أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعدون الركابي - أذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ و إن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا















المزيد.....



أذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ و إن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا


سعدون الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 6283 - 2019 / 7 / 7 - 23:23
المحور: سيرة ذاتية
    


أذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ و إن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا
حكايات عن الوفاء و الكرم و حكايات عن الغدر و إنعدام الوفاء.........................
..............................................................................................................................................................

ألتقى المغتربان سعيد و مجيد, بعد أفتراقٍ. و راحا يفتحان الصدور المُغلقة لبعضٍ. ليُزيحا البعضَ من ثقلِ المُعاناة, و ليمسحا شيئآ من دموعِ الفشل. حكايات عن الطِيبة و الأصالة و عمل الخير للآخرين في بلادِ الأغتراب, و الوفاء لصلةِ الرحم, مقابل نكران الجميل و الغدر و إنعدام الوفاء. و حكايات البشر الذين يعبدون المال, و القيم التي سقطت من الضمائر. و نكران الأبوّة و الأُمومة و الأخوّة. و حكايات البشر الذين لا يعرفون الأصول, و عديمي الأخلاق و قليلي الحياء

.
سعيد: سأحكي لكَ حكايةَ شقيقتي الصغيرة. لقد أحببتُ هذهِ الصغيرة, أكثر من حُبِّي للوالدين و لنفسي. أنا الذي أخترتُ أسمها. و ترَبَّت بأحضاني, مثلما ترَبّت بأحضان الوالدين. و هي تَعَلَّقت بأخيها الكبير. و أحبَّتهُ أكثر من أمها و أبيها. كما كانت تقول, ببراءةِ الطفولة. و أنا كُنتُ ملاذها الذي يحميها من بطشِ أخوتها. و كانت تبكي ورائي كأَّنِّي أمُّها. كُنتُ أخاها و أمَّها و أباها.
مجيد: سأحكي لكَ حكايةً من حكاياتي الكثيرة في بلادِ الأغتراب. بلاد المُعاناة الدائِمةِ و الألم الدائم و الحنين الدائم و الضياع الدائِم و البكاء الدائم. أضافةً لِكُلِّ ذلك, فإنَّ الضروف, تجعلكَ مُرغمآ على السكن و الأحتكاك الدائم مع الغرباء, من أبناء جِلدتِكَ و من الغرباء الغرباء. فوَرَّطني سوء الحظ, بالسكن معَ تافهٍ سيء الطباع. قِزمٌٍ يشعرُ بالنقص, فيحاولُ الإرتكاءَ على الآخرين للتعالي. دعكَ من كُلِّ تصرُّفاتهِ الشاذَّة التي أغضبت جميع من حولهِ. و سأحكي لكَ هذهِ الحكاية فقط. أتينا معآ في نفسِ الباص من العراق, قادمين للدراسةِ في الخارج. ثُمَّ سكنا في نفس القسم الداخلي و نفس الغرفة. كان هذا القزم, يتظاهر دائمآ بأنَّهُ من أقرباءِ " السيد الرئيس ". لأنَّ والدتهُ من عشيرة الرئيس. فكان يكتبُ خلفَ أسمهُ عشيرة أبيهِ و عشيرةَ أُمِّهِ, أي عشيرة الرئيس. و كان يُردِّدُ ذلك أمام الجميع بأبتذالٍ. و كان هدفهُ إضفاءِ هالةٍ من الهيبة حولَ شخصهِ المُحتقر من الجميع. و أخافةِ الجميع. و كان الوضع المُخيف في عراقِ صدّام و البعث و النظام الذي جعلَ الناسَ يتجَسَّسونَ حتى على أنفسهم, لا يحتاجُ لشرح. كُنا ذاتَ مساءٍ حُزمةً من الزملاء العراقيين, نتبادلُ أطراف الحديثِ في رواقِ السكن. و كان معنا هذا القزم. و دون سببٍ, راحَ يتظاهر بأَنَّهُ الوحيد الذي ينتسبً لعشيرتين عظيمتين, إحداهُما عشيرةُ السيد الرئيس, القائد العظيم!! سادَ السكوتُ و السكون, الذي يُخفي حَنقآ و غضبآ في النفوس. و فجأةً يتكلَّم رشيد, زميلنا من البصرة, و هو يُخاطب هذا النكرة, قائلآ: أسمع لَك زباله. و الله لألعن أبوك لا أبو السيد الرئيس القائد مالَك, لا أبو عشيرة السيد الرئيس مالتك. و أذا تعيد هذا الموضوع, لأدخلك ب... أمك. و أذا تخَّبر و الله و الله ما راح تشوف عينك النور... و لم ينطق هذا السافل و لو بحرفٍ. بل بلَعَ ريقهُ و جلسَ أخرسآ!! أطبقَ على الجميع, صمتٌ رهيبٌ يُضاهي صمتَ القبور. و أصفَّرت الوجوه. كما رأيتُ العَرق يتصَبّبُ على وجوه البعض. المصيبة, إنَّ جميع الحضور و أهاليهم و أقرباءهم, سيُصلخون أحياءآ, لأنَّهم لم يثوروا لكرامةِ السيد الرئيس, و ليس الذي نطقَ الإهانةَ فقط. و بسرعةٍ أنسّلَ الجميع بصمتٍ كُلٌّ لغرفتهِ. أنا و زميلٌ آخر, كُنّا نسكنُ في نفسِ الغرفة مع هذا التافه, فلم نتطرَّق لهذهِ الحادِثة قط. و حاولنا أن لا نُثير غضبهُ أو نجعلهُ يشعر بالإذلال و المهانه, بسببِ ما حدث. و عشنا