أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية















المزيد.....

تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1545 - 2006 / 5 / 9 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يسعنا القول إن ما يجري في العراق هو حرب أهلية لا مناص منها من أجل "طبخ" نظام جديد، فيما الطائفية محض شكل لها، شكل ساعد على هيمنته الطائفية المقنعة لنظام صدام حسين؟ أي هل من الصائب التمييز، مفهوميا وسياسيا، بين حرب أهلية قد تكون ضرورية، أكثر حتى مما هي محتومة، وبين حرب طائفية هي شكل محتمل، لكن يمكن اجتنابه، للحرب تلك؟ وهل تكون الحرب الأهلية ضرورية لتدمير النظام القديم وضرب مرتكزات الطغيان الاقتصادية (اقتصاد الريع) والسياسية (الحزب الواحد وسلطة الأجهزة الأمنية) والاجتماعية (البنية العشائرية والطائفية لطاقم السلطة) والفكرية (الوطنية المطلقة وغير التعاقدية)..، فيما الحرب الطائفية بمثابة استمرار للنظام الطغياني ذاته، لكن بوسائل أخرى؟ أي هل يسع الحرب الأهلية أن تكون "تقدمية" ومجددة للنظام السياسي والاجتماعي، فيما الحرب الطائفية "رجعية" ومدمرة للمجتمع ذاته؟ وهل تكون السياسة المناسبة هي "تصحيح الحرب الأهلية"، بمحاولة الحد من الشكل الطائفي لها؛ أم بالأحرى الاكتفاء بإدانتها واعتزالها، الموقف الذي آلت الحرب اللبنانية المديدة إلى تزكيته؟
وهل يمكن إجراء تغيير عميق في نظمنا السياسية، التحول نحو الديمقراطية أو نحو عقلنة الحياة السياسية، دون حرب أهلية؟ أم أن كل حرب أهلية في ظهرانينا هي حرب طائفية، تقوض الأثر التغييري المحتمل للنظام السياسي بإحلالها تدمير المجتمع محله؟ حرب، كذلك، تجعل من استعادة السلم الأهلي، وهو محض هدنة تسبق حربا تالية، غاية المنى؟
طرح التساؤلات هذه مرغوب لأن حروب الأهل تبدو احتمالا مستقبليا في غير دولة عربية. وهو ضروري من أجل تنظيم التفكير حول هذا الاحتمال ورسم السياسات الناجعة للتعاطي معه. وفي صورتها المقدمة هنا تمثل التساؤلات هذه نوعا من "العصف الذهني"، ربما يساعد في صوغ المشكلة وإعداد الذهن لمقاربتها. لكن يتعين تغيير صورتها من أجل أن تكون الإجابة عليها ممكنة، أو على الأقل من أجل أن يكون ممكنا اقتراح عناصر لمقاربتها والتعليق عليها: في أية شروط تكون الحرب الأهلية تقدمية، تقود إلى تصفية النظام القديم دون تحطيم المجتمع والكيان الوطني؟
قبل ذلك، هل هناك أصلا حروب أهلية تقدمية؟
بالتأكيد. وقعت حروب أهلية في أميركا وفرنسا وروسيا والصين... وكان لها دور ثوري أو تقدمي. وفيما عدا المثال الأميركي امتزجت الحرب الأهلية بتدخلات واحتلالات خارجية. وفيما عدا الفرنسي، دامت ثلاث من الحروب الأربعة لسنوات، وكانت باهظة الكلفة إنسانيا (من مرتبة مئات ألوف الضحايا إلى الملايين) وماديا. وفيما عدا الروسية أبدلت النظام القديم الذي حطمته بنظام جديد، ذاتي الإصلاح (النظام الروسي سقط لأنه عجز عن إصلاح ذاته).
