إستراتيجية التدمير الذاتي في رؤية احتواء ايران وبرنامجها النووي.

طلال الحريري
سياسي عراقي
(Tallal Alhariri)

الحوار المتمدن-العدد: 6291 - 2019 / 7 / 15 - 03:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في هذا الموضوع تحديدا سأتحدث عن رؤية مهمة واستراتيجية تحتفظ بكثير من الأهداف والخفايا غير الظاهرة كونها تمثل بعداً امنياً عميقا في التعامل مع الملف الإيراني وما يجري في إيران ومستقبل الصراع المستمر على شرق اوسط جديد.
أن اعظم مؤسسة في اميركا هي وكالة المخابرات المركزية (CIA).وكالة متعددة الإختصاصات وسيدة قرارات السياسة الخارجية الأمريكية. وهي منظومة امنية بإمكانات هائلة وعقول لم يستطع وصفها حتى من كتب عنها ومن كان فيها، ولعل كتاب (إرث من رماد) لأول رئيس للأمن القومي الأمريكي ألن دالاس لم يعطي الا اشارات سطحية عن عمق هذه المؤسسة الكونية الخلاقة.

في كل العالم نظريات الحرب متشابه وثابته الى حدٍ ما إلا في اميركا فهي عقل منتج للإبتكارات النظرية والعلمية والإستراتيجية التي تختص بحروب المستقبل الأكثر تطويرا وذكاءً، فكل ما يُجرب جيل جديد لا يمضي عليه الكثير حتى ابتكروا جيلاً اكثر تطوراً وهذا هو سبب استمرار واشنطن بقيادة العالم وفرض ارادتها على جميع الدول. ان قوة هذه المؤسسة ونجاحها لا يعتمد على الإنتاج والتطبيق بقدر ما يعتمد على السرية المطلقة للعديد من البرامج والاهداف الإستراتيجية التي تركز على المستقبل واستمرار اميركا على رأس الهرم العالمي. هذه المؤسسة الخلاقة هي من تضع الرؤى والاهداف وتحدد المواقف ضمن آلية لا يفهمها حتى صانع القرار الأول( الرئيس)، وفي التاريخ الحديث والمعاصر شواهد وحوادث كبرى تشهد لهذه المؤسسة بالتفوق اللامحدود في ادارة الحروب والصراعات حول العالم وحسمُها. و بعيدا عن شواهد الحرب الباردة واحداث تسعينيات القرن المنصرم وعالم مابعد 11 ايلول/ سبتمبر، لا احد يستطيع ان يفهم مدى تأثير وقوة الاجيال الجديدة للحروب والتي انتجتها هذه المؤسسة الكبرى، حيث تتداخل هذه المفاهيم والآليات مع قلب الأنظمة بالإنظمة، وإسقاط الدول بالشعوب، واستراتيجيات التدمير الذاتي والحرب الناعمة، واستخدام الإيدولوجيات، وتوظيف القضايا الدولية والوطنية، ودمج نظريات الحرب الإقتصادية بالحرب التقنية( التكنومعلوماتية).آليات استراتيجية خلاقة تجمع بين النظرية والعلم ولقد وصلت مؤخرا الى انتاج جيل جديد يشبه ما نشاهده في افلام الخيال العلمي من حيث القوة والإختلاف في التجديد المتطور لإدارة الحروب عن بعد وحسم الصراعات الدولية والتحكم بعامل الزمن واللاعبون.
معظم المراقبون والمهتمون بالشأن السياسي لا يدركون حقيقة ما يجري في ايران، وكيف تتعامل اميركا مع الملف الإيراني. في الحقيقة ان الآلية التي تتعامل بها CIA مع الملف الإيراني تمثل إستراتيجية اكثر عمقاً من حيث الاهداف ومدخلاتها الحيوية. فهي تجمع مابين وسائل التدمير الذاتي والحرب الناعمة من جهة، والضغط الإقتصادي والحرب الخفية من جهة اخرى. وما بين هذه الوسائل يستخدم البعد الوطني وتوظيف مخرجات الإزمة لتحريك الشعب الإيراني ضد النظام ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية، بدعم معارضة خارجية وداخلية وتعبئة الرأي العام المهيء موضوعيا وذاتياً للإنقضاض على النظام وقلب الأوضاع العامة في إيران. اما البرنامج النووي الإيراني ومنظومة صواريخه وبرامجه الحربية فأن التعامل معها تقني وفني وامني يمتد من لانغلي الى اقصى بقعة ارض في إيران.
أن المواقف الأمريكية الهادئة بوجه التصعيد الأخير في المنطقة ليست إلا رسالة للدول الحليفة لواشنطن بأن الوضع تحت السيطرة ونهاية النظام الإيراني في متناول اليد، وعامل الزمن والمخرجات السياسية والأمنية ستحدد كل الخطوات اللاحقة في التعامل مع النظام ومستقبل المنطقة. و في رؤى واهداف اخر اجيال الحروب التي تتبعها وكالة المخابرات المركزية الإمريكية إستراتيجيات كبرى لا تكلف اميركا حرباً مباشرة مع اي دولة تحاول تهديد الأمن القومي الأمريكي ومصالح اميركا الدولية، لأن هذه الإستراتيجية اكثر فاعلية فهي تتحكم بالزمن والسّوق العسكري لأي حرب تخوضها مهما كانت طبيعتها ووسائلها وأدواتها كون الهدف الإساسي هو الأنتصار الشامل دون الحاجة إلى تكاليف وخسائر.

وفي الختام اقول: إن ما ذكرته لا يمثل إلا جزءاً صغيراً وطفيفاً من إستراتيجية شاملة تتخذ من السرية والأدوات الخفية منطلق ليس للتعامل مع الملف الإيراني فقط وإنما كل ما يجري في الشرق الأوسط والعالم. ومن اهم سمات هذه الإستراتيجية التّغيُر الدائم، والإحتواء المطلق لذلك تكون مدخلاتها غير ظاهرة ولا تخضع للتحليل المطلق.

#طلال_الحريري (هاشتاغ)       Tallal_Alhariri#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات