|
الصراع بين العسكر والإخوان في المنطقة من خلال العلاقات التركية المصرية
فارس إيغو
الحوار المتمدن-العدد: 6295 - 2019 / 7 / 19 - 13:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شارك الآلاف من المصريين المنفيين في تركيا وكذلك من الأتراك في إستانبول الشهر الماضي في صلاة جنازة الغائب على الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي توفي في القاهرة يوم الإثنين في 17 حزيران. أيتام رئيسهم الذي إنتخب عام 2012 وتمت الإطاحة به من قبل المارشال عبد الفتاح السيسي في صيف عام 2013 في أعقاب مظاهرات الملايين من المصريين الذين طالبوا برحيله (1). وبالرغم من القمع الشديد الواقع عليها، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تقل بعد كلمتها الأخيرة، لا في مصر، حيث الإخوان هناك ينتظرون بـ "صبر إيماني" ساعتهم، أو في أي مكان آخر في العالم العربي والإسلامي؛ في تركيا، حيث يطبق بطلهم أردوغان برنامج "إعادة الأسلمة على مراحل" ، أو حتى في الغرب، حيث ينشطون، من خلال شبكات المساجد والجمعيات والمدارس الخاصة بهم، إنهم "يعيدون أسلمة" المسلمين المهاجرين من خلال استراتيجية "عدم الاستيعاب" (أو نزع الإندماج) بإستخدام نزعة مكافحة العنصرية المضللة ومفهوم "رهاب الإسلام" (أو الإسلاموفوبيا) التي يجري إستخدامهما لتسييس المهاجرين وجعلهم وقود للتيارات الإسلامية والإسلام في نسخته السلفية الإخوانية. تعتبر قطر اليوم هي العراب الآخر بعد تركيا والممول الكبير بالمال والدعم الإعلامي لتلك السياسة التي تصب في صالح تيارات الإخوان المسلمون. من ناحية أخرى، حظرت العديد من الدول العربية، بما فيها مصر أو الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، جماعة الإخوان المسلمين السنية الأكثر نفوذاً والتي إنتشرت بشكل غريب في الغرب، تحت أعين ونظر السلطات في تلك البلاد. إن الإخوان المسلمين المنتشرين في العالم يبكون رئيسهم الراحل محمد مرسي، أول رئيس "إخواني" منتخب بصورة شرعية في تاريخ مصر الحديث، والذي شكّل بالنسبة للتيارات الإسلامية الإخوانية الأمل وثمرة ثورة ميدان التحرير التي أدت الى إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك الذي حكم مصر مدة ثلاثين عاماً، وكان يتحضر لتوريث إبنه جمال مبارك الحكم. حسب المؤيدين للرئيس الراحل، لقد تم قتله ولو بطريقة غير مباشرة بسجنه بصورة مهينة، وتركه من دون إشراف طبي ومنع وصول العلاجات الضرورية. إن التهمة الرئيسية الموجهة له هي تهمة "الإرهاب"، لتسببه في مقتل العديد من المتظاهرين عام 2012، مع تهم أخرى ملفقة تخص "التجسس لصالح قطر" ـ وهي التهمة الرئيسية التي تلفقها السلطات المصرية لكل المعارضين، سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين ـ بالإضافة الى تهمة أخرى هي التجسس لصالح منظمة حماس الفلسطينية. لقد تم دفن الرئيس السابق في مدينة نصر التي تقع ضمن ضواحي القاهرة، تحت مراقبة كبيرة من قبل أجهزة الأمن المصرية. بالنسبة للمؤيدين للرئيس المصري الراحل فإن السبب الرئيسي للتهم الموجهة لـ "شهيدهم" الكبير هو محاولة محمد مرسي ـ كما فعل أخيه الرئيس رجب طيب أردوغان ـ الإطاحة بالقيادات العسكرية الفاسدة في الجيش المصري ومختلف الإدارات في الدولة المصرية، حيث يشكل الجيش المصري منذ ثورة 23 تموز 1952 دولة داخل الدولة لا يمكن المساس بها. من الجهة المقابلة، فإن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي يعتبر نفسه على رأس جبهة عربية الى جانب الإمارات والمملكة العربية السعودية والجنرال خليفة حفتر في ليبيا في حرب شاملة ضد الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، وهو يرى في جمعية الإخوان منظمة إسلامية عالمية مدمرة للدول ـ الأمم "الوطنية" العربية