|
معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 4
محمد برازي
(Mohamed Brazi)
الحوار المتمدن-العدد: 6285 - 2019 / 7 / 9 - 02:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الطلاق في اصطلاح الفقهاء "رفع قيد النكاح". والرجل وحده هو المؤهَّل لتنفيذه. كان الطلاق معروفاً في شبه الجزيرة العربية قبل محمد، ويفيد فسخ عقد النكاح فوراً ونهائياً. وقد أتى القرآن بقواعد جديدة لم تكن معروفة لدى معاصريه.
يمكن أن نلخص الأحكام الواردة في المصادر الفقهية بشأن الطلاق كما يلي: الرجل يملك وحده حق التطليق، ولا يجب عليه أن يذكر سبباً. غير أنه يُعتبر مكروهاً، وعند الأحناف حراماً. أما القاعدة القرآنية للطلاق فهي الآيتان: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة 2: 922) و"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" (الطلاق 56: 1). وأما دليل جوازه في السُنة فما روي عن ابن عمر: "أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله. فقال رسول الله: مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض. ثم تطهر. ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".
يقول الفقهاء من المذهب الحنفي إن الطلاق يكون أحد الثلاث: الأفضل والحسن والمكروه (النافذ). الطلاق الأفضل أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لَمْ يجامعها فيه، وكذا لم يجامعها في حالة الحيض الذي قبله. والطلاق الحسن أن يطلقها ثلاث تطليقات في كل من الحيضة الأولى والثانية والثالثة أثناء طهرها دون أن يجامعها. وأما الطلاق المكروه أو البدعي فهو طلاقها طلقتين أو ثلاث طلقات في حيضتها بلفظ واحد. طلاق الحرة ثلاثاً، وطلاق الأمة طلقتان، ويجوز طلاق المكرهة أيضاً.
لا يستلزم الطلاق لجوازه وجود النية المطلوبة مثلاً لصحة الصلاة المفروضة، ويتم بأن يقول الرجل لزوجته: "أنت طالقة" أو "طلقتك". فإذا قال الرجل لزوجته: أنت مطلقة من هنا إلى الشام فهذا طلاق واحد له الرجعة. فإن قال: أنت مطلقة في مكة أو بمكة فينفذ طلاقها في سائر البلدان. وإن قال: أنت مطلقة غداً فيتم طلاقها بالسَّحر. وإن قال: أنت مطلقة قبل زواجي منك فهذا ليس بطلاق. ولكن إن قال: أنت مطلقة ما لم أطلقك أو إلى أن طلقتك أو حين لم أطلقك، وهي سكتت، فالطلاق نافذ .. ولكن إن قال لها: أنت مطلقة إن لم أطلقك أو إن لم أكن طلقتك، فلا تكون مطلقة إلى أن تُتوفى.
لقد أجمع الفقهاء على أن الطلاق لا يتم بصريح القول فحسب، بل يكون عن طريق الإشارة والكتابة أيضاً. من هذا القبيل قوله لها: "اعتدّي" أو "استبرئي رحمك!" أو "أنت واحدة"!". وفي هذا الموضوع تفصيل أفرط فيه الفقهاء. إذا طلق الرجل امرأته تطليقة واحدة فله أن يرجع إليها أثناء عدتها، ولا يلزمه إذنها، بل يكفي أن يقول لها: "قد رجعت إليك" أو "مسكتك أو أمسكتك". يبدو أن حق الرجل في "الرجعة" استغل به في عهد محمد، حيث كان الرجل يطلق امرأته ثم "يرجع" إليها قبل عدتها لكي يطلقها من جديد، ليجبرها على دفع المهر إياه، أو عتقها من الرجل، مما أدى بمحمد إلى إصلاح هذا الوضع فجاء في القرآن: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا. من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا آيات الله هزواً .. واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم" (البقرة 2: 132-232). و"فإن طلقها (أي ثلاثاً) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره" (البقرة 2: 03) وورد في السنة تأكيداً لهذا الحكم: "أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإنما معه مثل الهدبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا! حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته".
حدثني محمد بن بشار: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجت فطلق، فسُئل النبي (ص): أتحل للأول؟ قال: "لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول".
يزعم المستشرق الهولندي Juynboll أن قول القرآن: "حتى تنكح زوجاً غيره" (2: 230) قصد محمد من ورائه منح النساء حلاً وسطاً.
لقد ذهب الفقهاء من مختلف المذاهب إلى أن الرجل لا يلزمه ذكر سبب إذا طلق زوجته. بيد أن بعض الكتاب والعلماء المعاصرين يدعون عكس ذلك، فيقول الصابوني: فإذا لم تُجْد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق بين الزوجين، كان الطلاق ضرورة لا مندوحة عنه. ومن الضرورات التي تبيح الطلاق أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته، وأن يطلع منها على الخيانة الزوجية باقتراف (فاحشة الزنى) فهل يتركها تفسد عليه نسبه، وتكدر عليه حياته أم يطلقها؟ وهناك أسباب أخرى كالعقم، والمرض الذي يحول دون الالتقاء الجسدي، أو المرض المعدي الذي يخشى انتقاله إلى الآخر إلى غير ما هنالك من الأسباب الكثيرة. وقد جعل الله جل ثناؤه الطلاق في تشريعه الحكيم مرتين متفرقتين في طهرين - كما دلت على ذلك السنة المطهرة - فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق وأمضى الطلاق، فيكون الزوج على بينة مما يأتي وما يذر، ولن يتفرق بالطلاق بعد هذه الروية وهذه الأناة إلا زوجان من الخير ألا يجتمعا لصالح الأسرة وصالحهما بالذات".
وكثيراً ما يتحدث الكتاب المسلمون عن إباحة الطلاق في الإسلام وأحكامه كمفخرة من مفاخر الإسلام تجاه المسيحية والقوانين الوضعية والتي حرمت النكاح إلا في حالة الزنى (كما هو الحال في المسيحية) أو قيدته بشروط تجعله شبه المستحيل، الأمر الذي يتناقض والفطرة.
ونختم هذا الفصل بقول العقاد: "شريعة القرآن الكريم في مسألة الطلاق شريعة دين ودنيا، وكل ما اشتملت عليه من حرمة الدين تابع لما شرع له الزواج أن يتجرد الزواج من مصلحته النوعية الاجتماعية، تغليباً للصبغة العبادية على مشيئة الأزواج". لعلم الفرائض صلة وثيقة بالحقوق العائلية من حيث انتقال "تركة" الشخص المتوفى إلى أقربائه "العليا". ويتوقف على النظام العائلي تحديد من هو المؤهَّل للميراث، أو بعبارة أخرى من هم الوارثون. فالرجال عند العرب الجاهليين كانوا وحدهم يملكون حق الإرث، وذلك بناء على النظام الأبوي (patriarchal) وهذا بقي أيضاً طابع الشريعة الإسلامية والمبدأ الأساسي في علم الفرائض.
وتُبنى القاعدة القرآنية في تنظيم أحكام الشريعة بشأن الميراث على الآية: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف، ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين. آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً، فريضةً من الله، إن الله كان عليماً حكيماً" (النساء 4: 11).
وعن الأرامل: "ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد، فإن كان لهنّ ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد. فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم" (النساء 4: 21).
كما هو الحال في الشهادة فالمرأة تظهر في "علم الفرائض" أيضاً "كنصف إنسان" لها نصف ما للرجل، بيد أن المفسرين القدماء - مثلهم مثل الكتاب المسلمين المعاصرين - يزعمون أن هذا الوضع رفعٌ لمكانة المرأة وتكريم لها، لأنها لم تكن تملك شيئاً من الميراث في المجتمع الجاهلي إلى أن نزلت هذه الآيات: "عن السدي (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري، ولا الصغار من الغلمان، لا يرث الرجل من أولاده إلا من أطاق القتال. فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كُحة، وترك خمس أخوات، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كحة ذلك إلى النبي (ص)، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف) ثم قال في أم كحة (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد. فإن كان لكم ولد فلهن الثمن).
ورُوي عن ابن عباس: "كان المال وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين".
ويبدو أن القرآن حاول إصلاح وضع المرأة في الميراث، ولكنه لم يوفَّق - ولا نقدر أن نتوقع ذلك منه - في مساواة كاملة بينها وبين الرجل. وابن جرير الطبري (الذي يجب أن نعتبر تفسيره أقدم ما وصل إلينا بعيداً عن يد التحريف) يكتفي بسرد الروايات عن سبب نزول الآية دون أن يعلق عليها. ولكن نجد في نفس العصر الذي عاش فيه الطبري من اكتشف في طيات هذه الآية مزايا الرجل وما تفوَّق به على الأنثى، نعني المفسر والفيلسوف فخر الدين الرازي: "لا شك أن المرأة أعجز من الرجل لوجوه: أما أولاً فلعجزها عن الخروج والبروز، فإن زوجها وأقاربها يمنعونها من ذلك. وأما ثانياً: فلنقصان عقلها وكثرة اختداعها واغترارها. وأما ثالثاً: فلأنها متى خالطت الرجال صارت متهمة، وإذا ثبت أن عجزها أكمل وجب أن يكون نصيبها من الميراث أكثر، فإن لم يكن أكثر فلا أقل من المساواة، فما الحكمة في أنه تعالى جعل نصيبها نصف نصيب الرجل؟.
