|
المعارضة السورية ومفترق الطرق
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1545 - 2006 / 5 / 9 - 10:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لايختلف إثنان من المهتمين بالشأن السوري ، على أن عددأ من المتغيرات قد طرأت ، في الأشهر الأخيرة ، على مستوى المعارضة الوطنية الديمقراطية ، التي يمكن القول ، أنها وضعت .. أو تضع هذه المعارضة أمام مرحلة جديدة ، قد تطول أوتقصر ، إلاّ أنها ، حسب مقاييس منطق هذه المتغيرات ، هي مرحلة مختلفة عما سبقها من مراحل ، وبات ملحاً لملاقاتها ليس تغيير الجلد ، وإنما إحداث تغيير مبدئي جدي في صياغة الخطاب المعارض وفي آلياته وساحاته ومساحاته
قبل ربع قرن ونيف كان مفهوماً أن تطرح المعارضة عنواناً عاماً ، لتكريس موقعها المعارض . كان شعار الديمقراطية في حينه يحمل دلالة عامة شاملة ، لايحتاج إلى برنامج معلل لطرحه ، ولايحتاج إلى الوقت بحثاً عن حوامله الاجتماعية . فقد كانت أحزاب المعارضة قائمة ولها برامجها السياسية والاجتماعية الواضحة ، ولديها ، إلى حد ما ، جمهورها . وكان الشرط الديمقراطي كفيل ، إذا ما تحقق في البلاد ، أن يحدث تغييراً هاماً في إطار النظام - الدولة بكفالة الوحدة الوطنية ، لملاقاة العثار الكبير ، كما جاء في بيان التجمع الوطني الديمقراطي في آذار 1980 ، وإنقاذ الكيان الوطني ، الذي كانت تهدده مقدمات حرب أهلية مدمرة
وقد كان مفهوماً ومقبولاً ، في مرحلة القمع والإعتقالات والتعذيب الوحشي والتصفيات الجسدية والملاحقات الكابوسية ، التي استمرت أكثر من عشرين عاماً ، أن تطرح المعارضة شعارات وتصريحات نارية دفاعاً عن الذات .. وانفعالية هجومية تتناسب مع شدة وآلام القمع والعزل والتخوين
كما كان مفهوماً قبل خمس سنوات ، أن تطرح المعارضة برامج وأوراق سياسية عجولة ، لتعزيز دورها المعارض وانتزاع شرعية واقعية لحراكها تحت سقف نظام ديكتاتوري . إلاّ أنه لم يعد مفهوماً بعد سلسلة من المتغيرات الدولية والإقليمية ، أهمها ، أحداث 11 إيلول 2001 في أمريكا ، إحتلال العراق آذار 2003 ، تصاعد التوحش الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية ، إنفلات الحرب الكونية على " الارهاب " ، تفشي العولمة المفخخة بالهيمنة الأمريكية ، وضع مخطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت الهيمنة الصهيو - أمركية قيد التطبيق ، إغتيال الحريري في لبنان ، التي تضافرت مع أوضاع داخلية أمنية ومعاشية بالغة السوء ، وخلقت شروطاً سورية وإقليمية ودولية لم تكن مطروحة من قبل ، لم يعد مفهوماً ، أن يستمر السياق ذاته في الحراك المعارض .
لقد أصبحنا الآن أمام مشهد سياسي جديد مركب .. مشهد اختلفت بعض ملامحه والكثير من شروطه تأقلم النظام مع المتغيرات الدولية وفق معايير ومصالح متبادلة عربية ودولية ، وتأقلم مع وجود المعارضة . وهو يعمل بخبث لإحتوائها بأشكال شتى . يسمح ويمانع لحراكها ، يسمح بحضور اللقاءات التضامنية في الخارج ويعتقل من حضرها من المطار في العودة ، يقسم المعارض وطنية وغير وطنية ، ويدفع بتشكيلات حزبية جديدة إلى صفوف المعارضة لتفخيخ مواقع المعارضة الحقيقية ، يستقبل وفود سياسية ويعقد مؤتمرات حزبية عربية ، يستنفر قواه الحزبية والجبهوية والإعلامية ، وصار قاب قوسين أو أدنى من شرعنة المعارضة بقانون أحزاب وقانون إنتخابات تحت سقف آلياته القمعية ، وربما ليس ببعيد إقدامه على استبدال حالة الطوارئ والأحكام العرفية بقانون مكافحة الإرهاب حسب الموضة الدارجة في النظام العربي العتيد ، لإعادة إنتاج بنيته وآلياته القمعية حسب سمة العولمة النيو معاصرة ، بل ولوح بعض من رموز النظام بتعديل أو إلغاء المادة 8 من الدستور
