|
المتيمون بالمتنبى وتأثيرالعروبة على أدمغتهم
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 6290 - 2019 / 7 / 14 - 14:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المتيمون بالمتنبى وتأثيرالعروبة على أدمغتهم طلعت رضوان وأنا فى الستينيات تجاوزتُ سن العشرين بعاميْن..وبالرغم من حداثة تعلقى بالأدب..وبالرغم من صغرسنى، قرأتُ أشعارالمتنبى..وعندما تخطيتُ سن الثلاثين، تملــّـكتنى الدهشة من كثرة الدراسات والمقالات، التى تعتبرالمتنبى ((أشعرشعراء العرب)) وكان سرالدهشة أنّ المتيمين بالمتنبى، توقفوا ((الصورالجمالية فى أشعاره..والبلاغة اللغوية)) ولكنهم تجاهلوا مضمون القصائد التى تدورعلى محوريْن- كما فى معظم الشعرالعربى- الهجاء والمديح. وكنموذج من المتيمين بالمتنبى الروائى والمؤرخ المغربى (حسن أوريد) الذى قال إنّ لكل ثقافة شخصية بارزة تمثل عبقريتها..ولايمكن تخيل الثقافة البريطانية بدون استحضارشكسبير..ولاتخيل الثقافة الإسبانية دون تخيل سرفانتس..ولاتخيل الثقافة الإيطالية دون تخيل دانتى..وكذلك فإنّ المتنبى هوالمُـعبـّـرعن الثقافة العربية. وفى ختام كلامه انتقد الذين اختلفوا مع شعرالمتنبى. وأعتقد أنّ الاعجاب بالمتنبى جعل السيد حسن أوريد يتغافل عن الحد الأدنى من الموضوعية، عندما وضع المتنبى مع المبدعين الذين أسهموا فى التنويرالإنسانى، بإبداعاتهم التى كثفتْ قيم النبل والعدالة والحرية..وبسبب الاعجاب بالمتنبى فإنّ السيد حسن أوريد، مزج أصله الأمازيغى بالعروبة، حيث قال: أنا أمازيغى وعربى. وهذا يدل على أنه (مسخ) ثقافته القومية عندما (دمجها) مع ثقافة أجنبية هى النقيض لثقافة شعبه الأمازيغى. وبينما السيد حسن أوريد اعتبرالمتنبى هوالمُـعبـّـرعن الثقافة العربية، فإنّ المفكرعبدالله القصيمى (1907- 1996) بالرغم من أنه سعودى الجنسية، فقد كانت له وجهة نظرمختلفة تمامًـا عن مجمل وجهة نظرالثقافة العربية السائدة. بدأ القصيمى حياته بالدراسة فى الأزهر..ولكنه لم يستمرطويلا، حيث تـمّ فصله..ويرى بعض من أرّخوا لحياته أنه ترك القاهرة وتوجـّـه إلى لبنان، بعد أنْ أصدركتابه (البروق النجدية) وبعد ذلك عاش مُـتنقلا بين القاهرة ولبنان..وقد هاجمه خصومه واتهموه بالإلحاد..كما أنه تعرّض للاغتيال مرة فى لبنان ومرة فى مصر. وسُـجن فى مصربضغط من الحكومة اليمنية، بحجة أنّ الطلبة اليمنيين التفوا حوله وتأثروا بأفكاره..وقال البعض أنه فى نهاية حياته عكف على قراءة القرآن، بينما صديقه ومرافقه (إبراهيم عبدالرحمن) نفى ذلك وأقرّأنّ القصيمى ظلّ متمسكــًـا بآرائه حتى لحظة وفاته. والقصيمى له عدة مؤلفات مهمة مثل كتابه (هذه هى الأغلال) الذى قال فيه ((إنّ المسلمين (والعرب) يقفون أمام خياريْن لاثالث لهما: إما أنْ يستفيدوا من التراث العلمى للبشرية، أوأنْ يبقوا متخلفين جهلة..