أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الناصرية وكارثة (الحول الثقافى) عاصم الدسوقى نموذجًا















المزيد.....


الناصرية وكارثة (الحول الثقافى) عاصم الدسوقى نموذجًا


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 6289 - 2019 / 7 / 13 - 13:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الناصرية وكارثة (الحول الثقافى)
عاصم الدسوقى نموذجــًـا
طلعت رضوان
الدكتورعاصم الدسوقى مثقف كبيربلا شك..ومشكلته أنه فى كتاباته يكون- أحيانــًـا مع المنهج العلمى، فيكب بموضوعية المثقف المتجرّد من أية أيديولوجية، ولكنه- فى أحيانٍ أخرى- تــُـسيطرعليه الأيديولوجيا..ونتيجة تلك السيطرة تختفى الموضوعية..ويتبخرالتجرد..ومن أمثلة ذلك: أى التردد والتأرجح بين الأيديولوجية والموضوعية مقاله المعنون (من الذى يكتب التاريخ- مجلة ديوان الأهرم- عدد يوليو2019)
عن الكتابة الموضوعية، بل والحيادية كتب: فى تاريخ مصرالحديث هناك افتئات على حقائق تاريخية من بعض الكتاب..وخاصة الأدباء والشعراء ومحبى الشهرة والظهورنظرًا لتأثرهم بالمناخ السياسى، الذى يكتبون فيه، بحيث تأتى كتاباتهم ((على المقاس مثل الترزية))..ومن أمثلة ذلك: القول بأنّ الخديوإسماعيل تسبــّـب فى التدخل الأجنبى فى شئون مصربسبب الديون..والذى أدّى إلى احتلال مصر..ولكن حقائق التاريخ الثابتة (بالوثائق) تؤكد أنّ التدخل الأجنبى لم يكن بسبب الديون..وإنما بسبب توسع إسماعيل فى شئون أفريقيا، لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس..ومن ثـمّ خشية بريطانيا وفرنسا من ظهورقوة مصرفى المنطقة، فلم تجد هاتان الدولتان- لإعاقة بناء قوة مصر..وتأمين حدودها- إلاّ المطالبة بالديون. خاصة وأنّ إسماعيل بسط نفوذ مصرفى الجنوب..والجنوب الشرقى على ساحل البحرالأحمربحيث لم يأت عام1875 إلاّوكان قد ضـمّ فاشودة ومصوع وسواكن. وإقليم خط الاستواء وأوعنده..وإقليم بحرالغزال..وسلطنة دارفور..وإقليم البوغوس بين الحبشة والبحرالإحمر..وحتى باب المندب وزيلع وبربرة على الخليج وسلطنة (هرر) جنوب شرقىْ الحبشة..وسواحل الصومال الشمالية حتى رأس (جردفوى) على المحيط الهندى.
فى هذه الفقرة التزم د.الدسوقى بالكتابة العلمية، خاصة أنه اعتمد على الوثائق، كما أنّ ما ذكره متطابق مع كتابات المؤرخين الحياديين الذين عاصروا فترة حكم إسماعيل..وشهدوا تلك الأحداث..ومغزى تلك الفقرة المهمة- فى مقال د.الدسوقى أنّ الدول الاستعمارية اعتبرتْ الخديوإسماعيل، مصدرخطريُـهـدّد مصالحها فى السيطرة على أفريقيا..وبذلك يستحق إسماعيل التقدير..والاشادة بإنجازاته..وليس بالهجوم عليه من خلال الفهم الخاطىء للأسباب الحقيقة التى أدّت لاحتلال مصر.