لسنين في قلقٍ شديد من خوفآ من عواقبِ هذهِ الحادثة الخطيرة جدّآ. رشيد زميلنا العظيم, سافر الى بلاد الله, فيما بعد. و مُنذُ تلكَ اللحظة, لم ينطق ذو العشيرتين بذلكَ الموضوع بعد ذلك قط. فأنا و الآخرون نشكرهُ و نشعرُ بالإمتنان لهُ, لأنَّهُ لم يكتب. و رُبَّما أدركَ هوَ جيدآ, بِأنَّهُ هو و عائِلتهُ سيكون ضِمنَ الذين سيتِمُّ الإنتقام منهم و سلخهم. و لكن – دعنا نعترف - بِأَنَّ الفضل الأول, كان لتهديد رشيد لهذا الحقير, بأَنّهُ لن يرى النور, و ليس لأخلاقِهِ. و لسوء الحظ أُجبرتُ للسكن معَ هذا الحقير, عند الأنتقال لمدينةٍ أخرى, للدراسةِ في الكُلِّيةِ. و لقد سبّبَ لي سوءُ الحظ ذلك, الكثير من الأذى. و منهُ سرقة مصرفي مع أحد " الزعران ", من مدينة اللاذقية, و الذي كان يسكنُ معنا في الغرفة. ذلكَ المصرف الذي أرسلهُ لي والدي بصعوبةٍ. فأضطرَرتُ لبيع بعض البنطلونات التي إشتريتُها من السوق الحُرَّة, كي أعيش. و لم أَمُدَّ يدي لأحدٍ و لو إقتراضآ. حتى فتحَ اللهُ بابهُ الكريم. فتمّت الموافقة على منحي البورصة الدراسية. فأصبحَ الجميع أصحابي. و توافدوا لي زُرافاتٌ و وِحدانٌ, لإلتماسِ المُساعدة. هذا تأخّرَ قسطهُ الجامعي بالبنك, و ذاكَ أنتهى مصرفهُ و ينتظر وصولهُ بعد يوم يومين. و أحدهم من بلدٍ " شقيق ", أصبحَ صديق العمر. و كان يقولُ لي: عندي سبعةُ أخوةٍ و أنت ثامنهم. حتى موظَّفات الكُلِّيةِ, كُنَّ يعتقِدنَّ إنّنا أخوة. بينما كان أخوتهُ لا يكُفّون عن الأطراء و الشكر لي. و كان هوَ و أبناءُ مدينتهِ شِلَّةً, يذودونَ عن بعضهم و يعتبرونني واحدآ منهم. ولو لم أُساعد هذا الصديق في دفع أقساطهِ الجامعية, لَفقدَ الحق في الإشتراك في الأمتحانات و رُبَّما حتى الرسوب, كما حدثَ معَ البعض. و كانَ يُعيدُ لي الدَين, حالما يصلهُ المال الذي كان يُرسلهُ لهُ أخوتهُ الميسورون. و لم يُعطني هذا الصديق سِوى الصداقة و الإطراء. و الرجل هو الآن, طبيبٌ في مكانٍ قريب. كانت الطِيبة و السذاجة و الغباء وحسن الأخلاق و هوس الكرم الحاتمي و حب الخير للآخرين و حب و الرغبة الحقيقية في مُساعدةِ الآخرين, هي التي كانت وراء هذهِ الطِباع غير السوية و التي تُثير السُخرية الشديدة من البشر الأسوياء من حولي. كُنتُ أُحاول شراء الأصدقاء بالمال. و أصبحت غرفتي مضيفآ على طريقةِ أهل القُرى. و لكن كان كُلِّ شيءٍ قد راحَ هباءآ منثورا!! و لقد كان ذلكَ القزم, زميلي في الدراسةِ و في السكن, يتّكإءُ على عُصبةٍ من الشباب. و رغمَ إنَّهُ إمتنع عن حديث النسب الذي يُثير أحتقار الناس لهُ, لكنَّهُ تظاهرَ بنسبهِ ذاتَ مرَّةٍ أمام قُنصلٍ عراقي زارنا: أمامكَ فُلان من أقرباء السيد الرئيس. و بينما لم يجُف حبرُ قلمهِ عن الكتابة, و كان أحدُ أهم أسباب خوفي الدائم من الأعتقال, كان يهمسُ للبعض من الإيرانيين و من حركة أمل, بأنَّ فُلانَ مع النظام, حتى يعتدونَ عليهِ؟؟!! و بذلَ كُلَّ ما يُمكنهُ أن يُؤذيني و يجعل أفشل بالدراسة و أعود. ذلكَ إنَّهُ كان يموتُ غيضآ لأنَّني أحسنُ حالٍ منهُ في دراستي. كان حقودآ حسودآ, يهوى إيذاء الآخرين. و الجميع يعرف بهِ, بأنَّهُ سافل كاتب تقارير. لا يكتبُ و لا يُؤذي الآخرين, بلسانهِ أو بقلمهِ أو بِكِلاهُما, و يقبلُ أن يكونَ عميلآ لهذا أو لِذاك أو لهذهِ الجِهة أو لتلك, من الداخل ( الوطن ) أو من الخارج, إلا إبن الحرام, السافل, عديم الأخلاق, و من حثالات البشر. و ملعونٌ في الدُنيا و الآخرة. أيٌّ كان هوَ و إبنُ مَن يكون, و في أيِّ موقعٍ يكون. و لقد كان هُناكَ الكثير من الكِتّاب بين الزُملاء. إذ ذكر الكاتب الأمريكي الكبير و صديق الرئيس الأمريكي الأسبق جون كندي, بأنَّ صداّم حُسين, حوَّل العراق الى غابةِ مُخابرات, فكُلِّ ثلاثِ عراقيين, كان رابعهم جاسوسآ لصدّام عليهم. ذكر الكاتب المذكور هذا الكلام, في كتابهِ " حرب الخليج - الملف السري ", و الذي أصدرهُ بنسختهِ الأنكليزية في شهر تشرين الثاني " نوفمبر " سنة 1990, في عِزِّ أزمة الخليج. و الذي ترجمهُ الى العربية, كاتب المقال. ذلك الكتاب الذي إقتطفَ منهُ الكاتب العربي الكبير مُحمّد حسنين هيكل, صديق الزعيم العربي الكبير, جمال عبدالناصر, الكثير من الفقرات, في كتابهِ " حرب الخليج أوهام القوّة و النصر ". و الذي أصدرهُ في مطلعِ سنة 1992. و لقد بلغني أخيرآ بأنَّه - أي زميلي ذلكَ طيِّبُ الذِكر- قد أصبح طبيبآ مسؤولآ. و لكِّنَّهُ يتعبَّدُ كثيرآ, و يتَّكأُ, كالعادةِ, على حائطٍ قوي.

سعيد: سأُُّكملُ حكايتي عن شقيقتي: كُنتُ لا أُُُريدُ لعزيزتي الغالية, أن ترعى الغنم. هكذا أمرتُ الأهل. كُنتُ عَلَمآ يُشارُ لهُ بالبنان في منطقتي بالعراق, بين أقراني جميعآ و أساتذتي و الناسِ في قريتي و القُرى المُجاورة. و كُنتُ سُلطانآ في البيت. بينما كان الأهلُ يحبُّونني حدَّ التقديس, و لا يُرِدُّون لي طلبآ. و هذا ما كان. و لكن ما لم يتقّبلهُ الوالدان, هو ما أقترحتهُ لهم ذاتَ مرَّةٍ: أن نُرسل أختي لتدرس في المدرسة مع الأولاد. أنت مجنون, كيف تدرس, و لا توجد مدرسة بنات في قُرى بني ركاب كُلِّها. كما إنَّ أقربَ مدرسةٍ هي المدرسة التي درستُ أنا فيها. و هي في قريةٍ بعيدةٍ عن قريتنا. ثُمَّ إنَّها مدرسة أولاد, و ليس فيها بنات. ناهيك, عن إنَّ أغلبية الأولاد الذكور في القرى, لم تسمح لهم الظروف كي يتعلَّموا القرءة و الكتابة في المدرسة. فكيف يتم إرسال البنات ( العورات ) اللواتي يُنظر لَهُنَّ, بِأَنَّهُنَّ بمستوىً دونَ مُستوى الرجال بكثير!! لم تكن صغيرتي سوى طِفلةً ملحاء قربية من السواد ضعيفة البُنية, لا تُثير إنتباه أحد. و لكِنّ القرد بعين أُمِّهِ غزال. و كانت ستخدمُ في بيت أهلها في كُلِّ شيءٍ. و عند بلوغها سن الزواج ( بعد سنِّ الثالثة عشر ), سيرميها أهلُها - كما هو مُعتاد في الريف - لأولِ شابٍّ سيتقدَّمُ أهلهُ لخطبتها لأبنهم على سُنَّةِ الله و رسولهِ. و ستترك ألعابها عندَ والدتها, و هي تبكي دمآ لفراقِ أهلِها. و ستجدُ نفسَها في بيتٍ غريبٍ كبير. و ستتحوّلُ الى مُجرَّدِ خادمةٍ مُهانة من هذا و ذاك. و نصيبُها و زوجها, ليس أكثر من حجرةٍ من الطين. و ستتحوّلُ الى مفرخةِ أطفالٍ. هذا أذا ما طُردت لأهلها طليقةً ذليلة. أقسمتُ بأنَّ غاليتي هذهِ لن تكونَ ذليلةً لأحد, مادمتُ حيآ.ّ و ستدخلُ المدرسةَ لِتتعلَّم حتى و لو معَ الأولاد. و هكذا كان. بينما كان مصيرُ إختي الكُبرى مُغايرآ تمامآ. و صادف أن تمَّ إفتتاحُ مدرسةٍ أقرب إلينا من سابِقتها. و قُبلت فيها بضعُ فتياتٍ من القُرى القريبةِ جدآ للمدرسة, فكانَ ذلكَ فألُ خيرٍ لي و لشقيقتي الغالية. إذ كانت هي و مَن يُرافقها, تقطع المسافة الطويلة من بيتِ أهلِها الى المدرسةِ مُرغمةً هي و والديها, تلبيةً لرغبةِ أخيها الكبير " السلطان! ". و قد كانت شقيقتي الصغيرة الأولى و الوحيدة, بين فتياةِ قريتي و القُرى المُجاورة التي أصبحت تلميذةً في المدرسة. و كان مديرُ مدرستها, الذي كان سابقآ مديرُ مدرستي, يجلب صغيرتي بعدَ الدوام, على دراّجتهِ خلفهِ. بينما كان يمُرُّ بدارِنا في طريقهِ لتدريسِ النساء و الرجال من القرويين الأُميِّين. فهذهِ هي أختُ التلميذ الشاطر المحبوب فُلان. و على ذِكر الأميّة, أنا ساهمتُ في هذا الجُهد. فأضافةً لتدريسِ البعض من زملائي لمُساعدتِهم في أداءِ واجبِهم المدرسي, كُنتُ أُلقِّنَ البعض الآخر من غيرِ الدارسين, أصول القراءة و الكتابة. كُنتُ أمامَ خصمٍٍٍ مُثَقَّفٍ و لديهِ إلمامٌ واسعٌ في أمور الدين. فاجأَني حُسين, عند زيارتهِ لي للسلام في أحدِ زياراتي للأهل. قالَ أتعرفُ من علَّمني القراءة و الكتابة؟ قُلتُ و لماذا تسألني؟ أكيد كُنتَ قد دخلتَ المدرسة مثلي, و فيما بعد دخلت معهدآ دينيآ. قالَ أنسِيتَ؟ أنتَ هو الذي علَّمني القراءة و الكتابة. سنة كاملة, و أنت تُدَرِّسني. مرّةً في بيت أهلك و مرَّةً في بيتِ أهلي. قُلتُ: لا و الله لا أذكر, اليوم أمس.
