أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - حروب الآلهة -3














المزيد.....


حروب الآلهة -3


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 6297 - 2019 / 7 / 21 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن أكثر الحقائق المأساوية غوصا في الزمن هي تلك التي تهمس في آذاننا : تأمل التاريخ الإنساني بصورة ثلاثية الأبعاد ( الخارق والغريزة والإرادة)، لقد تطلب البعد الأول إلها فكان الدين واستلزم الثاني سحرا فكان الفن، فيما الثالث احتفظ لنفسه بحقيبة السياسة، وفيما يُعلمنا الإله والسحر كيف ننظر للعالم تجبرنا السياسة على تجنب العيش فيه، قد لايبدو الأمر بهذه الرمزية غير أن الخصائص الدلالية للوقائع تحوي أصالة ذات قدرة على التبيان لامثيل لها، فمسرب الحقيقة التي تربط بين المُخيف والآمن أكثر دموية من سيّالات مذابح القرابين البشرية، فعلى سبيل المثال إن سفراء وقناصل الآله مهمتهم مستحيلة لأنهم جعلوها محاولة دمج بين نقيضين، كعلاقة مخترع الآلة البخارية باختراعه، يعلم آلية عملها، يُديرها ويصلحها ويخرجها عن الخدمة ويُبدلها بغيرها وقتما شاء، وليس أمام الآلة إلا العمل. إن هذه الوظيفة المسماة (دين) بالمعنى الحرفي لاتملك خاصية ذاتية الدفع، وهذا أمر يُقلق لامحالة رجل الدين والسياسة، وخصوصا بأن العوالم المرعبة والغامضة باتت بنظر العلم الحديث وحوشا تحت الترويض، فكيف إذن سيُتِمّ الدين وظيفته العلائقية بين الإله والناس؟
مهما كان رجل الدين أو السياسة واسع الأفق فلن يستطيع إخفاء سعيه لاحتكار الوصاية، لذا تراه يرغب دوما في إزاحة فكرة أن أفعاله ينبغي لها أن تخضع للوصف والتفسير، وإلا فلم إذن نمارس أفعالنا في عالم ونحيى بإحساسنا في عالم آخر؟ ثمة قلق مشاكس يكمن في عدم قدرتنا على التفسير الواقعي، لكن بالمقابل فإن الأمور الجيدة في حياتنا لاتطلب سوى بأن تُشاهد، فرسام الكاريكاتير ليس لديه ما يقوله، عوضا عن الكلام يرسم وما يعرضه لنا يتحدث إلينا تاركا لنا متعة التعبير، لذا إن لم تكن قادرا على التواصل قم بالتوصيل، فن أتقنه الشعراء فهم أنبياء اللغة، وقد تنبه رجل الدين والسياسة لخطرهم، الأول وصفهم بإخوان الشياطين والثاني يخشاهم كأعداءه، ومن الأجدى لأفكار أصحابنا أن تكون مقرونة بأسطورة، فإن عَلِم العوام بحقيقة أمرهما لهدموا صنيعهم حتى قبل أن يبدأ.
إن العين تُبنى بالكلمة وتبهر بالألوان، فالمتحدث الجيد يجعلنا ننظر بشكل أوضح وأدق رغم أن كلمات كتبه تقبع في عتمة مستودعات دور النشر، لذا فالفنانين والشعراء (الألوان) أقرب للساسة من الفلاسفة والحكماء، إن المؤمن بالصور الدينية لن يتوقف أبدا عن الفشل بوصف إحساسه بصدق أو حتى إدراك الواقع. ذلك ليس قول مبتذل فاللون سبق اللغة بآلاف السنين، غير أن اللغة تجمع الفكرة أما الألوان فتفرقها، لذا فإنك لن تجد أبدا مقابلا لغويا لإحساس ملون. إن ما يدفعه المؤمن ثمنا لذلك يشكل تصرفا لا إراديا، قد تقابل شخصا متطفل فلا ترغب بالتحدث معه، ورغم أنك لم تصرّح له بذلك إلا أن تغيّر لون وجهك قد أوصل الرسالة، فأن يُغير الإنسان من طبيعته فهو إما يؤدي عملا أو يمتنع عن أداءه رغما عنه.
لاريب أن الفن عباءة الدين رغم أن العلاقة الظاهرية بينهما لا تبدو بحال جيدة منذ قيام النبي إبراهيم بتحطيم أصنام قومه، إلا أنه وخلال آلاف السنين وقبل رفاهية الكتابة والقراءة لم يظهر الإله للعلن سوى عن طريق الرسم، وكافة القصص الدينية لاتوصف مشاهدها إلا من خلال الفن بل أن وصف الجنة وماتحويه هو فن بحد ذاته، حتى أن المحرمات قد تستنثى في سبيل تخليد ذكرى بعض الصالحين (بيت شعاريم) فترى الفن بأبهى صوره من نحت وتصوير ورسوم، إذن فما سرّ تحريم الفن في الأديان السماوية تحديدا.
إن الوهم المسمى تحريم الفن عقائديا يملك العديد من المبررات المتعلقة بالوثنية وحرمة تشبيه أو تجسيد الإله، لكن الأسباب الحقيقية يكون مردها في الفن ذاته، والذي يجيد التواصل والتوصيل معا، وفي الدين فإن مهمة التواصل حكرا على رجال الدين فهي مهمة يجب أن تبقى غامضة وما على العوام سوى التلقي والتوصيل أملا بالحصول على حقق التواصل، كما أن نمط الفن التواصلي يبث الفكرة عبر نسخها من مصدرها فيُفرغ الأصل من طابعه المادي أي يسلخ الشكل عن الجسد، وهذا ما قد يفعله الفن بالدين وقد فعل، مما كوّن متون تخيلية حسية ومصنفة بشكل لاحصر لها، فتعدد الدين في سباق لانهاية له، وبات كعملات ورقية سهلة التداول والإستعمال، وبقي الفن يملك العلامة. تلك كانت الأولى، وأما الثانية فللفن صيرورة تمنح اليد الصانعة روحا وإرادة لا تخطيء النسق العام لكافة الثقافات واللغات، وأما الأديان فتسلبهما في مجاز تنقصه المتانة ويملأه الإنحياز، وفي تحول بلا جوهر حقيقي، لم يشي التاريخ عنه بأية نتائج عملية مقنعة.
وأما الثالثة فمأساة المؤمن تكمن فيها بجلاء، وبها سأختم سلسلة مقالات (حروب الإله)، إن الفن يمنح المرء المعنى وفق ما هوعليه، فهو يتجاوز الفرد ليمنح المعنى لكل شخص وفق هويته وثقافته، أما الدين فليس فيه سوى معنى واحد يفرض على الجماعة فهو بالجملة ذو شعائر جماعية، لنوضح الأمر وندقق به جيدا ، شخص عليه التلقي والتنفيذ، مسلوب الروح والإرادة، يفرض عليه وعلى الجميع ذات الأمر والمعنى، تلك عقيدة الجيش، والمؤمنين ليسوا سوى جنودا تم تهيئتهم زورا لخوض حروب الحاكم باسم الآله.



