|
القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6303 - 2019 / 7 / 27 - 16:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نقلت مصادر سياسية وبرلمانية متطابقة يوم أمس خبرا مفاده (أن هناك أتفاقات ورغبات سياسية لدى قادة الكتل والأحزاب العراقية بعدم فتح ملفات قضائية خطيره منها ملف سقوط الموصل وأربعين ملفا تتعلق بالنزاهة وجرائم سياسية وأقتصادية خطيرة ومنها ما يتعلق بإهدار وسرقة مئات المليارات من الدولارات من خزينة العراق، والعذر المعلن وحسب تلك المصادر هو الحفاظ على الاستقرار السياسي الهش وعدم فسح المجال لأهتزازات سياسية جديدة قد نعرقل الوضع السياسي وتربك المشهد الديمقراطي!، الغريب في الأمر أيضا أن ذلك الخبر والتسريبات الصحفية مرت مرور الكرام ولم ينفي أحد على المستويين السياسي والحكومي وأيضا البرلماني هذا الأمر وكأنه موافقة معلنة على ذلك ورضا به. هذا الامر بمجملة يشكل انتكاسة خطيرة جدا وخطيرة جدا في ظل شعار مكافحة الفساد وتشكيل مجلس أعلى له برئاسة رئيس مجلس الوزراء والتبجح بذلك وكأنه حلقة من سلسلة الممارسات السلطوية التي تمارسها حيتان الفساد والمفسدين في الضحك على ذقون الشعب العراقي وأستهزاء بالدستور وتعطيل القانون ورعاية حالة اللا أستقرار واللا جدية في معالجة تلك الملفات الخطيرة، وبذلك يبقى الحال على ما هو عليه لحين تفجر الأوضاع بشكل مأساوي قد يطيح بالعراق كدولة ونظام ومؤسسات وهذا ما يسعى له الفاسدون وأعداء العراق بشكل معلن، لا يمكن بناء دولة ونظام وعملية سياسية حقيقية وسليمة مع بقاء الفاسدين والمخربين والسراق تحت رعاية المنظومة السياسية وبدون حساب قانوني، وهذا يمثل دعوة صريحة من أولئك المتفقين على تشجيع الفساد والسرقة وهدر المال العام والتنكر لدماء الشهداء والتضحية بكل العراق نحت أعذار وأسباب واهية ومخجلة. الأمر الأخر أن الدستور الذي يشبث به هؤلاء ينص صراحة في مواده الأساسية أن القانون فوق الجميع وأن القضاء حر لا سلطان عليه ولا يمكن بأي حال من الأحوال تعطيل الدستور والقانون لأجل رغبة زعماء الكتل والأحزاب، برغم المطالبات الشعبية بمحاسبة الفاسدين والمفسدين وسارقي قوت الشعب، كذلك فأن السكوت على ملفات خطيرة وبهذا الحجم يعد انتهاكا لحقوق الإنسان وحق القانون في فرض نفسه كعمود أساسي في حمل خيمة الوطن وحمايتها من الأنهيار، بما يمثله من رغبة صريحة بإبعاد القضاء في فتح تلك الملفات وتعرية الفاسدين والمجرمين ووضعهم في المكان المناسب إحقاقا للحق وتقوية الدولة ومؤسساتها وبناء دولة حضارية حقيقية تتمتع بالقدرة على البناء والتطور وحماية أمنها ووجودها ومستقبلها. الشيء الغريب أيضا أن السلطة القضائية بشقيها المحاكم والادعاء العام لم تحرك ساكنا في أداء واجب ألقى الدستور والقانون عليها مسؤولية متابعته ومعالجته وفقا للوقائع والتحقيقات الجارية، في الوقت الذي تنشط به في تناول قضايا أقل أهتماما وقد لا تشكل شيء مهم تجاه ما في هذه الملفات من خطورة وأهمية عظمى، وهذا يدل على أن الفساد وهدر المال العام والسرقات التي تحدث في كل مفاصل الدولة لا تعني شيء مهم في أجندتها أو حتى في صلب عملها، وهذا يضع ألف علامة أستفهام حول دورها في تشجيع تلك الممارسات وتقاعسها في الواجب القانوني والدستوري، وأنتهاكا صريخا لمبدأ الفصل بين السلطات وكشف حقيقة مرة أن السلطة القضائية مسيسة وخاضعة بالكامل للعملية السياسية ولم يعد بالإمكان الثقة بها كحارس أمين على قضايا الشعب والوطن. والعجيب أيضا أن نرى سكوتا مطبقا يشكل علامة عار على المرجعية الدينية ودعاة الإصلاح ومحاربة الفساد ويكشف عورتها بأنها جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الفاسدة وعليها التنحي وعدم الكلام والتبجح بذلك أمام الشعب وبالأعلام المأجور الذي صدع رؤوسنا بمدح مواقفنا وأنها أمينة على مصلحة الشعب العراقي وصمام أمان له كما يزعمون، لا نجامل ولا نهادن أي جهة تقبل على التستر على المجرمين والفاسدين ورعاتهم وداعميهم سواء في