مجيد: و بعدَ مُعاناةٍ طويلةٍ معَ أبن الحرام هذا, مَكنَّني الله, أن أُقنع الدكتور مسؤول الأقسام الداخلية, لنقلي لقسمٍ داخلي ثانٍ و أعطاني غُرفةً لوحدي. و لقد أصبح هذا الدكتور فيما بعد إستاذآ كبيرآ, و رئيسآ للجامعة. ثُمَّ وزيرآ للصحة. و لازالت علاقتي بهِ طيبةً حتى بعدَ التقاعد. و لقد إلتَّفَّ حولي زميلٌ جديدٌ من نفسِ محافظتي. طالبآ العون في هذهِ المشكلة و ذلكَ الأمر المُستعصي. فكُنتُ بطيبتي التي تربّيتُ عليها و سذاجتي القروية, أُعاملهُ مثلَ أخي إبنَ أُمي. حتى إنَّني كُنتُ أقولُ لأخوتي, يليتكم كُنته بالقُربِ منّي, لأُساعدكم بقدرِ ما ساعدتُّ ذلك الزميل " الصديق!! ". إذ كان ذلكَ الزميل, يسكنُ مع ثُلّةٍ من الزملاء العراقيين الأشقياء في نفسِ الغرفة يشكو لي دائمآ, من سوءِ مُعاملتِهم لهُ. و كانوا يُنادونهُ " بالشجرةِ الخبيثة ". و أطلقوا عليهِ إسمآ, رافقهُ حتى اليوم, إشتهرَ بهِ, و هو " عبدالنِبي ". و لقد كان أحدهم يُدعى " مأمون ". و يُسمُّونهُ هم بالمُخابرات. إذ قيل لي, بأنَّ أخوتهُ كانوا موظّفين في مُخابرات النظام. و كان - رحمهُ الله - إنسانآ شِرِّيرآ, تجَرَّعَ منهُ " عبدالنِبي " الويل. و سيرد الحديث عنهُ فيما بعد. و لقد تعاطفتُ معَ " عبدالنِبي " هذا, خاصةً و إنَّني قد خرجتُ للتو من حالٍ شبيهةٍ. فأضفت سريرآ ثانيآ في غرفتي. و قلتُ ل " عبدالنِبي ": أنتَ مِثلَ أخي, تعالَ لتستريح و تقرأ و تنام في غرفتي متى شئتَ على الرحبِ و السِعة. و هذهِ الثلاّجة التي لا تخلو من الأكل, إفتحها و كُل و أشرب كُلَّما شعرت بالجوع. و شيئآ فشيئآ, نقلَ " عبدالنِبي " أغراضهُ الى غرفتي و أستقرَّ عندي. كان يجدُ الثلاجَّه مليئةً بالأكل فيأكل. و لكِنَّهُ لم يجلب معهُ و لو مرَّة واحدة, أيَّ شيءً ليضعهُ في الثلاّجة. كان شابّآ و سيمآ أنيقآ, و لكِنَّهُ كان جِلفآ بخيلآ جدآ. و كُنا نحن الطلبة, قد إعتدنا أن نتناول غداءَنا في مطعمٍ يطِلُّ على قناة المدينة النهرية. فكانَ عبد النِبي, ينتظرني و لو لساعاتٍ, ليرجوني كي أدفع لهُ الغداء. حدثَ ذلك لعشرات المرّات, و طيلةِ سنتين. و لم يحدث أن دعاني هوَ على الغداء. بحِجّة أنا عندي المال و هو لا يملك. بينما عرفتُ فيما بعد بِأنَّ عائلتهُ ميسورة الحال جدآ!! و كانَ يتظاهر أمامي بالمسكنةِ و التودُّد, و يُردِّد ضاحكآ ألم تقُل أنتَ إنني أخاكَ. ثُمَّ يُضيف: أقولُ لكَ أنا بأنكَ أخي الكبير و أبي و أمي. بينما كان والداهُ يُرسلان لي كُلَّ آيات الشكر و الأمتنان و الأحترام. و يُؤكِّدان دائمآ, بأنَّهم و الله, يدعون لي في صلاتهم, جنبآ الى جنب مع الدعاء الى ولدهم. و أنهم لن ينسوا فضلي هذا الكبير جدآ على ولدهم. و طبعآ, من المعروف أن الوالدين لا يدعوان إلاّ لأولادهما أو لمن يُسدي إحسانآ كبيرآ لأيٍّ من هؤلاء الأولاد. و هما - أي والِدا عبدالنِبي - يُردِّدان أنشاء الله, سنُعيد لكَ الجميل, عندما ستعود الى الوطن. و أنهيتُ دراسة البكلوريوس. و كان من المُقرَّر أن أُسافر للعراق. و قبلَ سفري, بقليل, إستعملتُ علاقاتي, لإدخال أسم عبدالنبي في غرفتي ليكون هو وريثي فيها و صاحبها من بعدي. و أرسلتُ ما يُقارب السبعون كتابآ من كُتبي العِلميةِ في البريد. لتسبقني الى العراق. و قبل السفر بيومين, نصحني الأهل و الآخرون, بالبقاء لأكمالِ الأختصاص. فأعِدّتُ بطاقةَ الخطوط الجوية العراقية. بينما وصلت الحقائب التي تحمل