أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عصام شعبان حسن - اعتقالات مصر.. تشويه اليسار وتجريم السياسة















المزيد.....

اعتقالات مصر.. تشويه اليسار وتجريم السياسة


عصام شعبان حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6292 - 2019 / 7 / 16 - 16:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بات من المعتاد أن تشن السلطوية في مصر حملات اعتقال شبه دورية، لا يمر أحد فصول السنة إلا بحملة جديدة، ولا يزهر ربيع السلطوية إلا بخريف السياسة، منهج السلطوية باستمرار إزاحة الآخرين، بحجزهم خلف القضبان، وأيضاً تشويه أفكار المعارضين أو الخصوم، وهو لا ينفصل عن الإجراءات الاحترازية، من حجز أو حبس احتياطي، بموجب قضايا واتهامات شديدة العمومية، اتهامات قد لا تجد فيها جهات التحقيق أسانيد مادية وقرائن تثبتها.
غالباً ما تتضمن حملات الاعتقال تشويهاً للصورة الاعتبارية للمعتقلين وأفكارهم، وهي وسيلة لقطع صلات المحتجزين بالدوائر السياسية، وأي نشاط في المجال العام، نقابياً كان أو حقوقياً، أو حتى ارتبط بالمجال العام الافتراضي ووسائل التعبير والكتابة والنشر بشتى الوسائل، ومنها حتى مجالات الفنون والإبداع التي أصبحت تعاني من تضييق، وكذلك ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت من ضمن المساحات المتبقية في التعبير.
عبر آليات الإزاحة المتعدّدة، تنفي السلطة الآخرين، وتثبت نفسها، وتعلن هيمنتها المطلقة، واستمرار سياساتها ومنهجها في الحكم، تؤكد هنا سطوتها، وتعبر عن ملامحها الغاشمة، وتعلن أنها رافضة كل أشكال النقد، وليست في محل مراجعة لخطواتها، ولا تريد شركاء سياسيين أو ناصحين، أو حتى معلقين، فبإعلانها انفرادها بالحكم وساحات التعبير، وتحكّمها في المجال العام، تثبت السلطة عملياً هامشية الآخرين المعارضين والخصوم، وضعفهم وعدم قدرتهم الدفاع عن أنفسهم، أو حتى تحصيل تضامن مع مقولاتهم ومواقفهم، تستمر عملية شيطنة الآخر الذي لا يقف عند عتبات السلطة يستجدي الرضى، تبرز دعاية السلطة بشكل متكرّر سوء نيات المعارضين والخصوم وأهدافهم، وربما خيانتهم الوطن.
ببساطة، تنطلق السلطة من منطق كل من ليس مؤيداً للسلطة هو مشروع معارض، وكل معارض ربما يتعاون مع الإرهابيين، وإن لم يتعاون، فهو يشترك معهم في أهدافهم لنشر البلبلة وهدم الوطن، وينطلق ذلك كله من أن السياسة مجرّمة في مصر.
كل صوت معارض أو رأي مخالف يعني تهديداً للسلطة، هكذا تفكر السلطوية، وهكذا تتصرف نظم الحكم المطلق، فمع الدعاية المكثفة بشأن المشروعات العملاقة والطرق والكباري والنوافير، وإنشاء مدن جديدة ومساجد وكنائس، لا ترى السلطة ضرورة للسماح بانتقاداتٍ هنا وهناك، أو مشكّكين فيما يطرح أو جدوى ما يتم.
تمثل حملات الاعتقال لسياسيين وصحافيين وباحثين أو إغلاق مواقع إلكترونية أدوات دفاعية عن السلطة، وأيضاً أدوات هجوم استباقي لكل من يحاول خلخلة الأزمة عبر طرح بدائل اقتصادية، أو حتى نقد السياسات المطبقة، وكذلك طرح مشاريع سياسية، أو أفكار تجمع بعض النخب، تستمر حملات الاعتقال والتضييق، على الرغم مما يعانيه المجال العام من حصار، والصحافة من تكميم، والسياسة من تشويه. لا يقتصر الأمر هنا على معارضين إسلاميين أو من تقارب معهم. التضييق على السياسيين والخصوم وتشويههم وتجريم السياسة على حد سواء هو ضمانة استمرار السلطوية ووقودها، بل إن تجريم فكرة الانتماء الفكري هو المستهدف النهائي. لقد جرّبت هذه الوصفة من فترة، وأتت بثمارها، وجرفت قوى المجتمع، وقسمته وأضعفت قوة الرأي العام. أصبح هناك إعلاميون ضمن نخب خاضعة للسلطة، بعد تأميم هذه النخب وشرائها. ويمارس الآخرون رقابة ذاتية على أنفسهم، ومحيط تأثيرهم، ويقومون بتدوير الخوف أحياناً. أما من لم يطأطئ الرأس، ويحاول نشر الوعي وقول الحق أو لعب أي دور في دعم الحق في التنظيم والتعبير السياسي، فهو محل هجوم واتهام، وربما يُواجه بتقييد الحرية وتشويه المعتقد، لا يختلف هنا التصنيف السياسي أو الفكري، إنما وحدة القياس تأييد السلطة وسياساتها بشكل مطلق أم لا.
