أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير زين العابدين - الترجمة العربية لمقال عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هيرتزوج (أعمال آباء التوراة الخرافية)















المزيد.....


الترجمة العربية لمقال عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هيرتزوج (أعمال آباء التوراة الخرافية)


سمير زين العابدين
(Sameer Zain-elabideen)


الحوار المتمدن-العدد: 6296 - 2019 / 7 / 20 - 06:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نشر عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هيرتزوج مقالا بجريدة هاآرتس الإسرائيلية عام 1999. عن (أعمال آباء التوراة الخرافية) حيث لم يرتحل بني إسرائيل إلى مصر أو يخرجوا منها، لم يحتلوا الأرض. ولا يوجد أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان، ولا ذكر لمصدر إيمان بإله إسرائيل.

المقال مترجماً للغة الإنجليزية:
http://www.truthbeknown.com/biblemyth.htm
المقال الأصلي بالعبرية كما نشر على صحيفة ها آرتس:
/http://www.hayadan.org.il/bible-no-evidence-291099
------------------------------------------------------------------
الترجمة العربية للمقال:

بعد 70 عاما من الحفريات المكثفة بأرض إسرائيل، اكتشف علماء الأثار التالي:
أعمال آباء التوراة خرافية، لم يرتحل بني إسرائيل إلى مصر أو يخرجوا منها، لم يحتلوا الأرض. ولا يوجد أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان، ولا ذكر لمصدر إيمان بإله إسرائيل. هذه الحقائق معروفة منذ سنوات، لكن بني إسرائيل شعب عنيد ولا يوجد من يريد الاستماع لها.
هذا ما توصل إليه علماء الآثار عن طريق الحفريات بأرض إسرائيل: لم يقم بني إسرائيل بمصر قط، ولم يتوهوا بالصحراء، لم يحتلوا الأرض بحملة عسكرية ولم يقسموها بين 12 سبط لبني إسرائيل. ربما يكون الأصعب من هذا هو أن الحكم الملكي الموحد لمملكة داوود وسليمان، والذي وصفه الكتاب المقدس بذي نفوذ بالمنطقة، كان على الأغلب مملكة عشائرية صغيرة. وسيصدم الكثيرين أن إله إسرائيل - يهوه - كان له زوجة وأن دين بني إسرائيل المبكر اتجه للتوحيد فقط في نهاية العصر الملكي وليس على جبل سيناء. معظم هؤلاء المشتغلون بالعمل العلمي بدائرتي الكتاب المقدس المتشابكتين، الآثار وتاريخ الشعب اليهودي - وهؤلاء الذين كانت بداياتهم في البحث عن إثبات لقصة الكتاب المقدس - يتفقون الآن أن الأحداث التاريخية المتعلقة بمراحل ظهور الشعب اليهودي مختلفة تماماً عن ما تخبرنا به هذه القصة.
التالي هو تقرير قصير عن مختصر تاريخ علم الآثار، مع تأكيد على المحنة والانفجار العظيم - إذا جاز التعبير - بالعقد السابق. السؤال الحاسم لهذه الثورة بعلم الآثار لم يصل بعد لوعي العامة، لكن لا يمكن اهماله.

اختراع قصص الكتاب المقدس
تطور التنقيب عن الآثار كعلم بفلسطين بعهد متأخر نسبياً، بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بالتماشي مع علم الآثار الخاص بالحضارات بالغة الضخامة بمصر وما بين النهرين واليونان وروما. كانت هذه الحضارات ذات النفوذ الهائل والموارد المكثفة الهدف الأول للباحثين، الذين ينقبون عن دليل مثير للإعجاب بالماضي، عادة لأجل المتاحف الكبيرة بلندن وباريس وبرلين. مرت هذه المرحلة على فلسطين بشكل مؤثر، بتقسيماتها الجغرافية المختلفة. أحوال فلسطين القديمة لم تكن مرحبة بتطور مملكة ممتدة، وبالتأكيد لا يوجد دليل على إمكانية إنشاء مشاريع ضخمة مثل المعابد المصرية أو قصور بلاد ما بين النهرين. في الواقع، لم يكن علم الآثار بفلسطين وليد مبادرة متاحف، لكنه انبثق عن دوافع دينية.