الكُتب الى الأهل في العراق من دوني. و عدِّتُ أدراجي بحقائبي الى مدينتي و الى غرفتي التي أصبحت غرفة عبدالنِبي. و لكِنَّني فوجئتُ بهِ يصفعني بكلامهِ الذي لا يقولهُ إلا فاقد الغِيرة و الأخلاق. قالهُ و بِكُلِّ صلافةٍ و نذالةٍ و قِلَّة حياء: لا أستطيع أن أستقبلكَ في غرفتي, فالسرير الثاني ( الذي كان سريري ) أصبحَ سريرَصديقتي. فذهبتُ لأحدِ الزملاء الذي إستقبلني في غرفته, الى أن أُُكمل الأجراءات و أحصل على غرفتي الخاصة. و بعد وقتٍ قصير, عفوتُ عن عبدالنِبي و عادت العلاقات الطبيعية و لكن غير الودِّية. الشيء المُفيد و المُريح جدّآ لمن يُصاحبني و يستغِلَّني, هو إنَّني أعطي دون مقابل. و لا أُريدهُ أن يرُدَّ الجميل بمثلهِ, بل فقط أن لا ينكر الجميل. بينما تجد الناس يأكلون رأسكَ و يمِنّون عليكَ أيما مِنّه, من أجلِ مُساعدةٍ بسيطةٍ في أمرٍ. يا ألهي كم ساعدتُ الناس دون مقابل, في أمور الحياة المُختلفة, هُنا في بلاد الأغتراب. و فوق ذلك لم أرَ منهم سِوى نكران الجميل, بل و الغدر و الشر.. و فيما بعد رزقني الله من فضلهِ. و أنا و بشهادة ربِّ العباد, لا أملكُ إلا الحلال و فقط ما أكسبهُ بعرق الجبين. و ساعدتهُ - أي هذا النذل عبدالنِبي - عشرات المرات فيما بعد. و تمضي السنون. و يزورهُ والدها أكثر من مرّة و لم يسألا عنّي أو يُسلِّما عليَ قط. و ذات مرَّةٍ أحتجتهُ لأمرٍ ما, و كان بإستطاعتهِ, فلم يفعلها. قال لي أمهلني يومآ. ثُمَّ عاد و قال: لا ترضى زوجتي. " فحسبكم هذا التفاوتُ بيننا, فكُلُ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ. " و عبدالنِبي هذا, كانَ قد علَّم عائلتهُ الجديدة مثلهُ. فهو عندما تكون لهُ مصلحةً عند شخصٍ ما, يدخلُ تحت جلدهِ. و يجعل زوجتهُ هوَ أن تدخل تحت جلدِ زوجة ذلك الشخص, و تصبح صديقة عمرها. و يجعل أولادهُ أصدقاء لأولادِ ذلك الشخص. و الأتصالات ليل نهار و اللقاءات و دعوات الغداء و العشاء. و ما أن تنتهي حاجة عبدالنِبي لهذا الشخص. سيختفي هوَ و ذووهُ, مِثل فص مِلح و ذاب. هو يُحاول أن يكسب أقصى الكسب من الآخرين, و لكنَّهُ يبذلُ أقصى الجهود أن لا يجعلكَ تستفيدأيَّ شيءٍ منهُ ز و أنا أتحدى أ]َّ شخصٍ يقول بأنَّ عبدالنبي أفادني في شيءٍ ما. هو يُغريكَ بإبتسامتهِ و فُكاهاتهِ ليضحك عليك, ثُمَّ يترككَ للكلاب. ولقد أدر كتُ بإنَّ , زملاءَ عبدالنِبي, لم يخطؤوا قط عندما أسموهُ بهذا الأسم, أو عندما نادوهُ بالشجرة الخبيثة
سعيد: و سافرتُ للدرسةِ بالخارج. و رغم إنّني من عائلة’ٍ مُتوسّطة الحال, لا فقيرة و لا غنيّة. إلا إنَّ والدي و والدتي. لم يبخلا لا عليَ و لا على بقيةِ أخوتي, بكُلِّ ما يملكان. كانا مُناضلين عظيمين حقآ. إذ ساعدانا أن نُكمل تحصيلنا الدراسي الى مُستوياتٍ عُليا. كان والدي ذلك المُناضل الذي أفنى حياتهُ في سبيلنا, كي لا نجوع و لا نعطش و لا يُذِلَُّنا أحدٌ. كانا لا يأكلان حتى نشبع, و لا يشربان حتى نرتوي. علَّماني الوفاء. فأنا في صُلبِ أخلاقي الوفاء. و أبغض عديمي الوفاء و ناكري الجميل, و لن أرحمهم. و كان والدي يبكي ورائي مِثلَ إمرأةٍ, في كُلِّ مرَّةٍ أتركهم للسفرِ للخارج حيثُ دراستي. و لقد قالَ لي في آخر لقاء و هو باكيآ: أخافُ ياولدي أن لا أراكَ بعد اليوم. و هكذا كان. إذ مات والدي بالسكتة القلبية, و هو يقف بالحقل. أراد أن يرحل دونَ أن يكون عالةً على أحد. هو كان يعطي و لا