تضمنت حملة الاعتقالات أخيراً شبّاناً من اليسار المصري، منهم القيادي في حركة الاشتراكيين الثوريين، هشام فؤاد، ومدير المنتدى المصري لعلاقات العمل، حسن بربري، وكلاهما شابان مناضلان يدعمان حق العمال في التنظيم، وتأسيس نقاباتهم العمالية المستقلة، والدفاع عن حقوقهم في ظروف عملٍ آمنةٍ وكريمةٍ وإنسانية، ينتهجون أسلوب العمل السياسي من أسفل، أي دعم الحركة الاجتماعية، والاهتمام بدعم مطالب مكوناتها العمالية والفلاحية، وكلاهما لا يمكن اتهامهما بالتربّح من السياسة، أو حتى امتلاك أرصدة ضخمة كما أشيع، ولا سند أعلن للاتهامات التي وجهت لهما في هذا الجانب تحديداً. أما زياد العليمي وحسام مؤنس فكلاهما من ضمن أعضاء ائتلاف شباب الثورة، ويشتغلون بالعمل السياسي بشكله التقليدي والرسمي عبر أحزاب قانونية. وسبق أن شغل العليمي عضوية مجلس الشعب ضمن قائمة الثورة مستمرة، بينما كان حسام مؤنس ضمن حملة ترشيح حمدين صباحي رئيساً، وكلاهما انتميا إلى تيار اليسار، بينما كان بعض المتهمين في القضية المسماة "تحالف الأمل" قريبين من التيار الإسلامي. ولذا تم توليف الاتهام، ليكون "تكوين تحالف بين الإخوان المسلمين وقيادات موالية لها من ممثلي القوى السياسية المدنية، بغرض استهداف الدولة ومؤسساتها، وصولاً إلى إسقاطها، تزامناً مع الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو، وذلك عبر إحداث حالة زخم ثوري، وتكثيف الدعوات الإعلامية التحريضية".
يتضح أن الحملة تستهدف، في جانب من مهامها الاعتيادية السابق ذكرها، من حصار وتضييق للمجال العام وإشاعة للخوف، توجيه إنذار جديد إلى كل القوى السياسية المدنية، وقوى اليسار تحديداً، خصوصاً بعد أن باتت أغلب أحزابه رافضة سياسات النظام الاقتصادية، وبدا بعضها يراجع مواقفه التي اتسمت بالتفاؤل بنظام "3 يوليو"، بل ودعم أغلبها عبد الفتاح السيسي. ويأتي هذا التحذير، بعد أن بدأ اليسار يعلن مواقفه الرافضة للسياسات الاقتصادية إجمالاً، وخصوصاً القرارات المتعلقة برفع الأسعار وطرح بعض الشركات والمنشآت للتداول في البورصة، وكذلك تعويم الجنيه وزيادة حجم الديون والتوسع في الاعتماد على القروض، وتنفيذ وصايا صندوق النقد الدولي والجهات المقرضة.
ودليل على ضيق السلطة باليسار ما سبق حملة الاعتقالات أخيراً من هجوم مكثف على قيمه وأفكاره ومواقفه واتهامه بالمتاجرة بالشعارات، والانتهازية السياسية، والتعاون مع قوى الإرهاب. وقد جاءت كل هذه الاتهامات من وسائل إعلام وشخصيات معروفٌ ارتباطُها بأجهزة الدولة، وأنها تتحرّك بأوامرها. صحيح أن مسألة الاحتجاز والاعتقال ليست وحسب موجهة إلى قوى يسارية، ولكنها توجه أيضاً ضد خصوم النظام. وأخيراً تم القبض على مدير صفحة "آسف يا ريس"، وهي صفحة تأسست على موقع فيسبوك في فبراير/ شباط 2011 لتأييد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وعلى الرغم من أن الصفحة تؤيد النظام ضد الإخوان المسلمين، إلا أنها نشرت أخيراً مواد إخبارية وتعليقات ضد غلاء الأسعار، كما نشرت تسجيلاً لمبارك يعلن فيه رفضه شروط صندوق النقد الدولي، ومطالبه بتحرير أسعار الطاقة ورفع أسعارها، وقد تزامن بث التسجيل مع قرار الحكومة المصرية برفع أسعار الطاقة للمرة الرابعة، أي أن خصوم ثورة يناير من أبناء مبارك تم اعتقالهم، حين أعلنوا رفضهم السياسات الاقتصادية حالياً، وقارنوها بسياسات مبارك الذي سبق وأن تحفّظ على رفع أسعار الطاقة، وهو ما يقترب من خطاب اليسار الرافض رفع أسعار الطاقة، وانسحاب الدولة من دورها الاجتماعي، وتخفيض الدعم، وكذلك المطالب بدعم الإنفاق والاستثمار العام في مجالات الإنتاجين، الزراعي والصناعي، بدلاً من تكثيف الاهتمام بمشروعات الطرق والكباري.
تؤكّد حملة الاعتقالات أخيراً أن الخصوم والمعارضين للنظام محل استهداف، وأن غير المؤيدين بشكل مطلق محل اتهام وتشكيك. وتوضح أيضاً خوف النظام من تبلور حراك على إثر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها ملايين من المصريين. وتفيد الحملة بأن هناك قلقاً من قوى اليسار، على الرغم من ضعفها وتشتتها من أن تلعب دوراً في دعم الحركات الاجتماعية، بوصفها تمتلك مفاتيح هذا الحراك وشعاراته، وتؤمن بدعم نضالات الحركة الاجتماعية، وأن هذا يشكل أيضاً طريقاً لعودة السياسة إلى مصر.



