أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - العلمانية وأزمة مفهومها التآمري















المزيد.....

العلمانية وأزمة مفهومها التآمري


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6296 - 2019 / 7 / 20 - 23:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ أن ظهر مصطلح العلمانية أوائل القرن 19 حتى الآن وهو لم يستقر على تعريف موحد جامع بشكل مطلق يستند إليه كمفهوم بدهي، والسبب أن الاختلاف حوله كان يحدث في ظل تراجع القوى العلمانية فتضطر لإعادة صياغة برنامجها ونفسها من جديد، والعكس صحيح أي بتقدم القوى العلمانية وتأثيرها في المجتمع تُعاد صياغة المفهوم بشكل أكثر سلطوية، وعليه فيبدو أننا أمام مفهوم حسي أكثر منه عقليا يخضع لظروف ومتغيرات اجتماعية وسياسية ونفسية.

حتى القوى الدينية شاركت في حفلة تعريف العلمانية من تلقاء نفسها كالذي فعله الدكتور عبدالوهاب المسيري بتقسيمها إلى جزئية وشاملة، واعتبر أن شمول العلمانية يعني محاربة الأديان..وأن جزئيتها فقط في الفصل بين الدين والدولة مع ضمان الحريات بجميع أنواعها، وبالنظر في مفهوم المسيري فقد خرج بشكل تآمري يعتقد أن العلمانية حزب سياسي منافس على السلطة، بينما التعلمن هو مبدأ إنساني وعقلي يرفض سلطات رجال الدين على التشريع والتنفيذ، بالتالي فيمكن تطبيق هذا المبدأ بأشكال متعددة ومناهج وفلسفات متنوعة رأيناها طوال القرن ال 20 منها الناجح ومنها الفاشل، لكن الوظيفة الأسمى للتعلمن قد تحققت بإبعاد رجل الدين عن قيادة الدولة والاحتكام للقوانين والدساتير والحكومات المنتخبة

هذا المنطق التآمري للمسيري ظل هو المسيطر على أذهان كل الإسلاميين تجاه العلمانية حتى من قبل ظهور المسيري، بيد أن تعريف المسيري لم يكن سوى نتيجة لرفض الشارع الإسلامي للعلمانية بشكلها الحداثي، لكن في المقابل أدى فشل الإسلاميين لتقديم تنازلات وإعادة تعريف العلمانية من منظورهم بشكل أكثر واقعية، بمعنى أنه ولكي يسيطر الإسلاميون على المجتمع لابد لهم تدجين القوى الليبرالية الحداثية بأدواتها القوية في الإعلام كالمسرح والسينما والثقافة، لذا فقد اختلفوا حول تلك الأدوات بين مُحرّمٍ لها ومُحلل بُغية الصعود الاجتماعي والحُكم ليس إلا، وقد كان من هؤلاء الشيخ "حسن البنا" الذي دخل البرلمان المصري بوصفه منتجا حداثيا في سبيل تطبيق نظريته الإسلامية في الحُكم، بالتالي العلمانية لم تعد مؤامرة خطيرة في أذهانهم بل هي مؤامرة بسيطة يمكنهم التعامل معها بنفس أدواتها.

قَصَد الإسلاميون من التقرب للعلمانية هو إثبات أن الإسلام كدين هو ذو بعد سياسي متكرر في آيات القرآن والسنة، بينما الإسلام لديهم يعني أخلاق وفضيلة ورحمة..فإذا قمنا بالفصل بين الإسلام والسياسة نكون قد فصلنا بين المجتمع وأخلاقه ودينه بالكلية، وقد انتشرت هذه الرؤية بين الإسلاميين وصيغت فيها آلاف الكتب وتخصصت دول وحركات كاملة في دعم هذه الرؤية والتحذير من شر العلمانية، ثم زعموا أن هدف العلمانية النهائي هو الفصل بين الإلهي والزمني..أو بين الدين والدنيا كغاية يصبح بعدها كل قادة الدول لادينيون، وإن كانت هذه الرؤية في جوهرها شديدة التطرف والاختزال لكنها تعرضت لبراكين وزلازل بين الإسلاميين أدت لتسابق مضحك أحيانا حول تعريف العلمانية ومنتجاتها كقول أحدهم "ليبرالية يعني امك تقلع الحجاب"..!

وقد شهدت أواخر عهدي مع الإخوان كمّ سخريتهم من كلمة هذا الشيخ الذي يدعي أن الليبرالية تعني القلع، فقد كانوا مُشبّعين بمفهوم مختلف عن الليبرالية أنتجه حسن البنا وطريقة عيشه يتلخص في أن الإسلام طريقة حياة شاملة جامعة ومثلما هو حقيقة صوفية وطريقة سلفية هو أيضا منتج ليبرالي حداثي يمكنه تقليم أظاهر الليبرالية المعادية للدين، وقد استفاد من هذا المنطق إخوان تركيا في التأقلم مع علمانية بلادهم بعد تأسيسها فلسفيا وروحيا من قبل على يد الشيخ "سعيد النورسي" ولولا صعود القطبيين وطرد الإصلاحيين من الإخوان ثم التحالف مع الجهاديين لرأينا تعريفا إخوانيا جديدا للعلمانية هو أكثر حداثة وواقعية مثلما توصل إليه إخوان تونس، بيد أن الحركة الإسلامية المصرية بالعموم كانت أقرب للجماعة الوهابية في الخليج من الجماعة الليبرالية في الغرب وتصورها لمعضلة الدين والسياسة.

وقد يشتبه على البعض سلوك إخوان مصر اليوم في 2019 وهم يكرهون وهابية المملكة بدعوى مساهمتهم في الانقلاب على د .محمد مرسي، ثم أعادوا تعريفاتهم التراثية وأسقطوها على وهابية الخليج بالمجمل كفقهاء البلاط وسدنة المعبد وغيرها، إنما جوهر ما قاموا به هو الثورة فقط على جانب وهابي مؤيد للحاكم تم استيراده ثقافيا من فقهاء البلاط العباسي المؤيدين للمتوكل ضد خصومه من ناحية، وأقدم من رؤية فقهاء بلاط الأمويين ضد الهاشميين والخوارج من ناحية أخرى، إنما لم يثوروا على الرؤية الجهادية التي اكتسبوها من حرب سوريا التي أراها هي القشة التي قسمت ظهر البعير الإخواني بالانقلاب كليا على قيمهم الأخلاقية السابقة كالوحدة الإسلامية والسلام الاجتماعي ورفض منطق الجهاديين والتكفير والطائفية المسطور في كتاب "دعاة لا قضاه"

هذا الضلال الإخواني في تصور العلمانية هو الذي أدى بهم لكل هذه النتائج، فالتعلمن صحيح يهدف أوليا لتجريد رجل الدين من سلطاته التنفيذية والتشريعية لكن جوهر ذلك التعريف يكمن في تجريد رجل الدين أيضا من القدسية الفكرية، بمعنى أن تنحية رجل الدين من مسئوليات الدولة تضعه في ركن اجتماعي معزول عن مسائل الفكر والنظر المرتبطة آليا بالدولة، فيفقد قدسيته الفكرية وتصبح ألفاظه وصيغه البلاغية والدينية فارغة من معناها وليست ذات مغزى، لذلك فالمفهوم التآمري للعلمانية عند الجماعات لم ينتبه لجوهر التعلمن بالعموم وهو (التفكير العلمي والعقلاني) فمعنى تجريد الكهنة من قدسيتهم يعني إعادة الاعتبار مرة أخرى للعلم والعقل..وهذا أفضل ما توصلت إليه أوروبا ونجحت في اكتسابه بعد إكتمال فصل الكنيسة عن شئون الدولة.

جوهر العلمانية هذا هو الذي أنتج الدساتير في الحقيقة، فالدستور يتضمن في بنوده عشرات وربما مئات المواد، إذا وضعنا مادة أو اثنين في التعريف فماذا سنقرر في الباقي؟..وقتها يلزمنا فلسفة وجوهرا لهذا التعريف يمكننا اعتباره مبدأ فوق دستوري..وهو ما حدث بالفعل مع دستور الولايات المتحدة في القرن 18، فلم يكن لفظ العلمانية مذكورا في الدستور لكن معناه وجوهره حاضر بقوة في إعلاء قيم العقل والعلم، وأن الدولة لا تُدار بالشعارات والأعراف والأيدلوجيا الحزبية لكن بالعقل وحده، وقد رأينا ثمار ذلك في ثورة الأمريكيين ضد العبودية ووقف اضطهاد السكان الأصليين واعتبارهم مواطنين أمريكيين صالحين لاحقا، لكن ظلت جرائم المستعمِر القديم تطارد أمريكا ولم يشفع لهم ما قام به جيفرسون ولينكولن في ظل أخطاء وجرائم قيادات أمريكا المعاصرين وهذا موضوع مختلف.

وتبقى مشكلة المتدينين بالعموم في تناول المفاهيم ليست كوحدة مستقلة فكرية لها تجلياتها الخاصة في الفكر البشري، لكن يتناولوها بمنطق ديني فيقومون (بتديين الأفكار كلها) ويصبغون على المفاهيم قداسة كاذبة تصبح مدخلا بعد ذلك للحرب والفتن والتسلط، مثلما رأوا مفهوم الدولة مثلا..فعندما قاموا بتديينه لم ينتبهوا أن حدود إدارة الدولة تبدأ وتنتهي مع المصالح قبل الأفكار، وبالتالي فتديين الدولة سيؤدي لصراعات بنفس مقدار اختلافهم في المصالح أولا ثم الفكر ثانيا ، ولعل ما حدث في سوريا من حروب بين الجهاديين وصراعاتهم وانشقاقاتهم المتكررة يكن درسا للإسلاميين يدفعهم لضرورة النظر في إعادة تعريفهم للأشياء من جديد.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا فشل العرب والأمريكيين في التواصل مع إيران؟
- بساط الريح..وخرافات القرطبي
- حديث خير القرون ونظرية التطور
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟
- ليبيا الموحدة ليست مصلحة مصرية
- التصعيد الإعلامي والديني لن يحل مشكلة اليمن
- الشروط العشرة للتأثير والحوار
- حكم ضرب الزوجة في الإسلام
- معضلة الأخلاق والسلوك في العقائد
- هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟
- ديكارت في مواجهة الإخوان
- ضغط عالي..والسينما الهادفة
- معنى الإلحاد في القرآن
- مصر وإيران..اللقاء الصعب
- فضيلة الشك
- جريمة نيوزيلندا..ثقب في الوعي الإنساني
- أصول العرب..ومكر التاريخ
- المتحولون عن التنوير (4)
- المتحولون عن التنوير (3)
- المتحولون عن التنوير (2)


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - العلمانية وأزمة مفهومها التآمري