|
قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 4
ليندا كبرييل
الحوار المتمدن-العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 00:23
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أرجو من القارئ الكريم التفضّل بالاطلاع على المقالات الأربعة السابقة لربْط الأحداث . في ملحق هذا المقال تجدون الروابط، وشكراً.
الموضوع يتناول جدالاً حاداً بين مجموعة من الأجانب، حول عقبات الاندماج الثقافي التي تُواجِه الإنسان في بلاد الغربة، وما تشهده أوروبا من رياح التغيير الشديدة مع تدفُّق الهجرة.
كادت السيدة الصومالية تتراجع عن دفاعها الحماسي عن عقيدتها الدينية في مواجهة زملائها العلمانيين ( اليمينيين الملحدين ) كما وصفتهم ؛ فرغم تفانيها في الذَوْد عن منطلقاتها العقائدية، ما فتئوا يعتبرون الدين الإسلامي عقبة في طريق اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية، بدعوى أن مبادئه تتناقض مع حقوق الإنسان . إلا أنها تشبّثَتْ بأملها الأخير، وظنّتْ انها ستحوز قَصَب السبْق في جلسة النقاش المُحتدِم.
قالت للصقور العلمانية في غَيْظ : ــ أنتم أبناء العلمانية لا تحافظون على شرف دستوركم الذي يكفل الحرية الشخصية، إذ تَخْرقونه بكل وقاحة وعناد ؛ مثلاً .. هل يدلّ على الانفتاح والتضامن تأييدكم حظْر بناء مآذن للمساجد الجديدة ؟ انظروا أيضاً كيف تحاربون الحجاب، وكيف تتعرَّض نساؤنا للتحقير والتحرُّش العنصري ! وأنتم تعلمون أنه فَرْضٌ علينا من الله حِفاظاً على العفّة ودَفْعاً لأسباب الأذَى من الرجل المفتون، ولِ .... قاطعها الإنكليزي : ــ كيف أصبر كرجل يشتهي نعيم النساء ؟ أجابته السيدة الأفغانية : ــ التقوى، وغضّ البصر إلا لما أُبيح لك، والصابرون في الدنيا ستكون لهم جوائز الجنة، أعدَّ الله للمؤمنين من نِعَمِ كاملات الأوصاف من نساء الجنة ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، ويُعطَى للرجل من النساء على حسب أعماله الصالحة في الدنيا، وقوة مئة رجل! صاح الإنكليزي في دهشة : ــ جنس في الجنة ؟ وأمام الله ؟! لم تحتمِل اليمنية المُنقَّبة هذا التفسير فسارعتْ إلى التصحيح : ــ لا لا .. ليس كالجنس الموجود في الدنيا، الجنّة مُنزَّهة عن العلاقات الدنيوية. قهْقهَ الإنكليزي حتى دمعت عيناه، ولما تماسك قليلاً ردّ بصوت متقطِّع من شدة الضحك : ــ إذا أقنعْتِ المسلم بهذا القول فسيَرْتدّ كل الرجال عن الإسلام .. ههههه وأوّلهم زوجك، هههههههه! لكن الصومالية ردتْ على اليمنية بصرامة وحِدّة : ــ هذا إنكار لما جاء في الكتاب والسنّة وقولك غير صحيح. ثم نظرت الصومالية إلى الجمهور وتابعت ملاحظتها عن الحجاب وقالت : ــ المرأة، الأشدُّ فتنة على المسلم، وفتنتها أعظم من إغْواء الشيطان للإنسان بما يبدو منها من المحاسن المثيرة للغرائز ؛ اِلْتزامُ الأنثى الشريفة بالحجاب يعني امتثالها لأوامر دينها بإخفاء المُغرِيات.