من أجل إقامة خلافة إسلامية عالمية، وهو هدف مستمر بأشكال وتكتيكات مختلفة من النضال من "الجهاد الحربي" أحياناً، الى "الجهاد الخطابي" بالدعوة في أحيان أخرى (وذلك عن طريق إستغلال وتخريب القيم الديموقراطية). إن الملايين من المصريين الخائفين من تلك الأجندة السرية للإخوان المسلمين ـ الذين بدأوا منذ نجاحهم عام 2012 في الانتخابات في السيطرة على الدولة المصرية وأسلمتها ـ نزلوا الى الشارع في 30 حزيران 2013 مطالبين برحيل مرسي، والعودة الى تصحيح المسار الديموقراطي، الى أن المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع إقتنص الفرصة وركب على موجة الغضب الشعبي على سياسات الإخوان الإقصائية من أجل خلع مرسي وإرساء سلطوية جديدة في مصر تكون رأس الحربة في الثورة المضادة للربيع العربي الذي إنطلق في تونس في شهر ديسمبر عام 2010، وبتأييد من الثنائي الخليجي ـ الناشط في إعادة ترتيب العالم العربي ضمن أجندات نيو ليبرالية لا تعتبر الحرية السياسية بنداً من بنودها ـ أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بعد المجزرة التي إرتكبتها عناصر من الأجهزة الأمنية والعسكرية في تجمع رابعة الإخواني والتي أسفرت عن مقتل 1400 من المصريين المؤيدين للإخوان المسلمين، إستمر القمع الوحشي والإدانات السريعة وأحكام الإعدام الجائرة بحق المؤيدين لمرسي والمعارضين المصريين الغير إسلاميين الذين إكتشفوا باكراً بأن الرئيس السيسي لن يعيد السلطة للشعب المصري، بالرغم من الإدانات الواسعة من المنظمات المدافعة عن الحق في التعبير والمشاركة السياسية السلميين (2). عندما دعا الإخوان المسلمين الى تجمعات واسعة أثناء الجنازات التي أقيمت لمرسي في العالم كله، كان أول من إستجاب لتلك الدعوة، ومن دون أي مفاجأة، هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى جانب دولة قطر ومنصتها الإعلامية العالمية الهائلة الجزيرة. يعتبر الرئيس أردوغان هو الداعم الرئيسي للإخوان في مصر والعالم، الى جانب دولة قطر، وفي قلب المعركة من أجل إستعادة بلدية إستانبول بعد إبطال نتائج الانتخابات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري بجدارة، والتي جرت بتاريخ (23/06/2019) وجدّد حزب الشعب الجمهوري فوزه فيها مرة ثانية، حاول أردوغان أن يستغل حدث وفاة مرسي من أجل تحشيد الشارع في إستانبول للفوز بالإنتخابات، لذلك فهو كثف في خطابه على البلاغة التي تدعي تحويل المسلمين الى ضحايا دائمين لمؤامرات الغرب "المنافق" المتهم من قبل كل الإسلاميين بتأييد كل الطغاة القوميين والعسكريين في العالم العربي والإسلامي، والرئيس أردوغان نفسه صرح من مدة قريبة في التلفزيون التركي بأنه لن يزور أبداً مصر طالما بقيت تحت قيادة الرئيس السيسي. وقد صرح في اليوم التالي لإعلان وفاة الرئيس السابق محمد مرسي على حسابه في موقع تويتر بأنه سيشارك بعد الظهر في الصلاة على روح أخيه الشهيد محمد مرسي في جامع فاتح في إستانبول، وقد ندّد بدول الاتحاد الأوروبي "محقاً" هذه المرة، بأنها تمنع بقوة تطبيق أحكام الإعدام في بلادها، بينما تلوم الحكومة التركية والرئيس التركي بالإنحراف الشمولي لأنهما يريدان إعادة تطبيق حكم الإعدام في تركيا، بينما هذه الدول مستمرة في إقامة علاقات ممتازة مع المملكة العربية السعودية التي قتلت المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إستانبول، وكذلك تحافظ على علاقاتها الجيدة مع نظام الإنقلاب المستمر في مصر. صحيح أن تركيا ليست عربية وأيضاً يوجد كثير من الخلافات والنزاعات التاريخية التي يتواجه فيها الأتراك مع الولايات العربية السابقة في الإمبراطورية العثمانية، فإن الإستراتيجيات والسياسات الخارجية للرئيس أردوغان وحزبه الإسلامي العدالة والتنمية ترتكز على تشجيع "العودة" التدريجية للإمبراطورية والخلافة العثمانية والولايات العربية القديمة وذلك بإستغلال قضيتين كبريين ما زال لهما وقع كبير على الجماهير في العالم العربي والإسلامي: القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، والمتجسدة سياسياً في التأييد الكبير الذي يقدمه أردوغان لمنظمة حماس الإسلامية المهيمنة على قطاع غزة، وهو الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين؛ والقضية الثانية، هي تأييده للديموقراطية ذات المرجعية الإسلامية في مواجهة الطغاة العرب الحاكمين في معظم الدول العربية بما فيها دول الخليج العربي، ومن هنا نفهم التوجس الكبير لدى حكام الخليج العربي (بإستثناء قطر) للسياسات التركية منذ إندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011. ولنتذكر أنه مع الربيع العربي، نجح الإخوان من خلال تنظيماتهم القوية أن يركبوا موجة الربيع العربي من أجل إقامة "ديموقراطيات" بمرجعية مكتب الإرشاد العالمي للإخوان المسلمين، حيث فازوا في جميع الانتخابات في مصر وتونس وليبيا والمغرب، وسيطروا على المعارضات المسلحة في اليمن وليبيا وسورية في مواجهة سلطات الأمر الواقع التي أغرقت مجتمعاتها في القمع والفساد والنهب المنظم للبلاد. لقد كانت إستراتيجية الرئيس التركي هي في دعم الإسلاميين في كل مكان ـ مثل دولة قطر التي أقامت فيها السلطة التركية أول قاعدة عسكرية في العالم العربي بعد إنهيار السلطنة العثمانية عام 1924 ـ لكي يظهر في ثوب السلطان والخليفة العثماني الجديد المدافع والحامي لكل الشعوب الإسلامية السنية العربية في المواجهة مع الأعداء الداخليين (الطغاة العرب الفاسدين) والخارجيين (إسرائيل المعتدية والغرب المنافق)، وهو ما يجعل الشعوب العربية في أغلبيتها السنية تنسى التحالف السابق بين تركيا الكمالية العلمانية والأطلسية مع "الشيطان" إسرائيل، ومن هنا نفهم لماذا تشكل وفاة مرسي حدثاً كبيراً بالنسبة لأنقرة وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي ساند حتى النهاية نظام الرئيس مرسي وندّد بقوة بالإنقلاب العسكري عام 2013 . والمفارقة الغريبة هي أن هذا الصراع الأيديولوجي المفتوح بين النظامين لم يمس في العديد من المصالح الاقتصادية المشتركة التي ـ ويا للغرابة ـ آخذة في التطور. وللتذكير، أنه في حين أن الرئيس التركي لم يرغب أبدًا في مقابلة نظيره المصري عبد الفتاح السيسي منذ عام 2013، وغالبًا ما أهانه، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تعان من هذه الأزمة السياسية الحادة. ولنتذكر أن العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين تركيا والمملكة لم تتأثر أيضاً رغم الحملة الكبيرة للحكومة التركية وإتهاماتها المتكررة لولي العهد السعودي بأنه هو الذي أعطى الأوامر لتنفيذ عملية القتل في القنصلية السعودية في إستانبول. هذا الأمر يعطينا دلائل كبيرة للإنكشاف الكبير للأنظمة السلطوية الحاكمة في العالم العربي، وأنها اليوم في عنادها في الإستمرار على الحفاظ على السلطة المطلقة لها في الداخل تضع أوطانها رهينة للدول الإقليمية الكبرى وللقوي الكبرى العالمية. لم تتوقف مصر وتركيا عن التبادل التجاري، وظلتا ملتزمتين أكثر من أي وقت مضى باتفاقية التجارة الحرة بينهما، والتي تجددت في عام 2020. بل إن البلدين قد شهدا مستوى غير مسبوق من التبادلات التجارية في عام 2018، حيث سجلت الصادرات التركية إلى مصر أكثر من 3 مليارات دولار (29.4 ٪ زيادة عن عام 2017). وكان نشاط الرئيس التركي أردوغان المتزايد في الأيام الأخيرة ضد الرئيس السيسي المتهم في أنه السبب غير المباشر في وفاة مرسي يهدف في المقام الأول إلى تعبئة ناخبيه كجزء من الحملة الثانية للانتخابات البلدية في اسطنبول حيث أن التوقعات تعطي المرشح المعارض منتصرأً مرة ثانية. وكما حدث في الانتخابات البلدية السابقة، عندما استغل فيديو المذبحة المعادية للمسلمين في كرايستشيرش في نيوزيلاندا، لتحميس ناخبيه، حاول الرئيس أردوغان الاستفادة هذه المرة من "استشهاد مرسي" وحزن الإخوان المصريين الأشقاء عليه، من أجل نزع الشرعية عن خصومه الوطنيين الكماليين المعادين للإسلاميين داخل تركيا. إن التنديد المستمر من جانب الرئيس التركي لـ "الإنقلاب" على السلطة المنتخبة الذي قام به السيسي يحيلنا الى المخيال الأُضحوي للإسلام السياسي التركي في مواجهة السلطوية العلمانية للزعيم مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى نظام الشريعة والخلافة العثمانية، ومن تبعوه على السلطة في تركيا من العسكريين الذين إستمروا في اللجوء الدائم الى الإنقلابات العسكرية بين عام 1950 ـ 1997 في كل مرة ترتفع فيها شعبية الإسلام السياسي التركي، وآخر الإنقلابات كان الإنقلاب الفاشل ضد الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي عام 2016. بعد أردوغان، كان أمير قطر هو الزعيم الثاني الذي إستجاب لدعوة الإخوان للحزن على "شهيدهم" محمد مرسي، وهي لم تكن مفاجئة، من جانب الشيخ تميم بن حمد الثاني. ولنتذكر أن قطر هي التي تأوي المرشد الروحي للإخوان يوسف القرضاوي، المتهم من قبل حكومة بلده المصرية. وقطر هي الممولة الاولى والداعمة الرئيسة لجماعة الإخوان المسلمين، وهي أيضاً الراعية والضامنة بالتشارك مع إيران لمنظمة حماس الفلسطينية الإسلامية. منذ سنوات، و"الإخوان المضطهدون" في العديد من الدول العربية والمكافحون ضد قوى "الطغيان" في بلدانهم، تتم حمايتهم ورعايتهم من قبل تركيا وقطر، الدولتان اللتان يتواجد فيهما مئات الآلاف من المعارضين الإسلاميين العرب ضد أنظمتهم، وهما دولتان متحدتان تماماً في الصراع مع التحالف السني العربي في المنطقة الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي إحتد منذ سنتين مع الحصار الخليجي المفروض على قطر. كما وسعت أنقرة تعاونها العسكري والغذائي مع الدوحة للتحايل على الحصار الخليجي وحماية الإمارة الصغيرة ضد أعدائها في الخليج ومصر. من المؤكد أن دولاً أخرى دعمت جماعة الإخوان المسلمين مثل نظام البشير المخلوع وحسن الترابي في السودان خلال الأعوام 1990-2000؛ الكويت، المزود الحصيف للأموال لمدة طويلة، وكذلك الولايات المتحدة التي راهنت زمن باراك أوباما على الإخوان المسلمين كخيار بديل للأنظمة العسكرية الأمنية الفاسدة، وقد كان يحيط بأوباما ستة مستشارين مقربين من جماعة الإخوان المسلمين. أما بالنسبة لتركيا ما بعد الكمالية، تركيا "القومية الإسلامية" والتي تحن إلى تجديد هيمنتها الإمبراطورية العثمانية، فهي منذ "الربيع العربي" بلد اللجوء الأول للإخوان المسلمين (السوريون، الليبيون، التونسيون، الفلسطينيون، اليمنيين، إلخ)، في محاولة لنقل نموذجها من "الديموقراطية الإسلامية" الى العالم العربي ضمن معادلة بسيطة ليست صعبة الفهم على المسلمين السنة البسطاء: الديمقراطية الإسلامية مقابل الطغاة العسكريين المناهضين للأسلمة. يعتمد الرئيس أردوغان في بلاغته البكائية على خطاب تبسيطي ومنحاز إسلامياً يقول بمظلومية الإخوان المسلمين في العالم العربي، فهم يتعرضون لقمع الأجهزة الأمنية والعسكرية للأنظمة الطغيانية في العالم العربي. والخطاب الإعلامي الرسمي في تركيا يقدم هؤلاء على أنهم "ديموقراطيون" حقيقيون، حيث أن استراتيجيتهم في الوصول الى السلطة تعتمد الطرق السياسية والدعوية، ومن خلال "غزوات" صناديق الإقتراع. ولنتذكر بأنه في مدينة إستانبول ـ العاصمة القديمة للخلافة والسلطنة العثمانية المخلوعة والتي بكى كل المسلمين السنة في العالم على فقدانها عام 1924 على أيدي مصطفى