000
ولكن لأنّ د.الدسوقى يـُـطبق- ربما دون أنْ يشعر- المثل المصرى الصميم الذى قاله الأميون المصريون فى إبداعاتهم: حبيبك يبلع لك الزلط..وعدوك ينكش لغاية ما يلاقى لك الغلط..ولذلك كتب أنه فى إطار(إهانة العلم) المُـتمثل فى (تمجيد) دستور 1923بالقول أنه دستورالحريات بلا منازع..هكذا يكتبون، بل إنّ أحد هؤلاء الأدباء كتب فى صحيفة يومية معروفة..وشرح مواد هذا الدستورفى الحريات بشكل مطلق، ودون ذكرللقيود المفروضة على هذه الحريات..فأين حرية الصحافة التى (يتشدّق) بها هؤلاء..وواضح أنّ هذا القيد جاء لمحاصرة الحزب الشيوعى المصرى الذى تأسّــس عام1921..وكأنّ واضعى ذلك الدستور(الليبرالى) أرادوا أنْ يقولوا للحزب الجديد: نحن لك بالمرصاد..ومن عجب أنّ دستور1956نقل مواد الحريات بقيودها نصًـا وحرفــًـا من دستور1923..وكأنّ عبدالناصرأراد أنْ يقول لأنصارالنظام الملكى: إننا لم نبتدع شيئــًـا جديدًا، فلماذا تتعمّـدون (تشويه) صورة (الثورة)؟
وهذه الفقرة تستوجب إبداء بعض الملاحظات:
هل ضباط يوليو- وعلى رأسهم عبدالناصر- مثلهم مثل الأطفال الذين يتعاملون مع بعضهم البعض بأسلوب (العناد) الغبى؟..ولتوضيح ذلك يأتى السؤال الثانى: إذا كان البكباشى عبدالناصرضد القيود المفروضة على الحريات، فلماذا فرض القيود؟ وهل تكفى الحجة، أوالتحليل الذى ذكره د.الدسوقى..كسبب لتدشين عصرالقمع الناصرى، المًـعادى لأبسط مبادىء الديمقراطية..والعداء السافرللحريات الشخصية والسياسية..كما ذكرالضابط المثقف (ثروت عكاشة) فى مذكراته..وكذلك طارق البشرى وآخرون؟ وألايدل ذلك على عدم (إيمان) البكباشى عبدالناصربالديمقراطية؟ وإذا كان واضعودستور1923كانت نيتهم المُـبيتة- وفق زعم د.الدسوقى- هى محاصرة الحزب الشيوعى، فهل اختلف البكباشى عن واضعى دستور23؟ بل إنّ هذا البكباشى لم يكتف بمحاصرة الماركسيين..وإنما اعتقلهم وأمرضباطه الذين تدرّبوا فى أمريكا على وسائل التعذيب فى أمريكا، بتطبيق تلك الوسائل على الماركسيين المصريين..وذلك كما جاء فى كتب الماركسيين..وبصفة خاصة كتاب: الشيوعيون وعبدالناصرالذى كتبه الماركسى الشهير(فخرى لبيب) وبسبب التعذيب وقسوته مات كثيرون كما حدث للماركسى المُـتيم بالناصرية (شهدى عطية الشافعى) والسؤال الذى تجاهله د.الدسوقى هو: لماذا رفض البكباشى عبدالناصرمشروع دستورسنة1954؟ وهوالمشروع الذى وضعه عبدالناصرفى (صندوق الزبالة)
أما المستشارطارق البشرى فقد كتب عن مشروع هذا القانون أنه تبنى مبدأ الجمهورية البرلمانية..وفى باب الحريات العامة: أطلق هذه الحريات والضمانات ولم يـُـقـيّـدها إلاّفى حالات مخصوصة..كالقبض فى (حالة التلبس)..وشرط لذلك سماح القانون..وإذن القاضى دون أنْ يخوّل السلطة التنفيذية وحدها أمرًا ما. وبالنسبة للحريات العامة، أطلق المشروع حرية الصحافة والطباعة..ومنع تقييدها بأى قيد..ومنع فرض الرقابة عليهما..وحظرإنذارالصحف أووقفها أوإلغاءها أومصادرتها بالطريق الإدارى..ومشروع دستور1954تبنى مبدأ أنْ يكون رئيس الجمهورية (رئيس برلمانى وليس رئاسيا) تختاره هيئة تتشكل من أعضاء البرلمان..وبعض الهيئات المحلية لمدة خمس سنوات..ولاتتكرّرأكثرمن مرة واحدة..وللرئيس أنْ يحل مجلس النواب..ولكن يـُـشترط أنْ يترتب على حل المجلس، سقوط الوزارة تلقائيـًـا.