على أن تجارب الحرب الأهلية العربية التي نعرف عنها شيئا، في لبنان والسودان والجزائر..، واليوم في العراق، تثير في الأذهان منعكسات الدمار واللاعقلانية والموت العبثي الغزير، فضلا عن مزيج من التدخلات الخارجية و"التخرجات" الداخلية (سعي جماعات أهلية للتحالف مع قوى خارجية..). وقد أورثتنا المنعكسات تلك ما يجدر بنا تسميته عقدة الحرب الأهلية، وهذه توحي بأنه ليس هناك سياسة صحيحة حيال الحرب الأهلية إلا وقفها، وأن الحرب الأهلية الجيدة هي الحرب الأهلية التي لا تقع، وأن سوس الحرب الأهلية بعد وقوعها ممتنع مثل سوس الكوارث الطبيعية، وأن الوقاية منها خير من قناطير علاج لها.
لماذا؟ هل هذه خصائص ثابتة للحروب الأهلية العربية؟ هل للطابع التعددي، إثنيا ودينيا ومذهبيا، للمجتمعات العربية ضلع في الأمر؟ وهل المجتمعات العربية مصابة بعاهة ولادية منتجة للحرب الأهلية، هي الطائفية؟
لم تكن الحرب الأهلية الجزائرية حربا طائفية، إلا إذا استخدمنا كلمة طائفية بمعنى واسع جدا يطيح بفائدتها التحليلية. مع ذلك لا يبدو أنها أثمرت نظاما جديدا أكثر عقلانية وقابلية للإصلاح من سباقه. وكانت بلاد المشرق العربي متعددة الطوائف دوما، بينما هي مهددة اليوم فقط بحروب أهلية طائفية. إلى ذلك فإن بلاد الأرض كلها تقريبا متعددة الأديان والطوائف والإثنيات اليوم، وكانت معظمها كذلك دوما دون أن تكون في حالة احتراب دائم.
لا تنفجر الحروب الأهلية في منطقتنا، ولا تجنح نحو صراعات طائفية مدمرة وغير عقلانية، بسبب التعدد الديني والطائفي والإثني بل بالأحرى بسبب جمود وتصلب الهياكل السياسية التي تؤطر هذا التعدد. ولعل الشيء الجوهري أن الهياكل هذه أخفقت في القيام بالوظيفتين الأكثر أساسية وعمومية للدولة الحديثة: وظيفة الهوية التعاقدية والاستيعابية الموحدة، ووظيفة التغيير والتجدد الحيوية. فمن جهة هي نظم تتابع هدفا شاذا ومدمرا هو البقاء المؤبد في السلطة. هذا الهدف يدعوها إلى مقاومة التغيير وشل حركة مجتمعاتها بإلباسها ما يشبه قميص المجنون. والتفجرات الأهلية غير العقلانية هي بمثابة انفلات المجنون من ردائه السياسي المصطنع (وينبغي ألا يلتبس فشل النظم المصطنعة مع فشل الكيانات السياسية، وإن كانت حداثتها النسبية تبقى الطريق مفتوحا بين تلك وهذه). والحرب الأهلية المدمرة وغير العقلانية هي بكل بساطة ثمن منع التغيير الحيوي والعقلاني. لذلك لم تكن المجتمعات المشرقية مهددة بالحروب الأهلية أيام كانت الانقلابات العسكرية أو الانتخابات الديمقراطية تتكفل بتلبية مطلب التغيير، بينما هي اليوم "مستقرة" ومهددة بتغيرات بركانية وحروب أهلية مفتوحة.
ومن جهة أخرى، حلت النظم هذه مشكلة الهوية حلا قسريا واستبعاديا وغير تعاقدي، جعل منها إطارا خاويا من المعنى، منفصلا عن المواطنة، ولا تترتب عليه أية حقوق؛ ما يتسبب، إن واتت الظروف، في تفجر الهويات الجزئية وتفجير الكيان السياسي ذاته. وهكذا يلتقي فرض هوية فوقية ومنع التغيير الضروري في تغذية احتمالات الحرب الأهلية. والالتقاء هذا ميز الهياكل السياسية في سوريا والعراق، وقد جمعت بين هوية مفرطة التصلب ومحدودة الطاقة الاستيعابية (العروبة المطلقة)، وبين اختراق المجتمع بحواجز ومتاريس وحقول ألغام ضد التغيير، وكل ذلك فوق مجتمعين يضجان بتعدديتهما. وتشترك الهياكل السياسية في البلدين ايضا في إرساء منع التغيير على صيانة الهوية، وفي تماهي الهوية والنظام السياسي أو جعل هذا ضمانا لها. لذلك يرجح أن يرتبط التغيير بمراجعة الهوية المفروضة وإعادة النظر فيها، بل والانقلاب عليها، كما يظهر المثال العراقي بجلاء تام.