يأخذ. هكذا أنا تعلَّمتُ منهُ العطاء دونَ مُقابل. و لقد أخفوا عني خبرَ وفاةِ والدي لثلاثِ سنواتٍ. كُنتُ أراسلهُ فيها و هو يُجيبني برسائلهِ على كُلِّ أسئلتي. و لم نُوفِهِ نحنُ أبناءهُ, و لا حتى بذرّةٍ مِن دَينِهِ العظيم علينا. و نساهُ بعضُنا حتى بزيارةِ قبرهِ و الدعاء لهُ. و والدتي تلكَ الأم العظيمة الحنون, التي كانت إمرأةً و رُجُل بنفس المقام. و كانت شُعلةً في البيت و الحقل. هي التي حرصت على تربيتنا خير تربيةٍ, إلاّ مَن عَقَّ. و حرصت, و هي الأُميَّة, أن نكونَ ناجحين مُتفوِّقين في دراستنا و حياتنا. و بعد بُضعةِ أشهُرٍ من سفري لأولِ مرَّةٍ للدراسةٍِ بالخارج, عِدتُّ للبيت باكيآ. و قُلتُ لوالدتي, بأنَّني لن أعود للدراسةِ في الخارج. فهذا الأمرُ فوقَ طاقتنا. فقالت لي بعزمِ الرِجال الرِجال, و ليس كما تفعل صِغار النِساء. قالت: عُد ياولدي, فوالله لوأُضطُرِرَّتُ لأقطع لحمآ من لحمي, كي تُكمِلَ أنت دراستك, و أن لا تعودَ خائبآ و تُشمتُ الناس فينا. عُد ياولدي, و الله سيكون بعونك. و لو لم تقُل والدتي كلِمتها هذهِ و تقف موقفها العظيم ذلك, لكان مصيري غير مصير. و لَكانَ مصيرَ أخوتي, غير ما هم فيهِ, بِكُلِّ تأكيد. طبعآ, ما قالتهُ كان شِعرآ حماسيآ. و لو لم أسعى أنا و لو لم يرزقني اللُه من فضلهِ, لكانت الأمور على غيرِ ما يُرام. و لكِن, " على قدر أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ و تأتي على قدرِ الكِرام المكارمُ و تعظُمُ في عينِ الصِغيرِ صِغارُها و تصغرُ في عينِ العظيمِ العظائِمُ ". لقد كُنتُ وفيَّآ لأهلي, أُعاني لمُعاناتهم. و أُحاولُ بما أستطيع أن أُساعدهم و أُفرحهم. و خاصةً أخوتي, و على رأسهم صغيرتي الغالية, التي أصبحت تلميذةً, كما شئتُ و كما أراد الله و شاءت الأقدارُ. كُنتُ في كُلِّ سفرةٍ لي للعراق, أجلبُ معي ثلاثَ حقائبٍ كبيرةٍ مليئةٍ بالهدايا لهم. إذ كانت الخطوط الجوية العراقية آنذاك مُتساهلةً معنا. و كم كُنتُ أُعاني مصاعب الطريق, و أنا وحيدآ أسحلُ بهذهِ الأحمال الثقال, بين المطارات, و مواقف السيارات. و حيثُ أهلي مقطوعين عن العالم في القرية, فلم ينتظرني و لا مرّة أحدٌ منهم قط. و في أكثر الأحيان كُنتُ أصلهم ليلآ بسيارةِ الأجرة. و ذاتُ ليلةِ شتاءٍ, تركتني سيارة الأجرة و أحمالي الثِقال, مسافةُ رُبعِ ساعةٍ مشيآ على الأقدام, و عادت أدراجها الى المدينة. لأنَّ الطريق لم يكُن سالكآ للسيارات. فكُنتُ أنقلُ الحقائبَِ حقيبةً حقيبة, لمسافةِ مئةِ مترٍ, ثُمَّ أستريح. و هكذا حتى وصلتُ الى بيتِ أهلي. و لكن, بدلآ من خمسةِ عشر دقيقة, إستغرقتُ فيها ثلاثَ ساعاتٍ. و ذاتُ مرَّةٍ, أرِدتُّ أن أُفرحَ أهلي. فذهبتُ لباب الشرقي لأُصرِّف عند المصريين ( هكذا قيلَ لي ), ألف دولار من مُدّخراتي, لأهُديهِ للأهل. فأخذني المصري لعراقيةٍ ضخمة الجثّة في الغرفة الخلفية لمحلِّهِ. و بينما كُنتُ أنا و المصري, ننتظر قدومها بالدنانير. و عندَ مجيئها, و أثناء عدّي لدنانيرها, باغتني رجال الأمن. إذ إتصلت هي بهم. و في دائرة الأمن تعرَّضتُ للضرب. وكادوا يُرسلونني لمحكمةِ الثورة, هكذا أبلغوني, بأنَّ عقاب المُتجارة بالعُملة الأجنبية, هو الإعدام. و لكانت نهايتي الأعدام, لولا عطف الله و ضابط الأمن, الذي قرأ وثائقي الدراسية و جوازي الذي أقتنع لوضعي و حالة عائلتي. و لقد قالَ لي ضابط الأمن الذي صفعني صفعتين حال وقوفي