لماذا رفض عبدالناصرمشروع هذا القانون؟ ووضعه فى (صندوق الزبالة) على حد قول الراحل صلاح عيسى؟ لأنّ مشروع هذا القانون- كما ذكرالبشرى- نصّ على إنّ ((رئيس الجمهورية لايملك سلطة منفردة..ويتولى جميع سلطاته بواسطة وزرائه..وتوقيعاته لاتــُـنفذ إلاّ أنْ يـُـوقع معه رئيس الوزاراء والوزيرالمختص))
وذكرالبشرى: يبدومن هذا العرض أنْ هيمن على مشروع لجنة الخمسين جملة من الاعتبارات الاجتماعية والتاريخية والسياسية، أتتْ بالمشروع وفق ((منزع ليبرالى صرف))..وأنّ واضعى مشروع الدستوراعتمدوا على دستور1923بعد تنقيحه..وبعد هذا التنقيح يكون مشروع دستور1954قد وضع صياغات رفيعة المستوى، تضمن للبرلمان أنْ يكون هومؤسسة الحكم الرئيسية، التى تدورحولها كل سلطات الدولة..وأنه سدّ الثغرات التى نفذ منها الملك إلى مجمل المؤسسات (خاصة المؤسسة الدينية)..ووقف المشروع عند حدود أنّ ما حدث فى23يوليوكان ((حركة إنقلابية فى قمة السلطة، أزاحتْ الملك..وتركتْ مطرحه فراغـًـا سياسيـًـا..وأريد بالمشروع الجديد أنْ يملأ هذا الفراغ..وبالرغم من وجود عدد من الإخوان المسلمين فى اللجنة، لانلحظ فى مشروع الدستورأى ريح لهذا التيارسواء فى رسم أبنية الحكم أوفى الصياغات النظرية لنسق الحقوق والواجبات السياسية..ومن ناحية أخرى نلمح فى مشروع الدستورأنّ القوى السياسية، التى شاركتْ فى وضعه، قد وضعته على صورة ((لاتدع لرجال حركة يوليودورًا يؤدونه فى أبنية الحكم الدستورية، لابوصفهم قيادة لهذه الحركة..ولابمراعاة المؤسسة التى انحدروا منها..وهيمنوا على مقاليد الأمور..وهى مؤسسة الجيش..وما كان لرجال الحركة..ولا لمؤسستهم أنْ تقوم بدورفى جهازالدولة الدستورى..كما أنّ المشروع حرص على ((عزل الجيش عن رئاسة الجمهورية..وربطه بوزارة البرلمان وحدها..كما جعل القوة السياسية الدافعة لمؤسسات الدستوركلها..هى الحركة الحزبية..وليست أية قوة سياسية تولدت فى إطارجهازالدولة..وشرط فى تعيين رئيس الجمهورية بلوغ سنه الخامسة والأربعين، مما لم يكن بلغه إلاّمحمد نجيب من ضباط حركة الجيش..ومن كل ذلك يظهرأنّ واضعى المشروع استهدفوا اقصاء ضباط يوليومن أنْ يكون لهم وجه من وجوه المشاركة فى السلطة..كما استهدفوا إبعاد الجيش من أنْ يكون له دورفى العملية السياسية..وأنّ لجنة المشروع عملتْ على أنْ يتحوّل نظام الحكم من نظام تتنازعه مؤسستان: هما رئاسة الدولة، ملكــًـا أورئيس جمهورية..والمؤسسة الثانية: هى الهيئة البرلمانية..كما كان الحال فى دستور1923بهدف أنْ يدورالنظام الجديد على محورواحد..هوالمجلس النيابى.
