|
حوار سابق مع المفكر والدكتور الطيب تيزيني
ماري اسكندر عيسى
(Mary Iskander Isaa)
الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 09:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حوار سابق مع المفكر والدكتور الطيب تيزيني ماري اسكندر عيسى أنشر اليوم حواراً سابقاً، كنت قد أجريته في دمشق مع الدكتور والمفكر السوري الطيب تيزيني الذي غادر عالمنا في الثامن عشر من شهر أيار 2019 عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاماً. يعد الطيب تيزيني من أهم مئة مفكر في العالم، وهو صاحب مشروع فلسفي تنويري يهدف لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى أيامنا هذه.. ولد في حمص العام 1934، وتلقى علومه الأولى فيها، ثم غادر إلى تركيا ومنها إلى بريطانيا ثم إلى المانيا لينهي دراسته للفلسفة فيها ويحصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة عام 1967، كما حصل على دكتوراة ثانية في الفلسفة العام 1973، عمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة حتى وفاته.. .. كنت قد أجريت هذا الحوار معه قبل بدء الثورة السورية لإحدى الصحف العربية ...وكنت سعيدة جدا أن ينشر هذا الحوار لما يحوي من أفكار هامة طرحها الطيب تيزيني. لكن للأسف الرقابة منعت الصحيفة من الدخول لسورية في ذاك الوقت على ما أذكر، وبالتالي لم يتسنى لكثيرين من قراءته..لذلك أعيد النشر وهذا أقل ما أفعله شخصياً لمفكر عظيم نعتز به ونفخر، وقف مع الثورة السورية في مطالبها العادلة بالديمقراطية والحرية والعدالة.. توفي ووري الثرى بحمص، وكان بوداعه أهله وعدد قليل من محبيه، بسبب الظروف الأمنية في سوريا. الحوار كان بعد أن وافق الدكتور طيب تيزيني على تلبية دعوة مشتركة من "الجمعية الفلسفية المصرية" و"المعهد السويدي بالاسكندرية" لمحاورته في إنتاجه الفكري. وكان الدكتور تيزيني قد استلم الدعوة عن طريق الاستاذ الدكتور الراحل حسن حنفي. والتي تعتبر خطوة مرموقة على طريق الحوار الفكري الفلسفي العربي بين طلائع الفكر العربي العقلاني والتنويري الديمقراطي المعاصر. قبيل سفره إلى مصر تم الحوار حول بعض القضايا الثقافية الراهنة التي تشغل الساحة الثقافية...جدير بالذكر أن للدكتور عدة مؤلفات مهمة حول قضايا الفكر والانسان والمجتمع آخرها كتابين هما:من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني عن دار العودة، والكتاب الثاني بيان في النهضة والتنوير العربي عن دار الفارابي.. الحوار: * كيف تقرأ المشهد الثقافي الراهن والأزمة الثقافية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية؟ ××الحديث عن المشهد الثقافي في العالم العربي لا يخرج عن الحديث عن الأزمة البنيوية التي يعيشها هذا العالم العربي، وبالتالي تبدأ العملية في وضع الثقافة في سياقها الاجتماعي التاريخي بحيث أنها تصبح قابلة للنقد هي وأزمة الثقافة التي نعيشها ومع ذلك فإن للثقافة استقلالية نسبية مع الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والحديث يدور عن الشقين: عن الأزمة الثقافية متجلياً بأزمة العالم العربي، والثاني عن الأزمة الثقافية كحالة ثقافية لها خصوصياتها ولا بد من الانتباه إليها كي ندرك بواعث هذه الأزمة.. في هذه الحالة يمكن القول إن الأزمة بدأت في السبعينات من القرن المنصرم، والسبعينات مرحلة اتسمت بكونها مرحلة اكتشاف النفط السياسي الذي اكتشف في الخليج من قبل من عملوا دائماً على تفكيك المشروع العربي النهضوي أي من العهود الاستعمارية الاحتلالية. لذلك فإن هذه المرحلة السبعينات وما بعدها ستجل مجموعة من الملاحظات ذات الأهمية الخاصة على الصعيد الثقافي. من هذه الملاحظات إن مرحلة النفط بدأت بالتأسيس لنظام أمني يلتهم المجتمع بكل صيغه وتجلياته. هذا النظام الجديد الأمني بدأ يتأسس في أعقابه مشروع سيولة مالية هائلة أخذت لتوظف على أجهزة أمنية مهمتها الكبرى ابتلاع المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وبالتالي أن تستبدل المجتمع العربي الذي مثل امتداداً لمشاريع ثقافية سياسية أتت في مرحلة ما بعد الاستقلالات العربية. هذا الحال الذي أخذ يتأسس مع مرحلة النفس السياسي أقصى كل ما كان في طور التأسيس لمشروع وطني نهضوي وقومي وديمقراطي. يهمنا هنا ان الثقافة التي تمثل بالأساس منتجاً من منتجات الفئات الوسطى في المجتمع، هذه الثقافة تعيش أزمتها مع بداية تصدع الفئات الوسطى أي المنتج الحقيقي للثقافة والفئات الوسطى هذه تبدأ بالتصدع بسبب من الأزمة التي أخذت تستحكم المجتمع العربي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ضوء التحولات العظمى التي راحت تخدم نفسها في