نعود إلى التساؤل: كيف يمكن سوس الحرب الأهلية أو عقلنتها، بحيث تقود إلى نظام سياسي تعاقدي وقابل للإصلاح والتداول؟ وكيف يتسنى تجنب الحرب الطائفية المدمرة دون التخلي عن تصفية نظام الطغيان؟ تصدر هذه الأسئلة عن رفض اعتبار الاشمئزاز من الحرب الأهلية تفكيرا سليما فيها، أو اعتبار تحميل مسؤولية تفجرها للنظم القائمة سياسة مثمرة حيالها. الحرب الأهلية شرطنا اليوم فلا يكفي الوقوف عند شط هذا الشرط. يتعين خوض غماره عقليا من أجل محاولة التحكم به عليه عمليا.
منطقيا، تجنب الحرب الطائفية ممكن في حال توفرت قوى وازنة، عقلانية، منظمة، معتدلة، وعابرة للطوائف؛ قوى تستطيع أن تجترح خيارا مختلفا عن النظم المصطنعة القائمة وعن الحرب الأهلية التي تهدد بها هذه النظم كبديل وحيد منها. ثمة معضلة هنا. فالنظم القائمة تعتمد سياسة فرط وبعثرة كل أشكال الانتظام الاجتماعي المستقل، والاحتلال المطلق للمجال العام في بلدانها؛ وقيام القوى المشار إليها غير ممكن دون استحواذ على المجال العام ودون تنظيم مستقل للقوى الاجتماعية والسياسية. بعبارة أخرى، شرط نهوض قوى مانعة للحرب الطائفية هو تغير سياسي كبير، يهدد بحد ذاته بالحرب الطائفية. فنحن نعيش في ظل هياكل سياسية مفخخة، تغييرها قد يفجر الدولة ويدمر المجتمع كله، أما بقاؤها فيخنق الدولة ويفكك المجتمع، فضلا عن كونه محض تأجيل للانفجار. هذا يلون آفاقنا بألوان قاتمة ومشؤومة.
نظم امتيازية طغيانية من وراءكم، وحروب طائفية مدمرة من أمامكم: أين المفر؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي
- العدو ذات تنقذ نفسها، ونحن ينقذنا التاريخ، لكن بأن نغدو موضو ...
- ماذا يفعل السلاح في الشارع؟
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية
- حداثتنا الفكرية: قومية ألمانية، علمانية فرنسية، اشتراكية روس ...
- إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس


المزيد.....




- سارة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكري ضد زوجها ...
- كوريا الجنوبية.. ارتفاع عدد القتلى إلى 23 شخصا في أحد أسوأ ح ...
- .بالفيديو.. مراسم تسليم مفتاح الكعبة المشرفة للشيخ عبدالوهاب ...
- نجم عالمي شهير يصفع يد معجب يحاول لمس ذراعه (فيديو)
- غالانت لأوستين: إيران أكبر خطر على العالم مستقبلا
- الأسباب المحتملة للشعور بالتعب معظم الوقت
- روسيا تحوّل صاروخ -توبول – إم- الاستراتيجي إلى صاروخ فضائي م ...
- سياسي بريطاني يحمّل رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون مسؤولية ...
- جوليان أسانج يقر بذنبه والمحكمة تأمره بتدمير المعلومات على م ...
- أسانج يقر بالذنب أمام محكمة أميركية تمهيدا لإطلاق سراحه


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية