أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - رؤى نقدية (3)















المزيد.....

رؤى نقدية (3)


زياد بوزيان

الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 09:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


5 ــ الحرية و العدالة بين مجتمع الربوبية و مجتمع الديمقراطية

من المفروض أن المجتمع الذي يعامَل فيه أي إنسان مهما كان ، حتى وان كان ابن الرسول نفسه بمنتهى العدالة و المساواة مع الآخرين هو المجتمع المرغوب الحامل للقيم الإنسانية السامية ، ولو طبقنا معايير رُقي المجتمعات الغربية المعاصرة على هذا المجتمع لوجدناه أفضل من المجتمع الأمريكي ماديا و تفوقا صناعيا و رُقيا اقتصاديا ، لكن هيهات فالمجتمع الذي نتحدث عنه بالذات ليس إلاّ المجتمع الإسلامي السني ، لأن المجتمع الشيعي مجتمع طبقي مكرّس للعبودية ؛ مازال في حنين أن تستعبده الأسرة الحاكمة بالأسرة الرسولية ( هكذا فعل ابن الحسين ابن علي و هكذا فعل حفيد الحسين ابن علي و من لم يفعل مثلهما لعنّاه في الدنيا و الآخرة! )، بينما الرسول (ص) نفسه يقول : « لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » و يقول أيضا : " وَ مَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ .. " نجد آيات متشابهات حلت محل الهيهات التي ذكرنا أعلاه ، هذه الآيات تضع أناس في مقام عالي (قرب الرسول) وتحط من أناس آخرين حطا غير عادل بل حطا فيه من الريبة و الشك ما فيه ، ففي قول الآية : « الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ و الصِّدِّيقِينَ و الشُّهَدَاءِ و الصَّالِحِينَ و حَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً » يعني أن هؤلاء المذكورين يحاولون الاتصاف بالعصمة الرسولية ليحظو بقدسية تُدخِل المجتمع في متاهة الطبقية و اللاعدالة الاجتماعية ، فالأولياء و الخِضريين (نسبة إلى الخِضر) و أبناء الشهداء و ذويهم إذن سبب في النكوس الدائم لميزان عدالة المجتمع الإسلامي ، يريدون زورا و بهتانا أحيانا و بطشا و جبروتا أحيانا التسيّد عنوة على الناس و إعلان فضلهم عن غيرهم لأن تحججهم بمضمون الآية أعلاه و غيرها كقول أبو هريرة في الحديث الذي ينكره بعض السلفية : " يغبطهم الأنبياء و الشهداء .. ألا إن أَولِيَاء اللّهِ لا خَوْف عَلَيْهم ولا هُم يَحزَنونَ "[1] يبقى معنوي (كلام نظري) و ليس مادي قرين نعمة ملموسة يقدمونها لمجتمعاتهم بعيدة عن الهداية بالبركات و رضى المشيئة الإلهية ؛ مِن هنا لن يقدر المجتمع الذي نحن بصدده بعد أربعة عشر قرنا من التّملص و القفز بعيدا عن قيم الاستعباد التي تشده إليها كما تشد البِركة الآسنة الملأة بالضفادع و الحرباءات الحشرات إليها ، و بقي مراوحا لحال المجتمع الطبقي العبودي المكرّس أولا و أخيرا للتخلف و الرجعية.