العالم. من هنا يمكن القول إن الأزمة الثقافية أتت تعبيراً عن أزمة المجتمع برمته، ويمكننا ان نأخذ مثالاً للتعبير عن واقع الحال يتمثل بالكتاب الذي كان ذا حضور واسع في حياة الناس، أزمة الكتاب بدأت تتصاعد مع الأزمة الاقتصادية والاجماعية والتعليمية بحيث أن الطلبة مثلاً في الجامعة لم يعودوا قادرين على شراء كتبهم الجامعية مما أنتج حالة كان لها حضور سابق هي أن الطلبة كي يحصلوا على كتبهم يجدون أنفسهم مضطرين لاستئجار كتاب أو آخر من مكتبة أو أخرى لقاء مبلغ ما ولقاء صورة من هويتهم الشخصية، هذه صور هزلية للأزمة الثقافية التي تتجسد في الكتاب وفي من يقرؤه. أولاً منتج الكتاب بدأ يغيب وهو الذي افترضناه متحدراً من الطبقة الوسطى. وثانياً بعد منتج الكتاب نجد أن قارئ الكتاب بدأ ينحسر بحيث أن المكتبات الثقافية أخذت تفسح عن همومها العظمى وتفكر في إنهاء هذه العملية برمتها، أي إنهاء مهمة الكتب والمكتبات، إنها صورة مأساوية لواقع حال أخذ يجتاح المجتمع العربي، ولعلي أشير إلى نقطة مهمة أراها دقيقة من موقع علم الاجتماع الثقافي: وهي أن الفئات الوسطى المنتج الحقيقي للثقافة وهي تحمل سمتين اثنتين كلاهما تتمثل في أن هذه الفئات ميسورة اقتصادياً فهي لا تنتمي إلى الأدنى ولا تستطيع أن ترقى للاعلى، فهي حالة وسطوية تسمح لها أن تكون قادرة على امتلاك الكتاب وإنتاجه، والسمة الثانية أن هذه الفئات تمتلك القدرة على التنوير والاستنارة، فهي فئات مستنيرة بحكم موقعها الوسطوي المتحرك ما بين الداخل والخارج وما بين الأعلى والأدنى..ومن ثم فإن هذا الحراك ينتج حالة من الاستنارة والقدرة على الانتاج المعرفي الأقرب إلى العقلانية، مع أزمة هذه الفئات برزت أزمة المجتمع برمته خصوصاً على الصعيد الثقافي، لذلك أزمة الثقافة والمشهد الثقافي العربي الراهن هي أزمة من ينتجها الذي بدأ ينحسر كما قلنا. وهناك حالة مأساوية تتجسد في أن من يقدم الثقافة والعلم وأعني بذلك المعلمين والمتخصصين هؤلاء بدأوا يتحولون إلى فئات مهمشة لا تملك لا الكرامة ولا الكفاية المادية إضافة إلى أنهم بدأوا يفتقدون بنيتهم الثقافية وغياب هذا الثالوث(الكفاية المادية وحرية الانتاج الثقافي والكرامة) يمنحنا رؤية دقيقة لأسباب هذا المشهد الثقافي الذي يمثل انحدارا ًخطيراً في الحياة العربية، أضيف أخيراً عاملاً جديداً واضحاً وهو نشأة النظام العالمي الجديد مع العقد الأخير من القرن العشرين، يأتي هذا النظام ليقدم منظومة جديدة للثقافة والقيم والسياسة، يعمل هذا النظام بموجب هذه المنظومة على إنهاء الحياة الثقافية والسياسية المستنيرة، ذلك لأنه يمكن تعريف هذا النظام العالمي الجديد (وقد وصلت لهذا التعريف بعد عدة جلسات مستفيضة): إنه نظام اقتصادي وسياسي وعسكري واجتماعي يسعى إلى ابتلاع الطبيعة والبشر وإلى هضمهم وتمثلهم ومن ثم إخراجهم سلعاً، أعني بذلك أن النظام العالمي الجديد بشر ويبشر بإنهاء كل ما لا يدخل في حقل الاقتصاد السوقي السلعي، ومنظومة القيم تتساقط والنظام الثقافي يتساقط إلا ما تبقى منها مستجيباً لآليات السوق الجديدة. المشهد الثقافي العربي يزداد اضطراباً، في هذه الحال بعد أن كان قد واجه هذا الحوار دون ان يجد حلولاً له. ومن ثم نضع أيدينا الان على حالة جديدة من المشهد الثقافي وهي حالة أزمة حركية، لم تعد أزمة من الداخل فقط، بل إنها كذلك أزمة من الخارج كلتاهما أنتجت حالة قد يكون إتيانها وتشريحها ونقدها والاجابة على مشكلاتها قد أصبح معقداً إلى درجة قصوى، تقترن هذه العملية مع التذكير بهيمنة نظام أمني سياسي عربي وضع شعاره الأقصى ممثلاً بالتالي: يجب أن يفسد من لم يفسد بعد بحيث يصبح الجميع ملوثين، ومن ثم مدانين تحت الطلب.. وهنا نضع يدنا على الخصوصية الأكثر خطورة ليس في المشهد الثقافي العربي الراهن بل في البنية العربية عامة. وقد كتبت كتاباً بهذا الخصوص بعنوان(من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني)، وقد عنيت بالثلاثية الأقانيم الثلاثة التي أسست الفساد وهي أولاً المال المتدفق دون أن يدخل في خزائن الشعب، وثانياً : النظام الأمني القائم على أجهزة أمنية مهمتها حصار المجتمع، وإنهاء الحراك السياسي والثقافي، وثالثاً: الدعارة التي تحولت إلى استراتيجية رسمية على أيدي النظام العربي.. ولهذا الثقافة لم يعد لها قيمة بما في ذلك المؤسسات الجامعية والمراكز العلمية أصبحت أمراً لا قيمة لها، لأنها أولاً مرتبطة ارتباطاً مباشراً بهذا النظام الأمني إلا ما كان قد خرج على النظام بقدرة أو بأخرى وثانياً لأن هذا النظام لا يسمح بنشأة نظام ما أو ظاهرة إن لم يكن ضمن الحدود التي يرتضيها... وبالنهاية نحن أمام أزمة ثقافية شمولية..
