1 نيسان 2003
• حكومات الدول العربية المستهدفة من النظام العالمي الجديد تجد في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تهديدا مباشرا لها وربما هي أصلا قد أدرجت على قائمة الأولويات الأمريكية.
• إيران أحد أركان محور الشر حسب الرؤيا الأمريكية تجد في هذه الحرب تهديدا مباشرا لها إذ إنها على الأرجح ستكون الهدف القادم، فالموقف منها بغض النظر عن حلة العراقي وثأر الحرب التي امتدت على مدى الثماني سنوات. فهي غير ملومة لو اتخذت موقفا بالضد من الولايات المتحدة وتشعر بالخجل من الشعب العراقي الذي تجد بدمه رخيصا جدا مقابل مستقبلها.
• حزب الله اللبناني الذي يتربع على قمة الإرهاب العالمي بجوار بن لادن حسب التعريف الأمريكي للإرهاب لا يتردد قادته باتخاذ أي موقف حتى ولو كان على حساب الشعب العراقي، فلهم حساباتهم التي يعتقدون إنها أكثر أهمية من دمائنا ومستقبلنا. رغم إن ذلك نوعا من أنواع العهر السياسي المفضوح ببيع الشيعة العراقيين الأكثر تضررا من النظام والحرب بثمن بخس لا يغير من واقع الحال شيئا.
• ميزانية الحرب العراقية وما هو مخصص منها للأعلام ورشوة السياسيين الغربيين يسيل لها اللعاب، فالكل يريد منها نصيبا.
• امتيازات وعقود ما بعد الحرب تثير كل الغرائز الحيوانية للفرنسيين والروس والألمان، كلها مشروطة ببقاء الدكتاتور على رأس السلطة في العراق، فاستأسدوا بالساحات الدبلوماسية والإعلامية الدولية. لم لا والثمن فيه حياتا لهم لعقود من الزمان قادمة، فمن هو ذلك العراقي الذي يتركون من أجله ثراء شعوبهم. إن دمائنا ومستقبلنا ليست ذات شأن في حساباتهم.
• المندسين وسط المعارضة والفواتير التي ستقف، وخيبتهم يوم تحرير العراق من النظام الدكتاتوري البغيض، نجدهم الأكثر شراسة في الدفاع عن النظام المحتضر.
• كل من له قضية مع الأمريكان أو ثأرا معهم يجد هذه الأيام وأحداثها ملعبا كبيرا وجمهورا واسعا يصفق لهم لتصفية خسارة تـاريخية لهم مع الأمريكان. أما العراقيين فليس لهم ثمن ولا قيمة تذكر أمام أهمية تلك الحسابات.
بالإضافة لما تقدم، الشعوب العربية التي تجد بالدعم الأمريكي لأسرائيل فضلا عن الماضي الاستعماري للبريطانيين والأمريكان وموقف العرب منه والذي يجدون به سببا كافيا لموت العراقيين ألف مرة عير مأسوفا عليهم من أجل الكرامة العربية المهدرة، بل نجدهم يذهبون لما هو أبعد من ذلك فهم صاروا يفتدون صدام بالروح والدم. وليس من حق العراقي حتى أن يحتج على شيء.
لي بهذا الشأن حكاية مع صديق ذات دلالة, كان الصديق من الشعب المصري ودودا، ويحب أن يسأل عن الوضع في العراق ويستمع لما أقول وعلى مدى خمسة أعوام متتالية. في كل مرة كان ينهي الحديث بنفس التعليق أو السؤال"" ولكن لماذا لا نسمع ذلك أو نقرأ عنه أو نشاهده على التلفاز؟""، بالطبع كان يحاول أن يخفي نظرة الشك في عينيه، حتى وصل إلى استنتاج ضل يردده في كل مرة مفاده ""إنك تكره السلطة في العراق"". كان ذلك قبل غزو الكويت، ويوم الغزو في الساعة الثامنة صباحا اتصل بي الصديق المصري بالهاتف مستغربا وغير مصدق أيضا لما حدث. وبعد شهر من الغزو، كنت أنا من اتصل به، فإذا به يعاتبني على ما أرتكبه العراقيين من بشاعات يندى لها الجبين في حق الكويتيين. يعاتبني وهو الذي بقي يسمع مني قصصا عن النظام في العراق على مدى خمسة أعوام ويشكك بما أقول بل غير مصدق لكل ما قلته عن بشاعة النظام في العراق. في الواقع كان أنا من يجب أن يعتب على هذا العربي فاكتفيت بتذكيره بما كنت أقول على مدى خمسة أعوام متواصلة. لم يكن حال العربي هذا مختلفا عن باقي الأخوة العرب.