المعارضة ، لم يعد تمثيلها مقتصراً على التجمع الوطني الديمقراطي ورموزه التي ملأت أصواتها الآفاق ، طوال وقت ليس بالقليل، صارت معارضات ، حتى إعلان دمشق أصبح من الماضي . وبعد أن برزت ظاهرة خدام ، ومن ثم تشكيله مع الأخوان المسلمين جبهة الخلاص ، وبعد أن كرت سبحة المؤتمرات الخارجية .. المستقلة وغير المستقلة ، ذات الهوى الوطني البرئ وذات الهوى الأمريكي المريب ، المتنقلة من باريس إلى لندن وواشنطن ومن بروكسل إلى مونتريال وهناك موعد للقاء آخر في إرلندا ، ما أدى إلى وضع يقال فيه أنه لم يعد هناك مرجعية واحدة في المعارضة ، أصبحت طيفاً متعدد الألوان والخطوط والخيوط . وهذا الحال إن حمل دلالة إيجابية لصالح توسيع قاعدة المعارضة ، إلاّ أنه يحمل دلالة سلبية أيضاً ، إذ أن تبعثر وتعدد الجهات والجبهات والمرجعيات في المعارضة يصب في المحصلة في مصلحة النظام
بكلام آخر ، إن المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية تعاني الآن صعوبات كبيرة ، إن من جهة بنيتها الذاتية ، أو من جهة علاقاتها وسط الطيف المعارض ومن ضغوطات النظام التعسفية ، أو من جهة الريح الغربي ، تكاد تؤشر على أن مشروع التغيير الديمقراطي قد وصل إلى طريق مسدود ، وعلى أن المعارضة الوطنية الديمقراطية قد فشلت أو أفشلت في حمل مثل هذه المهمة التاريخية
وإذا كان مشروع التغيير الوطني الديمقراطي لم ولن يصل إلى طريق مسدود ، أي أنه ليس آيلاً إلى السقوط ، لأنه حاجة موضوعية نابعة من استحقاقات إجتماعية وسياسية واقتصادية .. من حرية وكرامة ورغيف الإنسان السوري ، ومن استحقاقات وطنية مصيرية بالنسبة لسوريا الوطن ولشعوب المشرق العربي ، فإن المعارضة الوطنية الديمقراطية كي تسترد دورها الريادي المحوري في المعارضة السورية وصولاً إلى استرداد مشروع التغيير الوطني الديمقراطي عافيته ، لايكفي أن يكون قدرها مرتبطاً بهذا المشروع ، ولايكفي أن تستمد مقومات وجودها من الرفض الشعبي الواسع للنظام .. من واقع سياسي مأزوم محكوم فيه المواطن أن يكون معارضاً ، لابد لها إزاء ما استجد من متغيرات داخلية وخارجية أثرت في الوضع السوري برمته ، من أن تجدد أفكارها وآلياتها .. وأن تجتاز مفارق الطرق . أن تعيد قراءة الأزمة السورية في أبعادها المتعددة ، وتحدد القوى الاجتماعية حاملة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي ، وتعيد بناء استراتجيتها وتحالفاتها الداخلية والخارجية على هذا الأساس وهذا يستدعي بالضرورة الكف عن تداول " أدلوجة " داخل / خارج لحسم صراعات الداخل ، والتعاطي مع أنشطة الخارج من مؤتمرات ولقاءات واعتصامات .. ومع اختناقات النظام الداخلية والخارجية .. ومنها التحقيق الدولي في جريمة إغتيال الحرير بأحجامها الحقيقية ، أي دون أن تحل محل الفعل الجماهيري في الداخل
إن المحصلة لحراك المعارضة طوال العقود الماضية قدمت البرهان على أن مشروع التغيير الوطني الديمقرلطي ، إذ هو برنامج ثوري بامتياز للقطع مع الاستبداد والتخلف و العجز هو برنامج شعبي .. جماهيري . ولايمكن أن يتحقق ألاّ بفعل شعبي جماهيري عريض . طبعاً هذا يتطلب وقتاً .. يتطلب صبراً ورؤى علمية .. يتطلب قيادات تحمل نظرية ثورية .. يتطلب إعادة بناء المعارضة من القوى الشعبية .. قوى التغيير الوطني الديمقراطي الأساسية
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول أيار .. نضالات ورؤى وأمنيات
-
رحل كمال دون وداع ..
-
انتصار اليسار الفرنسي .. تجربة وآفاق
-
جنرالات الأرصفة
-
من أجل الحرية .. والرغيف معاً
-
النصر لجماهير فرنسا الشجاعة
-
أما آن لليسار أن يتوحد .. ؟
-
ضد حالة العار السياسي .. حالة الطوارئ
-
مع المرأة .. الأم .. والحبيبة .. في عيدها العالمي
-
أزمة الأزمة في الاقتصاد السوري
-
حول قانون الأحزاب في سوريا
-
في ذكرى الزعيم عبد الكريم قاسم
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 3
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 2
-
الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 1
-
العدالة أولاً .. الآن وغداً
-
راية أخرى لليسار ترتفع
-
هل من حوار ديمقراطي .. مع - الحزب القائد - !! ؟
-
من يخدم خدام .. ؟
-
شمعة ضوء على درب الحلم
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|