*وماذا عما يقال بوجود ثقافتين ثقافة التقدم والمستقبل وثقافة التخلف؟ هذه الازدواجية كنا نتحدث عنها قبل عقدين أو ثلاثة من السنين لكن التحولات التي حدثت أطاحت بهذه الثنائيات لصالح أحادية الموقف المناهض للثقافة التقدمية، أعني بذلك أن التحولات التي طرأت على المجتمع العربي لم تعد تسمح بوجود منافس لثقافة التخلف، يظهر ذلك من خلال الاشارة إلى مصطلح ذي أهمية خاصة وهو مصطلح التخليف، فبعد أن كنا ما نزال نعاني من تخلف، وهذا التخلف ذو مصدر تاريخي، ومنذ أن تساقطت مراحل نهضوية عربية لم نعد نستطيع أن نحقق نقلة نوعية تسمح لنا بالتحدث عن بنية جديدة في الثقافة والمجتمع العربي، فما هو قائم باسم تخلف تاريخي نفهمه ونفهم مصادره، يحول الان في إطار النظام الأمني إلى تخليف، ويعني هذا أن نجعل من التخلف التاريخي القابل للتجاوز تخليفاً مؤكداً للتخلف، ويمكن القول إن المجتمع الأمني أنتج مجتمعاً مغلقاً بمعنى لم يعد مفتوحاً وقابلاً للحراك التاريخي، لذا فهو محاصر، ووسائل التقدم التاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي تكاد أن تكون قد أوجدت نفسها في نقطة واحدة لا خروج منها، هذا ما يعنيه النظام الأمني العربي حين يقول إنه نظام يؤسس للأمان، وهو صحيح هناك أمان لكن على جثث وعلى حساب الشعوب العربية وعلى حساب الفئات والطبقات كلها خاصة الفئات المثقفة، لهذا الثنائية التي ذكرت في السؤال لم تعد موجودة، الموجود هنا فقط يكاد يقتصر على أحادية الثقافية وهي الثقافة الظلامية والدينية والسياسية المتأتية من النظام السياسي ذاته، وهنا نضع يدنا على تحالف طريف لا بد للبحث العلمي أن يكتشف سماته الكبرى هو تحالف النظام الأمني مع الثقافة الظلامية، على الرغم من أن هذا النظام الأمني يزعم أنه يكافح الظلامية الأصولية الدينية، إنه متحالف معها ضمناً لأنها تعمل على تأبيده ومن ثم نجد أنفسنا أمام حالتين من الظلاميات ظلامية النظام الأمني المغلق وظلامية الأصولية الدينية، وتأتي ظلامية النظام العالمي الجديد الآن، هذا النظام الذي يحسم الموقف لثنائية الارهابي والديمقراطية لنجد أنفسنا أمام ثلاثية من الظلاميات النظام الأمني، والنظام العالمي الجديد والأصولية الذي يقوم على فكرة إغلاق التاريخ في نطاق هذه الثنائية المزعومة إما ان تكون ديمقراطياً أو إرهابياً، أي أنه يلغي الخيارات التي تطرح شروط المغامرة، وبهذه الصيغة نجد أنفسنا أمام أحادية سياسية ثقافية بالرغم من وجود إرهاصات أولى لنشأة حالة من التقدم التاريخي، لكن حتى الان لا نستطيع الزعم أن هناك حالة جديدة يمكن الرهان عليها أو اعتبارها رهاناً تاريخياً جديداً.. وما يعتبر لحظة إيجابية هنا وهناك في العالم العربي ليس إلا ظاهرات ثانوية حتى الآن على الأقل... *وكيف نواجه مثل هذه الأخطار؟ لا بد من التأسيس لمشروع عربي في النهضة والتفكير، هذا المشروع نشأ في مرحلة ما بعد الاستقلالات العربية، وسورية لها مشروع نهضوي تنويري كاد أن يحقق انتصارات كبرى ولكن المشروع نفسه أغلق مع الانقلابات العسكرية التي أخذت تتالى وأخص بالكلام سورية، هذه الانقلابات بدأت تتعاظم وتسقط ما كان قد بدأ في إطار مشروع سياسي ديمقراطي وطني في بعديه النهضوي والتنويري، ويأتي حدث آخر ذو دلالة كبرى، وهو ذلك الذي تمثل بمشروع الوحدة بين سورية ومصر، تصوري أن هذا المشروع العظيم والغالي على قلوب العرب جميعاً، عملت فئات سياسية في سورية والعالم العربي على إسقاطه من خلال وضع شرط حاسم على تحقيق الوحدة بين سورية ومصر، وهذا الشرط أن تلغى الحياة السياسية في سورية، وأن تفكك الأحزاب، يعني أن تفكك القوى التي عليها أن تحمي لاحقاً ما سينشأ في إطار الوحدة بين سورية ومصر، وهكذا منذ بداية هذه الوحدة كانت عملية تأسيس النظام الأمني قد بدأت كذلك(نظام المخابرات والمباحث) وتصدعت الوحدة وفقدناها، لكن النظام الأمني أخذ يتسع شيئاً فشيئاً إلا أن أصبح سيد الموقف، وقادراً على ابتلاع كل ما هو قائم في المجتمع العربي اقتصاداً وسياسة وتعليماً وإعلاماً ومن ثم أصبحنا أمام القبضة الواحدة واللون الواحد، حتى حين يحاول النظام الأمني تضليلنا بأن هناك تعددية سياسية وحزبية ، إنما هذا نمط من التضليل واضح وزائف، هناك قبضة واحدة تشتغل على امتلاك المجتمع العربي برمته، والشيء الخطير يكمن في أن النظام العالمي الجديد يؤكد على ذلك، كي لا تنشأ إمكانيات لبروز مشروع نهضوي جديد في الداخل يقف في وجه هذا النظام العالمي الجديد مع وقوفها مع النظام الأمني العربي الداخلي في الداخل. *إذاً كان يمكن أن يكون مشروع وتجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في توحيد سورية ومصر ناجحة؟ **كان ممكن أن تكون تجربته ناجحة لو لم تخترق هذه الوحدة...أشرت إلى نقطة أخيرة قلما أدركها الباحثون والاعلاميون وأنا في طور البحث في هذه المسائل كان الشرط الحاسم الذي وضعه الانقلابيون الذين ذهبوا إلى عبد الناصر لتحقيق الهدف أن يوافق على إلغاء الأحزاب السياسية في سورية والحياة السياسية.. ومصر كانت مهيئة لمثل هذا الوضع، كانت في مرحلة انتقالية بين الديمقراطية والاستفراد بالموقف، أتى الشرط وكرس الموقف برمته، وبالتالي الوحدة التي كان عليها ان تستمر وتمثل ظاهرة تعمم شيئاً فشيئاً في الحق العربي سقطت بفعل الشرط الذي وضع ضدها قبل أن تحدث وما زلنا نحصد ثمار هذه النتائج الخطيرة إضافة إلى ثمار أتت من الداخل والخارج كلها أفضت إلى نظام أمني يسعى إلى إفساد من لم يفسد بعد، أي لم يعد هناك مجال لرهان على مشروع نهضوي جديد ، بل صارت الرهانات تتساقط، وأصبح أمام الأمة رهان واحد هو النظام القائم الذي لا يستطيع إطلاقاً أن يجيب على المشكلات العظمى التي يعاني منها العالم العربي. *وهل هذا يعني نهاية التاريخ، وضرورة الاستسلام للقدرية، وللقوة الكبرى التي نعجز أن نتصدى لها بغياب ذاك المشروع العربي النهضوي؟ **حال الفكر التي طرحتِها الآن بصيغتها السلبية هي ما يسعى النظام الأمني إلى تعميمه وتكريسه، والقول بأن الطريق انتهى إلى هذه الحقبة، ولاحظي كم الأمر طريف أن تلتقي مقولة النظام العربي الأمني مع مقولة فوكوياما (نهاية التاريخ) الشهيرة.، إذ علينا أن نقتنع أن تاريخنا انتهى إلى أقصاه، هذه الفكرة تبين أنها زائفة وفوكوياما نفسه اكتشف أنها كلام ايديولوجي زائف فكتب مقالات فند بها مقولته هذه، أضيفي إلى ذلك أن المقولة مشهورة قبل فوكوياما، إذ كان هيغل قد فندها حين قال إشارة إلى سؤالك الدقيق "لا يعتقدن أحد في لحظة ما من اليأس أن التاريخ قد أغلق واستنفد"..هناك مانسميه في كلام هيغل مراوغة التاريخ، المراوغة تعني أن البعض الذي يعتقد أن كل شيء انتهى والاستسلام أصبح سيد الموقف يكتشف بلحظة ما أن التاريخ كله يتدفق، التاريخ لا يمكن أن يغلق وهو وهم إيديولوجي أن نعتبر أنه يمكن أن يغلق أو قابل للاغلاق، تبين أن التاريخ حالة مفتوحة متدفقة، لا يكتشف ذلك إلا من يملك مفاتيح التاريخ، أي الذين يحملون هماً نهضوياً تقدمياً إيجابياً يسعى إلى إعادة بناء المجتمعات على أسس إنسانية تقدمية خلاقة ولهذا فإن النظام الأمني العربي يوحي بأنه نهاية المطاف ولكنه ليس كذلك هذه نقطة أولى، ونقطة ثانية لا يعني القول بأن التاريخ لا يمكن إغلاقه، بأننا نجد أنفسنا نستسهلها ونقول رغم ما يقوله عن نهاية التاريخ فإن التاريخ يبقى هذا الكلام جزءاً أيضاً عن إشكالية الثقافة العالمية والعربية برمتها، وهذه الاشكالية تقوم على أن التاريخ سيبقى مفتوحاً شئنا أم أبينا، هنا أريد التحفظ على هذه المقولة ذات الطابع الميكانيكي. طابع ميكانيكي يقوم على ان التاريخ يسير ذاتياً دون فعل إنساني وبالتالي نحن امام جبرية وحتمية ميكانيكية يكون التاريخ بمقتضاها أفقاً مفتوحاً يحقق التقدم شئنا أم أبينا. إن التاريخ حتمية مفتوحة عبر الفعل الانساني أي ان هناك حتمية ميكانيكية تاريخية تتجسد في الحركة التاريخية مما يعني أننا لن نستطيع أن نفتح هذا التاريخ الذي يعمل على النظام الأمني على إغلاقه..إلا إذا أوجدنا مشروع يقوم على ثلاثة أقانيم، الفعل والارادة والحرية، فاعلين وأحرار وصاحبين إرادة ..هذه تعني أن نكسر ما يصمم النظام الأمني على تأبيده وبالارادة الموحدة وبين المتضررين من هذا النظام الأمني والارادة والحرية ضيقة كانت أو واسعة إضافة إلى الفعل الخلاق، لهذا كله نجد أن هناك احتمالات وسيبقى هناك احتمالات لفتح التاريخ على أفقه، أضيف إلى ذلك أن هذا المشروع وهو مشروعي بالحقيقة وهو ما سأناقشه في الاسكندرية والذي لا بد من التأسيس له عبر ثلاثة أقنية كما ذكرت سابقاً.. *يقول ارسطو: "الانسان الحر هو الذي يمارس الثقافة أما العبد فهو وجد من أجل القيام بالعمل الجسدي"؟ فما هي العلاقة بين الحرية والثقافة برأيك؟ هذا سؤال فلسفي تاريخي، لأنه بالأساس الانتاج الثقافي يتطلب حداً معيناً من الوعي التاريخي الذي يلامس الواقع ملامسة أولية ويصوغها بطريقة عقلانية.. إذاً الثقافة من شروطها العقلنة، هذا شرط أولي عقلنة ما ينعكس في الذهن من موقع العمل أي المجتمع، الأمر الثاني اللازم لمثل هذه العملية يتمثل في الحرية التي تعني إنشاء خيارات متعددة أو إنتاج تعددية في الخيارات تسمح باكتشاف الصائب، الحرية ليست كلمة ذات معنى عاطفي تلهب العواطف بالدرجة الأولى، إنها تدخل في صميم العقل القائم على خيارات الانسان في مجتمعه، بدون حرية يرى الانسان نفسه أمام خيار واحد خصوصاً في إطار نظام غير ديمقراطي. هذا الخيار الواحد هو خيار العبودية، إنه مرغم عليه. إن جعل ارسطو الفيلسوف اليوناني يصل إلى فكرة طريفة كانت مسوغة في العصر اليوناني وهي أن العبد لا يفكر، لأن العبد لا يمتلك ذاته والذات هنا هي خصوصية الكائن، لأن العبيد كلهم متماثلون كالآلات، وتماثلها بأنها لا تملك خصوصية. من هنا كان يقول فقط أولئك الناس أي المواطنون هم وحدهم فقط نعتبرهم بشراً ناساً، ولذلك يستحقون الحرية، لأن الحرية شرط للخيار والتفكير هذه الفكرة صحيحة لكن بعد أن أعيد بناؤها، وبعد أن اسقطت تلك الامتدادات الطبقية المناهضة لانسانية البشرعموماً. هذا يدخلها في نطاق حقوق الانسان والاعتراف بأن الجميع بشر وللبشر القدرة على التعبير عن ذواتهم والقدرة على العمل والخيار. الثقافة بهذا المعنى لا يمكن أن تكون ثقافة حقيقية أي قائمة على الخيار إلا إذا تمتعت بمقولة الحرية، أن أكون حراً بحيث اختار ما أجده صائباً، واختار ما أجده صائباً حين أكون قادراً على الموائمة بين ما افكر به وبين ما أجده بواقعي، وهنا تنشأ الفاعلية الثقافية والسياسية والاجتماعية ضمن عملية التجادل بين الواقع والحلم، وإذا ما غابت الحرية غابت الأقانيم الأخرى والشروط الأخرى، لأن الحرية مدخل للعقل، دون حرية يوجد فعل لكن كفعل العبيد، أي الذين لا يملكون إلا رؤية واحدة ونظرة واحدة وخياراً واحداً.. الثقافة العربية الآن افتقدت الحرية لأن الحرية أصبحت في أيدي ظلامها أي في أيدي نظام أمني يجد أن الحرية خطر عليه، ولهذا يشيع هذا النظام الأمني عبر رموزه الايديولوجية بأن الحرية ومعها الديمقراطية هما دخيلتان على الفكر العربي وأنهما منتجان أوربيان غريبان.. وبالتالي نحن لا ندخل ما لا ننتج. أو يلجأون لمقولة أخرى زائفة وهي : تقول نعم الحرية مع الديمقراطية هما ضروريتان لكن لا يمكن إعطاؤها للناس إلا بعد أن يبلغوا سن الرشد. وسن الرشد الذي يبدأ في الثامنة عشر هو بالنسبة للنظام الامني بعد ثمانية عشر قرناً ..أي لن تصل الشعوب العربية إلى سن الرشد. لأن الحرية ستكون المدخل الأولي لتقويض هذا النظام الذي يحيل هذا العالم إلى حالة من الموات، فلا يسمح النظام الأمني بتشكيل مشروع تواجه به الأخطار الخارجية وعملية التأسيس، ومن هنا مفهوم الحرية مفهوم حاسم للثقافة إلى درجة انه يدخل في بنية الثقافة ولا يأتي من خارجها بوصفه حدثاً طارئاً ودخيلاً، إنه من البنية ذاتها، وإن الثقافة أية ثقافة حين تفتقد الحرية تتحول إلى لوحة جرداء لا حياة فيها. هذا ما نحتاجه الان في المشروع الذي نسعى للتأسيس له، وهو مشروع نهوض عربي جديد الذي يحتاج إلى حامل اجتماعي أي مجموعة بشرية، وأنا هنا اعتبر هذا الحامل الاجتماعي ممتداً من أقصى اليمين الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقصى اليسار، الحامل الاجتماعي في لحظة ما هو غيره بالنسبة إلى ثورة ما، ثورة حاملها الاجتماعي هو التحالفات الطبقية..