|
النزعة الإنسانية في الشعر الأمازيغي
محمد أسويق
الحوار المتمدن-العدد: 1547 - 2006 / 5 / 11 - 10:34
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
في خضم شرارة العولمة وشرورها المستبدة بكل مناحي الحياة، نرفع التحدي من عمق تراثنا الأصيل، من عقر ممتلكاتنا الرمزية، ككيان، أزلي يؤسس لمرجعية إنسانية دالة عن مدى ارتباط الوجود الأمازيغي بقيم التسامح والتعايش والتواضع. فنغوص في أسرار اللغة وفي ردهات الخيال ومراتع البلاغة، بحثا عن رؤية عميقة للوجود، وعن أمكنة الاستقرار خارج فضاءات تلعلع الرصاص والإبادات الجماعية وتهميش الثقافات وطمس الهويات... التي تعتبر كل اختلاف عدو، وكل بوح قنبلة موقوتة، ونحن نركب هنا العباب المعولم الذي شوه الذوق الفني وميع الإحساس الجمالي والجملة المعبرة عن صدق المشاعر، نصطدم بالوجدان الجريح الذي أسهم بفعالية قصوى في تأسيس صيرورتنا التاريخية، إنه الشعر الأمازيغي –إزران- في بعده الملحمي الذي شكل عبر قرون من الزمن جزء هام من المشهد الشعري المغاربي/ الإفريقي فجسد حضورا ثقافيا متميزا لا يمكن الاستغناء عنه، إلى درجة أن التعامل معه كرس بشكل مقدس ونبيل، فقد تلي في الكهوف والأغوار وقدمت به القرابين للآلهات. فأسهم من جانبه في إغناء تراث الإنسانية عبر مر العصور والحقب مما يمكننا القول بأنه جزء من الشعر العالمي. بالرغم من شفويته. ولا يمكن إطلاقا أن ننفي على الشعر الأمازيغي دوره في الأخلاق والتربية والتحريض ضد الانبطاح، وقد أسهم في ذلك مبدعون فهموا على أن الفن يجب أن يؤول مآل السلاح، فانخرط الشاعر الأمازيغي بكل تلقائية مثقفا عضويا بحثا عن التكينن خارج مهازل الليل البشري. إنه شعر يتجاوز لحظة سعادة إلى وجود حضاري تصونه مرجعية مثالية ذو نزعة إنسانية محضة. شعر يتعدى الطقس الفرجوي إلى الحضور الأنطولوجي، فيكفي لما أشار إليه في هذا الصدد، هوميروس وهيرودوت وبيارني وابن خلدون وهو يتحدث عن زناتة من أمم المغرب؛ أو كما يشير ليون الأفريقي إلى القصائد المنقوشة على قبور الموتى مؤكدا مدى التعلق بهذا الفن. وفعلا وخارج أي طمس للحقيقة التاريخية أنتج الشعراء الأمازيغيين نصوصا في منتهى الروعة والجمالية بفنية رائعة بإيقاع أخاذ وصور مذهلة نظرا لإتقان الشاعر.إزروي-لهندسة اللغة وحنكته في استعمال والاشتغال على القاموس الإنزياحي المتوهج وهذا إن دل على شي فهو يدل أيضا على أن اللغة الأمازيغية قائمة الذات وقوية العبقرية والحيوية، مادامت تخترق أرقى درجات الثقافة فكرست الفكر وأنتجت المعرفة الهادفة فلم تكن أبدا قاصرة أو عاجزة أو هامشية، وقد استعان بها كل من الإغريق والرومان واليونان والفنيقين لتطوير فكرهم وكان ذلك ينذر بكثير بأن تصير اللغة الأمازيغية انطلاقا من دهاء عبقريتها لغة عالمة وعالمية. إلا أن قوى البطش والطغيان أنهكت قواها بقوة المؤامرات التي لم تستثني لا الثقافة ولا العمران ولا المجال ولا الإنسان، فعاثت في الأرض أبشع الفساد. خصوصا إبان الاحتياج الأموي لشمال إفريقيا التي اعتبروها دار حرب اسلم أهلها أم لم يسلموا على حد قول بعض المؤرخين. فتم إحراق كل المكتبات الأمازيغية وكل ما له صلة بالثقافة والفكر والعلوم، والتي كانت مرجعية كبرى لكبار الأجلاء الغربيين والفراعنة... لا لشيء سوى لتقرأ كتب نحلهم كما يعبر حسن الوزان. فباسم العروبة تم اضطهاد الأمازيغية فكرا وهوية وتاريخيا، وحاولوا تعريب وتخريب كل المحيط، وأظفوا صبغة القدسية على اللغة العربية التي هي نتاج بشري محض؛ وزج بكل ما هو أمازيغي في دهاليز المحرم والممنوع والمقموع والمكبوت وهو ما يتنافى مع العلوم الإنسانية والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية، فأن تقتل اللغة باسم اللغة نفسها تلك هي بداية الجرائم المشروعة(بارت). فأمام هذه الويلات التي كابدها تراثنا المادي والروحي لم يسعف الحظ تطور القصيدة وبلوغ أوجها وسموها، وظلت دوما قصيدة مكلومة ومجروحة في معهد الطبيعة الفطرية دون ثمة دعم مؤسساتي... فرغم قدم اللغة والثقافة الأمازيغية لا نعثر على ما يشفي غليلنا بالإقصاء الممنهج، علما أن القصيدة مثلث لدينا وجودا حضاريا لا لغة موزونة فقط لأننا كيان حضاري لا تجمع سكاني والقصيدة هذه "تقسيست" شكلت لدينا مفهوما حداثيا بامتياز، مادامت تحاول أن تعيش في قلب صيرورة راهنية وبمرجعية فكرية أصيلة تراعي التوازن الثقافي لاستشراف المستقبل برؤية طموحة، فأنهلت حداثة في الفن الأمازيغي بمميزاتها الخاصة رافعة التحدي في وجه الاستلاب والمسخ، فبالرغم من كل معاناتها مع الزمن ظلت تفكر من داخل منظومة القيم لتعزيز مرتكزاتها الهوياتية وتوسع من آفاق مشروعيتها، فتنحت وجودا قويا على نعش الأدبيات الأرتودوكسية. فالشعر الأمازيغي باق وبوحده يمكن أن نحب الحياة. وباسم الشعر الإنساني يمكن أن يعم السلام والأمان وعن الأمازيغية أن نفك الأكمام. ونعلن عن لغة العجم. كما سنعلن القطيعة مع فكر العدم.
#محمد_أسويق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة الأمازيغية والحلم المقموع ،،،، لا ديمقراطية مع استمر
...
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|