#عصام_شعبان_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينتي والصراع الاجتماعي في مصر
- الجيوش والثورات العربية.. السودان والجزائر نموذجين
- الخطاب الاقتصادي يكذب ويتجمل
- انتفاضة النفس الطويل في السودان.. جذور وسمات وآفاق
- لم أكن وحيداً في عيد العمال عن الرفاق والثورة والحب
- السودان والجزائر.. مواجهة خطاب الهزيمة والثورة المضادّة
- قراءة سوسيو اقتصادية في احتجاجات فرنسا
- سلامة كيلة في مصر.. الإنسان والمفكر والمناضل
- الفلاحون في مصر.. الخطاب الغائب والسياسة الواضحة
- سرية الحسابات فى مصر ما بين صراع المصالح وارتباك الإدارة
- صناعة الفقر متعدّد الأوجه في مصر
- إعلام دولة أحمد موسى وخديعة احترام القانون
- كيف نفهم الاحتجاجات الشعبية
- -نيوم- السعودي مشروع للهيمنة والتطبيع والتسوية
- أفريقيا 2017 .. الحكومات فى خدمة الطغم المالية
- شفيق بين أزمة السياسة والنظام في مصر
- مصر.. الحركة المدنية الديمقراطية وسؤال التغيير
- المعذّبون في مصر
- مشاهد من الفرح المصري المحتجز
- إصلاحهم الاقتصادي يعمق الأزمة لا يحلها


المزيد.....




- اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص ...
- وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على ...
- يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024 ...
- المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا ...
- جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد ...
- الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
- أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و ...
- زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
- حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص ...
- ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عصام شعبان حسن - اعتقالات مصر.. تشويه اليسار وتجريم السياسة