وهُم و إلى الآن بخاصة المنضوين بحرص على قراءة علم القرآن ( العلم هنا معرفة الأخبار عن حقائق غيبية لا مادية بل و إنْ تحدَّث عن علم مادي ترك طرح السؤال كيف؟ كقوله : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم : هي قراءة للنهج العقيدي لا العلم المادي الممَكِّن في الأرض عندما يُمعن في تعظيم الله من خلال جعله النطفة علقة و العلقة مضغة مثلا ، لكن كيف تمت الآلية العلمية الله أعلم؟ ) يحاولون التشبه برسولهم و التقرب منه في خصاله و شمائله ، ولعل الهيام كل الهيام تتيحُه لهم الأمية ( الطقوسية و عدم القراءة و الكتابة ) التي يحبونها لأنها خصلة الرسول الذي يتشبهون به ، فضلا أنها من الصفات التي يحملها العالم بالغيب مع الشدة و الغلظة اتجاه الكفار و اتجاه العقليين الذين تقنعهم كيف و ليس ماذا! فهذا علي بن الحاج مثله مثل عباسي مدني و أبو بكر البغدادي و حسن نصر الله و محمد مرسي و المُلا عمر و الظواهري ، و سلفهم حسن البنا و الترابي و الألباني ، أخذوا تنكيل و تقتيل الناس بكل برودة دم ، و مازال معتقدا أنه بريء من جرائم إبادة آلاف الجزائيين الأبرياء منذ فترة التسعينيات إلى أيامنا ، تشبها بالرسول تأسيا بخطاب السلفية السياسي غير مبال بقوانين النظام الجمهوري و المدني ، أجل متشبهاً به في حياته لمّا كان يقاتل قبائل الجزيرة العربية على أنهم كفار و مشركين و بعد مماته عندما رفع المسلمين من بعده لواء القتل و الدمار لِكل من لا يمتثل لِما ينص عليه قرآنهم ، فهو مازال في وجهه دم و يريد الحوار و الرجوع للممارسة السياسية بل يعتقد أنه مظلوم! ولم يأنّبه ضميره ، فلماذا كل هذه العنجهية و اللامسئولية ، و هذه الهمجية التي لا تحدث حتى مع عالم الحيوانات؟ بكل بساطة لأن الملايين من الأنفس البشرية التي سقطت في التاريخ و تسقط يوميا في عصرنا بسبب هذا الجبروت و الإفك و الطغيان الديني تحت مُسميات عدة ، منها الجهاد و ابتلاء المحرّمات للناس من الجنة و الناس و فتاوي الحفاظ على الدين ( بسفك الدماء ) و غيرها كثير صِنو آيات بعينها في القرآن ، فكيف إذن بعلي بلحاج يتألم أو يستشعر فداحة جُرمه و ثقله مادام مثال جُرمه قائم في دستورهم ؛ مرتكب بشناعة و بأضعاف مضاعفة ممن يَأمَل في أن يكونون قدوته وهم الأقرب فالأقرب ، يسارعون ليل نهار في التشبه برسولهم أو من هم الأقرب فالأقرب منه منزلة بخاصة الصديقِين وَ الشهَدَاءِ و الصَّالِحينَ . بخاصة الصديقين و الشهداء من السلف المقبورين ثم بعدهم يأتي الصالحون الذين هم مازالوا يعيشون بين ظهرانيه ، وفي كل عصر هم مصدر اللاعدالة و اللامساواة و مظاهر التخلف المرتبطة بهما.

في كل عصر و عصر بعد عصر يوجد في هذا المجتمع الديني فئة مجتمعية من الهُيّام و من العُرام و من النّيام ، كل مساهم بقسط وافر في التخلف عن الحضارة الإنسانية المثلى ، أما النُّيام فهم المجتمع الديني في البوادي و القرى الطرفية الحدودية المعزولة و يغلب على تعليمهم حفظ القرآن و تعلُّم الكتابة و القراءة فقط ، لا يهمهم شيء آخر غير تأمين مصادر الرزق و الخوف من الاختلاط بالغرباء بشكل وسواسي الذي مصدره قرآني ؛ هواجس الإصابة بزيغ الشيطان و الانحراف وهلم جر ، بالتوارث أصبحت جينية ، عنصرٌ يشكّل خارطتهم الجينية بالتالي منوّم سرمدي و حصن ضد كل أسباب التحرر ، و عندنا بالجزائر هيّأت لهم مدرسة عبد الحميد ابن باديس الدينية الحُضن بدءا من العام 1931 ، هذا الهُيام المهوس بحب الذات و نبذ الآخر على أنه مستدمِر نجس وهو في الحقيقة آنذاك مقر كوني لنهضة علمية شاملة. حين يقول:

وَأَذِقْ نفُوسَ الظَّــالـمِـينَ سُـمًّـا يُـمْـزَج بالـرَّهَـبْ
وَاهْـزُزْ نـفـوسَ الجَـامِدينَ فَرُبَّـمَـا حَـيّ الْـخَـشَـبْ
مَنْ كَــان يَبْغـي وَدَّنَــا فَعَلَى الْكَــرَامَــةِ وَ الـرّحبْ
أوْ كَـــانَ يَبْغـي ذُلَّـنـَا فَلَهُ الـمـَهَـانَـةُ و الـحَـرَبْ

منذ أن ترك مدرسة العلم الفرنسية و ولج الكتاب تحصنا واهما من الشيطان ترك مجتمعه أسباب التحضر و هما العدالة و المساواة و حمل أسباب التخلف ، الإقصاء و العنف الظاهر بالسيوف و الخناجر و الأحزمة الناسفة و العنف الباطن و هو الأشد فتكا ، فما ولوج المجتمع الجزائري اليوم عن طريق حراكه الشعبي مرحلة الخداع و المناورة القذرة إلا لِأنه يحوي بين صفوفه فئات مليئة حقدا و كراهية كخلايا سرطانية نائمة و صارت محترفة في انتهاز وتحيُّن الفرص ، فها هو زعيمها عبد الله جاب الله متحصنا خلف الغوغاء يرفع صوته محاولا إقصاء أطرافا بعينها بحجة أنهم سبق لهم وأن عملوا مع بوتفيلقة و قبل أشهر فقط كان يناضل من أجل أن يسمح له هذا الطرف الذي يحاول إقصائه بأن يلج إلى مؤسسات صنع القرار البرلمان و ديوان رئاسة الجمهورية كي يدلي بآرائه! يقصيهم بحجة الفساد وهو أفسد منهم فسبحان الله مغير الأحوال ، و الحق الحق أن الفساد كل الفساد هو الذي يأتي من لدن مجتمع الربوبية الذي تنادي به الغوغاء لأنه يخول الطرف الحاقد و الإقصائي الاحتكام إلى السنن الغيبية الدكتاتورية لا الواقعية الديمقراطية ، و الخوف جائز متأتي من كون حقائق الفساد لا تبدو واضحة مع غير المتمرسين بخاصة الذين ولدو نهاية العشرية الحمراء ، فكم هم مخدوعين بجرو الذئب الوديع بطبعه ، ثم هل أن الحل عصي لهذه الدرجة حتى لا تنذر محاولات مجتمع الربوبية هذا السائر إلى الفراغ الدستوري فالاحتقان فالعنف الطاحن الأعمى الآكل للأخضر و اليابس أحدا؟ ما أهون فساد نهب المال العام و الانحلال الأخلاقي و تبرج المرأة أمام فساد منطق التفكير العقلي. ثم أن ليس الحل ماثل أمامهم منذ قرون لدى المجتمعات الغربية و هم لا يبصرون؟ و هو إمّا : ــ أن ننتقل بالدين من مجاله السياسوي الذي يريد به شرا إلى مجاله الطبيعي الذي يكفله له القانون خيرا و حماية و هو المساجد و الكنائس و نفوس الأفراد أي يصبح تديناً مَعنيُون به الأفراد لا الحكومات.
وإما : ــ انقسام الدولة الواحدة إلى دويلات/ولايات فيدرالية كروسيا و الولايات المتحدة كل ولاية لها دستورها و حالة لبنان بين المسيحيين و الشيعة بالنسبة لنا الأقرب إلى التمثل.