رفعتْ السيدة التركيّة يدها طالِبةً المداخلة، فقالتْ للزميلة الصومالية : ــ لا شك أن الرموز التي تعبِّر عن الانتماء الديني أصبحت من أكبر القضايا الشائكة في أوروبا . قد يتعامل الغرب بشيء من التفهُّم مع الحجاب، لكنه لا يتسامح أبداً مع النقاب. زميلتي الصومالية : هل تنسبين الأذى والسيئة إلى الله خالق المرأة ومُقرِّر مصيرها، بشَيطَنة المرأة ووصْفِ فتنتها أعظم من إغواء الشيطان !؟ ثم .. لماذا تكون المرأة الأشدُّ فتنة على المسلم كما قلتِ، وليست فتنة على الغربي الأجنبي ؟ هل المسلم طرطور مهبول تَخْتبِله امرأة؟ هل صانَ الحجاب أو النقاب هذا البهْلول من السوقِيّة وارتكاب الفواحش على طول عهود حجْب المرأة؟ هل صانَ الصوم أو الصلاة أو الحج هذا الكركوز من المجون وانتهاك المُحرَّمات؟ هل الادِّعاء أننا أهل الصراط المستقيم وخير الأمم حَمَى الطراطير من الانحدار السلوكي؟ من المستغرب حقاً انتشار الإسفاف الأخلاقي على أرض القداسة الزائفة حيث يعضُّ المؤمنون على شعائرهم بالنواجذ ! قبل أن ترموا الغرب بالموبقات، اِلْتفِتوا إلى مأزق مجتمعاتنا المؤمنة التقيّة التي تغمرها الفاحشة .. وإذا كنتم تصفون الغربيين بالفجور فهذا لأنكم تهربون من حقيقتكم المُرَّة، وتلصقون عيوبكم بالآخرين لعلكم تتخفَّفون من الشعور بالمصيبة. في الغرب تجري العلاقات بين الجنسين بموافقة الطرفين وبإرادتهما الحرّة، ومَنْ يشذّ عن القانون أو يعتدي على حرمة إنسان فالعقوبة الصارمة بالمرصاد .. هاتوا القانون الديني الذي يَسترِدّ به المُعتَدَى عليه حقوقه المهدورة في بلاد الشرق! صاح الألماني : ــ الجلْد والرجم وقطع اليد وتزْويج المُغتصَبة بِمُغتصِبها وإعادة الصلاة إذا مرَّ حمار أو امرأة أمام المُصلّي! ضجّتْ القاعة بالضحك.
تابعت التركية : ــ الأوروبيون ليسوا أغبياء فهم منْ كتبوا تاريخنا، ويعلمون تماماً أن الحجاب لم يأتِ به الإسلام، لأنه كان عادة معروفة في الحضارات الأقدم بكثير من الإسلام، حيث كان مفروضاً في العصر الآشوري على نساء الأشراف لِتَمْييزهن عن نساء العامة. ولاحِقاً، أخذ الإسلام الفَتِي بهذه العادة وبنفس المقصد، لأسباب تدعو إلى الاحتشام عند خروج نساء النبي لقضاء الحاجة، للتمييز بين الحُرّة والجارية، وأيضاً بقصْد توجيه الصحابة والمؤمنين والغرباء، إلى طريقة التعامُل مع زوجات الرسول من خلف ستار أو حجاب كوسيلة أطْهر لقلوب الجميع. ما نفهمه من تحليل الآيات التي وردت فيها كلمة الحجاب أنها لم تَعْنِ به ( غطاء الرأس ) أبداً .. وإنما الستار أو الحاجز، لكن المشكلة في الأذهان، التي لم تعد قادرة على القراءة التحليلية المُبْصِرة لدور صحابة النبي في أسباب نزولها، والعقول الخادِعة التي تُضَلِّل بتفسيرات بشرية، لِاخْتِلاق فروض دينية تخدم مصالح ذكورية.
