|
عبقرية آينشتاين
محمد الشهاوي
(Muhammad Alshahawy)
الحوار المتمدن-العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 14:30
المحور:
سيرة ذاتية
كيفية تجاوز آينشتاين كل مقاييس التصوُّر البشري، وجنون الأبعاد:
إذا حاولنا تخيُّل شخصٍ يعيش في عالمٍ ذي بُعدٍ واحد؛ فإنَّ هذا الشخص لن يكون (ولن يسعه إلَّا أن يكون) سوى مُجرّد خط. هذا الخط لن يكون في وسعه سوى أن يتحركَ إلى اليمين أو إلى اليسار فقط، ولا يعرف من الاتجاهات سواهما، ومهما اجتهدتَ لتشرح له "فوق" أو "تحت" فإنَّه لن يكون بإمكانه استيعاب معناهما أو حتى تخيلهما، لأنَّهما- بالنسبة إليه- بُعدٌ آخر، فكلها أبعادٌ لا يُدركها الشخص الذي يعيش في البُعد الأول. والأغرب من هذا كله؛ فإنَّ هذا الشخص لا يرى الأشخاص الآخرين -الذين يعيشون معه في نفس البُعد- إلَّا كنقطةٍ فقط؛ ولن يتمكن أبدًا من رؤيتهم كخط، فهو يرى الشخص الذي أمامه كنقطةٍ، ويرى الشخص الذي خلفه كنقطة، ولا يُمكنه إدراك شيءٍ آخر سوى هذه النقطة، وسوف يتعامل معهم باعتبارهم نقاط، وباعتبار أنَّه هو نفسه نقطة. هذا الأمر يُمكننا إدراكه لو أنَّنا تخيلنا أنفسنا ونحن ننظر إلى خطٍ مُستقيمٍ من أحد الجانبين؛ عندها لن نرى سوى نقطةٍ فقط. ولو أضفنا بُعدًا آخر للإحداثيَّة، وهو مُجرَّد خطٍ مُستقيمٍ يسقط عموديًا على إحداثيَّة البُعد الواحد؛ فعندها سوف ندخل مُباشرةً في البُعد الثاني. وعندها سوف يتمدَّد هذا الخط فجأة ليُكوّن لنا أشكالًا هندسيَّة ذات بُعدين (إمّا مُربع أو مُستطيل أو مثلث أو شبه مُنحرف... وهكذا) لن أقول إنَّ هذه الأشكال الهندسيَّة تمت إضافتها؛ بل تلك الخطوط التي كانت تعيش في البُعد الواحد، هي نفسها سوف تتحوَّل تدريجيًا لتُكوّن هذه الأشكال الهندسيَّة، ببساطة لأنَّها كانت كذلك مُنذ البداية، ولكننا فقط لم نستطع اكتشاف بُعدها الثاني. فلو أنَّك نظرتَ إلى أي جسمٍ دائريٍ من الأعلى، فلن ترى سوى خط، وكذلك الأمر لو أنَّك نظرتَ إلى أي شكلٍ هندسي من الأعلى، فلن تتمكَّن من رؤية أي شيءٍ سوى خطٍ مُستقيم. ولكن الكائن الذي يعيش في البُعد الأول لن يستطيع رؤية الأشياء؛ إلَّا باعتبارها نقطة. فلو تقابل صديقان كانا يعيشان في البُعد الأول، ولكن أحدهما خاض تجربة الدخول في البُعد الثاني، فإنَّ الشخص القديم لن يتمكن من رؤية صديقه إلَّا كنقطة كما في السابق، وستكون حكايات صديقه عن البُعد الثاني، وعن الفوق والتحت مُجرَّد خرافات. ومهما تحرَّك صديقه ليُريه البُعد الجديد؛ فإنَّه لن يتمكَّن من رؤية شيءٍ سوى النقطة؛ إلَّا أنَّ صديقه سوف يظهر ويختفي أمامه فجأة، عندما يتحرَّك صديقه لفوق أو لتحت. الآن لو أضفنا إلى الإحداثيات خطًا جديدًا قطريًا، يمر في المنتصف تمامًا ين الخطين المُتعامدين؛ فإنَّنا سوف ننتقل مباشرةً إلى البُعد الثالث؛ حيث تأخذ فيها الأشكال ثنائيَّة البُعد عُمقًا، أعني أنَّ كل الأشكال ذات البُعد الثنائي نفسها، سوف تنتقل تدريجيًا إلى البُعد الثلاثي، فالدائرة سوف تُصبح شكلًا كرويًا، والمُربع سوف يُصبح مُكعبًا وهكذا. عندها سيكون بإمكان الأشخاص من البُعد الثالث رؤية أصدقائهم من البُعدين: الأول والثاني، على طبيعتهما، فسيرون الشخص في البُعد الأول خطًا، وسيرون الشخص في البُعد الثاني شكلًا هندسيًا مُسطحًا، فإذا تقابل الأصدقاء الثلاثة (لاحظ أنَّ هؤلاء الأصدقاء قد يكونون شكلًا هندسيًا واحدًا) فالجسم الكروي هو كروي، لأنَّه في البُعد الثالث، ولكنه -هو نفسه- دائرة في البُعد الثاني، وهو نفسه نًقطة أو خط في البُعد الأول. والنقطة هنا تُمثل نقطة التماس الشكل الدائري مع المحور العرضي، والخط هو رؤيتنا للدائرة من الأعلى (ولكن طبعًا لا وجود لـ"أعلى" في البُعد الأول). فالأشكال الهندسيَّة هي هي نفسها. فلو أنَّنا نظرنا إلى الجسم الكروي من الأمام، فسوف يبدو لنا كدائرة. ولو نظرنا إلى نفس الكرة من الأعلى، فسوف يبدو لنا كخط، والتماس الكرة بالأرض يترك انطباعًا يُمثَّل نقطة على المحور الطولي. وكلَّما كنتَ في بُعد إضافي كان بإمكانكَ إدراك البُعد الأقل منك؛ واستحال (تقريبًا) إدراكك للأبعاد الإضافيَّة. وعندها سيظل الشخص في البُعد الأول يرى صديقه من البُعد الثالث (الكروي) كنقطة فقط، بينما سيظل الشخص من البُعد الثاني يرى صديقه من البُعد الثالث كدائرة مُسطحة. إنَّ فكرة الأبعاد فكرةٌ جنونيَّةٌ جدًا، ولكن هنالك مِن البشر مَن تعدَّى جنونهم جنون فكرة الأبعاد نفسها، فتمكَّن شخصٌ من بُعدنا الثلاثي، وهو ألبرت أينشتاين، من تخيُّل بُعدٍ رابعٍ، وقال إنَّنا لا نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد، ولكننا نعيش في عالمٍ رباعيٍ الأبعاد. وهذا البُعد الرابع هو الزمن. ولا تسألوني كيف يُمكن إدراج الزمن كبُعدٍ جديد، فأنا لا أعرف، كل ما أعرفه هو أنَّ الجسم ثلاثي الأبعاد (وبالتأكيد حتى الأجسام في البُعد الأول والثاني) تتحرَّك في حيزٍ زمنيٍ، فأي حركةٍ -مهما قلَّت أو تباطأت- تتطلَّب زمنًا؛ فالزمن بُعدٌ أساسيٌ في كل الأبعاد، سواءٌ هذه التي نعرفها أو تلك التي لا نعرفها. إنَّ عبقريَّة أينشتاين ليست أمرًا مُبالغًا فيه، فهو بحق مُتجاوزٌ للتفكير والخيال البشري بمراحل.
#محمد_الشهاوي (هاشتاغ)
Muhammad_Alshahawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكيك شبهة تطوُّر العلم وعدم ثبات نظرياته
-
خرافة البحث عن الحقيقة!
-
رغبة التغيير
-
عَبَط الاقتصاد البيولوجي!
-
سِحر الأموال...
-
كيف نحكم، بشكلٍ تجريديٍ بحت، على فعلٍ مُعيّن أو تصرّفٍ مُعيّ
...
-
هل يجب علينا أن نخاف الموت، أم هو فقط من رُعب النهاية؟
-
آليات اكتساب اللغة
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|