واليوم وبعد أن صار النظام مفضوحا على مستوى العالم، والواقع الموضوعي في العراق أكثر وضوحا، وسنون القهر صارت طوالا، ومع ذلك بقي العربي مغيبا عن قضيته.
إن العرب شعوبا يعانون انكسارا مركبا من سلطات مستبدة طاغية لم تستمد شرعيتها من رغبة شعوبها وانغماس تلك السلطات في كل أنواع الأثام، من قمع دموي لشعوبهم وتغييب تام عن الحقيقة على مستوى الأعلام والقرارات المصيرية لهذه الشعوب، التجويع أمرا صار من ضمن المفردات اليومية لممارسة السلطة، أما انغماس الحكومات بالعمالة للنخاع وعلى علم من الشعوب صار يتصدر جداول أعمالهم في ممارسة السلطة بدلا من برامج حفظ الكرامة للعربي التي هي أحوج ما يكون لها. الشعوب بدورها قد شكلت مع مرور الأيام قاموسها للخنوع لاتقاء الشرور اليومية التي تمارس بحقهم كل ذلك مع رغبة كسيرة بنفس من بقي لديه رمق للكرامة مازال ينبض بكتمان. في ضل هذا الواقع مع إعلام مشوه لا يقدم إلا ما يريده الحاكم, والمعلومات المشوهة أو الكاذبة والكم الهائل من المعلومات المغيبة عن العربي تجدهم يتخبطون بصياغة الأفكار والمواقف إزاء الأحداث، ومنها ما يتعلق بالقضية العراقية بالذات. كنت حين أتحدث للعربي عن العراق وأحداثه على مدى ثلاثة عقود أو يزيد، ينتابني إحساس من أنه ينظر لي وكأني من كوكب آخر وليس من العراق الذي هو أقرب له من رمش العين. وكنتيجة لتكرار المشهد ولكي أثبت لنفسي على الأقل أني لست مخلوقا فظائيا، عدت بذاكرتي إلى الخلف عبر كل تلك السنوات الطويلة فلم أتذكر إني قرأت في صحيفة عربية إن شعبي يقتل بلا سبب كل يوم على يد الجلادين، ولم أسمع من محطة إذاعة عربية من أن العراقي يجوع ويعرى ويهتك عرضه وتسلب إرادته ويزج في غياهب السجون لتذيبه أحواض المذيبات البشرية ويهجر ويهاجر هربا من الجحيم الأرضي في العراق.
منذ ما يزيد على العامين الأخيرة, تحلق كل العرب حول موائد النقاش في الفضائيات العربية ليوسعوا الموضوع العراقي نقاشات لا أول لها ولا آخر، والعراقي المسكين ذاته مغيب تماما. يمكن أن يتحدث ما يسمونهم محللون سياسيون من داخل العراق ولكن ليس من هم في المنفى السياسي. السؤال المهم هنا، كيف لا يتحدث من يعيش في داخل العراق عن النظام بشكل إيجابي؟ فأن المتحدث إما أن يكون من جلاوزة النظام أو إن له أسرة هناك ويجب أن يعود. في حين إن من يستطيع أن يتحدث فعلا عن حقيقة الأمر هو العراقي الذي يعيش في المهجر إذ إنهم ليسوا بالعدد القليل، فقد وصل عدد العراقيين في المهجر إلى ما يزيد على خمسة ملايين عراقي، أي ما يقرب من ربع السكان. وهذه لوحداها تفصح عن حقيقة النظام، إذ إن شعبا ربعه في المهجر وهو البلد الغني لابد تعني إن هناك سببا لخروج هذا النسبة العالية من الشعب. أن العراقي الذي في الخارج قد غيِب عن قضيته بشكل متعمد من قبل الأعلام العربي بكامله، إما حين يمنح الفرصة, فإنها تكون منتقاة بما يتفق مع أهدف البرنامج ومعديه.
والسلطة من ناحية أخرى ما فتئت تدفع بسخاء من أجل ترويج لغة خطاب عربي مضلل للشعوب العربية يستمرئه الحكام العرب للأسباب التي ذكرناها.
وهكذا أتفق العرب شعوبا وحكومات، جلادا وضحية، في الشأن العراقي. فالحكومات تعتقد جازمة إنها قد أدرجت على قائمة الأولويات الأمريكية والشعوب بغضا لأمريكا لموقفها من القضايا العربية.
وهكذا نجد ""كل يغني على ليلاه"" في الشأن العراقي، إنها مواقف تصفية الحسابات وليست مواقف مبدأيه من قبل كل الأطراف وحتى الشريفة منها قد كشرت عن أنيابها وأخرجت ما بداخلها من سم زعاف.