توقفتْ التركية لتأخذ جرعة ماء، ثم تابعت بصوت قوي تشُوبه نبرة الغضب : ــ أنا المُسلمة، أرى أن الحجاب شعار تَمْييزي، هدفه تقزيم المرأة، ساهَم المُدبِّرون المَكَرَة بغسيل دماغها بإقناعها أن الحجاب فضيلة، ودورها في المتعة والإنجاب تكريم لها، وختانها عفة وشرف لها ولعائلتها وأمر من الله ؛ أيُعقَل أن يخلقها الله بهذا الشكل ثم يطلب من عباده تعديل صنعة يديه ؟ هذا مضحك. آية الحجاب أيضاً لا علاقة لها بالعفة، ولم تُولِ العناية لِوقاية المجتمع من الفواحش .. أبداً ! ذلك أنها حصرتْ سبب الستْر بطبقة الحرائر لا بغيرهنّ، فجاء الحكْم بتغطية أجسامهن ليتميَّزْنَ عن سمات الخادمات الجواري، لماذا ؟ كي لا يتعرَّض فاسِق للشريفات المُنَعَّمات بأذى ! الرعاع إذا رأوا رأس الشريفة مُغطّى بالحجاب تحاشوا الاقتراب منها، فالحجاب هنا قانون يحمي القوي، لافِتة تقول : قِفْ ! حجاب، ممنوع الاقتراب .. منطقة حريم عسكرية ! إذا خطر لك أيها الفاسِق انتهاك الأخلاق أو هتْك عِرْض امرأة إليكَ السافرات من الخادمات والجواري حتى لو كنَّ يقضينَ الحاجة! نحن هنا في مجتمع عبودي تمييزي ليس مَعْنِيّاً بعفَّة الجواري، ولا بما سيتعرَّضْنَ له من تحرُّش السفلة والأراذل ؛ فقد كان من المشروع في أسواق النخاسة أن يتم فحْص الأَمَة أو الجارية ( المسلمة )، بتقليب الثدي ومسّ العَجُز والنظر إلى ساقيْها وقد حاضتْ وأنبتت ! لم تتطرَّق آيات الحجاب إلى طهارة قلب المرأة أو إلى دفْع المفاسد والشهوات (عن كل النساء) كما يقنعونا ؛ أليست الجاريات مصدراً للفتنة والفاحشة ككل النساء ؟ فلماذا لم يُطبَّق حكم الحجاب على الجميع طلباً للعفة والحشمة إذاً ؟ ألنْ يَتَسبَّب انْتِهاك الجارية إخلالاً علَنِيّاً بالآداب الإسلامية ؟ أمِن العدالة سَتْر الحرّة وكشْف العبدة ؟ أمِنْ مكارم الأخلاق تسهيل التحرُّش بالمرأة حتى لو كانت جارية أو أمة ؟ يا زميلاتي المحجبّات : إذا شاءتْ إحداكنّ أن تستند في حُكْم ما إلى المقدَّس، فلْيكُنْ برهانها ساطعاً جلِيَّاً ؛ فنحن في حضرة الله الذي فرضَ على المسلمين في كتابه الكريم أحكاماً قاطِعة، وأوامر بيّنة لا لَبْس فيها ولا جدال أو تشكيك، ولا تحتاج إلى شروح بشرية إضافية.
