِ، أو بالرَّضيعِ، إلى التماهِي في الثديِ ذاتِهِ تماهِيًا سلبيًّا (أو مَرَضِيًّا) في أرجحِ الظنِّ، في هذهِ الحالِ، تماهِيًا «لاسَوِيًّا» لا بدَّ لهُ من أن ينوسَ فيما بعدُ بين التملُّكِ العدوانيِّ للأمِّ بالإضافةِ إلى ثديِهَا (وفي هذا ما ينمُّ عن حساسيةِ النَّوَسانِ المَسِّيِّ)، من جانبٍ أوَّلَ، وبين الخُسْرَانِ المخيِّبِ أمَلاً وآمالاً للشخصِ الخارجيِّ (أي الأمِّ) أو للشيءِ الخارجيِّ (أي الثديِ) أو حتى لكليهِما معًا (وفي هذا ما ينطوي على حساسيةِ النَّوَسانِ الانقباضِيِّ)، من جانبٍ ثانٍ. وفضلاً عن ذلك كلِّهِ، حتى في حالِ سَعْيِ المولودةِ، أو المولودِ، إلى التماهِي الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) في هُوِيَّةِ الوالدةِ ذاتِ، أو في هُوِيَّةِ الوالدِ ذي، الجنسِ المماثلِ (أو مَنْ تنوبُ منابَها، أو مَنْ ينوبُ منابَهُ)، فإنَّ التعبيرَ النفسانيَّ المفرطَ إفراطًا لاسَوِيًّا عن الارتباطِ الذهنيِّ (العاطفيِّ) الذي يُنْشِئُهُ المتماهِي مع المتماهَى (فيهِ) إنشاءً «مثاليًّا» من أثرِ ذلك التماهِي الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ)، إنَّما هو تعبيرٌ سوفَ يصيرُ بهِ المصيرُ إلى ظهورِ أعراضٍ شبيهةٍ (إنْ لم تكنِ الأعراضَ عينَها تمامًا) لحساسيَّاتِ ذاتِ النَّوَسانِ المَسِّيِّ-الانقباضِيِّ الجِدِّ خطيرٍ في حدِّ ذاتِهِ، وخصوصًا عندما يستحثُّ المتماهِي، من طرفِهِ، هذا الارتباطَ الذهنيَّ (العاطفيَّ) استحثاثًا نرجسيًّا زائدًا عن حدِّهِ في قرينةٍ تجريبيةٍ ما، استحثاثًا نرجسيًّا إنْ هو إلاَّ ذريعةٌ تمويهيةٌ يتَّخذُهَا المتماهَى (فيهِ) لكيما يسُدَّ عددًا محدَّدًا من الثُّغْرَاتِ النفسانيةِ (أو، بالحريِّ، من الثُّلْمَاتِ النفسانيةِ) في وعيِهِ الذاتيِّ المتقلقلِ بالذاتِ. وبالتالي، فإنَّ التغايُرَ الصَّارخَ والسَّافرَ بين سَيْرِ التماهِي الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) وبين سَيْرِ التماهِي السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) سوفَ ينحُو، لا محالَ، نحوَ ذلك التحييدِ الجذريِّ المنوَّهِ عنهُ في موضعٍ آخَرَ، وسوفَ يتَّجهُ منحى ظاهرةِ التماهِي، من ثمَّ، في الاتجاهِ المنحرفِ انحرافًا لفحوائِها السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) في آخرِ الأمرِ، الأمرِ الذي ليسَ لهُ إلاَّ أن يُنذِرَ بابتداءِ المسارِ «اللاسَوِيِّ» لسيرورتَيِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنويِّ.

يَسْتَتْبِعُ ممَّا تقدَّمَ ذكرُهُ، هنا، أنَّ ظاهرةَ التماهِي، في حالِ الغيابِ المؤجَّلِ تأجيلاً سَوِيًّا أو «لاسَوِيًّا» لفحوائِها السلبيِّ (أو المَرَضيِّ)، إنَّما هي ظاهرةٌ حتميةٌ تهيِّئُ المحيطَ النفسيَّ لظاهرةِ «عقدةِ أوديبَ» Oedipus complex، وتمهِّدُ من ثَمَّ السبيلَ لها تمهيدًا حتميًّا كظاهرةٍ أكثرَ ألفةً في هذا المضمارِ، نظرًا لاشتقاقِ الظاهرةِ النشوئيةِ الأولى، بمقتضى طبيعتِها الازدواجيةِ التي تبديها إلى حدِّ التأرجُحِ النسبيِّ (أو حتى إلى حدِّ التناقُضِ المُطْلَقِ)، نظرًا لاشتقاقِها من طُوَيْرٍ معيَّنٍ من طُوَيْرَاتِ الطَّوْرِ الفمِّيِّ، في حدِّ ذاتِهِ – كما ذُكِرَ. إضافةً إلى ذلك، يتبدَّى هذا الطَّوْرُ الفمِّيُّ، كما يدلُّ النطاقُ اللبيديُّ الأساسيُّ للإثارةِ الحِسَّانيةِ، أو «الجنسانيةِ»، في الطورِ ذاتِهِ دلالةً واضحةً كلَّ الوضوحِ، يتبدَّى بوصفهِ أوَّلَ طورٍ نشوئيٍّ كائنيٍّ-نوعيٍّ «واقعيٍّ» من بينِ أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ، تلك الأطوارِ الثلاثةِ، بالعَدِّ، التي تُحَدِّدُ الامتدادَ الزمنيَّ لذاك الدورِ المعروفِ بـ«الدورِ ما قبلَ الأوديبيِّ» pre-Oedipal period (وهو الدورُ الذي يبدأُ، كما هو معلومٌ كذاك، بأبكرِ طُوَيْرٍ من طُوَيْرَاتِ «الطورِ الفمِّيِّ» oral phase، والذي يُستأنَفُ، بعدئذٍ، بأبكرِ طُوَيْرٍ من طُوَيْرَاتِ «الطورِ الشرجيِّ» anal phase، والذي ينتهي، في الأخيرِ، بآخِرِ طُوَيْرٍ من طُوَيْرَاتِ «الطورِ القضيبيِّ» phallic phase). وعلى الرَّغمِ من تحديدِ الامتدادِ الزمنيِّ لهذا الدورِ المعروفِ بـ«الدورِ ما قبلَ الأوديبيِّ»، قد تستمرُّ ظاهرةُ التماهِي في سَرَيانِ تأثيرِهَا في إبَّانِ الحضورِ «الناشئِ»، والحالُ هنا، لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ حينَ تشرعُ هذه الظاهرةُ في سَرَيانِ تأثيرِهَا، بدورِهَا هي الأُخرى، بحيثُ يُفضي هذانِ السَّرَيانانِ بالمتماهِي، في نهايةِ المطافِ، إلى إبدائِهِ «السلوكيِّ» لنوعَيْنِ متفرِّدَيْنِ من الارتباطِ الذهنيِّ (العاطفيِّ) مع المتماهَى (فيهِ)، على أقلِّ تقديرٍ: أوَّلاً، ارتباطٌ ذهنيٌّ (عاطفيٌّ) مع الوالدةِ ذاتِ، أو الوالدِ ذي، الجنسِ المماثلِ (كما هي الحالُ في التجلِّي «السَّوِيِّ» لظاهرةِ التماهِي)؛ وثانيًا، ارتباطٌ ذهنيٌّ (عاطفيٌّ) مع الوالدةِ ذاتِ، أو الوالدِ ذي، الجنسِ المغايرِ (كما هي الحالُ في التبدِّي «السَّوِيِّ» كذاك لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ). وبناءً على ذلك، يمكنُ، ها هنا، إيرادُ المثالَيْنِ النموذجيَّيْنِ لهذينِ النوعَيْنِ المتفرِّدَيْنِ من الارتباطِ الذهنيِّ (العاطفيِّ)، على النحوِ التالي: إنَّ الطفلةَ التي تتماهَى في هُوِيَّةِ الأمِّ (أو في هُوِيَّةِ المرأةِ التي تنوبُ منابَها) لَتَأْخُذُ في التنميةِ الحقيقيةِ لتركيزِ طاقتِها النفسيةِ على هُوِيَّةِ الأبِ (أو على هُوِيَّةِ الرجلِ الذي يقومُ مقامَهُ)؛ وإنَّ الطفلَ الذي يتماهَى في هُوِيَّةِ الأبِ (أو في هُوِيَّةِ الرجلِ الذي ينوبُ منابَهُ) لَيَأْخُذُ في الإنماءِ الحقيقيِّ لتركيزِ طاقتِهِ النفسيةِ على هُوِيَّةِ الأمِّ (أو على هُوِيَّةِ المرأةِ التي تقومُ مقامَها). وكما تقدَّمَ ذكرُهُ كذاك في معرضِ الكلامِ عن ظاهرةِ التماهِي بفحوائِها الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ)، فإنَّ الصلةَ اللبيديةَ التي تنشأُ عن هذهِ الظاهرةِ النشوئيةِ، عامَّةً، لَتختلفُ اختلافًا جذريًّا عن الصلةِ اللبيديةِ التي تنجمُ عن ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ: فبينما توحي الصلةُ اللبيديةُ الأولى إلى تركيزِ الطاقةِ النفسيةِ تركيزًا يتَّسِمُ بطابعِ رابطٍ نرجسيٍّ من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ»، تشيرُ الصلةُ اللبيديةُ الأخيرةُ إلى تركيزِ الطاقةِ النفسيةِ تركيزًا يتَّصفُ، على النقيضِ، بطابعِ رابطٍ لانرجسيٍّ، أو «غيريٍّ»، من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُغَايِرِ». ويستمرُّ هذانِ النوعانِ المتفرِّدانِ من الارتباطِ الذهنيِّ (العاطفيِّ) في سَرَيانَيِ تأثيريهِمَا جنبًا إلى جنبٍ لمَدٍّ من الزمانِ معيَّنٍ، ودونما تفعيلٍ مباشرٍ لأيٍّ من التأثيرَيْنِ على الآخرِ، بالضرورةِ: إذ يتَّضحُ أنَّ هذه الحالَ التجريبيةَ، فيما يبدو، إنَّما تتمركزُ حولَ التباعدِ النفسانيِّ بين هذينِ النوعَيْنِ. بعدئذٍ، يبدأ مدٌّ من الزمانِ محدَّدٌ آخَرُ للتداخُلِ الحتميِّ فيما بين هذينِ النوعَيْنِ ذاتَيْهِما، فيتمُّ «تماهِي» (أو، بالحَذْوِ اللغويِّ، «دَمْجُ») أحدِهِما في الآخَرِ، إن صحَّ القولُ: إذ يتبيَّنُ أنَّ هذه الحالَ التجريبيةَ، فيما يظهرُ، إنَّما تتمركزُ حولَ التقاربِ النفسانيِّ، بدلاً من التباعدِ. وبالتالي، يتجلَّى الحضورُ «الطبيعيُّ» لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ ناشئًا عن هذا التداخُلِ الحتميِّ فيما بين هذينِ النوعَيْنِ المعنيَّيْنِ ذاتَيْهِما، وبالأخصِّ حينما تعكسُ ظاهرةُ التماهِي فحواءَها السلبيَّ (أو المَرَضيَّ)، أو حينما تأخذُ في التَّأزُّمِ شيئًا فشيئًا لكيما «تتَّخذَ مظهرًا عدائيًّا» لافتًا للانتباهِ، على حدِّ تعبيرِ فرويد[2].

