|
المعبد الأبيض في تايلند
طارق حربي
الحوار المتمدن-العدد: 6306 - 2019 / 7 / 31 - 15:28
المحور:
السياحة والرحلات
كتاب الأسفار الآسيوية Asia Travel Book تايلند لاوس كمبوديا فيتنام 1- تايلند THAILAND المعبد الأبيض (وات رونغ خون) في إحصاء لافت يوجد في تايلند حوالي 32000 معبداً في المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة والقرى والأرياف والحقول الزراعية وغيرها، لكن المعبد الأبيض ويبعد 15 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مدينة شيانغ راي الواقعة في شمال تايلند، ليس الأكثر أناقة وجمالاً بين المعابد البوذية كلها حسب، بل إن له فرادة الأسلوب وقوة التعاليم البوذية، فضلاً عن أنه يقع على نهر كوك ويوفر اطلالات خلابة على التلال، وقد بدأ العمل به في سنة 1977 وافتتح في سنة 1997 ، وصممه الفنان التايلندي البَصَريُّ الشهير (Chalermchai Kositpipat) وهو من مواليد شيانغ راي، وسوف يقوم - قرباناً لبوذا – إكمال بنائه من ماله الخاص، بعد وقف التمويل عنه!
وبدا المعبد من بعيد وأنا أركن دراجتي النارية آية من آيات الفن الحديث، لؤلؤة بيضاء تتكسر عليها أشعة شمس الظهيرة، فيشع المعبد المصنوع من الحجارة والرخام الأبيض والجص المزجج، ويشير الزجاج إلى حكمة الرب بوذا التي تضيء في أرجاء العالم. كما طُليَ المعبد كلّه باللون الأبيض أيضاً، ليَدلَّ كما أراد الفنان، على نقاء بوذا ونفوذ حكمته في أعلى درجات من النقاء والروحانية، وصولاً إلى مرتبة الاستنارة.
إن سطوع حكمة بوذا وطاقته الممتدة عبر الكون ونحو نصف مليار معتنق للديانة البوذية، والبعض يسميها فلسفة حياة لا ديانة، جعلتْ من اللون الأبيض رمزاً هادياً لتلجلج الروح بين منعطفات السلام والرغبة والسكينة والشهوة والسعادة!
هنالك جسر صغير لا عودة منه إلى الوراء يؤدي إلى المعبد ويدعى جسر الولادة، شُيّدَ فوق بحيرة تلبط فيها الأسماك الملونة، وفيها تنانين تقذف المياه من أفواهها لا الحمم، تمتد على جانبي الجسر منطقة دائرية تمثل المعاناة البشرية والجحيم، جماجم بشرية معذبة على رقاب مشرئبة، وأواني مرفوعة تطمع بالمزيد، والمئات من أيدي البشر المتحجرة مرفوعة، بعض من أظافرها مصبوغة باللون الأحمر!، طالبة المزيد من متع الحياة وشهوات النفس ورغباتها التي لا انقضاء لها!، تمثالان كيناريان لحماة البشر من الشرور ينتصبان على الجسر، نصف رجل ونصف طير، والكينار مما يَعتقدُ به التايلنديون في أساطيرهم.
يعبر الزائر الجسرَ عبوراً رمزياً في مسار التنوير البوذي من الجحيم الى الجنة، فَكُّ نير الشهوات واتخاذ العقل هادياً، وصولاً إلى غرفة الصلاة حيث صور بوذا التأملية، والحكمة التي تقول إن لدى البشر الطاقة الكاملة في الكفاح من أجل الحصول على أعلى معنى للوجود، فلا توجد عقبات أمام الوصول إلى السعادة القصوى!
تسعة مبانٍ يتألف منها المعبد المحاط بالنوافير الرقراقة، وهي المصلى والمعبد نفسه والصومعة وقاعات الدير والوعظ وإقامة الرهبان والتأمل ومتحف فني ومحرقة الجثث.
ويبقى المكان الوحيد المزخرف بعناية وغير أبيض في المعبد هو الحمّامات، ويمثل الجسم، أراد المصمم من وراء اعطائه لون الذهب، نقد المهوسين بجمع المال والثراء!، يقابله المعبد الأبيض ويمثل العقل!
إلى يمين المعبد ثمة بئر يمكن للزائر أن يرمي فيها قطعة من النقود ويتمنى ما يشاء في الحياة القصيرة!، وأشجار تتدلى من أغصانها رؤوس ووجوه شيطانية ومعذبة، وخرير المياه النازلة من علٍ وراء المعبد صورها الفنان بعناية، وفي طرف المعبد هنالك المحرقة، حيث الإنسان في البوذية ينتقل بعد حرق جثته إلى حياة أخرى وولادة جديدة، متطهراً من أوضار الحياة إلى أن يصل إلى مرحلة الاستنارة الكاملة، وغالباً ما يُذكَّرُ الحاضرون لحرق جثة ميت بأن الحياة مؤقتة، لكن العقل يعيش إلى الأبد!
زخارف الجص المزجج تُظهر عناصر التصميم في المعابد التايلندية الشمالية الكلاسيكية، وبينها أفعى النجا المقدسة في الحضارات الهندية والمصرية القديمة (رمز العلاج والحماية وقدرتها على التجدد في تغيير جلدها) والسقوف ذوات الطوابق الثلاثية، وآيات الفن المنتشرة على شكل زخارف بيضاء اللون في جميع أنحاء المعبد، مستوحات من المعتقدات البوذية وتعاليمها وتركز على مشاكل المجتمع الحديث.
الفنان الذي غيرت البوذية حياته وجعل البياض مطلقاً في عمله الفريد، استلهم الأمة والدين وحياة المَلِكِ (الملك التايلندي بوميبول أدولياديج (1927- 2016) راما التاسع من سلالة شاكري، ملك متوج منذ سنة 1946 حتى وفاته، وكان أطول عهد لملك في تايلاند) في رؤية شاملة ليضمن الخلود لعمله الفني، فقد جمع الحاضر والماضي في معمار فريد ورؤية فنية مغايرة، حيث لا قصص بوذية على الجدران كما اعتاد الناس مشاهدتها في المعابد القديمة، بل إن جدران المعبد الأبيض مليئة بالتصورات الحديثة لمفهوميّ الخير والشر، ورسومات لشخصيات معاصرة مثل الأبطال الخارقين في الأفلام والرسوم المتحركة والهزلية كسبايدرمان وباتمان، والسفن الفضائية!
في الخامس من شهر مايو لسنة 2014 وقع زلزال في منطقة شيانج راي، دمر أجزاءً من المعبد، لكن الفنان استمر في عمله وأبدعَ لتايلند إحدى مفاخرها.
#طارق_حربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب الأسفار الآسيوية .. شيانغ راي في تايلند
-
بار في السعدون
-
نرجيلة
-
الطريق إلى الناصرية 4
-
الطريق إلى الناصرية 3
-
شارع النهر
-
الطريق إلى الناصرية 2
-
انهيار التعليم في العراق
-
حي الأرامل
-
بيان حول الاعتداء السافر ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية.
-
عقيل حبش .. بطل من الناصرية
-
موعد في غوا (رحلة إلى العراق والهند) الفصل الأول : الناصرية
...
-
موعد في غوا (رحلة إلى العراق والهند) الفصل الأول : الناصرية
-
في الليل تسطع نجمتها!
-
كم هو حزين هذا الصباح؟!
-
مثل ام ولد غركان .. بالناصرية؟!
-
يكون غدا أثرا
-
9 هلالية!
-
مقطع من القصيدة النرويجية
-
استمارة الصافي مرفوضة وسنقوم بتوكيل محامين دوليين!
المزيد.....
-
المصانع الصينية تنقل الحرب التجارية مع أمريكا إلى مكان جديد
...
-
الصين تحتفظ بورقة استراتيجية في صراعها التجاري مع ترامب
-
هذه الصور الزاهية هي رسالة حب لنساء المغرب القويات
-
ماذا نعرف عن الكلية العسكرية التي درّبت قوات المعارضة قبل ال
...
-
أمير قطر يزور موسكو
-
صراع النفوذ على النفط يعمق أزمات ليبيا
-
عراقجي يميط اللثام عن رسالة خامنئي لبوتين
-
غزة.. نزوح نصف مليون فلسطيني جراء استمرار العمليات العسكرية
...
-
توتر تركي يوناني حول التخطيط المكاني البحري
-
مصادر بوزارة الدفاع التركية: آلية خفض التصعيد مع إسرائيل لا
...
المزيد.....
-
قلعة الكهف
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|