انبرتْ السيدة الأفغانية للاعتراض فقالت : ــ الشروح البشرية هي تفاسير العلماء، الذين بيّنوا لنا ما في القرآن من الأحكام لتوضيحها للعامّة، وإحاطتنا بالكنوز الروحية التي خفيت على عقولنا، فهم المُبْلِغون عن الله ونبيّه. أجابتها التركية : ــ ما نعرفه أن الله قد جعل أوامره مُقترنة باللفظ الصريح الذي لا يَخفَى على عقل وقلب، فجاءت منصوصاً عليها بالدليل القطعي في القرآن، كالقول القدسي " لا تشرِكوا بالله شيئاً " أو "وأقيموا الصلاة " أو " الخمر والميسِر رجس فاجتنبوه " أو " لا تجَسَّسوا " ... منْ الذي لا يفهم معناها ؟ إذا كانت مثل هذه الأحكام الجلِيَّة تحتاج إلى تفاسير العلماء لإحاطتنا بما فيها من كنوز روحية، فهذا يدلّ على غباء الأمة الشديد، ولَدفعني إلى أن أشكّ في القول إنه قرآن مبين. الآيات المصحوبة بالدليل القطعي، يكون وجوب تنفيذها مدلولاً لصيغة الأمر الجليّ والنهي المبين والتحريم الصريح . آية الحجاب واضح تماماً أنها جاءت حكماً مُخصَّصاً بطائفة نساء النبي، ولا ينطبق أمر الاستتار على الجواري والإماء (المسلمات)، ولو كان الحكْم في المطلق لما لَجَأ الخليفة إلى ضرْب الجواري بالدّرَّة إذا اسْتترْنَ تَشَبُّهاً بالحرائر المُحصَّنات، ولما سمح لهن بخدمة المؤمنين من زُوّاره كاشفات شعورهن، حتى تستمتع العين الوقحة التي لا تعرف غضّ البصر ! لو كان الحكْم في المطلق كما يدَّعون لأنْزَل الله الأمر باللفظ الصريح البيّن، دون توكيل شرْح الحكم إلى عقول بشرية قد تخطئ وقد تصيب، وما أكثر ما أخْطؤوا وما أكثر تضارُب تفاسيرهم للآيات والأحاديث ! هذا التضارُب المُفْزِع الذي يسمح الآن لزملائنا العلمانيين الملحدين بِنقْد ديننا وتوجيه سهامهم للعلماء. دوتْ القاعة بتصفيق حاد، إلا أن التركية رفعت يدها وقالت : ــ عفواً لي ملاحظة أخيرة، علينا ألا ننسى أن آية الحجاب نزلت في العهد المديني، أي لم يكن الحجاب مفروضاً بَعْدُ على النساء في بداية الدعوة!!
كان الحاضرون يصغون إلى التركية بانتباه وتركيز، التفتتْ إليهم وتابعت وهي تهزّ رأسها بأسف : ــ هذا كان حُكْم العدالة الذي تناقلتْه الأجيال حتى وصل تقليد الحجاب إلى العصر الحديث، لِتجعله الميديا الإسلامية فرضاً إلهياً على المرأة، طلباً لطهارة قلبها ولِدَرء أشدّ الفتن على الطراطير الكركوزات، وصدِّ الفاحشة عن مَنْ لا حول له ولا قوة .. إلا في الجنة حيث أُعْطِي قوة مئة رجل ! ليت الله أعطاه بعض القوة على الأرض ليجاهد غرائزه المنفلِتة كما أعطى المرأة لنكون كلنا سواء، ودون الحاجة إلى حجاب أو نقاب .. ووصل المَكْر ببعض الشيوخ إلى القول إن الله وعَدَ المُحجَّبات بمساكن طيبة في الفردوس، وأنهنّ سيَرِثْنَ منازل السافرات المشركات التي كانت لهن في الجنة! التفتتْ التركية إلى زميلاتها المحجبات المُمْتعِضات وقالت لهنّ مبتسمة : ــ مباركة جوائزكنّ السماوية .. منازل الذهب والياقوت. ثم تابعت مداخلتها : ــ وانتقلنا من عصر التمييز بين النبيلة القوية الشريفة، والجارية المُسْتَضْعَفة المُهانة، إلى عصر سادَهُ الفكر