ويَسْتَلْزِمُ ممَّا سَبَقَ ذكرُهُ هنا، أيضًا، أنَّ التعبيرَ النفسانيَّ المُسْرِفَ إسْرَافًا لاسَوِيًّا عن الارتباطِ الذهنيِّ (العاطفيِّ) الذي يلازمُ، بالوِصَالِ اللبيديِّ الخاصِّ بهِ، ظاهرةَ التماهِي بفحوائِها السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) إنَّما هو تعبيرٌ ليسَ لهُ، مدى مَدٍّ من الزمانِ معيَّنٍ، إلاَّ أن يُحَفِّزَ العَكْسَ الفعليَّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ تحفيزًا يسيرًا (أو حتى عسيرًا)، بحيثُ إنَّ هكذا عكسًا فعليًّا يجسِّمُ نوعًا من التحوُّلِ النفسانيِّ الذي يميلُ المتماهِي من خلالِهِ إلى الإنماءِ الحقيقيِّ لتركيزِ طاقتِهِ النفسيةِ على المتماهَى (فيهِ) بالذاتِ. ووفْقًا للتحوُّلِ النفسانيِّ المجسَّمِ هذا، إذن، قد يشيرُ العكسُ الفعليُّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ إلى حالٍ تجريبيةٍ تمثِّلُ شكلاً من التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ على الشخصِ، أو على الشيءِ، ذلك التركيزِ الذي يتطبَّعُ، والحالُ هنا، بطابعِ رابطٍ نرجسيٍّ من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ»، كما هي الحالُ التجريبيةُ في ظاهرةِ التماهِي عينِها. في حالٍ تجريبيةٍ كهذه، والخلافُ النفسانيُّ عمَّا تقدَّمَ قائمٌ، ثَمَّةَ فارقٌ جوهريٌّ بين ما سُمِّيَ من قبلُ بـ«الإضفاءِ المثاليِّ» idealization، إلماعًا إلى إضفاءِ المتماهِي توصيفًا مثاليًّا على شخصِ المتماهَى (فيهِ) ذي الجنسِ المماثلِ، من طرفٍ أوَّلَ، وبين ما يُمْكِنُ أن يُسَمَّى الآنَ بـ«بالتَّشْيِيءِ (اللبيديِّ)» objectivization، إلماحًا، والحالُ، إلى اصطفاءِ المتماهِي شخصَ المتماهَى (فيهِ) ذي الجنسِ المماثلِ بمثابةِ «شيءٍ لبيديٍّ»، وليسَ غيرَ، من طرفٍ آخَرَ. وهذا الفارقُ الجوهريُّ لا بُدَّ لهُ، في ترتيبِ كلٍّ من المنطقِ الذهنيِّ والمنطقِ اللاذهنيِّ، من أن يُطابقَ الفَرْقَ الأكثرَ جوهريَّةً حتى بين ما نعرِّفُهُ بـ«النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ» be-propensity، تلميعًا إلى نزوعِ المتماهِي نحوَ تَكَوُّنِهِ مثلَ كينونةِ المتماهَى (فيهِ) ذي الجنسِ المماثلِ، من جانبٍ أوَّلَ، وبين ما نُعَلِّمُهُ بـ«النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ» have-propensity، تلميحًا إلى نزوعِ المتماهِي نحوَ تَمَلُّكِهِ كلَّ كينونةِ المتماهَى (فيهِ) ذي الجنسِ المماثلِ، بدلاً من تَكَوُّنِهِ مثلَها، من جانبٍ آخَرَ[3]. وبما أنَّ ظاهرةَ التماهِي بفحوائِها الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) قابلةٌ للنشوءِ «السَّبْقِيِّ» والحدوثِ السَّابقِ للأوانِ (بمعنى أنَّ هذا النشوءَ وهذا الحدوثَ مُمْكِنَانِ حتى قبلَ تفعيلِ أيِّ حالٍ تجريبيةٍ تمثِّلُ شكلاً من التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ على الشخصِ، أو على الشيءِ)، فإنَّ الفارقَ المعنيَّ بين «النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ» مقترنًا بالإضفاءِ المثاليِّ اقترانًا وبين «النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ» ممتثلاً بالتَّشْيِيءِ (اللبيديِّ) امتثالاً إنَّما هو فارقٌ مرهونٌ بالوجودِ الكيفيِّ، أو بعَدَمِ هذا الوجودِ الكيفيِّ، الذي يسعى فيهِ الارتباطُ الذهنيُّ (العاطفيُّ) الناجِمُ، بالوِصَالِ اللبيديِّ الخاصِّ بهِ، إلى ابتناءِ الأنا الكَنِينَةِ في المتماهِي على غِرارِ الأنا الكَنِينَةِ في المتماهَى (فيهِ). ففي إبَّانِ العَكْسِ الفعليِّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، يميلُ المتماهِي إلى إبداءِ مَكْنُونِ طابعِهِ الازدواجيِّ (إلى حدِّ التأرجُحِ النسبيِّ وَ/أوِ التناقُضِ المُطْلَقِ) إبداءً أشدَّ جلاءً في سياقِ تحليلِ المَعْنِيِّ من الأعراضِ المَرَضيةِ النفسيةِ. وهكذا، في سياقِ تحليلِ أعراضِ العُصَابِ neurosis، من صَدَدٍ أوَّلَ، قد يولِّدُ عَرَضُ المتماهِي عَرَضَ المتماهَى (فيهِ) بالذاتِ حينَ يُبدي المنابُ الإنسانيُّ الأوَّلُ نُزُوعًا تَكَوُّنِيًّا مقترنًا بالإضفاءِ المثاليِّ المنشودِ نحوَ المنابِ الإنسانيِّ الأخيرِ، كما هي الحالُ في الصَّبِيَّةِ (التي خضعتْ لتحليلِ فرويد) حينما كانتْ تحاكي إصابةَ أمِّها بسُعَالٍ نَوْبِيٍّ مُبَرِّحٍ محاكاةً إراديةً. في حالٍ تحليليةٍ نفسيةٍ كهذه، يتجلَّى العَرَضُ العُصَابيُّ في تعبيرِهِ النفسانيِّ عن رَغَبِ الصَّبِيَّةِ المعنيَّةِ رَغَبًا عدائيًّا في ذلك الحُلُولِ (اللاعاطفيِّ) محلَّ أمِّهَا، بينما كانتْ هذه الصَّبِيَّةُ في الآنِ ذاتِهِ تنمِّي تركيزًا (طاقيًّا) نفسيًّا على أبيهَا بسببٍ من شعورِهَا بالذنبِ[4]. وفي سياقِ تحليلِ أعراضِ الهُرَاعِ (أو الرُّحَامِ، اشتقاقًا حَرْفِيًّا) hysteria، من صَدَدٍ ثانٍ، قد يخلِّقُ عَرَضُ المتماهِي عَرَضَ المتماهَى (فيهِ) بالذاتِ أيضًا، ولكنْ حينَ يُظهِرُ المنابُ الإنسانيُّ الأوَّلُ نُزُوعًا تَمَلُّكِيًّا ممتثلاً بالتَّشْيِيءِ (اللبيديِّ) المعهودِ نحوَ المنابِ الإنسانيِّ الأخيرِ، على النقيضِ من النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ الآنفِ الذكرِ، كما هي الحالُ في الشَّابَّةِ دورا (التي خضعتْ لتحليلِ فرويد كذلك) عندما كانتْ تقلِّدُ إصابةَ أبيهَا بالتهابٍ شُعَبيٍّ مُعَذِّبٍ تقليدًا «لاإراديًّا». في حالٍ تحليليةٍ نفسيةٍ كهذه، يتبدَّى العَرَضُ الهُرَاعيُّ (أو الرُّحَامِيُّ) في تعبيرِهِ النفسانيِّ عن تنميةِ الشَّابَّةِ المعنيَّةِ تركيزًا (طاقيًّا) نفسيًّا على أبيهَا من جرَّاءِ شعورِهَا بالقلقِ والعطفِ، بينما كانتْ في الآنِ ذاتِهِ تُضمِرُ رَغَبًا لاعدائيًّا في ذلك الاعتناقِ (العاطفيِّ) empathy لسَقَامِ أمِّهَا كذلك[5]. وبالتالي، يستبينُ بجلاءٍ أنَّ المتماهِيَ، في أثناءِ (تخلُّلِ) العَكْسِ الفعليِّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، ليسَ لهُ إلاَّ أن يتماهَى في سمةٍ (تجريبيةٍ) جِدِّ خاصَّةٍ من سماتِ المتماهَى (فيهِ)، ليسَ إلاَّ، سواءً كانَ نزوعُ المتماهِي نحو المتماهَى (فيهِ) نُزُوعًا تَكَوُّنِيًّا ذا طابعٍ عدوانيٍّ أمْ نُزُوعًا تَمَلُّكِيًّا ذا طابعِ لاعدوانيٍّ.

من هنا، ينظرُ لاكانُ، من طرفِهِ، إلى هذه السِّمَةِ (التجريبيةِ) الجِدِّ خاصَّةٍ باعتبارِهَا «دَالاًّ» signifier في حدِّ سينِهِ لهُ «مَدْلُولٌ» signified في حدِّ عينِهِ، وذلك باقتضاءِ محلِّهِ كعنصرٍ مكوِّنٍ في نظامٍ جَبْرِيٍّ تفاضليٍّ لدوالَّ سينيَّةٍ لهَا مداليلُ عينيَّةٌ أيضًا: إذ يتمُّ تمثيلُ هكذا دالٍّ، في البدءِ، كرمزٍ أصليٍّ (أو كمجرَّدِ «دَالُولٍ» sign، ليسَ غيرَ)، فيتمُّ من ثمَّ إشرابُهُ لاواعيًا تحتَ تأثيرِ ما يصطلحُ لاكانُ عليهِ بـ«التَّمَاهِي الرَّمْزِيِّ» symbolic identification، هذا الاصطلاحِ المعنيِّ الذي يعني بحرفيَّتِهِ «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ الدَّالِّ (تماهيًا)»، على وجهِ التحديدِ[6]. ففي جُلِّ التمارُسِ الفعليِّ للتحليلِ النفسيِّ، يتجلَّى مصطلحُ «التَّمَاهِي الرَّمْزِيِّ» هذا كمصطلحٍ نفسانيٍّ-لسانيٍّ يدلُّ في آخِرِ المطافِ على «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ العَرَضِ» بالذاتِ، فيدلُّ من ثمَّ، بدورِهِ هو الآخَرُ، على ما يُمكنُ أن يُسَمَّى الآنَ بـ«الدالِّ العَرَضيِّ» symptomatic signifier (مثلما هي الحالُ تمامًا في أيٍّ من العَرَضَيْنِ الآنِفَيِ الذِّكْرِ: عَرَضِ محاكاةِ السُّعَالِ النَّوْبِيِّ المُؤْلِمِ وعَرَضِ تقليدِ الالتهابِ الشُّعَبِيِّ المُوجِعِ). ومما يَجْدُرُ بالذِّكْرِ كذاك، هنا، أنَّ مصطلحَ «التَّمَاهِي الرَّمْزِيِّ» ذاتَهُ كانَ قد طرأَ عليهِ تغييرٌ نظريٌّ لافتٌ للعيانِ في كتاباتِ لاكانَ، من قبلُ: فمن ناحيةٍ أولى، عُرِّفَ الاصطلاحُ، بادئَ ذي بَدْءٍ، بفحوى «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ الأبِ» تعريفًا، في إبَّانِ (تخلُّلِ) العَكْسِ الفعليِّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ؛ ومن ناحيةٍ أُخرى، عُيِّنَ الاصطلاحُ على النقيضِ، بعدئذٍ، بفحوى «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ الصورةِ اللامرئيةِ invisible imago»، بوصفها صورةً ذهنيةً مقدَّسةً للآخَرِ، في إطارِ تنظيرٍ وراثيٍّ في ماهيَّةِ الأنا في المقابلِ، تنظيرٍ يشيرُ إلى هذا الآخَرِ باعتبارِهِ الوالدَ المتماهَى (فيهِ) ذَا الجنسِ المماثلِ وفقًا للمسارِ النفسانيِّ «الطبيعيِّ» لظاهرةِ التماهِي، كما هي الحالُ (التجريبيةُ) اللااستثنائيةُ في التنظيرِ الفرويديِّ، عمومًا[7]. وفي كلٍّ من هذينِ الفَحْوَيَيْنِ النقيضَيْنِ، فضلاً عن ذلك، مُيِّزَ الاصطلاحُ المعنيُّ، اصطلاحُ «التَّمَاهِي الرَّمْزِيِّ» كسيرورةٍ نفسانيةٍ «متطوِّرةٍ»، تمييزًا صارخًا عمَّا اصْطُلِحَ عليهِ في التنظيرِ اللاكانيِّ كذاك بـ«التَّمَاهِي الخَيَاليِّ» imaginary identification، على اعتبارِهِ سيرورةً نفسانيةً «بدائيةً»، أو بالحريِّ «لامتطوِّرةً»، تتحدَّدُ، والحالُ، بمغزى «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ الصورةِ المرئيةِ visible image»، بصفتِهَا صورةً عينيةً مقدَّسةً للذاتِ في طورِ المرآةِ، في حدِّ ذاتِهِ: إذ أنَّ المولودَ (الإنسانيَّ)، في هذا الطورِ، لَيُدْرِكُ الإرهاصَ الأكثرَ «بدائيةً»، أو الأكثرَ «لاتطوُّرًا»، لمعنى الذاتِ انعكاسًا، ولَيَسْتَوْعِبُهُ من ثَمَّ استيعابًا يتهلَّلُ لهُ أيَّما تَهَلُّلٍ قبولاً واستحسانًا – على الخلافِ كلِّيًّا عن حالِ المولودِ الحيوانيِّ الذي ليسَ لهُ سوى أن يمتعضَ كلَّ الامتعاضِ من شكلِ الذاتِ انعكاسًا، ويمُجُّه بالتالي كلَّ المُجُوجِ حينَ يرى صورتَهُ في المرآةِ للمرَّةِ الأولى. يتبيَّنُ بجلاءٍ شديدٍ، إذن، أنَّ اصطلاحَ «التَّمَاهِي الخَيَاليِّ»، بهذا المغزى الصُّوريِّ المرئيِّ «البدائيِّ»، أو «اللامتطوِّرِ»، بالذاتِ، إنَّما يدخلُ دخولاً حَصْرِيًّا في مجالِ ما يسمِّيهِ لاكانُ كذاك بـ«المَنْظِمِ الخياليِّ» imaginary order، باعتبارِهِ واحدًا من المَنَاظِمِ الثلاثةِ التي سمَّاها، قبلاً، في تسيارِ العملِ الذهنيِّ[8]: إذ يشيرُ التماهِي الخياليُّ، في هذا المجالِ، إلى متواليةٍ من التحوُّلاتِ النفسانيةِ التي يخضعُ لهَا المتماهِي خضوعًا محتومًا جرَّاءَ انتحالِهِ صورةً مرآويةً (خياليةً) خاصَّةً بِهِ، صورةً في وُسْعِهَا أن تكونَ بمثابةِ ذلك الشيءِ الذي يجسِّدُ تجسيدًا عَتَبةَ العالَمِ الظاهريِّ (أو عالَمِ الآخَرِ (المرئيِّ)، تحديدًا)[9]. لهذا السببِ، فإنَّ إشرابَ هذهِ الصورةِ المرآويةِ (الخياليةِ)، ناجمًا نُجُومًا لاواعيًا تحتَ تأثيرِ التماهِي الخياليِّ، إنَّما يوحِي إلى ما يمكنُ أن يُدعى الآنَ كذاك بـ«الدالِّ المِرْآوِيِّ» specular signifier، وذلك بالقياسِ التضادِّيِّ إلى ما سُمِّيَ قبلَ قليلٍ بـ«الدالِّ العَرَضيِّ». وعلى الرَّغمِ من توكيدِ التمايُزِ الصَّارخِ بين سيرورتَيِ التماهِي الرمزيِّ والتماهِي الخياليِّ، على هكذا نحوٍ، إلاًّ أنَّهُ توكيدٌ لا يعني بالضرورةِ، بتَّةً، دخولَ التماهِي الرمزيِّ في مجالِ «المَنْظِمِ الرمزيِّ» حَصْرًا وغيابَ اتِّصالِهِ المطلقَ بمجالِ «المَنْظِمِ الخياليِّ»: لقد تمَّ إضفاءُ صفةِ «الرمزيةِ» على التماهِي الرمزيِّ، ها هنا، لمجرَّدِ أنَّ هذا التماهِيَ بالذاتِ يمثِّلُ الطورَ الأخيرَ لانتقالِ المتماهِي المعنيِّ من مجالِ «المَنْظِمِ الخياليِّ» إلى مجالِ «المَنْظِمِ الرمزيِّ» عن طريقِ استرسَالاتِ النظامِ الجَبْرِيِّ التفاضليِّ للدوالِّ (انظرا، أيضًا: الحاشية 8). وبالتالي، فإنَّ الباعثَ الرئيسيَّ على طُرُوءِ هذا التغييرِ النظريِّ الملحوظِ على فحواءِ اصطلاحِ «التَّمَاهِي الرَّمْزِيِّ» بالذاتِ إنَّما يَكْمُنُ في مدى الصُّعوبةِ في تحديدِ الوسيطِ «المادِّيِّ» الحاسِمِ (هُوِيَّةِ الدالِّ بالذاتِ أمْ هُوِيَّةِ الصُّورةِ المقدَّسةِ للذاتِ)، ذلك الوسيطِ الذي يُفضي إلى تكوينِ أنا (شاهدةٍ) ذاتِ شكل متطوِّرٍ نسبيَّا، نظرًا لشكلِهَا «البدائيِّ» قبلَ حدوثِ العَكْسِ الفعليِّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، وشكلِهَا «الأقلِّ بدائيةً» بعدَ حدوثِ هذا العكسِ.

وهكذا، في معرضِ هذا الكلامِ، فإنَّ حدوثَ العَكْسِ الفعليِّ لتَسْيَارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ إنَّما هو حدوثٌ ينبِّئُ تنبيئًا عن مستهلِّ تحطيمِهَا الحتميِّ، حتى لو امتدَّ بها الزمانُ أبعدَ من مَدِّهَا الزمانيِّ، تحطيمٍ يتكشَّفُ، بدورِهِ هو الآخَرُ، عن حَلٍّ وتفكُّكٍ نفسانيَّيْنِ لا مفرَّ منهُمَا: إذ يُمكنُ وصفُ هكذا ظاهرةٍ معكوسةً (أو حتى لامعكوسةً) بوَصْفَيْنِ نشوئيَّيْنِ متلازمَيْنِ، كذلك، يتعلَّقُ الأوَّلُ بنشوءِ الكائنِ الحَيِّ ontogeny ويتعلَّقُ الآخَرُ بنشوءِ النوعِ الحَيِيِّ phylogeny، تمامًا كمَا هو المَآلُ التكراريُّ التَّزَمُّنِيٌّ لظاهرةِ التماهِي ذاتِهَا. فأمَّا الوصفُ النشوئيُّ الأوَّلُ مقرونًا بنشوءِ الكائنِ الحيِّ، فيشيرُ إلى تخييبِ الآمالِ المُحْبِطِ والمُثَبِّطِ إبَّانَ المَسَارِ النفسانيِّ «الطبيعيِّ» لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، ذلك التخييبِ المُخِيبِ الذي يُعانيهِ المتماهِي كلَّ المُعَاناةِ من خلالِ تَمَارُسِهِ الحِينيِّ معَ العالَمِ الظاهريِّ (أو عالَمِ الآخَرِ (المرئيِّ)، في حدِّ ذاتِهِ). وأمَّا الوصفُ النشوئيُّ الآخَرُ مقرونًا بنشوءِ النوعِ الحَيِيِّ، فيوحي إلى الحِينِ المقدَّرِ للتحطيمِ، تحطيمِ العقدةِ ذاتِهَا، وفقًا لتَحْيِينٍ (أو تَأْيِينٍ) مسمًّى قَبْليًّا، حينَ يبدأُ الطورُ اللاحقُ بالتجلِّي التجريبيِّ من بينِ أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ – وهذا التحطيمُ وهذا التحيينُ يتجلَّيانِ، بالمقارنةِ المُثلى، في النُّمُوِّ اللامستديمِ لأسنانِ الحليبِ (أو الرَّواضِعِ) حينما تميلُ إلى السقوطِ لكيما تُفْسِحَ المجالَ للأسنانِ الأُخرى (كالقواطعِ) لدى شروعِ هذه الأخيرةِ في النُّمُوِّ المستديمِ. وفي هذا ما يفسِّرُ اقتضاءَ الطبيعةِ الازدواجيةِ التي تُبْدِيهَا ظاهرةُ عقدةِ أوديبَ، كما تُبْدِيهَا ظاهرةُ التماهي، إلى حدِّ التأرجُحِ النسبيِّ (أو حتى إلى حدِّ التناقُضِ المُطْلَقِ)، تُبْدِيهَا من عِنادِ المولودِ، أو المولودةِ، في البحثِ الدَّؤوبِ عن مصادرِ إشباعِ الرَّغَبِ الحِسَّانيِّ، أو «الجنسانيِّ»، اقتناءً لنوعَيِ «اللذَّةِ» و«الملذَّةِ»، ذلك البحثِ الذي يتراوحُ بين تبنِّيهِ، أو تبنِّيهَا، إزاءَ الوالدِ، أو الوالدةِ، موقفًا ذكوريًّا (أو فاعلاً)، تارةً أولى، وبين تبنِّيهِ، أو تبنِّيهَا، إزاءَهُ، أو إزاءَهَا، موقفًا أنوثيًّا (أو منفعلاً)، تارةً أخرى. وعلى ذلك، يتقلَّب هذا التبنِّي، بالمناظرةِ المُثلى كذلك، بين نُزُوعِ المتماهِي نحو المتماهَى (فيهِ) نُزُوعًا تَكَوُّنِيًّا مقترنًا بالإضفاءِ المثاليِّ المنشودِ، فينةً أولى، وبين نُزُوعِ المتماهِي نحو المتماهَى (فيهِ) نُزُوعًا تَمَلُّكِيًّا ممتثلاً بالتَّشْيِيءِ (اللبيديِّ) المعهودِ، فينةً أُخرى. غيرَ أنَّ الطورَ القضيبيَّ (الأخيرَ) المشارَ إليهِ آنفًا، بوصفِهِ آخِرَ طورٍ من بين الأطوارِ الثلاثةِ التي تحدِّدُ بأمدائِهَا المدَّ الزمانيَّ للدورِ ما قبلَ الأوديبيِّ بالذاتِ، قد يتزامنُ تسيارُهُ، فضلاً عن ذلك كلِّهِ، مع تسيارِ الطورِ المُحَدِّدِ بمداهُ المدَّ الزمانيَّ لعقدةِ أوديبَ قبلَ تحطيمِهَا الحتميِّ – وهذا التزامنُ الجِدُّ واردٍ، في هذه القرينةِ، إنَّما يُلقي الأضواءَ كلَّها على الفارقِ النفسانيِّ الحاسمِ بين جنسانيةِ الذكورةِ وجنسانيةِ الأنوثةِ، معَ أنَّ كلاًّ من الجنسانيَّتَيْنِ يخضعُ لتأثيرِ الطورِ القضيبيِّ (الأخيرِ) بالذاتِ، في السلوكِ الطفوليِّ (أو حتى الطَّفَالِيِّ): إذ يتبدَّى هذا الفارقُ النفسانيُّ الحاسمُ بين الجنسانيَّتَيْنِ بالتبدِّي التجريبيِّ «الطبيعيِّ» في قبولِ الأنثى مآلاتِ ما يُسَمَّى بـ«عقدةِ الإخصاءِ» castration complex، ويتبدَّى من ثمَّ في رضوخِهَا لجملةِ هذه المآلاتِ باعتبارِهَا حقيقةً بغيضةً تمَّ إنجازُهَا على مَضَضٍ، من طرفٍ أوَّلَ، ويتجلَّى في المقابلِ في خشيةِ الذكرِ الدفينةِ من جملةِ هذه المآلاتِ ذاتِهَا، ويتجلَّى بالتالي في رفضِهِ إيَّاهَا وإمكانيةَ حُدوثِهَا الموحِشِ، من طرفٍ آخَرَ[10]. وهكذا، في معرضِ الكلامِ ذاتِهِ أيضًا، فإنَّ التحطيمَ الحتميَّ لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ إنَّما يدلُّ، ولا ريبَ، على بدايةِ إذعانِهَا لكمٍّ معيَّنٍ ممَّا يُدعى بـ«الكَبْتِ الأوَّليِّ» primary repression، هذا الكَبْتِ الذي يتمُّ من جرَّائِهِ قمعُ النشوءِ الابتدائيِّ لأيٍّ من الدوافعِ الغَرَزيةِ (البدائيةِ) في الأنا الغائبةِ (ذاتِ الطابعِ الشَّهْوَانِيِّ)، والذي يتوقَّفُ عليه المسارُ «الطبيعيُّ» لكلٍّ من أطوارِ التطورِ اللبيديِّ والتطورِ الأنويِّ، طُرًّا: إذ أنَّ الراسبَ المتضائلَ من تأثيرِ عقدةِ أوديبَ (أو من تأثيرِ الطورِ القضيبيِّ، بقدرِ ما يخصُّهُ الأمرُ كذلك) لَيُنْذِرُ، والحالُ هذه، ببدءِ دورٍ زمانيٍّ من الجُمُودِ العاطفيِّ واللبيديِّ يُعْرَفُ بـ«الدورِ الكُمُونيِّ» latency period، دورٍ زمانيٍّ ينتهي تأثيرُهُ الجُمُودِيُّ انتهاءً كلِّيًّا، أو شبهَ كلِّيٍّ، في سنِّ البلوغِ، على وجهِ التقريبِ. ففي هذا الدورِ الكمونيِّ، إذن، تَوْهُنُ أشكالُ التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ على الشخصِ، أو على الشيءِ، لكي يُصَارَ في التجلِّي التجريبيِّ إلى التخلِّي عنها بكافَّتِها، ولكي يُصَارَ من ثمَّ إلى إحلالِ أشكالٍ بديلةٍ من إشرابِ التماهِي في محلِّهَا، بحيثُ يجري إشرابُ ما أدركَهُ المتماهِي من «سُلْطةِ» المتماهَى (فيهِ) في الأنا الشاهدةِ (ذاتِ الطابعِ العقلانيِّ)، إشرابٌ يشكِّل في نفسِ المتماهِي كذاك النواةَ لتطوُّرِ الأنا العُلْيَا (ذاتِ الطابعِ الرَّقَابِيِّ). وبالتالي، تميلُ الأنا العليا هذه إلى انتحالِ الصَّرامةِ التي «تفرِضُهَا» نفسُ المتماهَى (فيهِ) بالذاتِ، وإلى إدامةِ تحريمِهِ الأخلاقيِّ لصلاتِ السِّفَاحِ incestual ties (إنْ بانتْ إرْهَاصَاتُهَا في الدورِ الأوديبيِّ) لكيما تمنعَ الأنا الشاهدةَ (المكنونةَ في المتماهِي ذاتِهِ) من إعادةِ إنماءِ أشكالِ التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ ذاتِهَا، وذلك عن طريقِ «تقويضِهَا الجنسيِّ»، بالاصطلاحِ الفرويديِّ الأوَّلِ[11]، أو حتى عن سبيلِ «تطبيعِهَا اللبيديِّ»، بالاصطلاحِ اللاكانيِّ المُؤَوَّلِ[12].

يَسْتَبِينُ من هذا الشرحِ التفصيليِّ في الأخيرِ، إذن، أنَّ العلاقةَ النفسانيةَ التي تنشأُ بالفعلِ التبادُلِيِّ بين ظاهرتَيِ التماهِي وعقدةِ أوديبَ إنَّما هي، في واقعِ الأمرِ، علاقةٌ نفسانيةٌ تَصَارُعِيَّةٌ بين ضدَّيْنِ متصارعَيْنِ مدى مَدٍّ من الزمانِ محدَّدٍ، علاقةٌ تذكِّرُ، فيما يبدو، بالفحواءِ الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) والفحواءِ السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) للظاهرةِ الأولى ذاتِهَا. ذلك لأنَّ هذينِ الفحواءَيْنِ لظاهرةِ التماهي بالذاتِ يتجسًّدانِ، على الترتيبِ، في إسهامِهَا اللامباشرِ في التقويضِ الجنسيِّ (أو التطبيعِ اللبيديِّ) لأشكالِ التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ على الشخصِ، أو على الشيءِ، ممَّا يَحْدُو بهذه الأشكالِ إلى مُسَامَاتِهَا الذهنيةِ أو تحويلِهَا إلى بواعثَ عاطفيةٍ، من جانبٍ أوَّلَ، و يتجسًّدانِ في تأسيسِهَا المباشرِ لأنماطٍ بدائيةٍ من أشكالِ التركيزِ (الطاقيِّ) النفسيِّ ذاتِهَا، أنماطٍ تتمثَّلُ في الدوافعِ الغَرَزيةِ (البدائيةِ) في الأنا الغائبةِ بالذاتِ أثناءَ تسيارِ الدورِ ما قبلَ الأوديبيِّ، من جانبٍ آخَرَ. ويبدو كذاك، وفْقًا لذلك، أنَّ الترسيخَ الأوَّليَّ (المُبَكِّرَ) لظاهرةِ التماهِي بأيٍّ من فحواءَيْها المذكورَيْنِ إنَّما يلعبُ دورًا ذا أهميةٍ وخطورةٍ كبيرتَيْنِ في الارتقاءِ النفسانيِّ وفي الارتدادِ النفسانيِّ لهُوِيَّةِ المتماهِي، دورًا يتوقَّفُ في أغلبِ الظنِّ على التكوينِ النفسانيِّ لهُوِيَّةِ المتماهَى (فيهِ). ففي حينِ أنَّ التماهِيَ بالفحواءِ الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) يساعدُ في نشوءِ الأنا العليا دونما تدخُّلٍ مباشرٍ من لَدُنْ أيَّةِ إواليةٍ من إوالياتِ الدفاعِ الذاتيِّ، فإنَّ التماهِيَ بالفحواءِ السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) يميلُ إلى الاتحادِ بإواليةٍ، أو أكثرَ، من إوالياتِ الدفاعِ الذاتيِّ، على النقيضِ، فيمثِّلُ من ثمَّ واحدًا من أسلحةِ الأنا الشاهدةِ الأشدِّ فاعليةً لكيما يحضَّهَا على قَهْرِ أعراضٍ معيَّنةٍ كأعراضِ الحُصَارِ، أو حتى الرُّهابِ. وهكذا، تسلِّطُ هذه العلاقةُ النفسانيةُ التَّصَارُعِيَّةُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى بين ظاهرَتَيِ التماهِي وعقدةِ أوديبَ، تسلِّطُ الأضواءَ، بادئَ ذي بَدْءٍ، على المحتوى الذهنيِّ (العاطفيِّ) واللبيديِّ لماهيةِ «الأنا الشاهدةِ»، وتضعُ التوكيدَ من ثمَّ على بواكيرِ جانبِها التطوُّريِّ بوصفِهَا ماهيةً نفسانيةً لهَا خفيَّاتُهَا الباطنيةُ، من طرفٍ، ولهَا جليَّاتُهَا الظاهريةُ، من طرفٍ آخَرَ.

لتلخيصِ ما تقدَّمَ ذكْرُهُ في القسمَيْنِ من هذا المقالِ، يتكشَّفُ مصطلحُ «التَّمَاهِي» (استئناسًا بالمعنى الجذريِّ ذي السياقِ الانعكاسيِّ، أو المطاوعيِّ، للمصطلحِ المُحَاذِي «الدَّمْجُ»، في اللغةِ العربيةِ)، يتكشَّفُ تعبيرًا نفسانيًّا مُفَحًّا عن أبكرِ ارتباطٍ عاطفيٍّ تقيمُهُ «هُوِيَّةُ» المولودِ مع هُوِيَّةِ شخصٍ آخرَ (الوالدِ ذي الجنسِ المماثلِ أو مَنْ ينوبُ منابَهُ). وتصاحبُ هذا الارتباطَ العاطفيَّ كذاك صلةٌ لبيديةٌ موازيةٌ تقتضي، بدورِهَا هي الأُخرى، مَرْكَزَةً (نفسانيةً)، أو توظيفًا (نفسانيًّا)، يتطبَّعانِ بطابعِ رابطٍ معيَّنٍ من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ». فبينما يميلُ التماهِي بفحوائِهِ الإيجابيِّ (أو الصحِّيِّ) إلى التأثيرِ بحَسَبِ الصلةِ اللبيديةِ ذاتِ الطابعِ النرجسيِّ، فتولِّدُ في المتماهِي شعورًا بالإضفاءِ المثاليِّ نحوَ المتماهَى (فيهِ)، يسعى التماهِي بفحوائِهِ السلبيِّ (أو المَرَضيِّ) إلى التأثيرِ بموجبِ الصلةِ اللبيديةِ ذاتِ الطابعِ الساديِّ-المازوخيِّ، فتخلِّقُ في المتماهِي، والحالُ هذه، شعورًا بالإبداءِ العدوانيِّ نحوَ المتماهَى (فيهِ). من هنا، ينكشفُ هذانِ الفحواءانِ النفسانيَّانِ المتناقضانِ لظاهرةِ التماهِي، في الأصلِ، عن طبيعتِهَا الازدواجيةِ ازدواجًا إلى حدِّ التأرجُحِ النسبيِّ (أو حتى إلى حدِّ التضادِّ المطلقِ)، فيعرِّفانِهَا من ثمَّ بطُوَيْرٍ مشتقٍّ من طُوَيْرَاتِ الطورِ الفمِّيِّ، بوصفِهِ أوَّلَ طورٍ نشوئيٍّ من بينِ أطوارِ التطوُّرِ اللبيديِّ والتطوُّرِ الأنَوِيِّ (ذلك الطورِ المهيمنِ في التَّمَارُسِ الحياتيِّ الفعليِّ لدى «القَنْبَلِيِّينَ» أكَلَةِ اللحمِ البشريِّ)، مما يؤدِّي بالمتماهِي إلى إضمارِهِ حساسيةً، أو أكثرَ، من حساسيَّاتِ النَوَسانِ المَسِّيِّ-الانقباضيِّ الجِدِّ خطيرٍ في مراحلَ لاحقةٍ. وفضلاً عن ذلك، تهيِّئُ ظاهرةُ التماهِي المحيطَ النفسيَّ لكي تمهِّدَ السبيلَ لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، هذه الظاهرةِ التي تصاحبُها صلةٌ لبيديةٌ موازيةٌ تقتضي أيضًا مَرْكَزَةً (نفسانيةً)، أو توظيفًا (نفسانيًّا)، ولكن يتطبَّعانِ، على الخلافِ، بطابعِ رابطٍ لانرجسيٍّ، أو «غيريٍّ»، من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُغَايِرِ». وبالتالي، ينزعُ تأثيرُ ظاهرةِ التماهِي إلى الإسهامِ في العكسِ الفعليِّ لتسيارِ ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ، فيحوِّلُ طابعَ تركيزِهَا (الطاقيِّ) النفسيِّ إلى طابعِ رابطٍ «نرجسيٍّ» من روابطِ «الاشتهاءِ (الجنسانيِّ) المُمَاثِلِ» (وكأنَّ ظاهرةَ التماهِي تتماهَى، أو لغةً «تدمجُ» نفسَها، في ظاهرةِ عقدةِ أوديبَ). يعني ذلك أنَّ الفارقَ الضمنيَّ بين الإضفاءِ المثاليِّ، إلماعًا إلى إضفاءِ المتماهِي توصيفًا مثاليًّا على شخصِ المتماهَى (فيهِ)، وبين التشييءِ اللبيديِّ، إلماحًا إلى اصطفاءِ المتماهِي شخصَ المتماهَى (فيهِ) كـ«شيءٍ لبيديٍّ»، إنَّما يناظرُ الفَرْقَ الصريحَ بين النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ، تلميعًا إلى نزوعِ المتماهِي نحوَ تَكَوُّنِهِ مثلَ كينونةِ المتماهَى (فيهِ)، وبين النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ، تلميحًا إلى نزوعِ المتماهِي نحوَ تَمَلُّكِهِ كلَّ كينونةِ المتماهَى (فيهِ)، بدلاً من تَكَوُّنِهِ مثلَهَا. من هذه الحيثيةِ، إذن، تُبدي ظاهرةُ التماهِي طبيعتَهَا الازدواجيةَ إبداءً أكثرَ جلاءً من خلالِ تحليلِ المعنِيِّ من الأعراضِ المَرَضيةِ النفسيةِ: إذ ليسَ للمتماهِي، والحالُ هذهِ، سوى أن يتماهَى في سمةٍ (تجريبيةٍ) جِدِّ خاصَّةٍ من سماتِ المتماهَى (فيهِ)، فحسبُ، في إبَّانِ تخلُّلِ العكسِ الفعليِّ لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ. وعلى ذلك، تتجلَّى هذه السمةُ (التجريبيةُ) الجِدُّ خاصَّةٍ باعتبارِهَا «دالاًّ» يتمُّ تمثيلُهُ كرمزٍ أصليٍّ (أو كمجرَّدِ «دالولٍ»، ليسَ إلاَّ)، فيتمُّ من ثمَّ إشرابُهُ تحتَ تأثيرِ التماهِي الرمزيِّ لكيما يدلَّ في آخِرِ المطافِ على «تماهِي المتماهِي في هُوِيَّةِ العَرَضِ» بالذاتِ، ولكيما يُوحِيَ، في هذا الآخِرِ، إلى تكوينِ ما سمَّيناهُ بـ«الدالِّ العَرَضيِّ» – على النقيضِ من التكوينِ الأبْكَرِ (والأقلِّ تطوُّرًا) لما دَعَوْنَاهُ كذلك بـ«الدالِّ المرآويِّ»، في طورِ المرآةِ. وهكذا، فإنَّ العكسَ الفعليَّ لظاهرةِ عقدةِ أوديبَ إنَّما ينبِّئُ، والحيثُ، بمستهلِّ تحطيمِهَا الحتميِّ (أي حلِّهَا وتفكُّكِهَا النفسانيَّيْنِ)، تحطيمٍ يبيِّنُ تبيانًا إذعانَهَا للكَبْتِ الأوَّليِّ، ويؤكِّدُ من ثمَّ تأكيدًا على أوجِ التصَارُعِ التنافَوِيِّ بينَهَا وبينَ ظاهرةِ التماهِي ذاتِهَا. أخيرًا، يسلِّطُ هذا التصَارُعُ التنافَوِيُّ بين الظاهرتَيْنِ، بدورِهِ هو الآخَرُ، جُلَّ الأضواءِ على المحتوى الذهنيِّ (العاطفيِّ) واللبيديِّ لماهيةِ «الأنا الشاهدةِ»، وعلى بواكيرِ جانبِهَا التطوُّريِّ أيضًا بوصفِهَا ماهيةً نفسانيةً لهَا خفيَّاتُهَا الباطنيةُ، من طرفٍ، ولهَا جليَّاتُهَا الظاهريةُ، من طرفٍ آخَرَ.