هذا هو المشروع الثوري الذي هيمن لمدة عقود في الحياة العربية دون أن يستمر، لكن الحامل الجديد للمشروع الذي نسعى لتحقيقه هو حامل لمشروع نهضوي يؤسس على كل من يحتمي تحت راية النهضة والتنوير، ولذلك نقول الجميع دون استثناء إلا من يرفض الاستجابة لمشروع النهضة والتنوير..الحامل السياسي لا يؤخذ إلا في سياق الحامل الاجتماعي وهو حامل يتأسس على فكرة السياسة الديمقراطية التي تستطيع أن تستقرأ الواقع العربي بكل تجلياته التي تعتبر مقدمة للمشروع التنويري النهضوي الديمقراطي، الحامل السياسي من سماته الكبرى أنه يقوم على التعددية التي تعني أن الجميع سواء، وهنا ندخل الفكر الفلسفي التعددية كظاهرة موضوعية وليست خياراً سياسياً، إنها ظاهرة موضوعية تأتي من كون المشروع لصيقاً بهذا المعنى البنيوي بهذه التعددية، فإذا ما سقطت التعددية سقط المشروع. بهذا المعنى الحامل السياسي كحال الحامل الاجتماعي يمتد من الأقصى إلى الأقصى بما في ذلك القوى الدينية التي تفصح على أنها موافقة على استراتيجية هذا العمل والقائمة على مجموعة من الرهانات التي أتينا على ذكرها، والتي يمكن أن نحددها الآن، إن هذا السقف السياسي يقوم على أمرين :أولاً: إجماع على المشروع ذاته، وثانياً إجماع على أن هذا المشروع يتأسس في إطار الاستحقاقات الداخلية وفي إطار الاستحقاقات التي تجعلنا قادرين على مواجهة التدخل العولمي الجديد..إضافة إلى ذلك يبرز الاستحقاق الثالث و هو إقرار غير مشروط بمبدأ التداول السلعي للسلطة. لذلك هنا نحن أمام الجميع ليس هناك استفتاء بما في ذلك القوى الدينية المسيحية والاسلامية وغيرها..هذه جميعاً تكون الحامل السياسي الذي يختلف بطبيعة الحال في إطار يقر يقر به بوصفه حداً لا يمكن تجاوزه، في نطاق هذه الفكرة يبرز الحامل الثقافي الذي يؤسس لذينك الحاملين الاجتماعي والسياسي. يؤسس لهما تأسيساً نظرياً، وهذا يعني أن الحامل السياسي هو المنوط به بشكل خاص دون أن يحصر به الأمر في مهمة الانتاج المعرفي الذي ينتج الاستراتيجية التي يجب التعامل معها في نطاق الحاملين الاجتماعي والسياسي. فالثقافة نعود بها من باب أنها تصبح ضرورية ليس في الحقل الثقافي فحسب بل في حقل التأسيس للعملية الاجتماعية والسياسية وعلى هذا العمل الثقافي عمل تأسيسي يقوم على أنه ينتج المعرفة وينتج مقولاتها وينتج قضية الحدود الفاصلة بين الحوامل الثلاثة والجامعة لها.. هناك ثقافة وعلاقات اجتماعية وسياسية لا ننظر لها على أنها نسق واحد، بل هي ثلاثة أنساق لتكون الثقافة قادرة على إنتاج معرفي، وثانياً بعد أن نكون قد حددنا السمات القائمة على الاستقلالية بالانساق الثلاثة نقول أنها تكون بنية واحدة هي بنية المشروع الذي تسعى إليه، من التعددية إلى الوحدة والوحدة نفسها تقضي إلى التعددية، بحيث لا يستطيع طرف أو قوة سياسية أن تأتي وتعلن أنها سيدة الموقف، ونفي ذلك ليس نفياً سياسياً فحسب أو اجتماعي إنما هو نفي وجود، بمعنى أن الاشكالية نفسها تلغى إذا ما وضعت فئة سياسية يدها على كل شيء، على هذا الأساس نجد أن الثقافة دوماً عملاً واسعاً بحيث تستطيع البحث عن ثقافة التأسيس القائمة على التنوع، وهذا يدخلنا في باب آخر هو البحث عن العلاقة بين الأصالة والمعاصرة، ثم العلاقة بين الداخل والخارج، ثم العلاقة بين الوطني والعالمي، وهكذا نجد أن الثقافة تقود إلى كل هذه المداخل لكن مع التحذير أن ينظر للثقافة على انها بعد واحد مهيمن على الأبعاد الأخرى ويجعل امتداداً لها، كل تلك العناصر التي قد تتسم بالتعددية يمتلك خصوصيتها لكن الثقافة هي التابع لها، وهذا ما يحتاجه الآن الفكر العربي والثقافة العربية في إطار ما اعتبرناه نظاماً أمنياً عربياً يسعى إلى إغلاق الدائرة والتأسيس لحالة تنتفي فيها إمكانية نشوء مشروع ما...
*وماذا عن الثقافة الترفيهية التي أفرزها النظام العالمي الجديد؟ أفرزت العولمة ثقافة ترفيهية وفرضت نفسها علينا، مع أن الثقافة الترفيهية بالأصل مفهوم موضوعي وضروري، لكن نظام العولمة يعمل على تأسيس ثقافة تصب في حقل السوق الكونية السلعية. الاعتراض ليس على الثقافة الترفيهية لأنها جزء من متعة الانسان لكن الاعتراض أن توضع هذه الثقافة في إطار السوق الكونية السلعية مثال ذلك: السوق كمقولة اقتصادية وجغرافية سياسية نعرف أنها كانت تعني حقلاً اقتصادياً يتم فيه عمليات التبادل الاقتصادي والانتاجي، الآن ضمن النظام العولمي الجديد هناك عملية تتجه إلى إنهاء العالم عبر السوق، بحيث أن السوق يصبح هو الأول والأخير، وهو معيار الأشياء كلها ومن ثم كل القيم والهويات التي نعرفها يجب أن تواجه السؤال التالي، هل تستجيب بالمعنى الوظيفي لاحتياجات السوق أم لا، فإذا استجابت ينفى وإذا لم تستجب تقصى، وكذلك الهويات الوطنية التقدمية التاريخية التي لا تستجيب لهذه الشروط يجب إقصاؤها، ومثال ذلك الدولة الوطنية، الوطنية لم يعد لها حضور في منظومة النظام العالمي الجديد لأن الدولة تخلق عوالم واستقلالات محددة، الآن العولمة تفتح العالم على مصراعيه وتجعله هوية واحدة لهذا يجب أن تسقط الدولة الوطنية والهويات الأخرى والمجتمع الوطني العقلاني، الاستقلالية الفكرية لصالح وضع عالمي واحد يقف السوق على رأسه، وثقافة الترفيه تصبح هنا ثقافة التكريس لهذا النظام العولمي، خذي مثالاً آخر موقع المرأة من النظام العالمي الذي يريد لها أن تتحول إلى مدخل لترفيه جديد مؤسس على مقولات العولمة، كيف سيصير الأمر؟ المرأة مناط بها وظيفتان اثنتان ؟الأولى أن تكون مسوقة للسوق الكونية نفسها، وما يبث في قنوات الاعلام هذا يسمى عادة ترويجاً، وهي بالحقيقة تسويق لآليات جديدة يقوم عليه السوق الذي هويته هي السوق، والوظيفة الثانية للمرأة أن تكون هي نفسها مسوقة وهذا يخلق متعاً جديدة حتى تكون ترفيهية، وهذه الثقافة الترفيهية تأتي في سياق السوق الكونية الساعية التي تلغي كل شيء لا علاقة له بالسوق، بهذا المعنى نصل أمام نهاية المتعة الانسانية أمام نهاية المنظومات الجمالية والاخلاقية والفنية والروائية إلا ما استجاب للسوق الكونية السلعية. السوق الكونية هي الاقنوم الاعظم في النظام العالمي الجديد هكذا يراد له، ولهذا الترفيه هنا أصبح جزء أساسي من عملية التسويق لهذه السوق الجديدة، الانسان نفسه بهذا المعنى يصبح ملحقاً من ملحقات السوق. وهنا نضع يدنا على مقولات جديدة نجد أنها تلتقي مع فكرة السوق الكونية السلعية من هذه المقولات الفلسفية ما بعد الحداثة يقول أصحابها إن الحداثة التي نعرفها والتي قامت على مفاهيم العقل والتقدم والتاريخي والدولة التقدمية والعقلانية والحداثة نفسها، هذه المقولات وغيرها أصبحت مستنفدة، قامت لأغراضها وانتهت لذلك نسقطها حسب ما بعد الحداثة. ومن ثم نجد ما بعد الحداثة تلتقي مع السوق الكونية السلعية مع العولمة دون أن نقول أن هناك تماهياً كلياً بين ما بعد الحداثة والسوق الكونية، لكن نشأة ما بعد الحداثة الآن في هذه المرحلة التاريخية لا يمكن فهمها إلا ضمن علاقة ما مع نشأة السوق الكونية السلعية وعلى هذا الأساس فإن المقولات بما في ذلك الفن والجمال والتركيز والمتعة الجمالية يجب أن يصبح ملحقاً من ملحقات هذه الظاهرة الكونية، هي حالة اخطبوطية أي أنها ذات طابع سلعي شمولي وقد عبرت عنها سياسة بوش بقوله(إما هذا وإما ذاك) وكل الخيارات السياسية أغلقت، وخصوصاً إذا عرفنا أن هذين الخيارين إما السوق أو الارهاب، فسنكتشف أن ما عبر عنه بالارهاب إنما هو الحركة المناهضة للسوق وبالتالي سنكتشف أن هذه السوق ليس مهمتها ابتلاع المشروع النهضوي العربي التنويري، إنما ابتلاع العالم، والتعريف الذي قدمته يعطي المعنى الذي تقدم بدقة لا بأس بها، إن هذه السوق مهمتها ابتلاع كل شيء وأن تعيد بناؤه وان تخرجه سوقاً وسلعاً.. هذا يؤدي بنا إلى فكرة التنميط وهي فكرة فلسفية لكنها تأخذ صيغاً متعددة منها الصيغ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها..إن التنميط أن تجعل العالم كله كتلة واحدة ولوناً واحداً ومن لا يدخل عليه يكون قد دخل المحرمات، والتنميط أيضاً هو تنميط ثقافي من الطعام إلى الشراب وإلى الملبس وإلى سائر النشاطات الانسانية والعاطفية والاجتماعية، وكل ذلك عليه أن يكتسب طابعاً جديداً هو طابع التنميط الاحادي، وهكذا يقترح العالم الجديد عالماً جديداً يشبه الكل فيه الواحد والواحد كلاً، أي ذلك التنوع الهائل على علاته يصبح واقعاً.. وهذا ما علينا أن نواجهه من الداخل وعبر المشروع البديل الذي سبق وتحدثت عنه... *هل من داع ٍللخوف على هويتنا العربية ؟ **هناك داع ٍللخوف حيال مسألة الهوية العربية لأن التاريخ لا يسير بمعجزات بمقدار ما يسير بآليات تاريخية فاعلة يمكن أن تفضي إلى هزائم شعوب أو انتصارات جديدة مما يعني أن العمل على التأسيس لمشروع عربي للنهضة والتنوير أصبح يمثل ضرورة حاسمة ويمكن تلخيص الموقف بفكرة أخيرة تتمثل في شقين أولهما يقوم على رفض القول بوجود قدرية دينية أو تاريخية نقول بمقتضاها إننا منتصرون لا محالة فهذا الكلام زائف بالمنطق وبالواقع. أما الأمر الثاني فيتمثل بالتأكيد على أن التاريخ مفتوح وهو قابل دائماً لأن يكون منتجاً إنما هذا الأمر يقتضي أن توجد هناك القوة التاريخية القادرة على إنشاء مشروع ما، وذلك من خلال المداخل الثلاث التي أتينا عليها وهي الوعي التاريخي والارادة والوطنية الفاعلة، وثالثاً الفعل القادر على إنجاز حالة جديدة ويبقى القول الخير متمثلاً في أن ما نسعى إليه يقتضي وجوده من هم قادرون على الفعل وخصوصاً وفق الآلية الشعبية الهائلة التي كان يوسف العظمة قد حققها وإن بصيغة ضمنية غير مصفح عنها، وهي كيف يمكن أن تواجه العين المخرز.....
#ماري_اسكندر_عيسى (هاشتاغ)
Mary_Iskander_Isaa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني يسعى لتعديل الما
...
-
تعزيز الحرية الدينية والمعتقد في العراق:
-
في الذكرى الخامسة للثورة السورية..حوار مع الدكتور وليد فخر ا
...
-
في يوم المرأة العالمي-الرجل والمراة يداً واحدة في مواجهة الظ
...
-
حوار مع مسؤولة رابطة المرأة الكوردستانية- فرع دهوك -فتحية اب
...
-
قصة 3:م ناجية من داعش
-
قصة حقيقية لناجية من داعش
-
جوائز مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثالث
-
قصة ناجية من داعش
-
في ذكرى شنكال السنوية-ابداع من رحم المأساة
-
مسيرة نضال لامراة عراقية
-
البرفسور القانوني فكتور كوندي:
-
حوار مع الاعلامي خضر دوملي
-
حوار مع البرفسور القانوني فكتور كوندي
-
حوار مع فكتوريا يلدا كوركيس
-
عائلات عراقية إلى أين؟
-
التعايش السلمي في المجتمع ودور الاهل والمدرسة:
-
دورة الدعم النفسي في مخيم شارية
-
دور الدعم النفسي للمعنفات في معاودة الاندماج بالمجتمع:
-
جنود مجهولون في المركز الثقافي والفني محمد شيخو
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|