المنغلِق، أسَّس فيه خِطاب المتشدِّدين لِصِدام مع كل ثقافات الأرض ؛ فهم يهدفون إلى تحقيق عالميةِ الشريعة بالدعوة إلى الاستعْلاء على كل شريعة بشرية تُؤسِّس مبادئها (للتعدُّدِية والحريات)، كالعلمانية مثلاً، لأنها تعني التمرُّد على سلطان الله وأحكامه للبشر. انبرتْ الفرنسية للاعتراض فقالت : ــ هذا يعني : إما أن ننصاع لثقافة حلالكم وحرامكم فتزول أسباب العداوة، وإما الصراع إلى الأبد. أجابت التركية : ــ نعم، صحيح . المشكلة في اعتبار ثقافة الحلال والحرام ضرورة دينية، على المؤمن أن يسعى بنشاط لِنشْرها في العالم، وهذا ما يعمل عليه تيار الإسلام السياسي بشكل محموم استعداداً لليوم القريب الذي سيحتلّ فيه الصدارة ؛ ذلك أن دراسة ديموغرافية أميركية، كشفت مؤخراً أن الإسلام هو الأسرع نمواً في العالم، وسينتزع ترتيب الصدارة من المسيحية بحلول عام 2060. سمعتُ صوت السيدة اليمنية المنقَّبة تقول بالعربية ساخرةً : ــ خيَّبكم الله .. اِنْفَلِقوا بِحقْدكم ! رمقتْها التركية بلامبالاة وتابعت : ــ نقف الآن على أهم الأسباب المُعيقة لاندماج المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية ؛ مجموعة بشرية لا تقبل التعايش مع الآخرين إلا ضمن نسقها الأخلاقي الديني، ولا ترضى إلا بتغيير عشرات الشرائع على سطح الأرض التي تتصادم قوانينها مع أحكام الإسلام، فما العمل لتحقيق التعايش السلمي؟
فجأة سمعنا ضجّة وصوت قرْعٍ شديد، التفتنا لِنرى السيدات المحجبات يَقْرَعْنَ بالملاعق على الطاولات بهدف التغطية على صوت التركية . تدخّلتْ مديرة الندوة فوراً، وطالبت الزميلات بالهدوء أو بالمداخلة والاعتراض أو بالانسحاب . وفعلاً انسحبت السيدة الشيشانية، وعاد الهدوء، وعادت التركية لإكمال حديثها . قالت : ــ الغرب يحارب الحجاب لأنه يَمْتهِن كرامة المرأة، بافْتِراض كل منْ لا تلبسه كافرة فاجرة، واعتبارها مسؤولة عن تَهْييج غرائز الرجل كونها مصدر إغواء وتضليل. طلبت الإيرانية الجميلة المداخلة فسألتْ وهي تمسك طرف حجابها : ــ تُرى .. هل قطعةُ القماش هذه على رأسي، يمكن أن تلْجُم رغبتي إذا أردتُ الانْحِلال بإرادتي ؟ وهل يُعقَل أن تقمع هذه القطعة شهوات الرجل وجموح غرائزه ؟ أليس مسؤولاً هو أيضاً عن انفلاته اللاأخلاقي ؟ من العجب أن يسيل لُعاب هذا النمرود الجبار من رؤية خصلة شعر! قالت مديرة الندوة بهدوء : ــ الحجاب شعار ديني مُميِّز يتناقض في الواقع مع مبدأ المساواة والمواطنة العلماني، الذي يقتضي التفاف الناس حول العمل الجماعي والمساهمة في تحقيق غايات مشتركة ؛ ذلك أن المرأة المُحجَّبة تلتزم بسلوكيات خطيرة كرَفْض المصافحة والاختلاط والخَلْوة، وهذا يعني للغربي : التهميش والانغلاق والحرب على الآخر المخالِف، وهذا ليس مقبولاً في عصر التضامُن.
هتفتْ السيدة الألمانية بغضب : ــ يعلِّمونهم أن السافرة المتبرّجة فالِتة، مصيرها الذِلَّة على الأرض، ونار جهنم، ألا تجدون في هذا القول إرهاباً؟ فردّتْ السيدة الأفغانية بصوت أعلى وأشدّ غضباً : ــ إنما الذئاب تأكل من الغنم الفالِت!
قالت مديرة الندوة الجزائرية الأصل : ــ الحجاب سلاح يُوظَّف لِخدمة عقول لها أهداف ومخططات بعيدة . يجب أن نعترف أن الصخب الإسلامي حول الحجاب، تقف وراءه جماعات الإسلام السياسي الطامِحة إلى بسْط سلطانها وأسْلمة المجتمعات .. نحن في عصر الإعلان وليس هناك وسيلة أفضل من دعاية متحرِّكة بالصوت والصورة كالحجاب، والْتقَى الهوى السياسي والتجاري على رأس المرأة ؛ فالتاجر يحتاج إلى المُستهلِك لتسويق بضاعته أي المرأة، ومن مصلحته أن يضع ثِقَله لصالح التيار المتطرِّف الساعي إلى تغطية النساء. مالتْ التركية على زميلتها الجزائرية وربتت على كتفها مُسْتَحسِنةً إشارتها وقالت : ــ إشارتك محور القضية ؛ أصحاب الدين السياسي، وأصحاب العقل التجاري، يترافقان في طريق واحد : الفكر منكم والوسيلة منا! لاحِظوا من فضلكم كيف يترافق انتشار الفكر المتطرف مع ازدهار تجارة العباءات والحجاب (صكّ العفة )، وصناعة المنتجات الغذائية الحلال، والسياحة الحلال، ومستحضرات التجميل الحلال، وكاسيتات الغناء الحلال، والأزياء الحلال والبنوك الحلال والدواء الحلال! نشاط اقتصاديّ يجني أصحابه مرابِح هائلة تُحسَب بالمليارات، هرع إليها رأس المال الغربي ليشارك في الوليمة، وبدأ ينافس على تقديم الصناعة الحلال!
وقفت الأفغانية مُستاءةً من أقوال زميلتها التركية المسلمة، وقالت لها بلهجة الواعظين : ــ يؤسفني أن تقلِّدي الأعداء في مواقفهم وأنت المسلمة ؛ هؤلاء يتربّصون بعفّتنا ولا يغيظهم إلا التزامنا، يريدوننا لعبة في أياديهم العابثة، ويَسْتَميتون لتحرير المرأة من الحجاب .. نحن ندافع عن إيمان بالأمر الشرعي، فالمرأة كالجوهرة المصون في حجابها. ــ يبدو أنه لا جدوى من الحوار مع منْ تمّ غسْل دماغها، فأصبحت مقتنعة أنها في حجابها كالجوهرة المصون وكاللؤلؤة في صدفتها. ردَّت السيدة الصومالية : ــ أنتِ تسايرين العاريات المتبرِّجات في الأزياء والموضة، لا تنهزِمي أمام ضغط الواقع يا أختي، إنهم يتآمرون على هدم ركيزة الأسرة والمجتمع بإفساد المرأة، فلا تُقلِّدي الكافرات التقليد الأعمى كمنْ لا عقيدة له.
كانت السيدة التركية تستمع إلى الإرشادات وهي تقلِّب وجهها بين الزملاء لرصْد ردود أفعالهم، فلم تلقَ إلا الوجوم . قالت للصومالية : ــ أنا مسلمة لكني سافِرة، وليس الأمر تقليداً للغربيّات كما اتَّهمْتِني في جلسةٍ سابقة من أسبوعين ؛ كنتِ حينذاك تنتقِدين ظهور خُصْلة من شعر زميلةٍ لكِ من تحت حجابها، فردَّتْ عليكِ بجفاء بأن تَنْشغِلي بِشَعْر التركية المَفْرود كالشلّال ! هل تذكرين؟ شخصياً أرى أن المحجبات خصوصاً، هنّ الساعيات السَعْي الحثيث لتقليد الغربيات الكافرات في السلوكيات والتبرُّج وموضة الأزياء، التي لم يعرفها الإسلام ويَعُدُّها بِدَعاً وفتنة يُحذِّر الشرعُ من اتِّباعها، بوصْفها إحدى وسائل نشْر الفاحشة، اخترعها الغرب لِينْشغِل المؤمن عن العبادة كما نسمع. إن قُلْتم إن الحجاب حافِظ للعفة والحشمة أردّ بالصوت العالي : إنه دعاية عَلَنيّة للفتنة والانحراف! فقد تجاوزت المسلمة الحشمة وأهملَتْ الغاية الحقيقية من الستْر، وهي العفّة ودفْع الأذى الذي يمكن أن ينالها من الرجل، عبر التفنُّن في عمليات التجميل والماكياج والإكسسوارات والثياب المثيرة المرافِقة للحجاب! الحجاب نفسه خلَقَ المزيد من الإلهام الفنّي، وتتسابق المسلمات ذوات التقوى والعفاف والحياء على التنافُس في تنسيقه وزركشته كدعوة صامتة لٍلفْت النظر وإغراء الرجل! ومع تسارع ظاهرة خلع الحجاب، غضَّ شيوخ الزهْد والفضيلة النظر عن تطوير الحجاب التقليدي العجائزي، لِيَتَبَنّوا حجاب الموضة كعنصر فني جماليّ يستقطب النساء، متجاوِزين الأمر الإلهي بالستْر لدرْء الفتنة، ولا يهمّهم سوى أن تغطّي المرأة شعرها!
توقّفت التركية لحظات انتظاراً لردّ أقوالها، فلم يرتفع صوت، فتابعتْ : ــ لستُ مُحجَّبة لعدم قناعتي بتبرير أن الحجاب طهارة لقلب المرأة ومانِع للإثارة والإغراء ؛ فالبهْرجة التي تَظْهرْنَ بها مع أحْجِبتكنَّ المزركشة أشدّ إثارة للفتنة من شعري المكشوف الجميل المُسترسِل .. أيُمكِنُ أن تكون قطعة قماش مقياساً لفضيلة الأنثى ؟ مهْزَلة ! أنا عفيفة في ضميري وسلوكي وبدون حاجة إلى الحجاب، أدفع الأذى عن نفسي بنفسي، فأنا ألعبُ الكاراتيه بمهارة وأستطيع أن أطرح رجلاً على الأرض لو امتدتْ يده على شعرة من رأسي ! كذلك يُفترَض أن تكون قوانين الدولة صارمة لردّ الرعاع عن أذية المواطنين. ثم أسأل : إن كان لدينا أمر إلهي بغضّ البصر، فَلِمَ الفتنة ؟ اسْألوا عن المرض في قلب الرجل، ولا تضعوا المسؤولية على المرأة فحسب .. لماذا لا نُطالِب بتَحْجيب الرجل الذي يثير فتنتنا نحن النساء!؟ قالت اليمنيّة المُنقَّبة : ــ هل نحن في حِصّة لتلقين الأخلاق ؟ ردّتْ التركية : ــ حصَّة لا تكفي، نحتاج إلى مؤتمرات لتشريح المشكلة .. الحجاب للنساء رسالة مَرْئيَّة للرجل يسْعَيْنَ وراءها لإغرائه، وتَحْجيب النساء مهمة عظيمة الشأن للتيار المتشدِّد، يسعى وراءها لإنجاز برامجه السياسية بوكلائه في بلاد المهجر.