ولكى يتخلصوا من الركود الذى هـُـمْ فيه، عليهم أنْ يعرفوا أنه لاتوجد معرفة ضارة، ولاجهل نافع، وأنّ كل الشرور مصدرها الجهل. والقصيمى رغم جنسيته السعودية، أى رغم أنه (كما هومُـفترض) رضع من التراث العربى/ الإسلامى، فإنه- عندما أراد التعبيرعن إرادته الحرة- تمرّد على ذاك التراث، ورآه لايصلح للعصرالحديث، بل إنّ نظرته شملتْ الأنبياء واللغة العربية، وخصـّـص لذلك أحد أهم كتبه (العرب ظاهرة صوتية) الصادرعن منشورات الجمل– ط عام 2000. امتلك المؤلف جرأة الدخول إلى حقول الألغام العروبية/ الإسلامية فنصّ على ((أنه فى كل التاريخ العربى لم يحدث ولن يحدث أنْ يعلومن فوق كل منبرإلاّ الصوت الجاهل أوالمنافق أوالأبله أوالفاجر)) (ص5) والسبب كما يرى أنّ العرب تبنوا إلهًا عربيًا ((وإله العرب لن يجيىء مثل آلهة غيرهم لأنهم– أى العرب– لم يجيئوا مثل غيرهم فى المزايا والنماذج..والإله العربى كالسلطان العربى كالإنسان العربى يُجزى على الهوان والاستسلام له)) (ص8) ولأنه يمتلك عقلا حرًا وضميرًا حيًا كتب عن مصر((مصرهى أبدًا البداية لكل الكينونات العظيمة)) ثم يرسم مشهدًا مُتخيّلا فكتب ((قال وفد السماء: إنّ إسرائيل الغادرة قد تحتل القاهرة. فردّ الوفد العربى بصوت واحد: لابأس..ولايهم لأنّ لنا مجد العبور. قال وفد السماء: وتحتل الأرض المصرية كلها. فردّ الوفد العربى: لا بأس لأنّ لنا مجد العبور. قال وفد السماء: وتأخذ إسرائيل كل الشعب المصرى ليكون أسرى وأرقاء (= عبيد) فردّ الوفد العربى: لاتنزعجوا فإنّ لنا مجد العبور)) (9، 10) فى هذه الفقرة وضع القصيمى يده على طبيعة العلاقة الشائكة بين مصروالعرب الذين لاتعنيهم (السيادة المصرية) على كامل التراب المصرى، وبالتالى هم مع عودة إسرائيل لتحتل مصر، بل وتجعل من شعبنا المصرى (أسرى وعبيد) كما أنّ القصيمى فى هذه الفقرة تميّزبنظرة ثاقبة، إذْ أنّ ما حذرمنه منذ عدة سنوات تحقق، عندما قال الشخص الذى مهمته (إرشاد) أتباعه من المسلمين لرئيس حكومة حماس ((كنتُ أتمنى أنْ تكون رئيس وزراء مصر)) ووعده بمنح الجنسية المصرية لكل أعضاء حماس ((ليكون لهم نفوذ وأولوية فى التوطين داخل سيناء)) (صحيفة روزا ليوسف 30/7/2012ص1) وهكذا يكون المفكرالقصيمى (وهوغيرمصرى) حريصًا على استقلال مصر، بينما العروبيون والإسلاميون (المصريون) لايعنيهم هذا الاستقلال لصالح المخطط الصهيو/ حماسى. وفى تفسيره لظاهرة أنّ (العرب مجرد أصوات) كتب ((إنها لموهبة عربية أصيلة: أنْ يظلوا يفعلون بالقول ما يجب أنْ يفعلوه بالفعل)) وأضاف ساخرًا (( إنّ أسلحة كل العالم لاتستطيع أنْ تصنع شيئـًا من الانتصارات التى تصنعها ألسنة العرب)) (ص15) وبالرغم من ذلك فإنّ ((العرب يتوبون إلى أمريكا لكن لاكما يتوبون إلى الله)) (ص16) أما اللغة عند العرب فهى لاتعنى ((إلاّ الاعتقال فى التاريخ والخيمة والصحراء والبداوة. إننا غيرلغويين مهما كانت ألسنتنا أطول من كل الألسنة ومهما تفوّقنا على كل البشربكثرة الكلام. إنّ لغتنا تضعنا فى ولادة واحدة وثوب وكفن وقبروتاريخ واحد، لأنها تــُـوقف وتقتل وتـُهدد كل وظائف طموح الإنسان فينا)) (ص20) ويشتد به الغضب على الثقافة العربية فيتساءل ((مَنْ النحات الذى نحتك أيها الإنسان العربى؟ لماذا جاء نحاتك بكل هذا الضعف والجهل والقبح والوقاحة والبداوة؟)) (ص57) ثم ينتقل إلى المُعتقدات التى تلغى خصوصية الإنسان فكتب ((أليستْ العقائد تزويرًا وتشويهًا للإنسان وعدوانـًا على طهارته وبراءته؟ أليستْ عدوانـًا على جميع تفاسيره وصيغه الإنسانية؟ أليستْ تــُعلمه كيف يُعادى ويُبغض ويحقد ويُـقاتل ويقتل بل وتــُـشرّع له ذلك؟)) (ص63) وعن ثقافة (النقل) العربية كتب ((هل كان رجالنا التاريخيون الذين جاءوا يعلموننا الإيمان إلاّ ناقلين إلينا كل ما كان فى جسد التاريخ من قبح وتلوث وعجزووباء. بل هل كانت لهم قضية أو رسالة أونفع؟ (ص74) ويرى أنّ النتيجة عند العرب غيرمهمة بل ((إنّ الانتصارليس هو المطلوب بل الصهيل. إنهم صاهلون)) (ص84) وترتب على ذلك أنّ ((ظاهرة العرب الكلامية فضيحة عقلية وأخلاقية وحضارية وتاريخية أى فضيحة إنسانية شاملة)) (ص122) والسبب أنّ ((قصيدة بدوية اللغة والروح والأخلاق تـُمجد البراغيث، وتلعن وتــُحقرعبقرية من زرعوا الحضارات)) (126) ويرى أنّ الآفة مستمرة، فالعربى الذى صوّت للمعلقات وللعنتريات والإسلاميات، وورث كل ذلك التراث من ذلك الزمن البعيد العقيم، هونفس الإنسان العربى الذى يطل علينا اليوم من جميع أجهزة ووسائل ما يُسمونه الإعلام العربى أوالكتاب العربى. لم يحدث أى تغيير. لا المنطق ولا الذكاء ولا الأخلاق ولا أسلوب أومستوى الوقاحة والقباحة والغرور(ص136) ومن متابعته للواقع العربى كتب (( أليس المفكر العربى والحاكم العربى هما أفظع أساليب التشويه والتقبيح لكل ما فى الحياة من قيم)) (ص145) ثم يختار بعض النماذج من الشعر العربى الذى كرّس للعنصرية وللظلم فينقل للقارىء قصيدة عمروبن كلثوم الذى قال (( لنا الدنيا ومن أمسى عليها / ونبطش حين نبطش قادرينا / طغاة ظالمون وما ظلمنا / ونظلم حين نظلم بادئينا / إذا بلغ الفطام لنا رضيع/ تخر له الجبابرساجدينا)) وكتب أيضًا ((وإنا إناس لاتوسط بيننا / لنا الصدردون العالمين أوالقبر)) (ص254) وآفة الذهنية العربية أيضًا أنّ العرب ((يفرضون على كل البشرأنْ يقولوا (سمعنا وأطعنا) ويرفضون بكل الإصراروالقسوة أنْ يقولوا (سمعنا وفكرنا) أو سمعناكم فلم نقتنع) أو(سمعنا فجادلنا أولم نفهم أورفضنا شيئــًا وأطعنا شيئــًا أوسمعنا وسوف نرى) وبالتالى فإنّ ((الأذن التى تسمع لتطيع فقط هى حتمًا أذن صوتية لافكرية. إنها طغيان واستعباد مفتوح مباح. إنها طريق جميع اللصوص والغزاة إلى عقولنا وضمائرنا)) (ص310) لذلك فإنّ الدعوة (( إلى القراءة والسماع ليست فى التاريخ العربى إلاّدعوة إلى أمية العقل والرؤية والضميروالأخلاق)) (ص355) وعقلية الطاعة المطلقة التى أدّتْ إلى (أمية العقل) هى التى أنتجتْ الشعرالذى خجلتْ منه المطابع وهى تنشرهذا القبح..وضرب مثالابهذه الأبيات ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا / نراه جمالا يُبهرالعقل والقلبا / لأنــّـا رأينا ما اعتقدنا كماله / وصغناه مكتوبًا بأخلاقنا الغضبى/ لذا عزّمن شئنا له العزوحده/ لذا ذلّ من شئنا له الذل والكربا / لذا نال ما يبغى المُطيع لأمرنا / لذا نال من يعصوننا السلب والصلبا)) لهذه الدرجة يُكرّس الشعرللانحطاط الأخلاقى: المُطيع ينال كل ما (يبغى) أى كل ما يتمنى، أما المُختلف (يُسميه الشاعر(العاصى) فليس له إلاّ السلب (السرقة) والصلب (القتل الوحشى عن طريق صلب الإنسان لعدة أيام حتى يموت) لهذا كما كتب القصيمى (( لقد أصبح العرب عارًا وهوانـًا وسبابًا لكل العالم لعنف افتضاحه..والنفط هوالذى خلق لهم مجدهم وشهرتهم. فهل وُجد خالق مثل النفط العربى؟)) (ص394) لذا فإنّ الإنسان العربى لم تتخلق فيه مواهب الإنسان المتحضر)) (ص405) وبعد أنْ ذكر تفاصيل الواقع العربى فى العصرالحديث، وما شاهده من هوان وخضوع للاستعمار، بالتوازى مع قمع الشعوب كتب بمزيد من المرارة ((يا أنبياء العروبة وزعماءها ويا كتابها وخطباءها ومعلميها: اصمتوا. الصمتُ يستركم. فتبدون أقل دمامة وجهلا وعارًا وضآلة وإيذاءً للعيون والعقول. إنّ أنبل ما تفعلونه هوأنْ تصمتوا)) (ص418) وخصّص أكثرمن فصل للشاعرالمتنبى الذى سجدتْ له الثقافة العربية ودافعتْ عنه باعتباره أشعرشعراء العرب رغم أنّ المُتنبى ((كان فـُحشـًا نفسيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا ولغويًا..كان بلا ضميروبلا رحمة أوحب أوعاطفة..كان وقاحة بقدرما كان قباحة..وأشعاره هى ((كلمات وصولى انتهازى منافق مفضوح بلا كرامة ولاحياء. لعلّ جميع اللغات لاتجد كلمة رديئة لتكون على مقاسه. لعلّ قبحه معجزلجميع اللغات. فلن يُضيف أى قبح إليه قبحًا )) إنّ تاريخ وحياة المُتنبى انعكاس لتاريخ وحياة العرب وارتفاع شأن المُتنبى عند العرب دليل الانحطاط الثقافى والأخلاقى، بمراعاة أنّ من يقرأ حياة وشعرالمُتنبى لابد أنْ يتفجرغضبًا واشمئزازًا. إنه لعارلقوم لايزالون ((حتى اليوم، فى عصرالمواجهة العربية / الإسرائيلية يقرأون ويُنشدون أشعارالمتنبى الذى كان عاهة فادحة تحوّلتْ إلى غثيان تاريخى)) فهل الشعريصل لدرجة الانحطاط والغروركما فعل المتنبى الذى كتب ((أى محل أرتقى/ أى عظيم أتقى/ وكل ما قد خلق الله/ وما لم يخلق/ مُحتقرفى همتى/ كشعرة مفرقى)) وفى عدائه السافرضد الشعوب، مقابل تمجيده للملوك، كتب قصيدة ضد حقوق الإنسان وضد كل البشرإذْ قال ((وإنما الناس بالملوك ولا / يفلح عرب ملوكهم عجم/ لا أدب عندهم ولاحسب / ولاعهود لهم ولاذمم)) واحتقاره للشعوب يتضح أكثرعندما كتب قصيدة كرّس فيها نظام العبودية. فبعد أنْ كتب عدة قصائد فى مدح (كافور) انقلب عليه بسبب مقدارالمال الذى يحصل عليه مقابل المديح، فهجاه قائلا ((لا تشترالعبد إلاّوالعصا معه/ إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) فى إشارة إلى أصل (كافور) الذى كان عبدًا قبل أنْ يُعتق ويتولى الحكم. فإذا كان المُتنبى اختلف مع الحاكم، فهل هذا يُبرله احتقاركل إنسان فرضتْ عليه الظروف الاجتماعية والسياسية أنْ يكون ضمن منظومة (العبيد) العربية..وأنه لابد من (العصا) للتأديب بل أكثرمن ذلك أنّ العبيد (أنجاس مناكيد) فهل هذا شعرأم (ردح) وبذاءة وأقصى درجة من الانحطاط الأخلاقى؟ ولأنّ المُتنبى يتسم بالانتهازية نراه وهويغازل كافورقائلا له ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله/ فإنى أغنى منذ حين وتشرب/ فإنْ لم تنط بى ضيعة أو ولاية/ فجودك يكسونى وفضلك أرحب)) وكيف يوصف المُتنبى بالكبرياء فى زعم أتباعه وهوالذى قال عن كافورأيضًا ((أنا اليوم من غلمانه فى عشيرة/ لنا والد منه.. يفديه ولده))؟ ونقل القصيمى قصيدة للمُتنبى كلها إشادة بالبداوة فكان تعليقه ((قف أيها الهمجى الرؤية والحس والمنطق والموهبة. المُتنبى يستقبح كل أعمال الحضارة والتمدن. يرفض الاغتسال ووجود الحمّام أى يرفض أنْ يكون الجسم نظيفـًا. إنّ نموذج (الجمال) الذى اختاره المتنبى ((مُـخجل ومهين لكل طموح حضارى وفنى فى أى مجتمع إنسانى)) وهذا الموقف يجب ربطه بعداء المُتنبى لقيمة (الكتابة) ووقوفه إلى جانب العنف فى تبنيه الصريح للسيف فى بيته المشهور((حتى رجعتُ وأقلامى قوائل لى/ المجد للسيف.. ليس المجد للقلم)) وهذا الموقف يجب ربطه (أيضًا) بموقفه المآزرلنظام سبى أسرى الحروب، فبعد انتصارالعرب على الروم كتب (ونحن فى جذل والروم فى وجل/ والبرفى شغل والبحرفى خجل/ وكلما حلمتْ عذراء عندهمو/ فإنما حلمتْ بالسبى والإبل) وهكذا يتصوّر(وفق خياله اللا إنسانى) أنّ الأسيرات سوف تحلمن بالسبى، فمن أين أتاه هذا التصورالمريض؟ ومن أين أتاه خبرأنّ البحريشعربالخجل؟ لذا فإنّ القصيمى من شدة اختلافه مع هذا التراث المُعادى للبشركتب ((موتى أيتها الأذن والعيون لئلا تسمعى أوتقرئى ما يقوله فارس الصهيل العربى)) (من ص 471- 523) والقصيمى صاحب العقل الحريطرح سؤالا يتجنــّـبه العرب وهو((هل جاءتْ فى اللغة العربية كلمات: علم أوعلماء أوفكرأومفكرون؟ هل استعملتْ اللغة العربية فى أى عصرمن عصورها كلمة (تفكير) أو(مفكر) إلاّتعريبًا أوتقليدًا بلا وعى؟ إنّ كلمتىْ علم وعلماء لم يكن لهما فى التاريخ العربى القريب والبعيد إلاّ العلم بالإله وبصفاته وإعداده للجنة والنار، وتقسيمه للناس ليكون أقلهم من أهل الجنة وأكثرهم من أهل النار..هذا هوالعلم العربى..وأنّ ((من أعظم علوم العرب واستعمالهم لكملة (علم) أنه لاعلم إلاّعلمهم لكونهم عربًا ولكونهم مسلمين..وكذا العلم بغزواتهم وبقهرهم لكل العالم..وباستيلائهم على كل بلاد الناس وعلى كل بيوتهم وأموالهم ورقابهم وكرامتهم وحرياتهم وباسترقاقهم لكل أطفالهم ونسائهم ورجالهم وإلغائهم لكل أديانهم ولكل آدابهم وحضاراتهم وقيمهم وأمجادهم)) (583- 584) ولأنّ اللغة العربية لاتعرف كلمة (العلم) وفق التعريف العلمى Science بمعنى علم أومعرفة، لم يُنتج العرب علمًا أومعرفة أوفلسفة، لذا كتب القصيمى ((بائسة أنت أيتها اللغة العربية. هل يستطيع كل ما فى الكون من بحاروأنهارأنْ يغسل عنك بعض هذا العارالمُتراكم؟)) (ص587) وتساءل ((لماذا يجيىء دائمًا قادة المجتمعات الضعيفة والمُتخلفة أوقادة وحكام العرب أشرارًا