كمال أتاتورك ـ في هذه العاصمة إنعقد عام 2018 المهرجان الاحتفالي لمناسبة تسعون عاماً على إنشاء جمعية الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928. لم يتردد أردوغان بعد الآن، لأنه أظهر وجهه الحقيقي الإسلامي بعد أن تخلص من الجيش الكمالي والإسلاميين المنافسين له من جماعة فتح الله غولن المؤيدين للغرب المتهمين بتدبير إنقلاب عام 2016 للإطاحة به، في ظهوراته المتكررة في الحشود من رفع يده في شكل شعار تجمع مسجد رابعة العدوية الإخواني في القاهرة عام 2013 (3). إن الإستراتيجية الهدامة التي تتبعها قطر وتركيا، والتي تتألف من استغلال والتلاعب بـ "الديمقراطية" و "التعددية" لصالح الأسلمة التدرجية، هي أمر هائل للغاية وسلاح مخيف لأنه يجد له ـ مع الأسف ـ صدىً إيجابياً لدى العديد من "الديموقراطيين" في الغرب، وخصوصاً من اليسار. تشير علامة "رابعة" إلى استراتيجية الفتح "التدرجية" للجيل الجديد من الإخوان المسلمين، والمسماة أيضاً بـمفهوم "التمكين". تهدف استراتيجية التمكين إلى انتصار الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم، في نهاية المطاف، حتى تتمكن الشريعة من الحكم على الإنسانية الموحدة ذات يوم حول الخلافة العالمية. لتحقيق هذا الهدف الشمولي الثيوقراطي، يجب أن نعمل تدريجياً، بطريقة متناسبة ومتنوعة، من أجل إحباط أكبر قدر ممكن من ردود الفعل العدائية لـ "أعداء" الإسلام السياسي، من خلال "المراحل" الأربع: "العرض التقديمي" ونشر الإسلام حسب النسخة الإخوانية الجديدة المحدثنة (السوفت) في كل مكان وبطريقة سلمية، محاولة اختيار الشخصيات الناجحة في المجتمع لتكون في الواجهة، وتصحيح العيوب الموجودة أثناء الممارسة، وأخيراً الوصول الى نشر شبكة واسعة تكون عالمية. تلهم إستراتيجية "التمكين"، "الجيل الجديد" من الإخوان في مصر وتركيا وأندونيسيا وماليزيا حتى أوروبا والغرب عموماً، فهي تهدف للوصول إلى قلب السلطة السياسية ليس من خلال العنف "الجهادي" والذي بتسرعه يعطي النتائج العكسية لما يرغب في تحقيقه، بل عن طريق القوة الناعمة (4). إن لعبة العسكر والإخوان بصورة خاصة، والإسلاميين والعسكر بصورة عامة، في منطقة الشرق الأوسط قد طالت كثيراً، وهي لم تسفر إلا عن استمرار المآسي والكوارث في كل مكان في المنطقة، وذلك بدءاً من تشكيل جمعية الإخوان المسلمين في مصر على يد حسن البنا عام 1928، ثم قيام الثورة المصرية في 23 تموز 1952 وبداية الصراع الفعلي بين العسكر والإخوان المسلمين على السلطة في مصر والمستمر الى الآن، ثم قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وسيطرة الإسلام السياسي الشيعي على الحكم في إيران الى يومنا هذا، الى المحطة الأخيرة في وصول حزب العدالة والتنمية بواسطة الانتخابات الحرة الى السلطة في تركيا عام 2002. تشير التجربتان الإسلاميتان التركية والمصرية في الحكم، الى أن وصول الأحزاب الإسلامية الى السلطة بواسطة الانتخابات الحرة لا يجنبها إغواء الإنحراف نحو الأسلمة، أي السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة والتضييق على المعارضين، وبالتالي، منع الطريق نحو إمكانية التناوب السياسي، والعودة الى مأزق الاستبداد السياسي بالإضافة الى ذلك، في هذه الحالة الإستبداد الديني وهو ما يحصل في تركيا منذ 2002 بصورة مخففة، وهو ما كان سيحصل في مصر عام 2012 ـ 2013 مع حكم الإخوان المسلمين بصورة فاقعة ومكشوفة، لولا قيام الجيش بالدعم الشعبي في الإستيلاء على السلطة، ثم الإنقلاب على الإرادة الشعبية والثورة المصرية وإرساء حكم عسكري ينحو نحو التأبيد خصوصاً مع التعديلات الدستورية الأخيرة. إن دروس التجربيتين التركية والمصرية يجب أن تدفع كل التشكيلات الإسلامية في المنطقة نحو القيام بمراجعات كبرى وأن تستخلص