|
الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (1)
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 6303 - 2019 / 7 / 27 - 14:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن النظام السوري خالي الوفاض إعلامياً في غمار المواجهة التي فرضتها عليه الثورة السورية، ولم تكن الإيديولوجية السياسية التي يعتمدها منذ عشرات السنين خاوية تماماً وبلا تأثير، فقد ظل لدى النظام ما يقوله وظلت له مساحة إيديولوجية، وإن كانت ضيقة، يتحرك فيها ويحاول توسيعها وقد تمكن من توسيعها فعلياً مستفيداً من أخطاء لم تكف المعارضة السورية عن الوقوع فيها. وفي الواقع بينت الثورات العربية أن تغيير الأنظمة الموالية للغرب (جهة الشرور والنكبات في ذهن المواطن العربي) أكثر يسراً وأقل كلفة من تغيير الأنظمة التي تبيع مواقف مناهضة للغرب وتتقن لعبة استثمار الصراع بين الشرق والغرب. ومرد ذلك ليس فقط إلى أن الأنظمة الموالية للغرب تفتقد إلى الخطاب السياسي المشحون بعداء الغرب والذي يمكن أن يلامس مشاعر قومية أو إسلامية لدى "مواطنيها"، بل أيضاً، وهذا هو الأهم، لأن هذه الأنظمة قابلة للسقوط ما أن يسحب الغرب يده الداعمة لها، ذلك لأنها تفتقر إلى سند بديل. تميز النظام السوري الأسدي بازدواجية أتاحت له قدراً كبيراً من المناورة والاستقرار. فهو يقيم علاقات وثيقة مع المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفييتي ثم روسيا لاحقاً) ويتبنى خطاباً معادياً للغرب سواء في السياسة الخارجية أو في التكوين الاقتصادي الاجتماعي الداخلي، وهذا ما أكسبه حماية شرقية. وهو في الآن ذاته لا يدخل في معاداة تامة أو نهائية مع الغرب، لا بل يمكن أن يكون فاعلاً في خدمة سياسة غربية في المنطقة من موقعه كحليف للشرق، أكثر من فاعليته لو كان حليفاً صريحاً للغرب. فهو بذلك عمل على ابتزاز الشرق عبر التلويح بالتوجه غرباً، واستفاد من السند الشرقي في وجه الضغوط الغربية التي مورست عليه في فترات معينة، منها الفترة الحالية التي يشكل السند الروسي للنظام فيها قارب نجاة وسداً في وجه التأثيرات الغربية. في موازاة القمع المادي المباشر لشتى مظاهر الاحتجاج عمل النظام السوري على خوض "معركة العقول والقلوب" التي لا تنفصل عن المعارك العسكرية. واعتمد في هذه المعركة على وسيلتين متكاملتين الأولى هي المحاججة الإيديولوجية السياسية والثانية هي الحرب الإعلامية القائمة على التشويه والمبالغة والكذب بالاستناد إلى معطيات واقعية كانت هشة وضعيفة في البداية ثم ما لبثت أن زادت وضوحاً وانتشارا مع تعثر تقدم الثورة وتشابك عناصرها ودخول عناصر غريبة على خط الثورة. في الجانب الإيديولوجي السياسي لجأ إيديولوجيو النظام إلى الابتعاد التام عن موضوع الداخل أقصد موضوع آلية الحكم ونمط توزيع الثورة والفساد والإقصاء واستعمار نخبة معينة للدولة. وأنجز الخطاب الموالي ذلك بالاعتماد على عملية تحايل سياسي تقوم على خلط الأوراق وتصنيع خطر يحيق "بالوطن" للهروب من استحقاق رد السلطة السياسية إلى حالتها الطبيعية كانعكاس لإرادة الشعب وخياراته. وقد فتح الخطاب الموالي لنفسه مسرباً يتهرب من خلاله "بأخلاقية" من هذا الاستحقاق يقوم على القول إن النظام يحتاج إلى تغيير لما فيه من فساد وظلم و.. الخ ولكن الأولوية الآن هي إسقاط المؤامرة وإنقاذ الوطن. وهذا يعني في الواقع التخلص مما يضغط على النظام ويرغمه على التغيير، أي التخلص من الثورة، الأمر الذي