|
الدفاع الشرعي في القانون الدولي
عبد الرحمن علي غنيم
كاتب وباحث
(Abdulrahman Ali Ghunaim)
الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 09:29
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
المقدمة الحمد لله الذي هدانا إلى الحق والعدل وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين سيدنا ونبينا المصطفى وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بِإِحسان إلى يوٌم الدين... أما بعد: يجمع المجتمع والفقه الدولي على أن حق الدفاع الشرعي الذي نشأ كعرف دولي في الفترات التي سبقت نشأة ميثاق الأمم المتحدة بمدة طويلة، يمكن ممارسته للرد على أي هجوم مسلح واقع فعليا. كما استمر هذا الحق موجوداً حتى بعد تبني ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما عبرت عنها صراحة المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (إذا اعتدت قوة مسلحة) وهذا الاعتداء قيدته المادة سالفة الذكر بالهجوم المسلح الفعلي أي وقع بشكل مباشر. وعليه سيتم التعرف على ماهية المفهوم للدفاع الشرعي في القانون الدولي العام وما هي شروطه التي تتكون من الضرورة أو اللزوم والتناسب. وهل هناك حالات استثنائية نص عليها ميثاق الأمم المتحدة لاستخدام القوة، وما هي تلك الحالات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. سوف أقدم في هذا البحث عرض مفصل عن ماهية الدفاع الشرعي وشروطه بصورة موجزة تهدف إلى إيصال المعنى العام. المطلب الأول مفهوم الدفاع الشرعي في القانون الدولي مفهوم الدفاع الشرعي في القانون الدولي: بأنه الحق الذي يقرره القانون الدولي لدولة أو لمجموعة من الدول باستخدام القوة المسلحة لصد عدوان مسلح حال يرتكب ضد سلامة إقليمها أو استقلالها السياسي، ومتناسباً معه، ويتوقف حين يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. وهذا يمكننا القول بأن حق الدفاع الشرعي عبارة عن لجوء الدولة التي تتعرض لهجوم مسلح حال ومباشر وجسيم إلى استعمال القوة المسلحة لرد هذا العدوان عن نفسها، بشكل فردي أو جماعي، على أن يكون ذلك هو السبيل الوحيد أمامها، وأن يكون متناسباً مع أعمال العدوان وغير متجاوز لها، وأن يكون موجها ضد مصدر الهجوم المسلح، ومؤقتا بمجرد تدخل مجلس الأمن وتمكنه من وقف الهجوم وحل النزاع. فقد نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على ما أنه: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. كما نصت في ذلك الجمعية العامة، وقد نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في إقرار تعريف مقبول لمفهوم العدوان في 14 كانون الأول 1974م، حيث عّرفت المادة الأولى من القرار مفهوم العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد السيادة أو الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى". كما نصت المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م على: يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. إلا أن ميثاق الأمم المتحدة نص على حالات استثنائية لا يطبق عليها الحظر بحيث يجوز فيها استخدام القوة وهذه الحالات هي: 1_ حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي تطبيقا للمادة 51 من الميثاق. 2_ تطبيق إجراءات الأمن الجماعي التي يتخذها مجلس الأمن طبقاً للفصل السابع من الميثاق. 3_ تدابير القمع التي تتخذ وفقا للمادتين 107، 53/1 من الميثاق ضد دولة من دول الأعداء. حيث تنص المادة 53/1: "يستخدم مجلس الأمن تلك المنظمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائماً. ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. أما التنظيمات والوكالات نفسها فإنه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن المجلس، ويستثنى مما تقدم التدابير التي تتخذ ضد أي دولة من دول الأعداء المعرفة في الفقرة الآتية في هذه المادة مما هو منصوص عليه في المادة 107 أو التدابير التي يكون المقصود بها التنظيمات منع تجدد سياسة العدوان من جانب دولة من تلك الدول، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي قد يعهد فيه إلى الهيئة، بناء على طلب الحكومات ذات الشأن، بالمسؤولية عن منع كل عدوان آخر من جانب أية دولة من تلك الدول". حيث تنص المادة 107: "ليس في هذا الميثاق ما يبطل أو يمنع أي عمل إزاء دولة كانت في أثناء الحرب العالمية الثانية معادية لإحدى الدول الموقعة على هذا الميثاق إذا كان هذا العمل قد اتخذ أو رخص به نتيجة لتلك الحرب من قبل الحكومات المسؤولية عن القيام بهذا العمل". المطلب الثاني شروط الدفاع الشرعي الشرط الأول: ضرورة أو لزوم أعمال الدفاع الشرعي يشترط في أعمال الدفاع الشرعي حتى تكون مشروعة أن تكون هناك ضرورة ملحة وشاملة على النحو الذي لا تترك فيه للدولة الحرية في اختيار وسيلة الدفاع ولا الفرصة للتفكير والتدبر في الأمر، فشرط الضرورة يعني أن تكون أعمال الدفاع هي الوسيلة الوحيدة لصد العدوان، وألا تكون هناك وسيلة أخرى لصد العدوان أو الهجوم المسلح الواقع على الدولة غير استخدام القوة المسلحة، فإن وجدت وسيلة أخرى يمكن بها رد العدوان ولا تستخدم فيها القوة المسلحة، فلا يكون فعل الدفاع مباحا، ويعتبر الفعل الذي تأتيه الدولة في هذه الحالة عدوانا. وتقدير شرط الضرورة أو لزوم أعمال الدفاع يعتمد على عوامل كثيرة، منها حجم الضرر الناجم عن الأعمال العدوانية المرتكبة ومدى جسامة وخطورة أعمال الهجوم وما يملكه الطرف الآخر من وسائل تدميرية وما يتوقع ارتكابه من أعمال عدوانية أخرى. والخلاصة أن شرط الضرورة أو لزوم أعمال الدفاع الشرعي ليس شرطا جامدا، ولكنه شرط مرن يختلف في مجال التطبيق العملي باختلاف الظروف والملابسات المحيطة بكل حالة على حده. الشرط الثاني: التناسب بين أعمال الدفاع الشرعي والقوة المستخدمة في الهجوم أو العدوان يقصد بشرط التناسب أن تكون الأفعال التي تتخذ في حالة الدفاع الشرعي عن النفس متناسبة مع أعمال الاعتداء الواقع على الدولة وان تكون غير متجاوزة الحدود المعقولة لرد الاعتداء، ويترتب على ذلك أن هذه الأفعال يجب أن تقتصر على دفع الاعتداء الحال والمباشر الواقع على الدولة. وبمعنى آخر يجب أن يتحقق التناسب بين جسامة أعمال الاعتداء وجسامة أعمال الدفاع. وهذا الشرط ليس معناه التماثل التام بين أعمال العدوان و أعمال الدفاع، فاختلاف وسيلة الدفاع متناسبة في حجمها وفي جسامتها مع أعمال الاعتداء، وغير متجاوزة الحدود المعقولة لرد العدوان الواقع عليها. أهم النتائج • أن دور ميثاق الأمم المتحدة بنص المادة 51 قد قيد الدفاع الشرعي وعبر عنه صراحةً في حالة إذا اعتدت قوة مسلحة وكان هذا الاعتداء وقع فعلي، ولا شك بأن هذا الدفاع الشرعي يترتب على تحقيقه توافر عنصري الضرورة أو اللزوم والتناسب في استخدام القوة. • بالرغم من وجود حالات استثنائية في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م وردت على استخدام حق الدفاع الشرعي إلا أن هذا لا يعني من نفي شروطه التي تحقق مدى مشروعيته لتحقيق الغاية منه، وهذا النفي يعني عدم مشروعية الدفاع الشرعي. • أن استخدام حق الدفاع الشرعي قد يكون فردي أو جماعي لردع أي اعتداء حال وقع على دولة ما، ولا بد أن يكون ضرورياً ومتناسباً، لا سيما أن ميثاق الأمم المتحدة هدفه الأساسي حفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، كما يعمل منعاً لتفاقم النزاع بين المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم. • أخيراً يشترط بالدفاع الشرعي نوعين من الشروط: 1_ أن يكون الدفاع الشرعي ضرورياً أو اللزوم. 2_ أن يكون الدفاع الشرعي متناسباً.
المراجع • قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة، 1974م. • د. أبو الخير احمد عطية عمر، نظرية الضربات العسكرية الاستباقية (الدفاع الوقائي) في ضوء قواعد القانون الدولي المعاصر، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005. • د. سيف غانم السويدي، مدى مشروعية الدفاع الشرعي ألاستباقي طبقاً لأحكام القانون الدولي المعاصر، سلسلة الدراسات التخصصية، أكاديمية شرطة دبي، دبي، 2009. • د. محمد السعيد الدقاق، التنظيم الدولي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1994م. • د. محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الجنائي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1973. • ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م.
#عبد_الرحمن_علي_غنيم (هاشتاغ)
Abdulrahman_Ali_Ghunaim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عنصر الزمن والاستثمار
-
النزاعات الداخلية في القانون الدولي الإنساني
-
آليات تنفيذ وتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|