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب الآلهة -2
- حروب الآلهة -1
- تكوين المُدرك
- لكي نبقى على الأرض 2
- لكي نبقى على الأرض
- العلّة الغائبة
- قوة الفكرة
- نرجسية الأديان
- المجتمعات البريئة
- السُحُب الفارغة!
- الإتجاه الجغرافي للتاريخ
- القيمة العلمية للأديان السماوية
- ضجيجُ الموتى!
- المتغيّر والثابت في الوطن العربي!
- الصحافة الرسمية الرائجة
- المعارفُ والقناعات!
- الجمهورية العربية الثالثة!
- العودة المستحلية!
- دول المخاض العربي!
- هوّية الهيمنة الدّينية والسّياسية


المزيد.....




- “السلام عليكم.. وعليكم السلام” بكل بساطة اضبط الآن التردد ال ...
- “صار عندنا بيبي جميل” بخطوات بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ...
- “صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو ...
- هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
- الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم ...
- الجهاد الاسلامي: اليمن سند حقيقي وجزء اساس من هذه المعركة
- مصادر سورية: الاشتباكات تدور في مناطق تسكنها الطائفة العلوية ...
- إدانات عربية لعملية اقتحام وزير إسرائيلي باحة المسجد الأقصى ...
- افتتاح الباب المقدس في كاتردائية القديس بطرس بالفاتيكان إيذا ...
- زيلينسكي يحتفل بعيد حانوكا اليهودي بحضور مجموعة من الحاخامات ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - حروب الآلهة -3