وفى تحليله لأعضاء اللجنة التى صاغتْ مواد دستور1923..كتب أنه قد غلب عليهم أنهم كانوا من خصوم حزب الوفد..ولكنهم- مع ذلك- كانوا من البصرالسياسى بحيث لم يسدوا أمام تلك القوةالجدبدة منافذ الولوج إلى أبنية الحكم الدستورية..ولأنّ مشروع دستور1954تبنى النهج الليبرالى، بواسطة الجمهورية البرلمانية..ورفض منظومة النظام الرئاسى، الذى يعطى صلاحيات مطلقة لرئيس الدولة..وتجعله يسود بسلطة الحاكم الفرد، لذلك كان من الطبيعى أنْ يـُـجهض مشروع دستور54 وهو جنين، رغم ما تضمنه من الصياغات الدستورية رفيعة المستوى (طارق البشرى فى كتابه: الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال- ديسمبر1991- من ص192- 203) والسؤال الذى تغافل عنه الدسوقى المُـتيـّـم بالناصرية هو: لوأنّ مشروع دستور54 عـُـرض على الملك فؤاد، فهل كان سيقبله أم سيرفضه كما رفضه عبدالناصر؟ وإذا كان سأل فى مقاله: أين هى الحرية فى دستور23؟ فإننى أطلب منه- وهوالمثقف والباحث الدؤوب- أنْ يحتكم لضميره..ويرجع إلى صحف ومجلات الفترة السابقة على حكم ضباط يوليو..وهى الفترة التى ارتفع فيها سقف الكتابات الحرة الجريئة التى انتقدتْ وهاجمتْ الإنجليزوالملك فؤاد وابنه الملك فاروق..ولمن يود التأكد من ذلك يمكن له أنْ يقرأ كتابى: الليبرالية المصرية- قبل وبعد يوليو1952- النشأة والأفول- هيئة الكتاب المصرية- مكتبة الأسرة- عام2010- أومقالاتى على موقع الحوارالمتمدن عن الواقع الثقافى والسياسى المصرى قبل يوليو52.
000
كان د.الدسوقى موضوعيـًـا عندما ذكرفى مقاله: فى زمن عبدالناصركان باب النشرمفتوحـًـا لكل من يهاجم عصرالملكية دون موضوعية..وفى زمن السادات كان باب النشرمفتوحـًـا لمن يهاجم عبدالناصردون موضوعية، إلاّمن باب الرياء والنفاق. ولكن د.الدسوقى الذى عاب على البعض عدم الموضوعية..وقع هونفسه فى عدم الموضوعية فى كلامه عن الذين اختلفوا معه حول تأميم قناة السويس، وكأنه يـُـنادى بتطابق المثلثات الهندسى على البشر..وتصوّرأنّ من انتقدوا عبدالناصر(كتبها هاجموا) بسبب تأميم قناة السويس، بحجة أنّ هذا التأميم أدّى إلى العدوان الثلاثى على مصربخلاف الجرحى والقتلى..وتدميرمدن القنال..وأنّ امتيازالقناة كان سينتهى فى نوفمبر1968..واعتبرسيادته أنّ كراهية البعض لعبدالناصرقد تكون بسبب خضوع أسرته لقانون الإصلاح الزراعى، أوقانون إلغاء الأحزاب السياسية فى يناير1953، أوقوانين التأميم فى يوليو1961حيث تجد هذا الكاتب يكره الحاكم الذى تأثربهذه القوانين..إلخ.
وإذا كان هذا هوتحليل سيادته لكل من انتقد عبالناصرفما رأيه لوعلم إننى انتقدتُ عبدالناصر..ومجمل المنظومة الناصرية..وفى نفس الوقت فإنّ الأسباب التى ذكرها سيادته عن (كراهية البعض لعبدالناصر) لاتنطبق علىّ حيث كان والدى يسرح بعربة خشب لبيع العيش..وكنتُ أنا- فى نهاية الأربعينيات- أسرح معه فى توزيع العيش على الزبائن فى البيوت؟ أى أننى وعائلتى ليس لنا علاقة بقانون الإصلاح الزراعى..ولابقانون الأحزاب..ولابقوانين التأميم.
أما عن وجهة نظرالذين انتقدوا قرارتأميم قناة السويس- وأنا منهم- فهى:
عقد امتيازشركة القناة ينتهى عام 68، أى بعد 12 سنة فقط من تاريخ التأميم؟ وأنّ الصين بقدرتها البشرية والتنموية والعسكرية والعلمية الهائلة، مع امتلاك الحس القومى الذى لايُفرّق بين سلطة حاكم وشعب محكوم، رغم امكانات الصين لم يفعل حكامها ما فعله عبدالناصر. احترمتْ الصين قواعد القانون الدولى واستردتْ أراضيها فى الموعد المحدد..وإذا كان المبررهوتمويل مشروع السد العالى، فلماذا لايكون التمويل ذاتيًا بدلامن تبديد أموال المصريين على أغراض سياسية فى اليمن والجزائروسوريا والعراق وإيران؟ ولماذا لم يستمع عبدالناصرإلى نصيحة د.عبدالجليل العمرى وزيرالمالية آنذاك الذى رأى أنّ تمويل السد العالى ((ممكن عن طريق تصديرفائض إنتاجنا من الأرزإلى الخارج. مع استخدام الفرق بين سعره العالمى وسعره المحلى فى تمويل المشروع دون أنْ نعتمد على أية دولة أجنبية لتمويله..والفرق بين السعريْن العالمى والمحلى للطن الواحد كان حوالى سبعين جنيهـًـا..وأنّ قرارالتأميم ترتّب عليـــه ((تعويض حملة أسهم شركة القناة..وأنهم حصلوا على التعويض بقيمة السهم عند إغلاق بورصة لندن فى اليوم السابق للتأميم))؟ بل وأكثرمن ذلك أنّ قرارالتأميم ترتب عليه كارثة أخرى هــى ((تجميد القدرالأكبرمن أرصدتنا فى الخارج، خاصة فى بنوك بريطانيا وفرنسا وأمريكا)) (مذكرات عبداللطيف البغدادى- المكتب المصرى الحديث- عام1977- ج1- ص312، 318، 320، 328)
وهذا بخلاف الكارثة المُـتمثلة فى الشهداء الذين ماتوا من مدنيين وعسكريين والجرحى والمشوهين..وهدم مدن القناة وتشريد أهلها وملايين الجنيهات المنصرفة على تعميرهذه المدن بعد ذلك؟ وهى حقائق لايحتاج الإنسان إلى كتب لمعرفتها، إذْ يعلمها الأمى والمتعلم..وكل هذا الخراب والدمارمن أجل مشروع كان– ومازال– محل خلاف بين المُـتخصصين فى علوم الرى والزراعة والجيولوجيا، حيث رفض عبدالناصرالبدائل المقترحة التى كانت ستُجنّب مصرأهم كارثتيْن سوف تنتجان عن السد العالى (وقد حدثتا بالفعل): الكارثة الأولى حرمان التربة الزراعية من طمى النيل.. الكارثة الثانية (تطبيل) الأراضى المصرية المجاورة والقريبة من نهرالنيل (نظرية الأوانى المستطرقة) الأمرالذى يـُـهـدّد (وهوما حدث) بانهيارالكثيرمن المبانى والمنشآت والمعابد والآثارإلخ..وبدلامن أنْ يستمع عبدالناصرلرأى الخبراء، الذين وضعوا أمامه البدائل التى تــُـحقق الغرض من فكرة السد العالى..وفى نفس الوقت تــُـجنّب مصرحدوث الكارثتيْن المشارإليها، بدلامن أنْ يستمع إليهم ويترك الأمرللعلماء المُتخصصين، اعتقل بعضهم ونفى البعض الآخر.
ألم يكن الانتظار12سنة تسترد مصربعدها القناة..وفقــًـا للقانون الدولى..كان سيُجنّب مصرذلك البلاء المترتب على وباء الحروب؟ ويُجنّب شعبنا الشعوربمرارة الهزيمة المروّعة التى صوّرها الإعلام الناصرى/ العروبى على أنها انتصار، فى حين أنه لولا الإنذارالأمريكى لما انسحبتْ الجيوش الغازية من مصر. لأنّ أمريكا لاتريد شريكــًـا لها فى السيطرة على ضباط يوليو..والحقيقة الثانية أنّ الانتصارالحقيقى كان لإسرائيل (الدولة المزعومة وفقًا للتعبيرالناصرى/ العروبى الشائع) التى سُمح لها بالمرورمن مضايق تيران والمرورعلنــًـا من شرم الشيخ (المصرية) تحت إشراف الأمم المتحدة التى خضعتْ لها المنطقة..والحقيقة الثالثة هى حجم الخسائرفى أرواح الجنود والضباط المصريين الذين أستشهدوا فى معركة لم يتوفرلها أدنى درجات الاستعداد..وكانت طائرات العدولاتوقفها أدنى مقاومة لدرجة أنّ ((عدد الطلعات الجوية التى قامتْ بها الطائرات المعادية فى يوم واحد فوق مدينة بورسعيد وصل إلى 473 طلعة)) (مذكرات البغدادى– مصدرسابق- ص356)
أما عن الخسائرفى المعدات، فإننى أكتفى بأنْ أنقل للقارىء هذا المشهد الذى كتبه عبداللطيف البغدادى وهويتذكرأيام حرب 56 ((ونحن فى طريقنا إلى الإسماعيلية قال جمال بصورة مؤثرة بعدما شاهد العربات والدبابات محطمة على جانبىْ الطريق ((إنها بقايا جيش محطم)) وأخذ يتحسرعلى المبالغ التى كانت قد أنفقتْ على تسليح الجيش قائلا إنّ مائة وثلاثة ملايين من الجنيهات ضاعت هباءً)) وأضاف عبدالطيف البغدادى أنّ عبد الناصرقال بالإنجليزية Iwas defeated by my army أى ((قد هــُـزمتُ بواسطة جيشى)) (البغدادى- مصدرسابق- ص353، 354) أى أنه وفق أبجديات علم النفس، مشغول بذاته المستبدة وسط الخراب الذى حلّ بمصر.
أليس الإعلام الناصرى زيّف الحقائق..وجمّل القبح..وأنّ التعتيم لم يشمل المدنيين فقط، بل شمل العسكريين أيضًا، حيث ذكرعدد كبيرمن الضباط الذين نجوا من مذبحة بؤونة/ يونيو67 أنهم كانوا يعيشون فى مناخ الوهم والخداع الناصرى. ففى كتاب (ضباط يونيويتكلمون) قال أحد الضباط ((كم مصرى كان يعرف أنّ إسرائيل تمرمن شرم الشيخ بعد حرب 56؟ وأنّ مضايق تيران تحت رحمة إسرائيل..وأنّ ذلك بموافقة مصر؟)) وعندما سأله محررالكتاب: سيادتك لم تكن تعرف أنّ إسرائيل تمرمن شرم الشيخ..وأنّ هناك قوات دولية؟ أجاب ((أبدًا. أنا ضابط مهندس بالجيش المصرى..وسنى كان42سنة..ولم أكن أعلم أى شىء عن شرم الشيخ ولامضايق تيران..وأنّ إسرائيل تمرمنها..وعندما علمتُ ذلك حدث تحول خطيرومريرفى كل حياتى. شعرتُ بأنى خدعت طوال11سنة من 56 – 67 وكانت نتيجة هذه الخدعة هى الهزيمة)) وفى حوارمع ضابط آخرسأله محررالكتاب ((هل كنت تعلم أنّ إسرائيل تمربسفنها من مضايق تيران؟ أجاب ((لقد صدرلنا الأمريوم22مايو67 بإغلاق مضيق تيران..وأنا كضابط بالجيش لم أكن أعلم حتى هذه اللحظة أنّ منطقة شرم الشيخ ومضايق تيران منطقة دولية..وليس لنا أى سيطرة عليها..وأنّ إسرائيل تمربطريقة طبيعية)) (عصام درازفى كتابه: ضباط يونيويتكلمون- المنارالجديد للصحافة والنشرعام1989- ص72، 122، 123، 129، 139)
وهل هذا التعتيم الإعلامى الناصرى/ العروبى، يـُـبرّرالتمادى فى (تمجيد) أخطاء عبدالناصر..وأنّ من انتقدوا تأميم قناة السويس..كان دافعهم (تشويه ضباط يوليو) لأنهم من أسرتضرّرت من قانون الأصلاح الزراعى، أوقوانين التأميم. فهل تلك الكتابة الانشائية/ التخمينية تصمد أمام الوقائع، التى ذكرتُ بعضها؟ وسوف أفترض أنّ قرارتأميم القناة كان صحيحـًـا وحتميـًـا، فهل أجرى عبدالناصردراسة حول ردود أفعال الدول التى دأب على سبها ومهاجمتها؟ وهل قرارتأميم القناة، يكون بالإرادة المنفردة، بالرغم من خطورته على أمن مصر؟ وهل هوأقل شأنــًـا من إقامة شركة، أو- حتى- سوبرماركت، حيث يطلب صاحب المشروع من مساعديه عمل (دراسة جدوى)؟ ولكن البكباشى الآمرالناهى بسلطة الحاكم الفرد، لم يـُـفكر- مجرد تفكير- فى عمل دراسة حول تبعات قرارتأميم قناة السويس..ودفع شعبنا ثمن القرارغيرالمدروس، طالما أنّ الدكتاتورلن يتأثر..وسيظل فى منصبه.
***








#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دورجامعة الأزهرومعاهدها فى تخريج التكفيريين
- ما سرغيبوبة Coma الإعلام المصرى
- حاضرالثقافة فى مصر: عنوان واحد ورؤيتان
- العروبة و(مرض الحول الفكرى)
- الجزية: النص والتاريخ القديم وعصرالحداثة
- الصهاينة العرب الذين رفعوا (شعارالعروبة)
- المواطن بين أنظمة تحميه وأنظمة تسحقه
- البلطجى العالمى وصغارالبلطجية
- تاريخ المصاحف والأخطاء المطبعية الحديثة
- الرؤوس النووية عند إسرائيل (المزعومة)
- البحث عن دواء يقضى على المرض الناصرى
- الجنسية مقابل الاستثمار: أليست رشوة سافرة؟
- تراجيديا الشعب السودانى
- لماذا خلع أعضاء المجلس العسكرى السودانى أقنعتهم؟
- خلفيات هزيمة بؤونة/ يونيو1967
- السعودية تستعين بإسرائيل لتدميراليمن
- متى يتعلم دراويش العروبة من درس الواقع؟
- أنظمة الحكم المختلفة وموقفها من الديمقراطية
- العروبة ونفى خصوصية الشعوب العربية
- مغزى الهرم الزجاجى أمام متحف اللوفر


المزيد.....




- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الناصرية وكارثة (الحول الثقافى) عاصم الدسوقى نموذجًا