|
قراءة ورأي في إعمام مجلس القضاء الأعلى
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 6290 - 2019 / 7 / 14 - 17:48
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
لقد ترك تنظيم داعش الإرهابي الكثير من المشاكل الاجتماعية المتعلقة بالأحوال الشخصية، ومن أهم هذه المشاكل ما يتعلق بالوفاة والزواج والطلاق وإثبات النسب، وحضانة الأطفال، ومن أجل عدم استغلال هذه القضايا لأمور تخدم التنظيم المذكور أو عناصره وعوائلهم ونيلهم بعض الحقوق والتعويضات؛ فقد وضعت السلطة القضائية فضلا عن القوانين النافذة جملة من التعليمات الخاصة بذلك.
ونحن نتفق مع جميع الإجراءات التي تتخذها السلطة القضائية في كل ما يخدم المصلحة العامة، ويحفظ حقوق المواطنين، ويحرم الإرهابين من نيل أي حق، بل ندعو الى محاسبتهم، ولكننا نجد في تطبيق بعض تلك الإجراءات اجحافا بحق المواطنين وإضافة أعباء مالية عليهم فضلا عن التأخر في حسم تلك الدعاوى.
لقد طلب مجلس القضاء الأعلى /مكتب رئيس المجلس/ من رئاسة محاكم الاستئناف الاتحادية كافة بموجب كتابه ذي العدد/279 في 5/ 11/ 3018 تحت موضوع (وفيات) توجيه محاكم التحقيق والأحوال الشخصية والمواد الشخصية بالعمل على إصدار (حجج الوفاة) على وفق ما ورد فيه للمتوفين في أثناء عمليات التحرير لا سيما في المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي من أجل التمييز بين من قتل شهيدا بسببها أو بسبب معارضته للتنظيم وبين من قُتل من عناصر التنظيم الإرهابي. وفي أدناه نص الكتاب.
"بناءً على مقتضيات المصلحة العامة تقرر توجيه محاكم التحقيق ومحاكم الأحوال الشخصية والمواد الشخصية للعمل والتقييد بما يأتي:
تفعيل العمل بأحكام المادة (17ك) من قانون قانون تسجيل الولادات والوفيات رقم (148) لسنة 1971(المعدل)، التي حددت البيانات الواجب ادراجها في حجة الوفاة ومنها فقرة سبب الوفاة. والتأكيد على ضرورة التدقيق وتشديد إجراءات المحاكم في منح حجج الوفاة ولا سيما في المناطق المحررة من عصابات داعش الإرهابية، والوفيات التي وقعت حديثا وخاصة في خلال فترة التحرير وما بعدها. للحيلولة دون استخدامها كوسيلة للاستفادة المادية ومنح امتيازات بلا حق. بغية تمييز الإرهابي عن الشهيد الأمر الذي يقتضي التحقق عن الوفاة وسببها بكافة طرق الإثبات من خلال الاستماع الى شهادات الشهود ومختار المحلة والجهات الأمنية المختصة في المنطقة ومفاتحة الدوائر او الجهات الحكومية ذات العلاقة ( كالجوازات والمنافذ الحدودية ودوائر الأحوال المدنية ، والدوائر الصحية) ولا ما نع من الإعلان عن طلب حجة الوفاة في صحيفتين محليتين ابتداء عند تقديم الطلب استنادا لما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديرية في ضوء ظروف كل حالة ومكانها وافساح المجال لمن لديه معلومات عن المتوفى وسبب وفاته وللمعترض على اصدار حجة الوفاة الحضور امام محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتثبيتها خلال عشرة أيام من اليوم التالي للنشر ومن ثم المباشرة بإجراءات اصدار حجة الوفاة من المحكمة المختصة مع التأكيد على ذكر سبب الوفاة بدقة استنادا لما هو متوفر من تقارير طبية وبالتنسيق مع الجهات الأمنية ومختار المحلة على ان تتضمن حجة الوفاة تحديد فيما اذا كان المتوفى من الارهابين ام من الشهداء من ضحايا الإرهاب او العمليات العسكرية او اخطائها او كانت وفاته اعتيادية قضاء وقدرا او بحادث جنائي مع التأكيد على تطبيق ذلك في نحاكم المحافظات المحررة وإعطاء تقديرية لتطبيق ذلك في محاكم المحافظات الأخرى".
من خلال قراءة متأنية للكتاب المذكور نُبين ما يأتي:
1. يفهم من موضوعه (وفيات) أن ما قرره المجلس هو توجيه محاكم التحقيق والأحوال الشخصية والمواد الشخصية باتباع الإجراءات الواردة فيه فيما يخص منح حجج الوفاة (حصرا) وبالتحديد الفقرة (ك) من المادة (17) الخاصة ببيان سبب الوفاة، بغية تمييز الإرهابي عن الشهيد، للحيلولة دون استخدامها كوسيلة للاستفادة المادية ومنح امتيازات بلا حق، وهذا ما قصده المجلس.
2.ومنه يفهم بأن على المحاكم المذكورة لغرض منح حجة الوفاة مفاتحة ثمان جهات رسمية وانتظار إجاباتها ومن ثم الفصل في الدعوى، وهذه الجهات:
أ- مديرية الجوازات العامة. لمعرفة فيما إذا غادر العراق من عدمه. ب-المنافذ الحدودية كافة. لمعرفة فيما إذا غادر العراق برّا من عدمه. ت-دائرة الأحوال المدنية. لمعرفة فيما لو انه حي أو ميت في سجلاتها. ث-دائرة الطب العدلي. لمعرفة فيما لو أنه مسجل متوفٍ في سجلاتها. ج-دائرة إصلاح الكبار لمعرفة فيما إذا كان المدعى عليه سجينا لديها ام لا. ح-مديرية الأمن الوطني. خ-قسم الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. د-الاستخبارات العسكرية في المنطقة.
3.وفيه جواز للمحاكم بالإعلان عن طلب الحجة في صحيفتين محليتين ابتداءً عند تقديم الطلب استنادا لما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديرية. وقد تُدخلُ المحكمة مختارَ المحلة شخصا ثالثا في الدعوى.
ونحن مع هذه الإجراءات فيما يخص إصدار حجة الوفاة للحيلولة دون إصدار حجج وفاة غير صحيحة، وإن كان في تطبيقه على الشهداء أعباء مادية ومعنوية تتحملها عوائلهم قد تصل الى مئات الألوف من الدنانير، ولسنا مع تطبيق هذا التوجيه بحذافيره من قبل بعض المحاكم فيما يخص دعاوى التفريق القضائي، وتصديق الطلاق الخارجي، وتأييد الحضانة، وإثبات النسب وبإمكان المحاكم اعتماد المعلومات الأمنية من الجهات الأمنية المحلية والسلطات الإدارية والمختارين، فضلا عن النشر بالصحف المحلية. للأسباب الآتية:
1أنَّ حجة الوفاة تصدر بدون دعوى قضائية، بل تصدر استنادا الى تعليمات خاصة بها، عليه فإن قيام بعض المحاكم بتنفيذ هذا التوجيه فيما يخص الدعاوى المذكورة في أعلاه بسبب مجهولية محل إقامة المدعى عليه يعد مخالفة صريحة لمضمونه لعدم وجود ما يشير الى تنفيذه في مثل هذه الدعاوى.
2. إن التزام المحاكم بتطبيقه يُرتب على المدعي أعباءً مادية منها ما هو قانوني مثل إجور نشر الإعلان لتبليغ المدعى عليه بورقة التبليغ بصحيفتين محليتين بعد ورود التبليغ مشروحا عليه (غير موجود وارتحل الى جهة مجهولة). ومنها ما هو غير قانوني مثل:
أ - ما يدفعه المدعي أو وكيله الى المُبّلغ القضائي من مبالغ لغرض تبليغ المدعى عليه بـ (ورقة التبليغ) ويُحدد هذا المبلغ على وفق بُعد وقرُب منطقة سكن المدعى عليه، وحاجة المدعي لتبليغ المدعى عليه بأسرع ما يمكن. وهذا الإجراء قانوني، لأن التبليغ ركن رئيس في الدعوى ولكنه يُحمَل المدعي أعباءٌ مالية لإن التبليغ القضائي من مسؤولية المحاكم وليس من مسؤولية المواطن.
ب- ما يتطلبه الأمر من معاناة ومن نفقات باهضه يتكبدها المدعي عن أجور نقله وانتقاله عند قيامه بمراجعة هذه الدوائر، او تلك التي يدفعها للمُعقبين، وقد تصل كلفة الحصول على إجابة الكتاب الواحد الى أكثر من خمسين ألف دينار سيما في مراجعة الدوائر العامة في بغداد أو في مراكز المحافظات إذا كانت الدعاوى مقامة في محاكم الأقضية.