أمامهِ: أُقسم لكَ إنَّكَ ستموتُ شنقآ إذا ما فعلتَها ثانيةً. و معَ ذلك, راقبوا غرفتي طيلة الليل بالفندق. إذ جلس أحدهم على كُرسيٍّ قُربَ بابِ الغرفة. و لم أَنم ليلتها, كُنتُ أرتجفُ خوفآ و أبكي بهدوء. و لم أخرج حتى لِقضاءِ حاجتي. و كُنتُ أنتظرُ إعتقالي في أيةِ لحظةٍ. و في الصباح, لاحقني هذا الشخص مثل خيالي. إذ ذهبتُ من باب الشرقي حتى كراج النهضة, مشيآ على الأقدام. إذ خفتُ أن يعتبروا ركوبي لسيرة الأجرة عملية هروب. و كان هو يمشي ورائي عن قُرب, حتى ركِبتُ السيارة في كراج النهضة الى بيتِ أهلي في الجنوب. و راقبَ سيارة النقل حتى إنطلقت في الشارع العام. كُنت أراهُ بطرفِ عيني و أنا جالسٌ بالسيارة و أرتجف رُعبآ. و كم بكى والدي و والدتي يومها. و عِشنا أيامَ رُعبٍ. و في اليوم التالي, عُدتُّ الى بغداد لأكمال مُعاملتي في بغداد لأكمال معاملة السفر للخارج في التجنيد العامَّة. و بقيت ليلةً في بغداد للمُراجعة. فأعتقد أهلي بأنّني قد إعتقُلتُ ثانية. و جاء والدي لبغداد بصحة أخي. كان " يفتر " في مراكز الشرطة و مراكز الأمن بحثآ عنّي و هو يبكي مِثلَ إمرأة, ظنّآ منهُ إنّني قد أُعتقلتُ, بينما أنا كُنتُ أنتظر أكمال مُعاملتي في دائرة التجنيد العامّة. .
.................................................
و أنهيتُ دراسةَ الأختصاص في الشهرِ العاشر من السنة السوداء على العراقيين و العراق, أي سنة 1990. و كُنتُ أشعرُ بالزهو, بأنني أنهيتُ دراستي بتفوّق. و كنتُ أنتظر الوصول الى بلدي بفارغ الصبر, لأثبت للجميع جدارتي. و لأخدمِ الناسَ جميعآ, الأعداء قبل الأصدقاء و الفقراء قبل الأغنياء. و لكن, هذهِ مشيئة الله. و لقد نصحني الجميع, بألغاءِ أمر العودة تمامآ. فكُنتُ أقول: سوء الحظ جعلَ صدام يحتّل الكويت الآن, و لو تأخر لبضعةِ أشهر, لكُنتُ قد عُدتُّ الى العراق. كُنتُ أتفاخر أمام بعض الأساتذة و الزُملاء, و منهم إستاذي الذي أصبح وزيرآ للصحة فيما بعد: بأنَّني واثقٌ من نفسي بالنجاح في عملي في بلدي. فأنا كُنتُ مُناضلآ في دراستي و طاحونة دراسة. و لقد وضعتُ شهاداتي على " الرَّف ", و أشتغلتُ مِثلَ الآخرين, بالتجارة, و بشكلٍ بسيط. لقد ماتَ والدي بتأريخ 17/ 1/ 1989. و أخفى أهلي خبرَ وفاتهِ عنّي لبضعِ سنين. و لمشيئةٍ من الله, ولدت إبنتي البِكر يوم 17/1/1993. كم عانيتُ و بكيتُ لمعاناةِ أهلي و وطني. و بعد وفاة والدي, إستلمت والدتي المسؤولية الصعبة, في سنوات المجاعة أثناء الحِصار الأجرامي الظالم على بلدي العراق. كان على والدتي, تأمين المصروف و الأكل لأخي الذي كان في الكُلِّية و صغيرتي الغالية, التي دخلت دارَ المُعلِّمين. كانوا يأخذون طعامهم معهم الى أماكن سكنهم في الكُلِّيات, حالهم حالِ جميع الطلبة العراقيين آنذاك. و كانت والدتي مسؤولةً أيضآ, على تأمين عيشها معَ باقي أفراد العائلة. و لقد كانت مُناضِلةً على قدرِ المسؤولية. كُنتُ أتحيُّنُ الفُرصَ لأرسالِ بضعِ دولاراتٍ لمساعدةِ والدتي في محنتها. و عندما أرسلَ لي أخي ذاتَ مرّةٍ رسالةً مُأثِّرة. ذكر لي خجلهُ من زملاءهِ, أن يزورونهُ فيجدونهُ في بيتٍ غير لائق على الأطلاق. فبذلتُ المُستحيل. و جمعت ما أمكن, و بمساعدة الزميل المرحوم "مُعين ", أقنعنا أحد موظفي السفارة, و بصورة شخصية, بمساعدتنا, كي أُرسل معهُ بعض الدولارات الى الأهل. كما أرسلتُ مع والد مُعين عندما جاء لزيارة إبنهِ..