الدفعة الأساسية وراء التنقيب عن الآثار بفلسطين هو علاقة الدولة بالنص المقدس. المنقبون الأوائل بأريحا وشكيم (نابلس) كانوا باحثين بالكتاب المقدس ينقبون عن بقايا المدن المذكورة بالكتاب المقدس. وصلت الحركة الأثرية لذروتها مع نشاط ويليام فوكسويل ألبرايت William Foxwell Albright، الذي برع بعلم آثار وتاريخ ولغات أرض إسرائيل والشرق الأدنى القديم. ألبرايت الذي كان أمريكيا وأبوه كان كاهناً من أصول تشيلية، بدأ التنقيب فلسطين بعشرينيات القرن العشرين. كان نهجه المعلن أن علم الآثار هو الوسيلة العلمية الأساسية لتفنيد الادعاءات ضد الحقائق التاريخية لقصص الكتاب المقدس، خاصة ادعاءات مدرسة فيلهاوزن Wellhausen بألمانيا.

مدرسة نقد الكتاب المقدس التي نشأت بألمانيا ببداية النصف الثاني بالقرن التاسع عشر، والذي كان أحد أهم قاداتها يوليان فيلهاوزن Julian Wellhausen، تحدت تاريخية قصص الكتاب المقدس وزعمت أن التأريخ بالكتاب المقدس تمت صياغته، بل وعلى الأغلب "اختراعه" أثناء السبي البابلي. علماء الكتاب المقدس، خاصة الألمان منهم، زعموا أن تاريخ العبرانيين، كسلسلة متعاقبة من الأحداث بدأت بإبراهيم وإسحاق ويعقوب والمتبوعة عبر الانتقال إلى مصر والعبودية والخروج وانتهاءها باحتلال الأرض واستقرار أسباط إسرائيل، لم يكن إلا إعادة بناء متأخر للأحداث له هدف ديني.
اعتقد ألبرايت أن الكتاب المقدس وثيقة تاريخية، والذي رغم مروره بعدة مراحل تصحيح، فهو يعكس واقع المنطقة قديماً. كان مقتنعاً بأنه إن تم الكشف عن البقايا القديمة لفلسطين، فستكون إثباتاً لا لبس فيه عن الحقيقة التاريخية للأحداث المرتبطة بالشعب اليهودي بهذه الأرض.
نتج عن علم آثار الكتاب المقدس الذي نشأ عن طريق ألبرايت وتلاميذه مجموعة من التنقيبات المكثفة بمناطق كتابية هامة: مجدو، لخيش، جازر، شكيم (نابلس)، أريحا، أورشليم، عاي، جبعون، بيت شان (بيسان)، بيت شمس (بيت شيمش)، حاصور، تعنك ومدن أخرى. الطريق كان مباشراً وواضحاً: كل اكتشاف يظهر سيسهم في بناء صورة متناسقة للماضي. انطلق علماء الآثار الذين تبنوا نهج الكتاب المقدس بحماس في مهمة للكشف عن "حقبة الكتاب المقدس": حقبة الآباء، المدن الكنعانية التي دمرها بني إسرائيل حينما احتلوا الأرض، حدود الأسباط الاثنى عشر، مواقع حقبة الاستيطان، الممثلة في "صناعة الفخار بالمستوطنة"، "بوابات سليمان" في حاصور ومجدو وجازر، "اسطبلات سليمان" (أو أخاب)، "مناجم الملك سليمان" في تمنة. وثمة هؤلاء الذين ما زالوا يعملون بجهد ووجدوا جبل سيناء (في جبل كركوم بصحراء النجف) أو مذبح يشوع بجبل عيبال.
المحنة

ببطء، بدأت الثغرات تظهر بالصورة. وبشكل متناقض، نشأ موقف حيث بدأت وفرة المكتشفات في تقويض المصداقية التاريخية لقصص الكتاب المقدس بدلاً من تعزيزها. وتم الوصول لمرحلة المحنة حينما لم تتمكن النظريات بهيكل الفرضية العامة من حل الكثير من المشاكل المتزايدة. وأصبحت التفسيرات مملة وغير أنيقة، ولا تتراكب الأجزاء سوياً بسلاسة. هذه بعض الأمثلة لكيفية انهيار الصورة المتناغمة.