ج- المضايقات التي تتعرض لها المُدعية من قبل ضعاف النفوس في بعض الدوائر، واستغلال ضعفها وحاجتها عند مراجعتها شخصيا لتلك الدوائر بسبب ضعف حالتها المادية، وعدم قدرتها على توكيل محام أو تكليف مُعقب.
3. تأخر حسم الدعاوى بسبب تأخر ورود الإجابات من الجهات المذكورة الى المحاكم في موعد الجلسات وقد يؤدي تأخر الإجابة عن كتاب واحد منها الى تأخر حسم الدعوى، وفي هذا ارباك لعمل المحاكم، ومعاناة للمدعين بهذا الحق القانوني.
4. إن بعض الدعاوى الخاصة بتأييد الحضانة تخص زوجات تم التفريق بينهن وبين ازواجهن استنادا لقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 1529 لسنة 1985 بسبب انتماء الأزواج لتنظيم داعش الإرهابي، وسبق للمحكمة المختصة أن فاتحت الجهات المعنية بالموضوع، وعلى وفق إجابتها أصدرت قرارها بالتفريق فلا مبرر لإعادة مفاتحة تلك الدوائر مرة أخرى فيما يخص دعاوى تأييد الحضانة حيث يمكن اعتماد قرار التفريق المكتسب درجة البتات أساسا في إصدار دعوى تأييد الحضانة دون مفاتحها مرة أخرى.
5. إن الزوجة التي أقامت شكوى لدى محكمة التحقيق المختصة على زوجها الإرهابي، وصدرت على زوجها مذكرة إذن القبض بناء على تلك الشكوى، وحصلت على قرار حكم من محكمة الأحوال الشخصية بالتفريق بينها وبينه أولى بحضانة أطفالها من أبيهم الداعشي، لأن الحكمة من التفريق كانت بسبب الضرر الذي الحقه الإرهابي بالمجتمع وخطره عليه.
وحيث أن حق الحضانة ورعاية الأطفال حق قررته القوانين الدولية واتفاقية حقوق الطفل؛ فلابد من مراعاة ذلك وتسهيل الإجراءات الخاصة بمثل هذه الدعاوى من أجل أن تتولى الأم الحاضنة فعلا لأطفالها رعايتهم والاهتمام بشؤونهم بموجب قرار حكم قضائي بحضانتهم سيما وأن بعض الجهات الرسمية توجب مثل هذا. فضلا عن أن اتفاقية حقوق الطفل قد ألزمت الدول الأطراف عدم التمييز بين الأطفال واتخاذ جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.
وقبل هذا كله فأن الالتزام بتطبيق هذه الإجراءات بنصها لا بروجها لا يتفق مع واحدة من أسمى قواعد العدالة والإنصاف في الشريعة الإسلامية تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:7]. وهي تعني أن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها.
وهنا نرى ضرورة التزام رجال العدالة بأحكام الشريعة الإسلامية، ومراعاة القوانين واتفاقية حقوق الطفل في إصدار الأحكام المتعلقة بالحضانة وعدم اعتماد التوجيهات التي تخالفها إلا فيما يتعلق بالأمن الوطني لأن حقوق الطفل فوق كل الاعتبارات، فضلا عن أن الزوجة أم ومواطنة، وعلى الكافة ضمان حقوقها.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفير المصالحة - الشيخ فيصل نجرس الكعود
-
نواعير هيت
-
هيتنا دالية وناعور
-
هيت القديمة- قلعة وسور وخندق
-
هذه هي هيت التي عنها تسألون
-
الفولكلور (التراث الشعبي)
-
التراث والأثار
-
الفتوى بغير علم
-
المُهذب الهيتي
-
نعم للنقد ، لا التشهير
-
آل بوبجي
-
إلا، أقطك
-
وداعا أبا سدير
-
لماذا غابوا ؟!
-
علم من مدينتي عبد الرحمن هلال جاسم الكربولي الهيتي
-
انتخابات مجلس النواب 2018 (نتائج وتحليل)
-
إنهم يقتلون الجياع
-
الحق يُؤخذ ولا يُعطى
-
مبارك لنا ولهم التفوق
-
رجال من مدينتي
المزيد.....
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
-
المقررة الاممية البانيز: مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت غير كا
...
-
شاهد.. مواقف الدول المرحبة بقرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
لماذا لم تعقب الحكومات العربية على قرار اعتقال نتنياهو؟
-
تظاهرات بفرنسا تدعو لتطبيق قرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
صحيفتان بريطانيتان: قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نت
...
-
كاميرا العالم توثّق الوضع الإنساني الصعب بدير البلح وسط غزة
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|