أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - عندما كانت أمي صغيرة














المزيد.....


عندما كانت أمي صغيرة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6292 - 2019 / 7 / 16 - 13:45
المحور: سيرة ذاتية
    


في تلك الأيام العجاف من أعوام الحرب العالمية الثانية كانت بلاد الشام تعيش ضائقة اقتصادية ضنكة أصابت البشر والحيوان في مقتل. كانت أمي عيوش دهنين فتاة في الثامنة أو التاسعة من عمرها تخرج آنذاك مع أهلها الذين يعملون في الزراعة إلى براري مدينة إدلب في الشمال السوري لقطاف ثمار الزيتون من كرومهم وبساتينهم. أو "حواش الزيتون" كما يقال عندنا في إدلب, وهي من كلمة "الحَشُّ" بفتح الحاء وضمها أي البستان, والجمع حُشُوش.

كان والدها مصطفى دهنين-جدي لأمي- قد أنجب العديد من الأولاد توفى بعضهم وعاش منهم من لم تقتله الشِّدة. تُرافق أمي عائلتها الكادحة في عملها المُضني في السراء والضراء على صغر سنها. تلك الأيام كان على الجميع أن يعمل لتأمين لقمة العيش. وكانت هذه اللقمة مغمسة بزيت الزيتون ورشة ملح ونعناع أو كمّون وبصلة يابسة غالب الأوقات والحمد لله رب العالمين على نعمه الدائمة.

كان شتاء ذلك العام بارداً، وقطاف الزيتون لا يكون إلا في الشتاء، وقد كان شتاء تلك الأيام في بلاد الشام أشد برداً ومطراً وثلجاً من أيامنا هذه، حيث كان يصل سمك الثلج في بعض الأوقات إلى الزنار. فكان الفلاح يخرج إلى بساتين شجر الزيتون وبيده "مساساً" من عود الشجر لضرب الثلج المُتراكم على أشجار الزيتون دائم الخضرة حتى لا "تنشلخ" أغصانها وتتكسر من ثقل الثلج المتراكم عليها.

وتقول المرويات: في ليلة حالكة السواد من أواخر أعوام الأربعينات من القرن العشرين حدثت الفاجعة، استيقظ أهل المدينة على عاصفة ثلجية جاوز صقيعها الحد، فقد أصبح الثلج جليداً. لم يستطع شجر الزيتون الصمود في وجه عاصفة الجليد هذه، فيبس عوده حتى الجذور، واسودت أوراقه الخضراء. خسر الفلاحون آلاف أشجار الزيتون. ولكن الحياة لا توقفها كارثة مهما كانت عظيمة، قلع الفلاحون الأشجار اليابسة من شروشها للاستفادة من حطبها ونصبوا مكانها أشجاراً فتية في عمر السنة، وها نحن نأكل من ثمرها اليوم. وشاع عند أهل إدلب تأريخ الوقت بسنة يباس الزيتون.

أضاف هذا البرد عذاباً وكدراً وبؤساً فوق رؤوس الصغار، فعندما كانت أمي صغيرة في تلك البراري تبكي -فدتك نفسي يا أمي- من شيئين نَغّصا عيشها وكدره، البرد والزوّادة, و الزوّادة, لمن لا يعلم , تتكون, في غالب الأوقات, من رغيفين مدهونين بالزيت والكمون من خبز الشعير ينتظرانها على الغداء, وخبز الشعير قاس في العلك لا تستسيغه حلوق الصغار, كأنه قطع مُكسّرة من فخار. ما العمل؟ على حدِّ قول لينين. لا مشكل مع البرد وقيد الزيتون في متناول اليد, أما الشيء الآخر فكان لا بد من البكاء حتى يبادلها أحدهم خبزه بخبزها : رغيفان من خبزها الشعير برغيف من خبزه الحنطة ...ورحم الله أمهاتنا جميعاً.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رَجُلٌ تُرفع له القُبَّعات
- في مفهوم الكفر
- رَجُلٌ اسمُهُ غَسَّانْ كَنَفْاني
- الشيخ إمام ...حادي قوافل الضمير
- حدثنا عن الملوك يا بَيدبا
- كيف يفكِّر الجنرال؟
- السيدة النحيلة التي يندف شعرها ثلجاً
- قوَّة غاشمة تُكمِّم الأفواه
- أوجاع ومسرات فنجان القهوة
- أزرق من أجل السودان
- قُل لي, الوردةُ عارية, أم هو فستانها الوحيد؟
- الشَّعرُ ...غزارة في الإنتاج و سوء في التوزيع
- هكذا تكلَّم عبد الرحمن الشهبندر
- مصطفى الحسين لا يأكل الدراق
- فكرة التطور
- الشيوعي الجيد
- هل تخلع كوبا معطف فيدل كاسترو؟
- المزارعون الأوائل قبل عشرة آلاف سنة
- هل القلب يصدأ كالحديد؟
- كتاب الثورات


المزيد.....




- شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
- تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر ...
- -إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم ...
- كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن ...
- قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك ...
- الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو ...
- زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج ...
- زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي ...
- علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - عندما كانت أمي صغيرة