عصر الآباء: وجد الباحثون صعوبة في الوصول إلى اتفاق على أي من العصور التاريخية يماثل عصر الآباء. متى عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟ متى تم شراء مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي) (قبر الآباء بحبرون "الخليل") ليكون مكان دفن الآباء وزوجاتهم؟ تبعاً للتقسيم الزمني للكتاب المقدس، بنى سليمان الهيكل بعد 480 عام من الخروج من مصر (سفر الملوك الأول 6: 1). ولهذا التاريخ يجب أن نضيف 430 عاماً من البقاء في مصر (الخروج 12: 40) بالإضافة إلى حياة الآباء المديدة، فينتج عن هذا أن إبراهيم ارتحل لكنعان بالقرن الواحد والعشرين قبل الميلاد.
لكن لم يظهر أي دليل يدعم هذا التأريخ. دافع ألبرايت ببداية ستينيات القرن الماضي عن إرجاع ارتحال إبراهيم إلى وسط العصر البرونزي ( ما بين 22 إلى 20 قرن قبل الميلاد). لكن بنيامين مزار - أبو الفرع الإسرائيلي لآثار الكتاب المقدس - طرح تحديد الخلفية التاريخية لعصر الآباء ألف عام متأخرة عن هذا التأريخ، أي في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أي ستكون في "فترة الاستيطان". رفض آخرون تاريخية القصص واعتبروها أساطير موروثة كانت تُحكى بعصر مملكة يهوذا. على أية حال، ابتدأ الاتفاق بالانهيار.

الخروج من مصر، التيه في الصحراء وجبل سيناء
الوثائق المصرية الكثيرة التي بين أيدينا لا تذكر وجود بني إسرائيل في مصر وصامتة تجاه أحداث الخروج. تذكر وثائق كثيرة عادة الرعاة البدو بدخول مصر أثناء فترات الجفاف والجوع والإقامة على أطراف دلتا النيل. لكن لم تكن هذه ظاهرة متفردة، بل حدثت بشكل متكرر لآلاف السنين ولم تكن استثنائية.

حاول أجيال من الباحثين تحديد مكان جبل سيناء ومحطات توقف أسباط بني إسرائيل بالصحراء. بالرغم من هذه الجهود المكثفة، لم يتم اكتشاف موقع واحد يمكن أن يماثل ما يرويه الكتاب المقدس.

قاد نفوذ التراث بعض الباحثين الآن إلى "اكتشاف" جبل سيناء في شمال الحجاز أو - كما ذكرت من قبل - بجبل كركوم في صحراء النجف. هذه الأحداث الهامة بتاريخ بني إسرائيل ليست موثقة في أية وثائق خارجة عن الكتاب المقدس أو في الاكتشافات الأثرية. يتفق معظم المؤرخين اليوم أن بأفضل تقدير الإقامة في مصر والخروج حدث في بعض العائلات وأن قصتهم الخاصة توسعت وتم "تأميمها" لتناسب الأيديولوجية الدينية.

الاحتلال
أحد أهم الأحداث بتاريخ بني إسرائيل بالكتاب المقدس هو قصة كيفية الاستيلاء على الأرض من الكنعانيين. ومع ذلك، برزت بغتة مصاعب جمة بمحاولات إيجاد الدليل التاريخي لهذه القصة. التنقيب المتكرر من قبل بعثات أثرية عديدة في أريحا وعاي - المدينتين اللذان ذكر احتلالهما بأكثر تفاصيل بسفر يشوع - كانت مخيبة للآمال بشدة. برغم جهود المنقبين، ظهر أن بنهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد - بنهاية العصر البرونزي المتأخر، وهي الفترة المتفق عليها أنها فترة هذا الاحتلال - لم تكن أياً من المدينتين قد وُجدت، وبالطبع لم تكن ثمة أسوار لتسقط. وبشكل طبيعي، تم تقديم تفسيرات لهذه المشاكل. ادعى البعض أن الأسوار حول أريحا جرفها المطر واقترح آخرون أن الأسوار الأولى قد استخدمت، وبالنسبة لعاي، تم الادعاء أن الاحتلال كان لمدينة بيت إيل القريبة وتم نقل القصة لعاي عن طريق كاتب متأخر.

اقترح علماء الكتاب المقدس منذ ربع قرن أن يُنظر لقصص الاحتلال على أنها أساطير سببية لا أكثر. لكن بعد اكتشاف المزيد من المواقع الأثرية وظهر أن الأماكن المطلوبة اختفت أو صارت مهجورة بأزمنة مختلفة، دعم هذا الاستنتاج بأن لا وجود لأساس تاريخي لقصة الكتاب المقدس عن احتلال أسباط بني إسرائيل للأرض في حملة عسكرية يقودها يشوع.

المدن الكنعانية
يضخم الكتاب المقدس من قوة وتحصينات المدن الكنعانية التي احتلها بني إسرائيل: "مدنا عظيمة ومحصنة إلى السماء" (تثنية 9: 1). لكن بالواقع، كل المواقع الأثرية التي اكتشفت أظهرت بقايا مستوطنات غير محصنة، وبمعظم الحالات تتكون من منشآت قليلة أو قصر الحاكم أكثر منها مدينة حقيقية. الثقافة الحضرية بفلسطين بالعصر البرونزي المتأخر تفككت في عملية استمرت مئات السنوات ولم ينتج هذا عن احتلال عسكري. بالإضافة لذلك، وصف الكتاب المقدس لا يتفق مع الواقع الجغرافي السياسي في فلسطين. كانت فلسطين تحت حكم مصري حتى أواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد. كان المركز الإداري المصري يتواجد في غزة ويافا وبيت شان. وتم اكتشاف آثار مصرية بمواقع كثيرة بكلا جانبي نهر الأردن. لم يُذكر هذا الحضور البارز بقصة الكتاب المقدس، ومن الواضح أن هذا لم يكن معروفاً لدى المؤلف والمحررين.

الاكتشافات الأثرية تناقض بشكل سافر الصورة التي رسمها الكتاب المقدس: المدن الكنعانية لم تكن "عظيمة"، ولم تكن محصنة ولم يكن بها أسوار تمتد إلى السماء. بطولة المحتلون، فئة قليلة ضد فئة كثيرة ومساعدة الإله الذي حارب لأجل شعبه هي إعادة بناء قصة دينية لا تحوي أي حقائق.
أصل بني إسرائيل: دمج الاستنتاجات المأخوذة من هذه الوقائع المرتبطة بالمراحل التي ظهر بها بني إسرائيل تسببت في نقاش حول السؤال الأساسي: هوية بني إسرائيل. إن لم يكن ثمة دليل على الخروج من مصر الارتحال بالصحراء، وإن تم تفنيد قصة الاحتلال العسكري لمدن محصنة من قبل الأثريين، إذاً، من كان بني إسرائيل؟ أكدت الاكتشافات الأثرية حقيقة هامة واحدة: في بداية العصر الحديدي (الذي بدأ بعد 1200 قبل الميلاد) وهي الفترة المرتبطة بظهور "حقبة الاستيطان"، تم إنشاء المئات من المستوطنات الصغيرة بمنطقة التل الأوسط بأرض إسرائيل، وسكنها المزارعون الذين عملوا بالأرض أو قاموا بتربية الأغنام. إن لم يأتوا من مصر، فما هي أصول هؤلاء المستوطنين؟ اقترح إسرائيل فينكلستاين - بروفيسور الأثار بجامعة تل أبيب - أن هؤلاء المستوطنين هم رعاة الأغنام الذين تجولوا بمنطقة هذا التل خلال العصر البرونزي (تم اكتشاف قبور هؤلاء الناس بدون مستوطنات). وتبعاً لإعادة بناءه للأحداث، بالعصر البرونزي المتأخر (والذي سبق العصر الحديدي) استخدم الرعاة نظام اقتصادي مبني على المقايضة اللحم مقابل الغلال مع سكان الأودية. ومع انحلال النظام المدني والزراعي بالأراضي المنخفضة، اجبر البدو على إنتاج الغلال الخاصة بهم، ومن هنا نشأ الدافع للاستقرار بمستوطنات.

ذُكر اسم إسرائيل بوثيقة مصرية واحدة من عصر مرنبتاح ملك مصر، ويرجع تاريخها إلى 1208 قبل الميلاد: "نُهبت كنعان بكل شر، غُلبت عسقلان، خضعت جازر، أصبحت يوكنعام كما لو لم توجد، خربت إسرائيل وانقطع نسلها". يشير لوح مرنبتاح إلى الدولة باسمها الكنعاني ويذكر بضعة مدن بالمملكة، بالإضافة إلى مجموعة عرقية لا مدينة لها. وتبعاً لهذا الدليل، مُنح مصطلح "إسرائيل" لأحد الشعوب التي نشأت بكنعان بنهاية العصر البرونزي المتأخر، وعلى ما يبدو كان هذا بمنطقة التل الوسيط، حيث ستنشأ مملكة إسرائيل في زمن لاحق.