وأغبياء وفاسدين وسفهاء؟)) (ص665) وهذا السؤال يؤدى إلى سؤال آخر((هل يمكن أنْ تتفاءل وأنت عربى وتعيش فى العالم العربى ما لم تكن حشرة عمياء، حشرة أمية؟)) (ص712) وبالتالى فإنّ ((أمة أصوات كل من فيها لن تكون إلاّ أصواتـًا لفظية نحاسية. لن تكون فيها أية أصوات منطقية أوفكرية أوفنية أوأخلاقية أوإنسانية. يا كل طاقات الرثاء تحوّلى إلى أشمل رثاء لأمتى العربية التى لم تستطع ولاتستطيع أنْ تعرف الفرق بين التصويت والتفكير. بين التصويت والشعر..وأنْ تعرف أنّ التصويت ليس حضارة أوقوة أومجدًا أوتقوى دينية أومذهبية أوإنسانية أوصعودًا إلى القمر)) (716- 717) 000 لاحظتُ أنّ ما كتبه المفكرالسعودى عبدالله القصيمى عن المُتنبى يلتقى مع المُبدعة اللبنانية رشا الأميرفى روايتها (يوم الدين) الصادرة عن دارالجديد– بيروت عام 2002، إذْ أنّ بطلة الرواية تأفـــّـفتْ وهى تقرأ ما كتبه المٌتنبى ((لاشىء أقبح من فحل له ذكر/ تقوده أمة ليس لها رحم)) ((فوهن صوتها وتحرّجتْ من أنْ يمتلىء فمها بألفاظ هذا البيت)) (ص159) ولاحظتُ أنّ الشاعرالسورى الكبيرنزارقبانى يختلف تمامًا مع العروبيين الذين لايمتلكون شجاعة مراجعة الذات، بينما فعلها نزارالذى كتب ((أنا منذ خمسن عامًا / أحاول رسم بلاد تـُسمى مجازًا بلاد العرب/ رسمتُ بلون الشرايين حينـًا / وحينـًا رسمتُ بلون الغضب/ وحين انتهى الرسم ساءلتُ نفسى/ إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب/ ففى أى مقبرة يُدفنون؟ ومن سوف يبكى عليهم؟ وليس هناك حزن/ وليس هناك من يحزنون)) وفى ديوانه (هوامش على دفترالهزيمة) كتب ((أنعى إليكم يا أصدقائى اللغة القديمة والكتب القديمة/ أنعى إليكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة/ ومفردات العهروالهجاء والشتيمة/ أنعى لكم نهاية الفكرالذى قاد إلى الهزيمة)) وكتب أيضًا ((جلودنا ميتة الإحساس/ أرواحنا تشكومن الإفلاس/ أيامنا تدوربين الزاروالشطرنج والنعاس/ هل نحن خيرأمة (قد) أخرجتْ للناس؟)) وكتب (كذلك) ((تقاطعتْ فى لحمنا خناجرالعروبة..واشتبك الإسلام بالإسلام.. طائرة الفانتوم تنقض على رؤوسنا..ونحن نستقوى بزنارأبى تمام.. الحرب لاتربحها وظائف الإنشاء ولا التشابه ولا النعوت والأسماء.. مقتلنا يكمن فى لساننا.. فكم دفعنا غاليًا ضريبة الكلام؟)) وأكثرمن ذلك عندما كتب ((لاتسافربجوازسفرعربى.. لاتسافرمرة أخرى لأوروبا.. فأوروبا كما تعلم ضاقتْ بجميع السفهاء.. لاتسافربجوازعربى بين أحياء العرب.. فهم من أجل قرش يقتلونك.. لاتكن ضيفـًا على حاتم طى.. فهوكاذب ونصاب.. لاتسر وحدك بين أنياب العرب.. فيا صديقى رحم الله العرب)) ولاحظتُ أنّ العروبيين من المصريين يسخرون من أى كاتب يختلف معهم، ومنهم أ. مصطفى عبدالغنى الذى كتب ((كاتب عراقى كتب فى إحدى الصحف العربية أنّ " كل ما حلّ بنا من نكسات ونكبات يعود لمن ضللونا بشعارات الوحدة العربية والقومية العربية " وتــُـسهبْ المقالة فى أنّ بعض القراء بدأوا الآن يتبرّأون من كونهم عربًا فيرصد