*** *** ***

المراجع

Abraham, Karl (1927): Selected Papers. Hogarth Press.
Freud, Anna (1937): The Ego and the Mechanisms of Defence. International Universities Press, Inc.
Freud, Sigmund (1900): The Interpretation of Dreams. Penguin Freud Library, vol. 4.
Freud, Sigmund (1905a): Three Essays on the Theory of Sexuality. Penguin Freud Library, vol. 7.
Freud, Sigmund (1905b): Fragment of an Analysis of a Case of Hysteria. Penguin Freud Library, vol. 8.
Freud, Sigmund (1920): Beyond the Pleasure Principle. Penguin Freud Library, vol. 11.
Freud, Sigmund (1921): Group Psychology and the Analysis of the Ego. Penguin Freud Library, vol. 12.
Freud, Sigmund (1924a): The Dissolution of the Oedipus Complex. Penguin Freud Library, vol. 7.
Freud, Sigmund (1925): Some Psychical Consequences of the Anatomical Distinction Between the Sexes. Penguin Freud Library, vol. 7.
Freud, Sigmund (1931): Female Sexuality. Penguin Freud Library, vol. 7.
Fromm, Erich (1979): To Have´-or-to Be. Abacus.
Lacan, Jacques (1953): Some reflections on the ego. International Journal of Psychoanalysis, 34:11-17.
Lacan, Jacques (1960-1): Le Séminaire. Livre VIII. Le Transfert. Paris: Seuil.
Lacan, Jacques (1966a): Écrits: A Selection. Trans. Alan Sheridan. Routledge (1997).
Lacan, Jacques (1966b): Écrits. Trans. Bruce Fink. Norton (2006).
Lagache, Daniel (1962): Pouvoir et personne. L’évolution psychiatrique, 1:111-119.

الحواشي

[1] قا: أبراهام، 1927.

[2] قا: فرويد، 1921، ص 134.