السلطة التشريعية أو في السلطة القضائية، ولا نغالي إن قلنا أن السكوت المعيب هذا أخر مسمار يدق في نعشها ليكون الطلاق الحقيقي بينها وبين جماهير الشعب، خاصة وأن شعارها المعلن هو (الوقوف على مسافة واحدة بين الجميع)، فهي فعلا توقف هذا الموقف بين الحق والباطل بين الشعب وجلاديه وسارقيه دون حياء ولا خوف من الله وسقوط أخلاقي وإنساني مدو. إن الدولة الحديثة والنظام السياسي المسؤول لا بد لهما أن يكونا تحت سلطة القانون دون أي تمايز ولا مراعاة لواقع هدام ينقض الدولة من أساسها الطبيعي وهو قوة الرابطة التي تنظم العلاقة بين أفراده ومؤسساته، كما أن أحترام القانون والدستور وتنزيه القضاء قوة للمجتمع وكل ما سعي هذا المجتمع على صيانة قوانينه وتنفيذها بروح المسؤولية أمكنه أن يتجاوز حالة الضعف والأنهيار وشلل المؤسسات التي لا بد من دعمها وتقويتها، اليوم اصبح من الواضح تماما أن السلطة التنفيذية الممثلة أولا بحامي الدستور رئاسة الجمهورية في موضع مسألة وأنتهاك لدورها في حماية العراق ونظامه السياسي مما يجعله فاقدا للمشروعية التي أقسم عليها ومارسها بموجب أحكام الدستور الذي ينتهك يوميا أمامها دون حراك أو حتى ممارسة القليل من الصلاحيات التي يتمتع بها، كذلك يبين حقيقة أن مجلس الوزراء قد فشل أيضا في تنفيذ الواجبات المعهودة عليه والتي توافقت مع البرنامج الحكمي المقدم وتعهدها بمحاربة الفساد والقضاء عليها، مما يجعل طرفي السلطة التنفيذية معرضين للعزل والدعوة للتخلي عن مسؤولياتهما الدستورية وتشكيل حكومة وسلطة تنفيذية جديدة قادرة على حماية العراق وشعبه ومصادر ثروته وحفظ دماء الشهداء والمضحين الذين سقطوا نتيجة تلك الملفات التي تتستر عليها. الشعب العراقي اليوم مدعوا بكل فئاته وأطيافه ومكوناته للعمل الجاد والمخلص للتصدي لهذه الحالة ومحاولة النهوض من أجل تصحيح الواقع المنحرف من خلال حراك شعبي منظم ومسؤول، وأن لا يستكين مرة أخرى ويبقى في دائرة الدوامة والتيه الذي أفقده أبسط مقومات الحياة الكريمة لصالح شلة من الأعداء والمخربين والفاسدين والسراق تحت عذر الحفاظ عل الاستقرار الهش كما يزعمون، وعلينا أيضا أن لا نكتفي بالأستنكار والشجب والكلام الذي لا يغني عن فعل يتناسب مع خطورة الطرح وما يشكله من إهانة له وتجاوز فض على كل مصالحه وأمنه ومستقبله وأصراره على تجاوز هذه الانتكاسة المرة منذ عام 2003 وليوم، اليوم ندعو كل جماهيرنا بمختلف عناوينهم أن يتصدوا للفاسدين ومشاريعهم وتلقينهم درسا أن لا مشروعية لأحد خارج إرادة الشعب ومصالحه العامة، وأن السلطة ما هي إلا أداة لتنفيذ الواجب والمستوجب دون أن يكون هناك إرادة عليا فوق إرادته.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العبودية وامتهان كرامة الإنسان
-
هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
-
مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
-
مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
-
أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
-
العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
-
الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
-
الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
-
نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة
-
قانون التداولية والمطلق المحال....
-
الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
-
((وجعلنا في التراب كل شيء))
-
القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
-
الفكر التنويري بين العودة المشروطة وبين التخلي عن نقطة البدا
...
-
بين الإلحاد واللا دينية مشتركات ومفاهيم مغلوطة
-
الشعور الديني او مظهرية الدين في الذات الإنسانية
-
ليس كل الشعر كلمات
-
الإعلام العربي ومشكلة الوظيفة وإشكاليات السلطة
-
الديمقراطية الواهمة ..... الديمقراطية الإسلامية....
-
الجذور الدينية للفلسفة المادية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|