|
سِحر الأموال...
محمد الشهاوي
(Muhammad Alshahawy)
الحوار المتمدن-العدد: 6286 - 2019 / 7 / 10 - 10:40
المحور:
المجتمع المدني
على مدار التَّاريخ؛ حاولت قلَّةٌ من الناس إقناع البقيَّة بأنَّ المال روث الشيطان، وأنَّه لعنةٌ من لعناته. حاولوا إقناعهم بأنَّ المال ليس كل شيءٍ، ولا يشتري كل شيءٍ. أقنعوهم بأنَّ القناعة أهم من المال، وبأنَّ راحة البال أهم من المال، وبأنَّ المال لا يشتري الصحَّة، ولا يشتري الحب، ولا يشتري الصداقة، وبأنَّ المال فتنةٌ، تُورد صاحبها موارد الهلاك. ولكن كل ذلك غير صحيحٍ أبدًا. على مدار قرونٍ طويلةٍ، جنَّد هؤلاء القلَّة: الدين، والإعلام، والسينما، والدراما لإيصال هذه الرسالة، فصوَّروا لنا الأغنياء كفاسدين، وتُجار مُخدراتٍ، ولهم أبناءٌ فاشلين في دراستهم، ومُنحلين أخلاقيًا، وعاقين بوالديهم. وفي المُقابل، صوَّروا الفقراء كطيبين، ومُرتاحي البال، ولهم أبناءٌ مُجتهدين وناجحين، ومُتفوقين، وبارين بوالديهم. أقنعوهم أنَّ الأغنياء يفتقرون إلى راحة البال، التي يتمتع بها الفقراء، بسبب حرصهم الدائم على زيادة الثروة، وبسبب خوفهم وقلقهم الدائم من زوال نعمة المال، بينما الفقراء ليس لديهم ما يخسرونه؛ وكيف أنَّ ذلك يُسبب لهم راحة البال. راجعوا الدراما العربيَّة، وراجعوا النُّصوص الدينيَّة، سوف تجدون أنَّها صوَّرت لنا الأغنياء -غالبًا- في صورة فاسدين وأشرار، بينما الأبرار والطيبون -غالبًا- ما يكونون من طبقة الفقراء والمعدومين. دائمًا ما كان الفقراء هم الطبقة المُستَغلَّة من قِبل رجال المال، ورجال الدين. ودائمًا يجب السيطرة عليهم، عبر الوعود الزائفة: سواءٌ أكانت وعودًا سياسيَّة أو وعودًا دينيَّة. ودائمًا ما يُصدّق الفقراء ما يُقال لهم؛ لأنَّه ليست لهم حيلةٌ سوى ذلك. المال -أيها السَّادة- هو كل شيءٍ؛ بل هو عصب الحياة. حتَّى عندما يكدح الكادحون، أصحاب القناعة والطموح المُنعدم، فهم إنَّما يفعلون ذلك من أجل الحصول على المال. المال ضروريٌ لإقامة الأود، ضروريٌ للتعليم، ضروريٌ للعلاج، ضروريٌ للرفاهية، ضروريٌ لكل شيءٍ تقريبًا. عندما أخبرونا أنَّ المال لا يشتري راحة المال؛ كانوا يكذبون، فأي راحة بالٍ مع الفقر؟ أي راحة بالٍ وأنتَ لا تعرف ماذا ستأكل غدًا أو كيف ستُنفق على أبنائك، وكيف ستكسوهم في برد الشتاء؟ أي راحة بالٍ هذه، وأنتَ لا تعرف كيف يُمكن أن تُسدد إيجار غرفتك التي تسترك من أعين الناس، وتقف بينك وبين التحوُّل إلى مُتشرد؟ وعندما أخبرونا أنَّ المال لا يشتري الأصدقاء، كانوا يكذبون، لأنَّ الصداقة ليست للفقراء وحسب؛ بل حتَّى الأغنياء -أيضًا- يُمكنهم الحصول على أصدقاء. للصداقة -مع وجود المال- طعمٌ آخر، لأنَّك عندها لن تُضطر إلى اختلاق الأعذار والأكاذيب للتهرُّب من أصدقائك بسبب عدم امتلاكك للمال، لأنَّك لا تُريد أن تكون عالةً عليهم، فيدفعون عنك كلَّ مرَّة. المال لن يجعلك تُهين نفسك لأصدقائك، فتطلب منهم مُساعدةً، وأنتَ تعلم أنَّه لن يكون بإمكانك إعادته إليهم قريبًا. وفي التراث الشعبي يُقال: إن أردتَ أن تخسر صديقًا؛ فاقترض منه مالًا. وعندما أخبرونا أنَّ المال لا يشتري الحب، كانوا يكذبون، لأنَّ الحب ليس حكرًا على الفقراء، فحتَّى الأغنياء يُحبون كذلك. ولكن أي حبٍ هذا الذي قد يُعمّر مع الفقر؟ أي حبٍ هذا الذي قد يُعمّر وأنتَ تختلق الأكاذيب لحبيبتك حتَّى لا تضطر إلى الخروج معها، فتجد نفسك مُطالبًا بشراء كوبٍ من العصير. تُراجع حساباتك الماليَّة قبل أن تشتري لمحبوبتك آيسكريمًا أو قطعة شيكولاته. أي حبٍ هذا الذي سوف يُعمّر وأنتَ لا تملك مالًا يكفي لتسديد نفقات زواجكَ ممن تُحب؟ لا تملك مالًا يجعلك تهبها أبسط الأشياء التي تحتاج إليها أو تلك التي تُحبها أو تلك التي من الممكن أن يجعلها سعيدة؟ أي حبٍ هذا الذي قد يُعمّر وأنتَ لا تملك مالًا تُجسّد به حبك لمحبوبتك، بهديَّة بسيطةٍ أو دعوةٍ على عشاءٍ مُتواضعٍ أو سهرةٍ ليليَّةٍ أو حتى أن تدعوها إلى عرضٍ سينمائي أو مسرحي. وعندما أخبرونا بأنَّ المال فتنةٌ؛ كذبوا علينا كذلك. المال قد يضمن لك الجنَّة أحيانًا، فبالمال يُمكنك الإنفاق، والصدقة، وكفالة الأيتام، وإقامة مشاريع خيريَّةٍ، وبناء دورٍ للعبادة، والمُستشفيات، والمدارس. بالمال يُمكنكَ أن تُقدّم المُساعدة لمن يحتاجها، لأنَّ المال بإمكانه أن يحل أغلب المُشكلات أو لأنَّ أغلب مُشكلاتنا مُرتبطةٌ بالمال. فمال الذي لا يُمكن للمال فعله؟ الصحَّة؟ إن لم تكن تملك مالًا فقد تموت بمرضٍ تافهٍ وحقيرٍ للغاية، كالملاريا أو البلهاريسيا، أمَّا إن كنت تملك مالًا، فإنَّ فرص شفائك حتَّى من الأمراض الخطرة، سوف يكون كبيرًا، طالما كان لها علاجٌ، ولو بنسبةٍ ضئيلة. أمَّا تلك الأمراض المُستعصية، والتي لا علاج لها، فهي سوف تُؤدي إلى هلاكك سواءٌ أكنت غنيًا أم فقيرًا، ليس لأنَّ المال لا يشتري الصحَّة، ولكن لأنَّ المرض ليس له علاج، ولكن لو كنت غنيًا فسوف تضمن المُحاولة، وستضمن أن تكون في مشفىً مُريحٍ ودافئٍ، عوضًا عن الموت في الطريق أو غرفةٍ باردةٍ رطبة. لقد حاولوا إقناعنا بأنَّ المال سحرٌ، ولكن الحقيقة أنَّ المال هو الواقع بعينه. أولئك الذين يملكون المال هم من يعرفون المعنى الحقيقي للحياة. هم الأكثر استمتاعًا بالحياة، وبالحب، وبالصداقة، وبالصحة. ويكفي أنَّ أحلام أغلبنا وأهدافه مُرتبطةٌ بالمال بطريقةٍ أو بأُخرى.
#محمد_الشهاوي (هاشتاغ)
Muhammad_Alshahawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نحكم، بشكلٍ تجريديٍ بحت، على فعلٍ مُعيّن أو تصرّفٍ مُعيّ
...
-
هل يجب علينا أن نخاف الموت، أم هو فقط من رُعب النهاية؟
-
آليات اكتساب اللغة
المزيد.....
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|