يجيب الرازي عن السؤال الذي طرحه بنفسه، فيقول: "والجواب عنه من وجوه: الأول: إن خروج المرأة أقل، لأن زوجها ينفق عليها، وخروج الرجل أكثر لأنه هو المنفق على زوجته، ومن كان خروجه أكثر فهو إلى المال أحوج. الثاني: أن الرجل أكمل حالاً من المرأة في الخلقة وفي العقل وفي المناصب الدينية، مثل صلاحية القضاء والإمامة، وأيضاً شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ومن كان كذلك وجب أن يكون الإنعام عليه أزيد. الثالث: إن المرأة قليلة العقل كثيرة الشهوة، فإذا انضاف إليها المال الكثير عظم الفساد قال الشاعر:
إن الفراغ والشباب والجِده مفسدةٌ للمرء أي مفسده
وقال تعالى: "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" وحال الرجل بخلاف ذلك. والرابع: أن الرجل لكمال عقله يصرف المال إلى ما يفيده الثناء الجميل في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، نحو بناء الرباطات، وإعانة الملهوفين والنفقة على الأيتام والأرامل، وإنما يقدر الرجل على ذلك لأنه يخالط الناس كثيراً، والمرأة تقل مخالطتها مع الناس فلا تقدر على ذلك.
وأخيراً يأتي الرازي المعروف بأسلوبه العقلاني في تفسير القرآن برواية أنّ جعفر الصادق (الإمام السادس للشيعة الإثني العشرية) كدليل على أن القاعدة القرآنية لميراث الأنثى قاعدة شبه أزلية: "رُوي أنّ جعفر الصادق سئل عن هذه المسألة فقال: إن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها، وأخذت حفنة أخرى وخبأتها، ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى آدم. فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب الله الأمر عليها فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل". يقول النسفي: "المراد (أي بالآية: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) حال الاجتماع، أي إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان، كما أن لهما سهمين. وأما في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كله والبنتان تأخذان الثلثين".
قد يجوز التسليم بأن القرآن - كما قلنا آنفاً، وكما قال المفسرون جاء بما يمكن اعتباره إصلاحاً لوضع المرأة في المجتمع الجاهلي، وإن لم يكن هذا من قبيل التسوية بين المرأة والرجل قياساً على المفهوم السائد في عصرنا. غير أن القرآن نفسه بأمسّ حاجة إلى الإصلاح من هذه الناحية، نظراً لما انجزت البشرية من تقدم في مساواة الجنسين. فهذه مشكلة المفكر أو الفقيه المسلم اليوم. فهو كمسلمٍ يؤمن أن كتابه الكريم أُنزل من السماء وليس من كلام البشر، فلا يسعه الاعتراف بوجود عيب أو نقص فيه، بل هو مضطر إلى الدفاع حتى عما يسميه الناس "إهانة للمرأة" فيزعم أن ما يسميه الناس إهانة للمرأة هي في الحقيقة تكريم لها: "ولا يزال في الناس إلى يومنا هذا من يرى أن إنسانية المرأة أقل من إنسانية الرجل. وأنها لذلك كانت في الميراث على النصف من ميراث الرجل، وكانت كذلك في الشهادة، ويقولون: إن ذلك هو حكم الإسلام وقد قرره القرآن "للذكر مثل حظ الأنثيين" (النساء 4: 11)، "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" (البقرة 2: 282). والحق أن حكم المرأة في الميراث، ليس مبنياً على أن إنسانيتها أقل من إنسانية الرجل، وإنما هو مبني على أساس آخر قضت به طبيعة المرأة والحياة العاملة".
إن نقطة الضعف عند شلتوت وأمثاله من العلماء والفقهاء المعاصرين ممن عنوا بتبرير ما لا يمكن توفيقه مع العصر الحديث من القرآن، هي أن يفترضوا ظروفاً لا يمكن تصور وجودها إلا في ظل الشريعة الإسلامية. فعندما يتحدث شلتوت عن دور المرأة في الحياة العاملة أي كربة البيت وكمن تعيش من إنفاق زوجها، وتحملها أعباء جسيمة!! في سياق دفاعه عن "وللذكر مثل حظ الأنثيين"، ينطلق من مبدأ شبه بدائي للمجتمعات المتقدمة، أي ليس بوسع المرأة أن تشتغل خارج بيتها فتشارك مع زوجها في تدبير المعاش! وأخيراً يرى شلتوت رفي ظل هذا الأساس أن المرأة أسعد حظاً من الرجل في نظر الإسلام". شهادة المرأة في الإسلام لا تساوي إلا نصف شهادة الرجل كما ينص القرآن والسنة على ذلك. جاء في القرآن: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء. أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى"(البقرة 2: 282). لقد علل محمد هذه القاعدة بنقصان عقل المرأة: "خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرَّ على النساء فقال: "يا معشر النساء، تصدَّقن فإني أُريتكم أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. قلن: بلى. قال. فذلك من نقصان دينها. نرى أن المفسرين يذكرون هذا الحديث دعماً لكون شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل. يتحدث المفسر فخر الرازي عن "نسيان المرأة" الذي يتعلق بجوهرها الذي تغلبه الرطوبة والبرودة".
ويبرر ابن قيم الجوزي مدلول آية البقرة 2: 282 بقوله: "قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى: قوله تعالى: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي (ص) حيث قال: "أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل"، فبيّن أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعلم بذلك: أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة: لم تكن فيه على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات: إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال، والاتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة".
من الأمور المختلف فيها: متى تكون شهادة المرأة صالحة؟ وهناك روايات تذكر أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قالا أن ليس لشهادتها في أمور الطلاق والزواج والحدود أي اعتبار. وأما نقصان العقل الوارد ذكره في الحديث فليس المراد به (كما يقول شارح البخاري) لومهن عليه، لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيراً من الافتنان بهن.
لقد لاحظ المفسرون القدامى (في النصوص الواردة عن شهادة المرأة في القرآن وفي الحديث) نقصان عقل المرأة، واحتجوا على صحة ذلك بأنواع الحجج، مثل كثرة الرطوبة في مزاجها أو أصل خلقتها، ولكن يحاول المسلمون المعاصرون تأويل وتبرير النصوص "بطريقة علمية". يبدو الإمام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا أن يكونا من القليلين الذين أرجعوا مطالبة القرآن بامرأتين مقابل رجل واحد إلى عدم اختصاص المرأة بمجال من مجالات الحياة وليس إلى نقصان عقلها. فالأمر يعود إلى ضعف ذاكرتها في أمور ليست من اختصاصها مثل المعاملات المالية ونحوها من المفاوضات.
والذي يخجل أن ينسب إلى المرأة نقصان العقل، لكي لا يُتَّهم بالبدائية أو العداء للنساء، ينبر على أن المرأة تحت حكم العواطف، خلافاً للرجل، الأمر الذي راعاه الله، فيقول العقاد: "والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولها شروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا - كما ينبغي أن تتحراه الشريعة - هو دفع الشبهة من جانب الهوى، وما يوسوس به للنفس في أحوال المحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء. وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا، حرصاً على حقوق الناس، أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمي الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة، لأنه أمر لا يعنيه لشخصه، ولا يحل له أن يجعله سبيلاً إلى تحية من تحايا الكياسة، أو مجاملة من مجاملات الأندية. وقديماً كانت هذه التحايا والمجاملات تجري في ناحية من المجتمع، وتجري معها في سائر نواحيه ضروب من الظلم للمستضعفين والمستضعفات تقشعر لها الأبدان".
لقد صار القول بتغلب العاطفة على المرأة، مما يؤدي بها إلى الحيدان عن العدل والموضوعية في الحكم، الحجة المفضلة عند الكتاب والفقهاء المسلمين في العصر الحاضر. فالشيخ محمود شلتوت يتكلم عن قضايا لا تقبل فيها إلا شهادة الرجل، وهي القضايا التي تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها. على أنهم قد رأوا قبول شهادتها في الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضي إليها، وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً. ويشرح سيد قطب ضلال المرأة (البقرة 2: 282) بعدة أسباب: "فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلاً نفسياً في المرأة حتماً. بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال. يعترف الإسلام بأن للرجل أن يملك إماءً بجانب زوجته أو زوجاته، قضاءً لحاجته الجنسية. ويقدم القرآن تعداد النساء اللاتي لا يجوز للمسلم التزوج منهن، ولكنه يستثني ما يطلق عليه "ما ملكت أيمانكم" من تلك القائمة: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم، وأُحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به، من بعد الفريضة. إن الله كان عليماً حكيماً" (النساء 4: 32 و42).
نقرأ في تفسير الطبري أن المراد ب"ما ملكت أيمانكم" السبايا التي فرَّق بينهن وبين أزواجهن السِّباءُ، فحُللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها المربي لها. وعن أبي قلابة عن قوله (المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) يقول: كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب، فهي لك حلال إذا استبرأتها. عنه أيضاً عندما سئل عن معنى الآية: إذ سُبيت المرأة ولها زوج في قومها فلا بأس أن يطأها، إن هذا التفسير مبني بلا شك على الروايات الواردة عن محمد بشأن السبايا: "عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس فلتواعدوهم وقاتلوهم فظهر عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله تحرجوا من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله في ذلك "والمحصنات من النساء". وهناك من فسر "إلا ما ملكت أيمانكم" بنساء أهل الكتاب. أما الطبري نفسه فيقول في تفسير الآية: "فواجب أن يكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها حراماً علينا سفاحاً ونكاحاً، إلا ما ملكته إيماننا منهن بشراء، كما أباحه لنا كتاب الله، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الكتاب (الله). فالذي أباحه تبارك وتعالى لنا نكاحاً من الحرائر الأربع سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر، ومن الإماء ما سبينا من العدو، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى متفقات المعاني، وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السباء يحلهن لمن سباهنّ بعد الاستبراء وبعد إخراج حق الله.
فبما أن علاقة الرجل مع الإماء لا تتصل بموضوع الزواج، وأنهن لا يملكن نظرياً ما تملكه الحرائر من حقوق وأهلية، لا يوجد في المصادر الفقهية فصل مستقل بأحوالهن التي لا تهم "كتاب النكاح" إلا بشكل غير مباشر الأمر، الذي يمكن تفسيره بأنهن لا يُعتَبرن كأشخاص بل كممتلكات صاحبهن، كما هو الحال أيضاً في العهد القديم. ولهذا السبب لا يجوز عقد الزواج بينهن وبين أصحابهن. إلا أن للرجل الحر أن يزّوج إماءه أي شخص يريده دون أن يستأذنها، فهو عندئذ بمثابة وليها. وأما أولاد الأمة من هذا الزوج فيتبعون أمهم عبيداً وإماء، سواء كان والدهم حراً أو عبداً، لأنهم ملك زوج أمهم. ولصاحب الجارية أيضاً أن يتزوجها. صحيح أن الشريعة تسمح للرجل الحر بالتمتع بجميع إمائه شريطة أن يكنَّ مسلمات (أو من أهل الكتاب) وغير متزوجات، غير أنها تؤكد على الفرق الشاسع بين هذا النوع من الزواج والزواج الشرعي العادي. وما دام الرجل الحر هو صاحب الأمة بالملكية، يمنعه حق الملك من زواجها، فعليه أن يصدقها إذا أراد زواجها. وأما أولاد الأمة من صاحبها (مالكها) فيكونون أحراراً مساوين لأولاد الرجل الآخرين في جميع الحقوق. للرجل الحر أيضاً أن يتزوج من أمة شخص آخر إن كانت مؤمنة، إن وافق مالكها على ذلك. ولكن الشريعة تأتي بشروط إضافية لمثل هذا الزواج، لأن الأولاد من هذا النوع من الزواج لا يملكون الحرية.
#محمد_برازي (هاشتاغ)
Mohamed_Brazi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلام يعلم الكذب النفاق و القتل
-
قوة الإيحاء الذاتي
-
معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 3
-
معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 2
-
الحياة الروحية
-
الاهتداء و العبور
-
ها أنا أصنع كل شيء جديداً
-
معامله المراه ككائن حي في الاسلام
-
التوبة
-
معتقدات الصابئة بالعواقب والكواكب
-
كيف ينتقل الانسان من العيش في الجسد الى العيش الروحي
-
معنى الصابئة مع بعض مترادفاتها
-
المعمودية والولادة الروحية
-
الكنسيه
-
رساله الى المسيحين اليوم
-
ما هي الصابئة أو المندائية
-
الخطيئة المُتعمَّدة
-
الصراع الروحي في الانسان
-
الشيعه المندائيَّة أو المندعيَّة
-
الرهبان و المصليانيّة أو جماعة المصلّين
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|