تحذيرالعراقيين من العرب لأنّ ((ما يقرب من ثلث الشعب العراقى غيرعربى أساسًا وأنّ الثلثيْن الآخريْن أخذا يُدققان فى نسبهما عسى أنْ يعثرا على ما يُثبتْ أنهما غيرعرب)) وكان تعليق أ. مصطفى عبدالغنى ((أعرف أنّ موقف العرب كان ضعيفــًا بل ومُتخاذلا قبل سقوط بغداد بزمن طويل وأثناء السقوط وبعده)) رغم هذا الاعتراف فإنه لايزال على إيمانه بالعروبة التى تسبّبتْ فى كل هذه الكوارث فأضاف ((ولكن ما علاقة هذا كله بالتبرئة من العرب؟)) (أهرام 5 يوليو2004) وعلى العكس من الكاتب (المصرى) المُدافع عن جرائم العروبة كان الكاتب الليبى د. أبوالقاسم صميدة أكثرموضوعية فكتب (( الكارثة هى أنّ العرب لم يتخلصوا من ثقافة داحس والغبراء ولم ينسوا تقاليد حروب البسوس وسلوكيات الثأروالسلب والعراك البدائى، فتلبستهم ثقافة ملكية الحقيقة. إنّ مقولة الرئيس الأمريكى الراحل توماس جفرسون التى كان يُردّدها: من أنّ لكل إنسان فى العالم وطنيْن أحدهما فرنسا، هى مقولة صحيحة ويمكن تحويرها عربيًا: لكل عربى وطنان أحدهما مصر)) (أهرام 16/11/2003 ص11) وفى أرشيفى الخاص الكثيرمن النماذج لمفكرين شوام ومغاربة وعراقيين ولبنانيين وسودانيين وسوريين أكدوا فى كتاباتهم على ما كتبه عبدالله القصيمى فى كتابه الضخم (العرب ظاهرة صوتية) فهل يمكن أنْ يأتى يوم تنتفض فيه الشعوب العربية وتتخلص من تلك الظاهرة (الصوتية) ومن ذهنية الغزو، والعنصرية العرقية للانتقال إلى (الفعل الحضارى) نحوالتقدم والحرية مع باقى الشعوب المُتحضرة؟ هل يمكن ذلك قبل وصول لحظة النهاية– لحظة المصيرالحتمى- كما حدث مع كل الكائنات الحية التى تشبّثتْ بالثبات ورفضتْ قانون التغيرفكان مصيرها الانقراض؟ أعتقد أنّ أهم وأصدق ما جاء فى كلام السيد حسن أوريد قوله: إنّ المتنبى هوالمُـعبـّـرعن الثقافة العربية، أى أنّ المتنبى هوالمُـعبـّـرعن انحطاط الثقافة العربية، كما قال القصيمى. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الناصرية وكارثة (الحول الثقافى) عاصم الدسوقى نموذجًا
-
دورجامعة الأزهرومعاهدها فى تخريج التكفيريين
-
ما سرغيبوبة Coma الإعلام المصرى
-
حاضرالثقافة فى مصر: عنوان واحد ورؤيتان
-
العروبة و(مرض الحول الفكرى)
-
الجزية: النص والتاريخ القديم وعصرالحداثة
-
الصهاينة العرب الذين رفعوا (شعارالعروبة)
-
المواطن بين أنظمة تحميه وأنظمة تسحقه
-
البلطجى العالمى وصغارالبلطجية
-
تاريخ المصاحف والأخطاء المطبعية الحديثة
-
الرؤوس النووية عند إسرائيل (المزعومة)
-
البحث عن دواء يقضى على المرض الناصرى
-
الجنسية مقابل الاستثمار: أليست رشوة سافرة؟
-
تراجيديا الشعب السودانى
-
لماذا خلع أعضاء المجلس العسكرى السودانى أقنعتهم؟
-
خلفيات هزيمة بؤونة/ يونيو1967
-
السعودية تستعين بإسرائيل لتدميراليمن
-
متى يتعلم دراويش العروبة من درس الواقع؟
-
أنظمة الحكم المختلفة وموقفها من الديمقراطية
-
العروبة ونفى خصوصية الشعوب العربية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|