سوف يعني، إن حدث، خروج النظام منتصراً على شعبه وعودته لممارسة آليات حكمه السابقة بشكل أشد وأكثر عنفاً تجاه المجتمع. حتى أن بعض ألسنة النظام لم تستطع إخفاء هذا التصور وقالت صراحة إن النظام بعد أن يتخلص من هذه المؤامرة سيتفرغ للمحاسبة وسيرى كل من شاركوا فيها أي منقلب سينقلبون. وهكذا بعد إغلاق الباب على تناول المواضيع الداخلية التي شكلت فعلياً الدافع الأساسي للثورة ركز الخطاب الموالي على النقاط التالية: 1. موضوع المقاومة وما درجت الأدبيات السياسية على تسميته "المسألة الوطنية". 2. موضوع العلاقة مع الغرب. 3. موضوع الطائفية والتطرف الديني 4. موضوع العنف أولاً - في موضوع المقاومة: منذ بداية الثورة في سوريا وضع النظامُ الحراكَ الشعبي في خانة "استهداف سوريا" الممانعة والداعمة للمقاومة. فهي مجرد حلقة جديدة من سلسلة حلقات التآمر على سوريا. وقد وصل الأمر حد قول أحد المدافعين اللبنانيين عن النظام السوري (ناصر قنديل) إن الثورة التونسية والمصرية كانتا مجرد مقدمة لتحريك الوضع الداخلي في سوريا. وحين كان من الواضح دعم النظام السوري لحزب الله في لبنان والذي حقق صموداً لافتاً في وجه الجيش الإسرائيلي في حرب تموز-آب 2006، ودعمه لحركة حماس في فلسطين واستضافته لمكاتبها في دمشق رغم الضغوط والمطالبات الأمريكية العلنية بإغلاقها، كان لهذه المحاججة سنداً تتكئ عليه. لم يكن بمقدور المدافعين عن نظام زين العابدين بن علي أو نظام حسني مبارك أن يلجؤوا إلى محاججة كهذه مثلاً. أي إن النظام عمد منذ البداية إلى مواجهة الداخل بالخارج. والحقيقة أن الرئيس السوري سار على هذا الطريق منذ خطابه الأول أمام مجلس الشعب بعد أيام قليلة من اندلاع الحراك في درعا، حين قال: "إذا أرادوها حرباً فإننا جاهزون لها"، وصولاً إلى توجيهاته إلى الحكومة التي تشكلت عقب "انتخابات مجلس الشعب" الأخيرة والتي ترأسها رياض حجاب الذي أعلن انشقاقه لاحقاً حيث اعتبرها رئيس النظام السوري "حكومة حرب". ما يفيد أن حراك الداخل هو مجرد أداة حرب في يد الخارج. ومع تطور الأحداث في سياق الثورة لم تبخل زعامات في المعارضة بتقديم مواد إعلامية تغذي مذهب النظام في أن المقاومة هي المستهدفة. من نوع الهجوم الشديد الذي مارسته المعارضة السورية على حزب الله وزعيمه واتهامه السريع بالمشاركة في قمع الاحتجاجات الأولى في درعا. ولعل تصريح الدكتور برهان غليون حين كان على رأس المجلس الوطني السوري كان أبرز هذه المواد حين قال إن سوريا بعد الأسد ستعيد النظر في علاقتها بحزب الله وإيران، ما بدا على أنه إرضاء لأمريكا وإسرائيل. ولاسيما أن المقولة الشائعة في متن المحاججات الإيديولوجية السياسية للنظام هي أنه طُلب من النظام قطع علاقته بإيران وحزب الله مقابل إنهاء الاحتجاجات، لكنه رفض ودخل المواجهة. بالمقابل، وفي حركة متناقضة تدل على عكس ما أريد منها، عمل النظام في سورية في ذكرى النكبة في أيار 2011 على السماح لحشود من الشباب السوري والفلسطيني على عبور الحدود مع إسرائيل ما أربك هذه التي قتلت في يوم واحد على الحدود مع سورية أكثر من عشرة أشخاص وجرح المئات. وقد بينت هذه الحركة أن النظام يقف عملياً في وجه هذه الحركات ويستخدمها لأغراض سياسية داخلية تخص ديمومة حكمة التي هي أبدأ وأولى من دعم المقاومة وغيرها. هكذا إذن يبدو في الخطاب الموالي أنه لا جديد تحت الشمس وأن هذه الثورة ليست إلا موجة جديدة من "الهجمات الشرسة" التي طالما تعرضت لها سوريا المقاومة والممانعة، وأن سوريا معتادة على صد المؤامرات وتكسير الهجمات على "صخرة صمودها". ثانياً – في موضوع العلاقة مع الخارج: تحيل مفردة الخارج في اللغة السياسية لإيديولوجيي النظام إلى الغرب حصراً. فما أن تشكل المجلس الوطني السوري كإطار منظم يحاول التعبير عن الحراك الداخلي وتمثيله حتى اعتمد النظام تسمية "مجلس استنبول" للدلالة عليه، في تقصد اتهامه بالارتهان إلى الخارج الغربي الأطلسي. مسقطاً صفة "الوطني" عنه حتى في التسمية. لا يهمنا هنا الدخول في باب علاقة المجلس الوطني بالخارج ومدى سيادته على قراره الذاتي أو خضوعه لسياسات دول تدعمه وتموله، فهذا بحث آخر. ما يهمنا هو تقصي الخطاب الموالي أثناء عمله على ما أسميه جبهة كسب العقول والقلوب. وكان من الملاحظ في خطاب النظام التركيز الزائد على فكرة السيادة والاستقلالية عن الخارج (الغرب) وتوجيه التهمة للمعارضة بالتبعية للخارج. كما كثرت في هذا الخطاب العودة إلى مصطلحات تاريخية تذكر بفترة الاحتلال العثماني مثل "الأستانة" أو "الباب العالي" أو "ولاة الشام" .. الخ مع التذكير بالمطامع التركية في استعادة الامبراطورية العثمانية. وكذا الحال تجاه فرنسا الدولة التي استلمت استعمار سوريا من العثمانيين، والتي كانت الشريك الثاني في اتفاقية سايكس بيكو الدليل التاريخي في الوعي العربي على سوء طوية الغرب (الخارج). وبالنظر إلى أن هذا الغرب يمثل في ذهن الشعب السوري والعربي، كما هو معلوم، مصدراً للظلم الوطني الذي ينكأه على الدوام الوجود الإسرائيلي الغاصب والمدعوم بلا تردد ولا اعتبار لمشاعر العرب أو المسلمين من جانب الغرب، فإن دعم الغرب للمجلس الوطني شكل مأخذاً لم يكن منه بد، أخذه إيديولوجيو النظام ورددوه وحاربوا به. كما شكل الدعم الخليجي للمعارضة السورية مدخل طعن إضافي في حوزة الخطاب السوري الموالي. ففي الوعي السوري العام، ربما أكثر من غيره من الشعوب العربية، تعتبر أنظمة الخليج محميات أمريكية وينظر إليها على أنها تعمل وفق إملاءات غربية ليس في حساباتها مصلحة الأمة. وعليه فإن المساندة الخليجية للمعارضة السورية (المجلس الوطني) والخطاب الاسترضائي الذي اعتمده ممثلو المعارضة في توجههم إلى زعماء الخليج شكل ثقلاً على القيمة المعنوية للمعارضة. وتبدو المفارقة ساطعة حين تدعم أنظمة الخليج ذات أشكال الحكم العائلية المتخلفة والاعتباطية، ثورة شعب يطالب بالحرية وبالديموقراطية. وطالما ردد الخطاب الموالي هذه الحجة في محاولة لضرب نزاهة المعارضة وزجها في خانة "المخططات الخارجية" و"التآمر".
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يحدث في الثورة السودانية
-
الجهاديون مرض الثورة السورية
-
بماذا يفكر القناص؟
-
التشبيح الموازي
-
بورتريه ريفي
-
التحديق في الموت
-
رثاء الأحياء
-
حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية
-
مقابلة عن الحالة السورية في 2014
-
أبو طالب وأم اسماعيل
-
حوار لصالح مركز حرمون للدراسات المعاصرة
-
العلمانية من منظور الأقليات الدينية
-
العلويون السوريون بين الانفتاح والانعزال
-
مديح المفاجأة
-
السودان، خطوة إلى الأمام ومخاطر متربصة
-
الهزيمة المؤسسة للهزائم
-
نفوس مفخخة
-
الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً
-
اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
-
حوار، عن الذات وعن الثورة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|