|
التاريخ في أصل الدلالة والتوهم
قحطان اليابس
الحوار المتمدن-العدد: 6301 - 2019 / 7 / 25 - 17:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كما ان الوقوع على بنى المعرفة والنظام والمجتمع في الواقع مقاربة معقدة ومتشابكة في التشكيل والإنتاج ، كذلك فأن القبض على اصل الدلالة والتكوين والفكر والتوهم في محركات التاريخ قد تكون مقاربة مستحيلة في اصل النشوء لمعنى المفاهيم والقيم وابعاد الإنتاج والتطور ، ومن المؤكد ان التاريخ لا يتوخى الحتمية ولا الغائية وربما لم يتوخى السيرورة في اصل الأسباب والنتائج ، ولذا فمن الوهم الاستمكان من الاشتغال على الإنتاج والتراتبية والتراكمية من نظرية علمية او فلسفية او جدلية مادية كانت ام حسية ، ولعل محركات التاريخ غير مرتبطة الجوهر بكينونة الصفة او الاكتساب ولا يمكن قراءة التاريخ من رؤى محددة وثابتة قطعية ، فذلك وهم وطوبى ضريرة ، فليس من المحتم ان الوقائع هي بنية لإنتاج عالم واحد بمرجعية أصولية كي يمكن التوصل الى معادلة يقينية في الحركة والتطور والتشكيل والتغاير ، بل انتاج لعوالم بأبعاد ومستويات غير قياسية ولا معيارية ، غير متسقة ولا متوازنة ، فما انتجته الخيالات والتصورات العقلية البشرية في اشتغالها بالصراع المتعدد في نسبية الزمان والمكان كان ولازال ينتج ديناميكية الصراع بأبعاده الافقية والعمودية وربما بأبعاد لا يمكن الولوج اليها في الادراك كونها تمثل صراع مصطنع يخفي ويحجب مكنونات السلطة والنظام والمجتمع ، غير معرّف البنية ولا التكوين ، ويمثل مرجعية لذاته في انتاج بنى فوقية استراتيجية تقوم بالدفق والبث في مخزون تراكمي من البداهات والتوهمات بما يمكن ان يتشكل ضمن هيكليات السيطرة والهيمنة واصطناع الاحداث والوقائع ، كونها فقدت الهيمنة النظرية بما تمتلكه من مدونات الانغلاق والتوهم والتضليل او الطوباوية المثالية أو الأيديولوجية ، بل بات من المسلمات ان دفقات التاريخ تستلب مكنون العالم الى عوالم ،، مرئية ولا مرئية ،، ظاهرة وخفية ،، تحتية و فوقية . وكما ان المعرفة البشرية عاجزة عن إقامة علائق اختبارية لاستنباط دلالة المعنى والغاية ، فلم يكن انتاج الواقع بأصله من عقل ذاتي وفكر فرداني وانما هي عملية معقدة جدا من التطور الذهني لعوالم العقول والمعرفة والمجتمعات والأنظمة والمفهوم والقيمة والصراع خلال سبر اغوار التاريخ وما تم خزنه في البنية من توهمات وخيالات وحاجات واحداث وتحولات ، وتبقى العلائق مع اصل الدلالة في التاريخ يشوبها الكثير من الرموز والغموض مهما تطورت وتشاكلت وسائل التفكير والتحليل والتفكيك لتلك العلائقيات المتشابكة والمعقدة في مدى تأثيرها وفاعليتها وانعكاساتها على اصل المعنى في اشكاليته الأولى عند الانبثاق ، وكل قراءات التاريخ تدخل في اكبر تيه فكري ومعرفي في إشكالية القراءة في حد ذاتها ، فليس التاريخ مجرد حدث ، او حقبة او تحول او عصر ، ومن التوهم بان تكون القراءة له بمستوى الاشتغال من بعد واحد ، كون الإنتاج في حد ذاته كان بأبعاد تفوق التصور والخيال في بيئته ، ليس هناك صناعة لتاريخ ما بكل ارثه ومخلفاته ، فليس الامبراطور هو من انتج الحرب لوحده ، بل هي نتاج مرتبط بالآلة العسكرية والتنظيم والتمويل وبالعدة والخطة والثروة والسياسة والطموح والمصلحة والتعبئة والتملك والتسلط والاستبداد ،، وكل ما شكل مفهوما ثنائيا في وقت وقوع الحرب ، ومع ان العقل البشري يدحض الحرب كدلالة ، الا انه لا يملك ان يخلع ضرورتها وادامتها حتى مع التطور المعرفي والذهني ، بل قام بتطويرها وإنتاج أسلحة متطورة وترسانات هائلة وأصبحت وسيلة انتاج عالمية ولغة خطاب ورمز وردع وفضاء يتشابك فيه الامن والأمان للفرد والاجتماع والعالم ، وتعدى الامر بان تكون الحرب شرعية عقائدية من اصل واحد في الدلالة المرجعية ، وكذلك ما انتجه العقل البشري من خيالات في تشكيل هيئة الاله وتعدد صوره ومسمياته ، قبل ان يدرك العقل معنى الاله في دلالته كأصل لمعنى ، ولكنه تطور ليصبح مرجعيات كبرى في الفكر والمعرفة والممارسة في معنى الوجود واللاوجود ،، بل وكيف تشكل عبر التاريخ كمنتج واقعي ليصبح سلطة تفرض تنظيمها وقوتها وادواتها ، وكيف اصبح علما وفكرا وحجة وانساق فقهية وكلامية ليس لها حدود ،، فهل يمكن الاستدلال على مفهوم الاله في اصل النشوء والدلاله المرجعية ؟؟ وهل يمكن ان نغادر ما انتجه التاريخ في تطور التشكيل والهيئة والمعرفة للمقدس والدين كمفهوم عام لنتاج بشري تاريخي ؟ ان كل التراتبية في اصل الدلالة للتاريخ لم تكن انتاج لمحض الصدفة او القصد او التوهم ، بل هي عمليات إجرائية متراكبة معقدة من الرموز والأفكار والتمثلات والخيالات الذهنية التي انتجها العقل بقدرة تفوق تشكيل الواقع بما يمكن ان يكون حقيقة متوهمة او حقيقة افتراضية او حقيقة مصطنعة ، وفي هذا التوليد يستدعي الواقع كل فيض الحركة والصراع وتجليات المفهوم والقيمة لينتج واقعا بأبعاد أخرى وبضياع المعنى والفراغ في الثنائيات بجدلية التضاد والتكامل ، وعشوائية التدفق والانبثاث في التلاشي والتشكيل ، لم يكن يفترض على التاريخ البشري ان يكون واعيا في اصل دلالات التكوين ولا يمكن التوهم بإجراء التفكيك الذهني لمراحل التحول والحدث ، فلم يكن انتاج مفهوم الدولة الحديثة مثلا الا اصطناع تنظيري في اصل الاشتغال ، ولكنه استطاع ان يجد بعدا تحويليا من نسق تنظيمي الى اخر ، ليتم الهدم وإعادة الصياغة والتشكيل لواقع مصطنع اخر في عمليات إجرائية تحويلية تفند صراعا وتزيح هيئات لتنتج صراعات وهيئات بتشكيلات وصور ورموز أخرى ،، فإنتاج الدولة الحديثة كان انقلابا على البنيوية الاستراتيجية لأنظمة الحكم الغابرة ، وهذا يستدعي صراع اخر مع الاصوليات والمرجعيات التي سوف تفقد السلطة التي تمثلت فيها ورسخت رموزها ، ولكن الإشكالية هي ان ذات الدولة الحديثة المصطنعة قد انتجت اصطناعا اخر بعنوان الاستعمار وبالتالي انبثقت دولا مصطنعة بعنوان دول الهجرة والاستيلاء على القارات والاستكشاف ومن ثم الهيمنة والاستعمار ،، ثم تم اصطناع اخر يتمثل في هوية الدولة وفكرها ، ليبدأ صراع اخر يستدعي فيه مخزون ما تم تشكليه من المفهوم القومي والديني والعنصري والاشتراكي والرأسمالي ، وهكذا يقوم الصراع في تأسيس الدلالة بإنتاج صراع فوق الواقع لإنتاج صراع أخر ، كل هذه الصراعات تجري بأبعاد لا يمكن الولوج اليها بما تمثله من دلالات ،، لأنها لا تعني في انتاجها بما يمكن ان تعنيه الدلالة في حد ذاتها ،، لأنها تدور في مسبار لثقب دودي لا نهائي الابعاد والمستويات ، اطلق العقل البشري عليه مصطلح (التاريخ) . لا مراء ان هناك ديناميكية لا نهائية من التبادل والتأثير بين الدلالة التاريخية وبين الدلالة الواقعية ، فما تشكل في واقع الامس اصبح تاريخا وما تشكل في التاريخ انتج واقعا ، ليكون التاريخ والواقع بنية هرمية هائلة من المخزون الفكري المعرفي والذهني ، وبهذا يستحيل الاشتغال على ما تمثل من ابعاد ودلالات الا من نظرية كونية متجردة من التكوين الأول ، وبمجرد التفكير بان هناك قدرة تكوينية كاملة القدرة تقوم بتسيير مطلق المعايير خارج حدود الزمان والمكان فهو مجرد تنظير عمودي لا يشكل أي نظرية علمية في تحديات وتجاوبات الواقع والتاريخ ، وكما ان أي تفكير أيديولوجي يقوم بإخضاع التاريخ والواقع الى نظرية علمية وجدلية مادية هو محض هراء ، فلم يتشكل تاريخ البشر الا من واقعهم ، ولم يتشكل واقع البشر الا من تاريخهم ، وهذا دوران هائل في تعميق التوليد والانسلاخ ،، التطور والازاحة ، التأصيل والتجديد ، التداعي والنهوض ، الاظهار والحجب ، في تفاعل هائل من استحضار ثنائيات الاضداد ونسبية تشكيلها في التمثيلات الإجرائية والنظرية ، فيما ينتج من المعنى واللامعنى ، من المنطق واللامنطق ،، من العقلانية واللاعقلانية ، من الوجود والعدم ، من المحتوى والفراغ ،، من كل ما انتجه وينتجه الخيال الذهني الجبار للعقل البشري في إخراجه النسبي بين الفرد والموضوع والمجتمع والسلطة والنظام ، لم يعد التاريخ مجرد الغاز وخفايا يمكن سبر اغوار العالم من مجرد تحليل وتفكيك ، بل انه كم هائل من عوالم لا يمكن الوقوع والقبض على اصل الدلالة والتوهم فيها .
#قحطان_اليابس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان والذات – المعنى و اللامعنى
-
البصرة .. مو للبيع !!
-
الوصايةُ على العراق .. حكمُ الأرباب والجماعات
-
الحاكميةُ في العراق .. أزمة إنتخابات أم مكوّنات ؟
-
أرضُ السواد .. وَهمُ الدولة !!
-
بعد 100 عام .. لابد للإرث أن ينكسر
-
صخب -الأسلمة والعروبة- .. رهانٌ خاسر
-
الإزدواجية التشريعية ... المنظومة الفقهية والقانونية
-
خطاب المنابر .. نصٌّ ثابت من فكر غابر
-
فقه الحاكمية .. أزمة السلطة في الفكر الاسلامي
-
في أتون المرجعيات العقائدية
-
عقيدة التوحش .. شريعة من الاثر
-
قِبْلة الإسلام السياسي في البوصلة العربية !
-
المؤمنون الجدد .. عباءة شرعية تحت خباء سياسية
-
المشروع الإسلامي .. قرون من التيه الفكري
-
صحابة الإسلام السياسي
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|