مملكة بدون اسم
المملكة المتحدة: كان علم الآثار هو المصدر الذي أُخذ منه التحول في إعادة بناء الأحداث الحقيقية بالفترة المعروفة باسم "المملكة المتحدة" لداود وسليمان. يصف الكتاب المقدس تلك الحقبة على أنها ذروة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لبني إسرائيل بالأزمنة القديمة. في بداية فتوحات داود، امتدت امبراطورية داود وسليمان من نهر الفرات حتى غزة "لأنه كان متسلطا على كل ما عبر النهر من تفسح الى غزة على كل ملوك عبر النهر" (سفر الملوك الأول 4: 24). تظهر الاكتشافات الأثرية بمواقع كثيرة أن مشاريع الإعمار المنسوبة لتلك الحقبة كانت ضئيلة من حيث الإمكانيات والنفوذ.

الثلاث مدن المذكورة ضمن إنشاءات سليمان حاصور ومجدو وجازر، نُقّب بها بكثرة بالطبقات المناسبة. حوالي النصف الأعلى فقط من حاصور كان محصناً، وتغطي مساحة 30 كيلومتر مربع فقط، من المساحة الكلية للمستوطنة 700 كيلومتر مربع والتي أنشأت بالعصر البرونزي. وفي جازر كان يبدو أن ثمة قلعة واحدة محاطة بسور محصن وتغطي مساحة صغيرة، مجدو لم تكن محصنة بسور.

تصبح الصورة أكثر تعقيداً في ضوء التنقيب الذي تم في أورشليم، عاصمة المملكة المتحدة. تم التنقيب بأجزاء كبير من المدينة بالـ150 عاماً السابقة. أظهر التنقيب بقايا مثيرة للإعجاب لمدن من العصر البرونزي الوسيط حتى العصر الحديدي الثاني (فترة مملكة يهوذا). لم توجد أي بقايا لمباني من فترة المملكة المتحدة (حتى تبعاً للتأريخ المتفق عليه)، مجرد كسرات فخارية. بالنظر إلى حالة البقايا من فترات سابقة وتالية، من الواضح أن أورشليم في زمن داود وسليمان كانت مجرد مدينة صغيرة، وربما حوت قلعة صغيرة للملك، لكنها بأية حال لم تكن عاصمة للإمبراطورية المذكورة بالكتاب المقدس. هذه الإمارة الصغيرة هي مصدر لقب "بيت داود" المذكور بشكل لاحق في الكتابات الآرامية والموآبية. كاتبو المذكور بالكتاب المقدس لم يعرفوا أورشليم إلا بالقرن الثامن قبل الميلاد، بسورها وثقافتها الغنية والتي وجدت بقاياها بأجزاء عديدة من المدينة، واعتقدوا أن هذه الصورة تعود للمملكة المتحدة. من المحتمل أن أورشليم حصلت على وضعها المركزي بعد تدمير السامرة - منافستها الشمالية- عام 722 قبل الميلاد.

الاكتشافات الأثرية تتفق تماماً مع استنتاجات المدرسة النقدية للكتاب المقدس. داود وسليمان كانا حاكمين لمملكتين عشائريتين حكمتا مناطق صغيرة: الأولى في حبرون والأخيرة في أورشليم. وبنفس التزامن، بدأت مملكة منفصلة بالنشوء في تلال السامرة، والتي نجد لها أثراً بالقصص عن مملكة شاول. إسرائيل ويهوذا من البداية مملكتان منفصلتان مستقلتان، وفي علاقة عداوة ببعض الأحيان. لذلك، فالمملكة المتحدة العظيمة هي خيال تاريخي فلسفي مختلق، والذي تم تأليفه أثناء بداية حقبة مملكة يهوذا. وربما أكثر الأدلة القاطعة على هذه الحقيقة هي أننا لا نعلم اسم هذه المملكة.
يهوه وزوجته: كم إله عبد بني إسرائيل بالضبط؟ بالإضافة للناحية التاريخية والسياسية، ثمة أيضاً شكاً تجاه مصداقية المعلومات عن الاعتقاد والعبادة. نشأ السؤال عن تاريخ اعتناق مملكتي إسرائيل ويهوذا للتوحيد مع اكتشاف نقوش بالعبرانية القديمة تذكر إلهين: يهوه وعشيرته יהוה ואשרתה (يهوه وزوجته). في موقعين، كونتيلة عجرود بالجزء الجنوب الغربي من منطقة تل النجف، وبخربة الكوم بسفوح جبال اليهودية بجنوب فلسطين، اكتشفت نقوش بالعبرية تذكر "يهوه وعشيرته"، "يهوه السامرة وعشيرته" "يهوه تيمان وعشيرته". ألف كان كتاب هذه النقوش وجود إلهين، يهوه وزوجته عشيرة، ويباركون اسم الزوجين. هذه النقوش من القرن الثامن قبل الميلاد، تزيد من إمكانية أن التوحيد، كدين الدولة، هو في الواقع اختراع لحقبة مملكة يهوذا، بعد تدمير مملكة إسرائيل.