أما الهُيّام فهو مجتمع العلماء المستعيضون بالدين و اللاهوتيات كلما استشعروا خطرا يتهدد براغماتيتهم تلك ، الذين يعيشون في عزلة عن الغالبية العظمى بنيّة خادعة تضمر الحقد و تظهر الحب ، فهم محنة الإنسانية حتي يعقلوا لا حتى يتزكوا ، أجل هم هباء الناس في علمهم و نظرياتهم و حياتهم اللصيقة بالرؤية و الاتجاه الذي لا يصب إلاّ في حقل الكراهية! منهم أساتذة التعليم العالي من المفروض أن الأجور الضخمة التي يتلقونها هي ليست نظير شهادة دكتوراتهم لكن نظير جهد و عمل يجب عليهم القيام به لمصلحة الطلبة ، بهم و إليهم و ليس منهم و إليهم لكن لأسف العكس هو الحاصل عندنا بالجزائر فيصبح كل من تدكتر نزيل الطبقة البورجوازية يتوجب على الطلبة طلب ودّها عوض طلب معرفتها ، فهم في مثل هذه الحال كالشاردين المتصوفين أصحاب الحلاج و ابن عربي و الحالمين أحلام اليقظة ، فالمتصوفة الأتراك في تكاياهم كذلك هم مصدر الفوارق الاجتماعية و الطبقية في الإسلام بعد أن استحوذوا على قطاع التجارة ، المقارنة من الناحية السياسة بين المجتمع الكاثوليكي و المجتمع الإسلامي تؤكد أنه " لا يوجد أي وساطة دينية للمتصوف بين مجتمعه و الله حتى في اﻷ--------مازون ٬-------- و لهذا السبب تعيب الكاثوليكية الزاوية ؛ لا رهبانية في الإسلام ؛ الولي المتصوف يخلف الخليفة و ليس النبي : يكون وسيط مطلق ــ العلماء ومسيري الزوايا و الطرق ــ لمراقبة شرعية وعادلة للمجتمع ؛ نستبدل مجتمع الربوبية بمجتمع السلطة السياسية ، لتصبح الزاوية هي مصدر الإسلام السياسي في الجزائر"[2] ، فالحُظوة المتوَهَمَة تلك تجعلهم يستمرون في هيامهم و تمنعهم من فتح الأعين و قطع دابر التخلف و المساهمة في بناء الحضارة و لو لِطرفة عين ، فهواجسهم أشد فتكا بالإنسانية تنبني على تَوَهُم تتعدد مصادره من مصدر ديني مستند إلى المبدأ المذهبي / الأيديولوجي إلى الحج العلمية الباطلة الواهية سلفية و متصوفة على السواء ، و إن لم يكن لا هذا ولا ذاك ( الحالات الخاصة منهم ) كان استعانة بالسِّحر عن دراية تماما كما كان يمارسه معمرا القذافي للانضمام إلى هذه الفئات شكلا لا مضمونا بالتالي الحظو بالقبول و التواصل ثم الاستمرار مع الغالبية خداعا براغماتيا.

أما فئة العُرّام فهم خُوار لا حول ولا قوة لهم برغم عدتهم و شدتهم المتأتية من قوة الحشد الغوغائي Masse منهم المنتمين للجيش أو عامة الشعب ، لا تنفع حدتهم و نشاطهم قد مسه الوباء ، ليس ذلك الذي علق بأجسادهم بل هو الذي اعترى جوهرهم و أصابهم بمحنة رفع الشيتة و تحية الطبقة العليا أبا عن جد لولا حب الذل و العبودية من دون إعمال للعقل (الإعمال تعني نقد أبسط حالات العبودية)، فهم خُرام لا عزيمة لِعِلمهم و عملهم مصابون في كرامتهم التي بها يضمنون المركز و لقمة العيش و هي الفئة الأكبر ، فيهم من أساتذة الأطوار التعليمية و قطاع الوظيف العمومي عندنا بالجزائر مَن يدركون أنهم بعلمهم الذي يمجد ماض أكل عليه الدهر و شرب يقفون في وجه أفق الأنظمة المعرفية التحديثية الداخلة في التبدل و التغير ، لا مستقبل لهم لكن ما باليد حيلة لا راد للقضاء و القدر فيهم ؛ المعلم يمدح المدير و المدير يمدح المفتش و المفتش ( الذي من المفترض أن يكون غريبا لا محليا حتى يعمل عمله بحرية ) يمدح الإدارة المركزية و مثلهم عمال الطبقة الوسطى في الزراعة و الصناعة و قطاع الخدمات و هكذا يسود النظام.

كنت في نهاية التسعينيات وبداية الألفية على أهبة الاستعداد للارتباط بمجال الإعلام تكوينيا، عندها كنت هاويا للثقافة الإذاعية ؛ ألتقط بعض المحطات الإذاعية العربية و الدولية المرموقة و ذات السمعة الطيبة في مجال نشر الإبداع الأدبي و الثقافي عموما و إذا بي ألتقط و أسجل صدفة في يوم من الأيام إذاعة إسرائيل الدولية و وصلت على المحاوَر وهو يرد على محاوِره بلغة إنجليزية متروية قائلا : « .. احتمال ، جائز احتمال ، لأن الدين هو الأخلاق و كما تعرف هناك أخلاق تحُض على السعي وراء الآخرة ، ستمقت بالضرورة و تُضاد الدنيا الفانية وهي فوق طاقة البشر العاديين مالم يلتزموا بمنهج خاص، و لِأن الدنيا دنيا كما يقال إذن ما الإسلام و المسيحية إلى دينا الدنيا ؛ فالدين الحقيقي هي اليهودية دين قلة و دين أخلاق سامية لا تساير تطلعات البشر و ميولاتهم الطبيعية ، هي الأخلاق التي لم يفهمها إلاّ من مارسها، لذا فإن أفضل دين في هذا الوجود صعب المراس عصي على الإدراك تقبلا و على النفس الراغبة مجاهدةً ، فهو قليل الأتباع بالضرورة لأنه لا يلبي حاجاتهم الدنيوية ، بل لأنه يقف ضدها أمام الحاجات الأخروية فيتركونه قافلين للمسيحية و الإسلام ..

.. فلو أن النبي محمد عاش عشر سنوات أخرى لكان قام هو بنفسه قيادة حرب ضد الروم في الشام بدل عمر ابن الخطاب ، و نتيجة لذلك احتمال كبير أن يهزم محمدا الجيش الرومي هزيمة عظيمة حتى يجعله يتقهقر كلية إلى ما وراء أنطاكية ، و نتيجة ذلك يخاف الروم في بيزنطة و روما من زوال عرشهما على يد المسلمين فيسخرّون جيش لا قِدم للمسلمين به في عدته و عدده ؛ أي نحو المليون محارب يأتي نصفه من تركيا عابرا الأناضول و نصفه الثاني يدخل من الإسكندرية إلى سناء من ثمة يحاسر هذا الجيش العرمرم محمدا و يطرده إلى فيافي الربع الخالي ، بعد قتل و أسر و تشتيت جيوشه و بعد ردع و تهديد قبائل شبه الجزيرة الشمالية حتى لا تنجده من ثمة تتهيأ الفرصة لجواسيس كِسرى عظيم الفرس لرصد محمد ثم إرسال من يُجندله و تنتهي الإنسانية مبكرا من شرور هذا الرجل الذي منذ ظهوره إلى الآن تسبب في إبادة الإنسانية إبادة لم يضاهيه فيها أحد ؛ شعراء و رجال دين ، نساء و أطفال لم يسلموا منه: يُنبئهم أولا عن طريق مراسليه ثم يقايضهم إما الاعتراف وإما القتل بدعوى أنه رسول الله ، و طبعا قبل أن يرحل أورث هذه الحرفة الشنيعة أتباعه ، فلتَعُد كم من عصر و كم من قرن و كم من عشرية أزهقت و لازالت تُزهق فيه الأرواح البريئة باسم هذه الشريعة و هذا الرسول »

طبعا نحن لسنا مع هذه النظرة اليهودية المتعصبة هي الأخرى لكن مع الرأي القائل محمد رسول و شفيع الأمة مِن صميم الواقع العقلي العملي لا الطموح النظري أي الإسراع في طرح النص للاجتهاد و التأويل ؛ فما أصعب ما كلَّفت به الرسالة المحمدية نفسها لَمَّا خاطبت الإنسانية خطابا لا يساير منطقها و قناعاتها الغريزية ، فكم من دهور بملايين السنين قفزت عليها طموحات الإسلام النظرية وكم من دهور لاحقة وضعت نفسها حيالها موضع الهادي وهي لا تغدو أن تكون نقطة بل ذرة منها! ما ظنك بتركيبة الإنسان الجسدية السائرة إلى التغير و التبدل السرمدي لتتبعها لزاما تركيبته الفكرية و الأخلاقية تأتي و تروح هي الأخرى .