الدروس المفيدة من التجربة التونسية وأداء حزب النهضة الإسلامي وقادته وعلى رأسهم السيد راشد الغنوشي، والتي جنبت الديموقراطية الوليدة مخاضات ومطبات كثيرة في سبيل حماية نبتة الحرية التي ما زالت ضعيفة وهشة، وكلمة السر المستخلصة من التجربة التونسية الوليدة هي لغة وسياسة التوافق وتجنب نفي الآخر السياسي الشريك في الوطن مهما كان حجمه صغيراً. (1) إن تحالف الإخوان والجيش الذي إنعقد بعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك في الحادي عشر من شباط 2011 إنفرط عقده بسرعة، وأدرك الجيش المصري أنه أخطأ خطأً كبراً، وأن الدولة في طريقها لأن تُبلع من قبل الإسلاميين. التحالف الجديد بين الجيش والقوميين والليبراليين نجح في إعادة الاستقرار لمصر، ولكن لن يطول ذلك طويلاً، إذا لم نرجع الى العملية السياسية تدريجياً، ويبدو أن الأمر صعباً مع رغبة القيادات الكبيرة في الجيش المصري وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي في الإحتفاظ بالسلطة المطلقة. (2) إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يكرر الأخطاء التي إرتكبها كل الرؤساء الذين تولوا رئاسة مصر منذ حركة الضباط الأحرار عام 1952 حتى الثورة المصرية في سياق الربيع العربي، أي مقاومة الإسلاميين سياسياً وزرع فكرهم وأيديولوجيتهم في جميع مفاصل العملية التربوية والإعلامية، وهو ما سيؤدي مرة أخرى مع حكم الرئيس السيسي الى الكارثة المؤكدة. (3) شارة رابعة أو شعار رابعة أو علامة رابعة هو شعار تمت تسميته نسبة إلى ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، استعمله مؤيدو الرئيس المصري محمد مرسي ضد الانقلاب عليه، وظهر بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013، لهذا سمي باسم رابعة. وهو عبارة عن يد مفتوحة ما عدا الإبهام، وترسم تلك اليد بلون أسود على أرضية صفراء. (4) البعض يصف تلك الاستراتيجيات التي تسمي إخوانياً بـ "التمكين"، بأنها نوع من العلمنة التدريجية للإسلام السياسي وناشطو الإسلام الدعوي، وهو ما يسميه الباحث السويسري باتريك هايني في عنوان كتابه " إسلام السوق " (ترجمة عومرية سلطاني، منشورات مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة 2015)، وتدور أبحاث الكتاب حول التفاعل الإيجابي بين الديناميات الدينية والهوياتية مع آليات العولمة، والتي بحسب المؤلف ـ ومفكرين غربيين آخرين مثل جيل كيبيل وأوليفييه روا ـ ستؤدي في النهاية الى تعلمن الإسلام ودخوله تدريجياً في نفس المسارات والمآلات التي قادت المسيحية واليهودية الى التأقلم مع الحداثة.
#فارس_إيغو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطر اللبننة في الغرب: من حوادث التخريب في الشانزليزيه الى اح
...
-
العرب والتراث: معضلة وجودية
-
كيف يمكننا تسمية عصرنا الحالي؟
-
الأصولي ومفهوم الرهاب والتطهّر
-
الشعب ضد الديموقراطية أو الديموقراطية ضد الشعب
-
بين استراتيجيات الإصلاح النهضوي للشيخ وداعية الليبرالية، وال
...
-
المفارقة العالمية العولمية
-
من المحيط الى الخليج: رياح منعشة تهب علينا من جبال الاطلس
-
هل تصبح العلمانية ضحية التحديث والعلمنة؟
-
عصر الاستهلاك االكبير
-
كيف أخفقت النهضة العربية
-
هل فعلاً مجتمعاتنا العربية غير جاهزة للديموقراطية؟
-
لماذا انهزم الربيع العربي
-
بين النوايا الخضراء المشبوهة والسترات الصفراء المحرومة
-
كيف الخروج من هوّة التأخر؟
-
العرب والإخفاق الحضاري المزمن
-
العرب والحداثة والتحديث
-
اللقاء الصدمة مع الحضارة الاوروبية الصاعدة
-
الظرفية التاريخية المعاصرة في العالم العربي وأهمية العامل ال
...
-
ثقافة الماينبغيات والخطاب العربي الغارق في المثل الأفلاطونية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|