|
وصية للاغبياء
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 6304 - 2019 / 7 / 28 - 17:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كونوا أحرارا، أقولها بملء فمي، لا تخشون أحداً، لا تهابوا الموت، لا تغازلوا الحياة، اذا كانت هذه الحياة مرّة، كعلقم الصحراء، لا يستسيغه حتى من يشعر في جنانه مهبط الداء، ومكامن العلل، ومغرس الحتف. من يعيش الخنوع يدمن الذل، ومن يدمن الذل، يستسيغ الهوان، ومن يستسيغ الهوان يركع للعبودية. يخيفونكم هؤلاء الاجلاف بغضب الآلهة، ويحذرونكم من سطوتها، يصورونها لكم كالغول، كالأسد الهائج، يهولونكم بها، يقضوا مضاجعكم، وهم الاولى بذلك، هم الافاعي التي تنفث السموم، هم الامواج العاتية، التي تجرف كل ما يمر من امامها، كل من يقف ازائها، بطرفة عين. يريدون استعبادكم، يسعون الى خنوعكم، يسعدون في اذلالكم، لغرض الهيمنة والتسلط، وكسب المغانم. اعلموا إن الآلهة لا تتدخل في شؤونكم، لا تراقبكم، لا تحبكم ولا تبغضكم، لأن الآلهة لا تمتلك غريزة البغض حتى تبغض، ولا تمتلك بذرة المحبة حتى تحبكم، هي المتعالية على سمة المادة، هي كالنور الذي يضيء ما حوله، بل هي النور الذي به تُمحى الدياجي، ويضمحل الظلام، ويعم السرور، وتنتشر البهجة. احبوا الآلهة، كما تحبون ابناؤكم، كما تحبون أنفسكم، كما تحبون الجمال، أنها هي الخير الذي يُغدق عليكم، هي البهجة التي تملأ قلوبكم، هي الغبطة التي ترسم البسمة على شفاهكم، هي الامل الذي يشع في دروبكم. ثوروا على من يريد اذلالكم، ويسعى لخنوعكم، وسلب خيراتكم، تحت مسميات ليست لها صلة بالواقع، وامور قد لا تعونها. تزودوا بالقراءة، اقرأوا ما يحلو لكم من ادب وفلسفة وعلوم، إن القراءة هي من يرعبهم، من يخيفهم، من يقض مضاجعهم. الطغاة لا تخاف الا الانسان القارئ، المتعلم، الدؤوب، الذي سلاحه الكتاب، وسيفه الفكر، وقوته المعرفة، هذا من يخافون تحديه، ويخشون شوكته، ولا يقفون ازاءه، وبعكسه، الجاهل المتخلف، الذي لا يطالع ولا يحب القراءة، ولا يميل الى المعرفة، الكسول الذي لا يفتح كتابا، ولا يكتب سطرا، ولا يناقش فكرا، ولا يرد على رأي، فهو كالنائم قيلولة أمام عرين الاسد، لا يدري متى يخرج الاسد من عرينه، ليلتهمه لقمة سائغة، اعدت له من دون عناء. الحرية لا تُعطى، لكنها تؤخذ عنوة بليّ ايدي الطغاة، وكسر جبروت السلاطين، وبتحد المتجبرين، وبمحاربة المتسلطين. الحرية مسعى الشجاع، وغاية المناضل، وهدف الانسان الحر. من يخاف السلاطين لا يسعد بنور الحرية، ولا يرتشف من ماؤها العذب، ولا يرتوي من كأسها المصفّى، ويعيش الدهر مطارد لا يسلم على دمه، لا يدري متى يُحز رأسه، متى تجز ناصيته، متى يودع السجن، بتهمة وبغير تهمة، سيصبح عيشه نكد، لا ينوم الليل نومة هانئة، ولا يرتاح نهارا من لسعة القلق، بقرع اجراس الخطر، التي تحيط به في كل لحظة، لأنه ادمن الكسل، ولم يشحذ سيف التحدي، ويخرج للمبارزة، ويطالب بالحرية. إن الهزيمة مغنم! من قال لكم؟