علم الآثار بأرض إسرائيل يكمل عملية تهدف إلى ثورة علمية بهذا المجال. وهو مستعد لمواجهة اكتشافات علماء الكتاب المقدس وعلماء التاريخ القديم. لكن بنفس الوقت، نشهد ظاهرة مذهلة وهو أن كل هذا يتم إهماله من الجمهور الإسرائيلي. الكثير من الاكتشافات المذكورة هنا معروفة منذ عقود. المواد المطبوعة المحترفة في علم الآثار، والكتاب المقدس وتاريخ الشعب اليهودي تحدثت عن هذه الاكتشافات بعشرات الكتب ومئات المقالات. حتى وإن لم يقبل كل العلماء الحجج المنفردة التي تكون الأمثلة التي ذكرتها، قبل الغالبية بالنقاط الرئيسية بها.

ومع ذلك، لم تصل هذه الرؤى الثورية إلى عقلية العامة. منذ عام نشر زميلي بروفيسور التاريخ نيداف نعمان مقالاً بالقسم الثقافي والأدبي بجريدة ها آرتس عنوانه "لإزالة الكتاب المقدس من رف الكتب اليهودي"، لكن لم يحدث أن غضب العامة. أي محاولة للشك في دقة الوصف الكتابي تقابل كمحاولة لتقويض "حقنا التاريخي في الأرض" وكتحطيم لخرافة الدولة التي تجدد مملكة إسرائيل القديمة. هذه العناصر الرمزية تمثل مركبات هامة ببناء الهوية الإسرائيلية حتى أن أية محاولة للتحقق من صحتها تقابل بالعداء أو الصمت. ومن المثير للاهتمام بعض الشيء أن هذه النزعة بين المجتمع الإسرائيلي العلماني تتماشى كتفاً بكتف مع المجموعات المسيحية المتعلمة. وجدت عداوة مماثلة بردود الأفعال على المحاضرات التي ألقيتها بالخارج لمجموعات من المسيحيين محبي الكتاب المقدس، رغم أن ما يضايقهم هو تحدي أسس اعتقادهم الديني المتعصب.
تبين أن جزء من المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي وقع على العرب القاطنين بالدولة ومستعدين لقبول مبدأ الحقوق المتساوية للنساء - لكنهم غير مستعدين لقبول الحقائق الأثرية التي ستحطم خرافتهم الكتابية. يبدو أن اللطمة الموجهة للأساس الأسطورية للهوية الإسرائيلية شديدة التهديد، ومن المريح غض البصر عنها.
------------------

زئيف هيرتزوج:
عالم آثار إسرائيلي من مواليد 1941، وهو أستاذ علم الآثار بقسم آثار وحضارات الشرق الأدنى القديم بجامعة تل أبيب ومتخصص بعلم الآثار الاجتماعي والمعمار القديم. وهو أيضاً مدير معهد سونيا وماركو نادلر للآثار منذ عام 2005 وهو أيضاً مستشار أثري لهيئة الحفاظ على الحدائق العامة والوطنية بإسرائيل.



#سمير_زين_العابدين (هاشتاغ)       Sameer_Zain-elabideen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطر السلفيّة والمتسلفين
- الخدعة الفرعونية
- الطائفية في الإسلام والمسيحية 2
- الطائفية في الإسلام والمسيحية
- الولاء والبراء والمواطنة
- الإعتقاد وإعمال العقل
- الإنسداد السياسي
- التقرير النهائي للجنة التحقيق وتقصي الحقائق بشأن الأحداث الت ...
- لا سلطة دينية للدولة
- قراءة في تطورات الموقف الدولي والإقليمي
- استوصوا ...
- المهمة المتعذرة للأزهر
- حقيقة الدور السعودي في المنطقة
- تاريخ السياسة السعودية مع مصر
- الدولة ونظام الحكم والإصلاح
- هل حقا لا كهنوت في الإسلام؟
- أي استنارة وأي وسطية في الأزهر؟
- الإسلام السياسي
- الفجوة بين الأديان والعلم تزداد إتساعا
- المعركة الخاسرة للأساطير


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير زين العابدين - الترجمة العربية لمقال عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هيرتزوج (أعمال آباء التوراة الخرافية)