ردّتْ ذات الخمار الأزرق بخشونة على السيدة التركية : ــ أدعو لكِ بالهداية إذا كنتِ غير مُبْصِرة بالتكريم الذي خَصَّك به الله وشَرَّفكِ، لكن هذا لا يعني أن تَطْعَني بِدَور علمائنا القياديّ وفضْلهم علينا. الحجاب أمْر من الله، وعلينا أن ننقاد لأحكامه مهما كانت شاقّة .. فقهاؤنا الأجِلّاء يَهْدون من ضلَّ ويقودون الأمة في طريق الحق . وأما عن مظهر المرأة الحديث، فالموضة أجرتْ على الحجاب الكلاسيكي إضافات تجميليّة، ساهمَتْ في إعطاء صورة إيجابية للحجاب، أدّتْ إلى إقبال فتياتنا وحتى المرأة الغربية على ارتدائه، وهذا دليل على مرونة الإسلام ومقدرته على مسايرة تطورات العصر. رفع الإنكليزي يده طالباً بإلحاح المداخلة، وقال متعجباً : ــ كنتُ أظن أن الأوامر الإلهية ثابتة لا اجتهاد فيها ولا تُسايِر تطوّر الزمن . ومسايرتها لتطورات العصر كما تقولين يعني لي، أن الدين متحرِّك متغيِّر يخضع لأهْواء الإنسان ولظروف العصر، وعندها لا مفرّ من القول إنكم ستقعون في مخالفة دينية خطيرة تنال من الدين ذاته! فأجابته سيدة الخمار : ــ ما دامت المرأة مُلتزمة بالمواصفات الشرعية للحجاب فلا ضرر من هذه التعديلات الفنية. ردّتْ التركية بهدوء : ــ هذا ما لم أكن أتمنى أن أسمعه من سيدة مُلتزِمة ؛ الإضافات التجميلية والتفنُّن في أشكال الحجاب، دليل على الاهتزاز النفسي للمرأة أمام إغراءات الحياة الدنيا ؛ المسلمة عن سابق قصد وتصميم اختزلتْ معنى الحجاب بقطعة قماش تغطي رأسها وكفَى ! أما عقلها، وأما جسدها، فهي لا تريد الاعتراف أنها تلهث بانبهار وراء ما يبدعه العقل الغربي، وتجهد في تقليده والإضافة عليه لإرضاء الذكور ! الأحجبة والأزياء لم يعد لها علاقة بالعفة والحياء بما أُدْخِل عليها من خطوط الموضة، لإبهار العيون بالألوان والماكياج والأكسسوارات، فباتتْ أشد إثارة من السافرات، مما يتعارض مع المعنى الشرعي الذي أراده الله للمرأة عندما أمرها ألا تُبدي زينتها إلا لزوجها! ثم أسألكِ : لِمَ الاختلاف الفقهي في شرعيّة الحجاب منذ القدم وإلى اليوم ؟ ولِمَ يصبح الحجاب المظهر السائد في زمن ثم ينزوي أو يختفي في زمن آخر، ثم يعود في طَوْرٍ جديد إلى الظهور والهَيْمنة كما هو الآن ؟ ولِمَ أراك محجّبة وزميلتك اليمنية مُنقَّبة ؟ أيّ المظْهرَيْن على صواب ؟ ولِم رأينا زميلتك السعودية قبل أسبوعين ترتدي نقاباً بعين واحدة؟ الدين نظام شامل يتغلغل في طبقات حياتنا الروحية والمادية، ويتحكّم من كل الجوانب في تربية البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام ؛ فأيّة هدايةٍ هذه التي تَنْكشِف فجأة بعد غَطيط فترتدي المرأة الحجاب في مرحلة، ثم تكتشف بُطْلان مبرراته في مرحلة أخرى فتخلعه !!؟ يتبع
للمراجعة :
حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن! http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642117
أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟2 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642476
حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642776
لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا! 4 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=643505
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟ كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات
#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا!
-
حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
-
أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟ 2
-
حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!
-
لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
-
الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
-
لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
-
اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
-
جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
-
الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
-
اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
-
هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
-
هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
-
كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
-
ورحلتْ مينامي في التسونامي
-
زوروني .. حرام تنسوني بالمرة..
-
طار صواب المتديّنين، وظلّتْ ( هاراجوكو ) متألقة !
-
النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.
-
الضمير الذي لا ينام : الأحلام.
-
لِيحْتفِظْ بوذا بجنّته لنفسه !
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|