[3] من المرجَّحِ جدًّا أن يكونَ هذا الفارقُ الجوهريُّ بين «النُّزُوعِ التَّمَلُّكِيِّ» have-propensity وبين «النُّزُوعِ التَّكَوُّنِيِّ» be-propensity (هذا الفارقُ الذي وضعَ فرويد شبيهًا منطقيًّا لهُ، في حقيقةِ الأمرِ، ولكن بصَوْغٍ تقابليٍّ يختلفُ بعضَ الشيءِ في اللغةِ الألمانيةِ)، من المرجَّحِ جدًّا أن يكونَ مصدرَ الإلهامِ الرئيسيَّ لكتابِ أريش فروم «نملكُ أو نكونُ» (1979) – وهو الكتابُ الألمعيُّ الذي يفرضُ نفسَهُ قولاً وفعلاً، ولا مِرَاءَ في ذلك، على الرَّغمِ من أنَّ النسيانَ الجمعيَّ يكادُ أن يطويَهُ في هذا الزمانِ، ويا للأسفِ! في هذا الكتابِ، يسلِّطُ فروم الأضواءَ على أسلوبَيْنِ متمايزَيْنِ من أساليبِ الوجودِ، أسلوبَيْنِ من الأهميةِ والخطورةِ بمكانٍ في صراعِهِما التضادِّيِّ والتنافويِّ إزاءَ روحِ الإنسانيةِ، جمعاءَ جامِعًا: أحدُهُما «أسلوبُ التَّمَلُّكِيَّةِ» having mode، والآخرُ «أسلوبُ التَّكَوُّنِيَّةِ» being mode. فأمَّا أسلوبُ التَّمَلُّكِيَّةِ، فهو الأسلوبُ الوجوديُّ المهيمنُ في المجتمعاتِ الغربيةِ الصناعيةِ الحديثةِ (وكذاك في المجتمعاتِ الشرقيةِ اللاصناعيةِ التي تحذو حذوَهَا)، نظرًا لتركيزِهَا الرَّغَائبيِّ المفرطِ إفراطًا لاسَوِيًّا على القيمِ الدنيويةِ، من جهةٍ أولى (كما هي الحالُ في «الشَّغَفِ» المِتلافِ لدى المرءِ بتكديسِ رؤوسِ الأموالِ وتكويمِ الأملاكِ الخاصَّةِ، وما أشبهَ ذلك)، ونظرًا لتركيزِهَا الرَّغَائبيِّ الأشدِّ إفراطًا حتى على القوَّةِ الوهميةِ، من جهةٍ أخرى (كما هي الحالُ في استرقاقِ المرءِ نفسَهُ سَعْيًا وراءَ الحفاظِ على «المَرْهَصَةِ» الأكاديميةِ أو البيروقراطيةِ أو السياسيةِ أو حتى الاجتماعيةِ). وممَّا لا ريبَ فيهِ، بالتوصيفِ النفسانيِّ هنا، أنَّ أُسلوبَ التَّمَلُّكِيَّةِ هذا لَأُسلوبٌ وجوديٌّ تتجذَّرُ جذورُهُ في صفاتٍ وضيعةٍ بامتيازٍ، كالجَشَعِ والحَسَدِ والتملُّكِ عينِهِ، تلك الصفاتِ النموذجيةِ التي تتَّصفُ بها ما يُعرفُ بـ«الشخصيةِ الشرجيةِ» anal character، أو حتى بـ«الشخصيةِ الإستيةِ» بالحرفِ لا بالمجازِ. وأمَّا أسلوبُ التَّكَوُّنِيَّةِ، بالخلافِ الكلِّيِّ عن آنِفِهِ، فهو الأسلوبُ الوجوديُّ الذي ينبغي أن يكونَ الأسلوبَ البديلَ، في أيِّما مجتمعٍ غربيٍّ أو شرقيٍّ أو حتى بينَ بينَ، لأنَّهُ أسلوبٌ يتجلَّى، والحالُ هذه، في الاقتناءِ الجماليِّ الجمعيِّ للمتعةِ المَحْضِ من خلالِ التزاوُلِ الضميريِّ المشترَكِ ومن خلالِ النشاطِ البنَّاءِ فعليًّا، لا النشاطِ الهدَّامِ بأيٍّ من أشكالِهِ الشُّؤْمَى. وممَّا لا شكَّ فيهِ، بالتوصيفِ النفسانيِّ كذاك هنا، أنَّ أسلوبَ التَّكَوُّنِيَّةِ هذا لَأُسلوبٌ وجوديٌّ مبنيٌ في الأساسِ على بِنَى الحُبِّ الإنسانيِّ اللامُتَغَرِّضِ (أو بِنَى الحُبِّ الإلهيِّ في حدِّ ذاتِهِ، حقيقةً، بغضِّ الطَّرْفِ عن أيِّ اعتبارٍ دينيٍّ تدَّعيهِ جماعةٌ أو يزعُمُهُ فردٌ)، ومبنيٌ في الأساسِ بالتالي على اسْتِبْنَاءِ تَسَامِي القيمِ الإنسانيةِ كلِّها، دونَ أيٍّ من تلك القيم الدنيويةِ الوضيعةِ (انظرا، أيضَا: فرويد، 1921، ص 135).

[4] قا: فرويد، 1921، ص 136.

[5] قا: فرويد، 1905 ب، ص 119 وما يتبعها.

[6] قا: لاكان، 1– 1960، ص 431 وما يتبعها.

[7] قا: لاكان، 1953، ص 12؛ لاكان، 1966 آ، ص 22 وما يتبعها؛ لاكان، 1966 ب، ص 95 وما يتبعها.

[8] فيما لهُ مِسَاسٌ بتسيارِ العملِ الذهنيِّ، على وجهِ التحديدِ، ثَمَّةَ في التنظيرِ اللاكانيِّ ثلاثةُ مناظمَ أساسيةٍ يُمكنُ إيضاحُها باختصارٍ شديدٍ، على النحوِ التالي: أولاً، «المَنْظِمُ الخياليُّ» imaginary order: يدخلُ في مجالِ هذا المَنْظِمِ عالَمُ المداليلِ (أو المدلولاتِ) وينشأُ فيهِ، بدئيًّا، نوعُ التعالُقِ النرجسيِّ (الثنائيِّ) بين الأنا والصورةِ المرآويةِ (الخياليةِ) في طورِ المرآةِ، ذلك التعالُقِ الذي ينبني في الأساسِ على بِنَى الوهمِ والإغراءِ والمظاهرِ الخادعةِ. ثانيًا، «المَنْظِمُ الرمزيُّ» symbolic order: يدخل في مجالِ هذا المَنْظِمِ عالَمُ الدوالِّ (بدلاً من عالَمِ المداليلِ) ويتكوَّنُ فيهِ، بعدئذٍ، شكلُ التعالُقِ اللانرجسيِّ، أو «الغيريِّ» (التضادِّيِّ)، بين الأنا والآخَرِ (المرئيِّ أو اللامرئيِّ) في إطارِ خطابِ اللاوعيِ، ذلك التعالُقِ الذي ينبني في الأساسِ على بنيةِ، أو بِنَى، الرَّغَبِ (الأوَّلِيِّ) في أثناءِ سَرَيانِ عقدةِ أوديبَ، نظرًا لافتقارِ الدوالِّ إلى الوجودِ الإيجابيِّ، في واقعِ الأمرِ. ثالثًا، «المَنْظِمُ الواقعيُّ» real order: ينتمي إلى مجالِ هذا المَنْظِمِ عالمٌ يناقضُ المَنْظِمَ الخياليَّ بمداليلِهِ ويقاومُ المَنْظِمَ الرمزيَّ بدوالِّهِ في آنٍ واحدٍ، فيوحي في نهايةِ المطافِ إلى استحالةِ القولِ الحقيقيِّ بوجهِ العمومِ، استحالةٍ مردُّهَا، في الأصلِ، إلى كونِ المدلولِ ذا طبيعةٍ زائفةٍ، من طَرَفٍ أوَّلَ، وإلى كونِ الدالِّ ذا طبيعةٍ سلبيةٍ، من طَرَفٍ ثانٍ.

[9] قا: لاكان، 1966 آ، ص 2 وما يتبعها؛ لاكان، 1966 ب، ص 76 وما يتبعها.

[10] قا: فرويد، 1924، ص 320 وما يتبعها؛ فرويد، 1925، ص 332 وما يتبعها.

[11] قا: فرويد، 1924، ص 319.

[12] قا: لاكان، 1966 آ، ص 2؛ لاكان، 1966 ب، ص 76.

*** *** ***

دبلن، 1 آب 2019



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وسَلْبِيَّاتُهُ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (4)
- يَا نِسَاءَ ٱلعَالَمِ ٱتَّحِدْنَ (3)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذَا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (2 ...
- رَسِيلٌ يَفَاعٌ إِلى هَذا الوَطَنِ العَرَبِيِّ الجُزَاعِ (1)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (8)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَاْ، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (7)
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلكَاتِبُ ٱلمُوسِيقِيُّ: شِقَاقُ &# ...


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غياث المرزوق - التَّمَاهِي: إِيجَابِيَّاتُهُ وَسَلْبِيَّاتُهُ (2)