ليس ببعيد عن احتمالات معشر يهود تقع احتمالات الساسة و علماء الاجتماع الماديون عندنا ، الذين أفنوا حياتهم جرياً وراء النظرية السياسية و النظرية الاجتماعية الأليق بمجتمعاتهما المتخلّفة ، فذينك العالمان مازالا يفقدان يوميا رأس شعريهما بحثا عن دواء الداء ( حتى عندما صاغا نظريتهما السياسية و الاجتماعية أسمياها "فرضية إهمال النص") آخر هذا الداء قرارات سياسية من الرعونة و المزاجية بما كان ، شبيهة بقرارات المرحوم القذافي تنم عن تشعشع الدكتاتورية و تشعبها في البلاد العربية بخاصة في شمال إفريقيا. لكن و ما دخل النص قد يقول قائل؟ هل سنأمل أو ننتظر أن نطل من نافذة الوعي المجتمعي بعد إهمال النص ربما ـ من يدري ـ بعد هذا الإهمال سيسقط الغيث و تسيل المجاري مشكلة أنهارا وأودية بما لا أذن سمعت و لاعين رأت حتى يُقبر شظف العيش و ينبُت الرّبيع لا محال على دمنته ، سينتكس سِحر الأمة و ينتفي مخذولا مرذولا مع ضباب السَّحر ، سَحَرٌ واعد ولاشك بتفتق عهد جديد من نضج اجتماعي و وعي السياسي مُزهران ، ما يمهد الطريق أخيرا لا آخرا للعدالة الاجتماعية ، حيث لا عقوبات مزاجية كعقوبة حرمان الدخول إلى البلد ، التي تفنن في تطبيقها النظام المصري السلطوي ، ماذا لو احتاجت تلك الفنانة الممنوعة من الدخول الأراضي المصرية إلى عملية جراحية ليست متاحة إلا في مصر ، هل ستترك لتموت و هل كانت هذه العقوبة خافية عن المجتمعات الديمقراطية مع شدة خطورة ما يقوّض أمنها وهي القنابل البشرية الموقوتة القادمة من دول الجنوب ليل نهار؟

ماذا تنتظر من هذا البلدان الغارقة في السلطوية و التخلف السياسي كإشهارها لقراراتها السياسوية المتسرعة المومئة إلى التخلف ، حين تعلن تونس مثلاً عدم سماحها للمنقبات و الملتحين الجزائريين من دخول أراضيها و ترد الجزائر بغلق حدودها! نحن على يقين أننا لن نفاجئ سوى بسيول عرمرم من الغيث الموقظ للأرض بعد سُبات ، سُنّة خالق البشر في بشره لا سُنة خالق المسلمين في مسلميه و لِتُذهب بالسِحر الذي ظلّ و مازال يقف حجر عثرة أمام أي مشروع نهضوي ، فينطلق الوعي مع انطلاقة الربيع و يعُم خير نظرية فرضية إهمال النص وعيا سياسيا ، فأي رحمة منه وسعتكما أيها العالمان الجليلان الجالبان للرزق و الطمأنينة لأهل النص نقصد لِأهل الفقر و الجوع؟!
يتبع

[1] - رواه أبو داود وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (7/1369)
[2] - ﺃ--------حمد بعلبكي وآخرون : قضايا الهوية في الوعي العربي المعاصر ، مركز الوحدة العربية ط2 ، بيروت 2013 ، ص89. و ينظر أيضا نيللي سلامة العمري : الولاية و المجتمع ، دار الفارابي، ط2 ، بيروت ، 2006.






#زياد_بوزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤى نقدية (2)
- رؤى نقدية في الأدب و الثقافة (1)‏
- حكايات الدكتور سْفَر 10
- حكايات الدكتور سْفر 9
- آخر المرتزقة ‏
- حكايات الدكتور سْفَر 8
- حكايات الدكتور سْفَر 7‏
- عندما تستأثر إرادة الموت بالنفس البشرية
- حكايات الدكتور سْفر 6‏
- حكايات الدكتور سْفَر 5‏
- حكايات الدكتور سْفَر 4‏
- حكايات الدكتور سْفَر 3‏
- ‏ ‏‎ ‎حكايات الدكتور سْفَر 2‏‎ ‎
- حكايات الدكتور سْفَر 1 ‏
- السلطوية والرئاسيات في الجزائر، توزيع السكنات الاجتماعية لره ...
- في حضرة راوي الحكايات
- قصص قصيرة جدا
- أبستمولوجيا المنهج الما بعد حداثي في السياقات العربية ، إشكا ...
- الطابور الخامس
- ‏ قصار كالأقصوصة أو أقل


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - رؤى نقدية (3)