، لا تنهزموا امام الجبابرة، ارعبوهم بوقفتكم، زلزلوهم بتحديكم، فتتوا شملهم بتفانيكم، أنهم جبناء بلباس كماة، ترعبهم لمتكم، ويشجعهم تشتتكم. وحّدوا صفوفكم واغزوهم بعقر دارهم قبل أن يغزوكم، علوا اصواتكم على اصواتهم، لا تلوذون بالصمت، فأن صمتكم سيشجعهم عليكم. لا تحضرون مجالسهم، وتسمعون خطبهم الوعظية، فأنها مجالس خاوية، ووعظ متهاوية، وكلام مكرر، لا توجد فيها كلمة مفيدة، فالكلام ذاته، والجمل هي، هي، مواعظ لا طائل منها، ولا فائدة فيها. انتبهوا الى انفسكم، بادروا الى العمل مبكرا، اعموا ما يخدم اوطانكم، سعوا الى ما يتماشى مع انسانيتكم. كونوا انسانيين، تسعد الناس بكم، ووطنيين يبتسم الوطن لكم، عمروا اوطانكم بالبناء والاعمار والتحضر، انتجوا، ابدعوا، كونوا حضاريين، ستجدون المستقبل يضحك لكم. اتركوا ترهات "ما قال ابي" انبذوا الخرافات وراء اظهركم، كفاكم تعيشون على الاساطير، تنوروا بنور العقل، لا تعودوا القهقرى الى كهوف الجهل. من يرميكم بحزمة من الجهل، ارموه بقبس من النور، ومن يقذفكم بكرة من الضلال، ارموه بشعلة من العلم. بالعلم تنهض الشعوب وبالجهل تعود الى التخلف، فتغرق ببحر الجهالية، ولا تهتدي الى الطريق السوي. اصحاب الخطب الرنانة لا امان لهم، هُم يعظونكم ولا يوعظون أنفسهم، وأنفسهم اولى بالوعظ منكم، هذا هو ديدنهم، متلونون، وعاظ السلاطين، يعيشون على موائد السلطان، يبيعون كرامتهم بالدينار والدرهم، همهم بطونهم، وغايتهم، الزلفى الى السلطان، لنيل الجوائز، واخذ العطايا السنية، وكسب المغانم، وهو غايتهم الاسمى وهدفهم الاخير. اصحوا من نومكم، انتبهوا من غفلتكم، احسوا ما يجري، زنوا الامور بعقولكم، تأنوا قبل اتخاذ أي قرار، لا تقروا امرا فيه ندامة لكم، لا تثقوا ثقة مطلقة بأصحاب السوء، لأنهم يتربصون بكم، يريدون ايقاعكم في حبائل التردي والخذلان، ومهاو القدر، لكي يبقوا هم الاعلون، وانتم الاسفل، تنادون ولا من مناد، وتستغيثون فلا من مغيث، تستصرخون فلا من مستصرخ، فيكونوا هم المنتصرون وانتم المنهزمين. هذه الوصية، اضعها بين ايديكم الآن، واعلم انكم لا تأخذون بها، بل حتى لا تقرؤون سطرا منها.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
درس الطب ليس بمحض رغبته فحقق شهرة عالمية واسعة!
-
العبقري الذي احتفظوا بمخه من اجل الدراسات المستقبلية
-
الغجر مأساة انسانية خالدة
-
بالفلسفة نغير العالم: النزعة العقلية: اكتشاف الهندسة التحليل
...
-
بالفلسفة نغيّر العالم: ما هو العقل، وهل ممكن نقده؟
-
مقالات في التصوف والعرفان(4)
-
مقالات في التصوّف والعرفان(3)
-
مقالات في التصوّف والعرفان(2)
-
مقالات في التصوّف والعرفان(1)
-
خدام الفلسفة:(2) إمام عبد الفتاح إمام
-
لا منقذ للإنسان الا الموت
-
اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(3)
-
ابن المقفع وانكار وجود الله
-
اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(2)
-
اساطير وخرافات الطبري المؤرخ(1)
-
هل الدين ضرورة للمجتمعات؟
-
قرار نهائي
-
عَلموني كيف أحب وطني
-
الحمير وحدها التي تعيش حرة
-
مقهى
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|