مجيد: جاءني ذاتَ يومٍ زميلي فاضل, و هو يكادُ يُقبِّلُّ يديَّ. و بعد مُقدَّمةٍ من المديحِ و الأطراء, قال لي: ما عندي إلآ الله و أنتَ. أي هو جعلني فوق الملائِكةِ و الأنبياء. قال لقد وجدتُّ محلآّ " لُقطة ". و لازم أدفع " سد قفلية ". و أريد تساعدني. أنت الأخ صاحب الغِيرة, و تدفع لي " المبلغ " المطلوب, و إنشاء الله خلال شهرين سأُعيدهُ لكَ. قُلتُ لهُ و لكنني عندي مبلغ قليل أشتغل فيهِ. قالَ الله يعوُّضك أضعاف. و هكذا كان. و كان يقولُ لي لقد فتحَ الله الخير عليَ و أنت صاحب الفضل الكبير. و أنا أربح ورقة أو أكثر يوميآ. و بعد ثلاث أشهر أعادَ المبلغ, و معهُ خمس أوراق هدية. و بعد بضعةَ أشهُرٍجاءني يتوسّل: الله يخليك و يرفع من شانك يا أعظم إنسان عرفتهُ الى آخرهِ من المديح. لقد وجدتُّ شقة " لقطَّة " و أريدك تساعدني. و بعد محاولاتٍ طويلة و توسّلات. و أنت أخي الكبير و ما عندي غيرك. و أنت أعظم إنسان الى إخرهِ. قُلتُ سأُعطيكَ المبلغ المطلوب, و لمُدةِ ثلاثة أشهر. و لكن بشرط, أن تُسجَّل الشقّة بأسمي. و كأَنَّهُ فوجىء, و لكِنَّهُ وافق. و تمت العملية. و لم تمضِ بضعةُ أسابيعٍ, و إذا بي أسمع بوليد و هو عراقي سكِّير, يُقارع الخمر و الُمُخدِّرات و يرتاد حانات القِمار. و لا يُصاحب إلا السفلة و العصابات. و هو اليد اليمنى لمعين. و معين هذا زميلٌ شرِّيرٌ, حسودٌ حقود. يُغيضهُ أن يرى زميلآ لهُ خيرآ مِنهُ. و وليد هذا أداتهُ لأيذاء الآخرين. و إذا بوليد يصدَح للحضور, بأنَّ مجيد يشتغل بالربى. هذا ما قالهُ فاضل. إذ دفع للأخير مبلغآ ليشتري بهِ محلاّ. و ها هو يشتري لهُ شِقةً. كُنتُ أفورُ من الغضب. و لقد أنتظرتُ مجيء فاضل, فقلتُ لهُ ياسافل ياواطي, لماذا تكذب على و أنا الأنسان الذي أكرمكَ, و الذي رفعتَ شأنهُ الى السماء, في كلامك. و عبثآ حاولَ الأعتذار. فقُلتُ له: لكَ مهلة أربع وعشرون ساعة, كي تُعيد المبلغ, و إلاّ سأبيع الشقّة. و بعد وساطةٍ تّمَ تمديد المُهلة, ليومٍ آخر. و جاء بشخصٍ أجنبي, سجَّلَ البيت بإسمهِ مقابل مبلغٍ شهري. و أنتهت العلاقة بيننا, مُنذُ أكثر من خمس و عشرين سنة, رغم مُحاولات رأب الصدع الفاشلة. و مُنذُ ذلك الحين, أصبحَ وليد عدوآ يُهدِّد و يتوعَّد. و رئيسهُ مُعين قطعَ السلام. ذلكَ حدثَ دونَ سببٍ و لا جريرةٍ منّي. فأنا يعرفني الجميع, شخصٌ مُسالمٌ. لم أُأذي أحدآقط, بل أنا أُسارع لمساعدةِ الآخرين. أنا على ثقةٍ, بأنَّني سأُقابلَ ربّي و كتابي على يميني. لأنَّ ذنوبي ليست من كبائر البذنوب التي يقترفها الكثير من الناس المُنافقين, و الله أعلم. ناهيك عن شخصٍ ساقطٍ و إرهابي, يتحرَّش بالناس, مثلَ وليد. يذودُ عن حمى ربِّ العالمين!! كُنتُ أبتعدُ عنهُ كما أبتعدُ عن إبليس. و ذاتَ مرّةٍ كُنتُ أقفُ أمامَ محلّي: فهاجمني وليد فجأةً و دونَ سابق إنذار, و كان مخمورآ و تحت تأثير المُخدِّرات,. فإستعملتُ بخّاخآ مُخدِّرآ للأعصاب, فوقع مغشيآ عليهِ يصرخ. و اذا بشخصٍ يُهاجمني من الخلف و يطرحني أرضآ. كان ذلك شخصٌ فاشل و أفعى رقطاء, و يحترقُ غيضآ من الحسد. و هو من جماعة مُعين. و لكن في هذهِ اللحظة أجتمعَ حولي مجموعة كبيرة من الأشخاص و هم من بلدٍ مُجاور للعراق. و منعوا أيَّ أحدٍ من الأقتراب منّي. و كان المحل بيدِ أحدهم. و لقد هدَّدني هذا الساقط وليد, بأنَّهُ سيأمر أصحابهُ من عصابات المُخدِّرات ليقُطِّعونني أنا و أبنتي و زوجتي و يروموننا للكلاب. و لن يجدنا أحدٌ أبدآ. تمامآ مثلما حدثَ لمُراد. و مُراد هذا من بلدٍ مجاور للعراق. و كان صاحب مكتب تصريف أختفى ذات ليلةٍ من شقَّتهِ في أواخر التسعينييات, و لم يجدوا لهُ أثرآ حتى يومنا هذا. و كُنّا نتعاون في مجال تصريف العُملة. و لقد قِدتُّ أنا حملةً للبحث عنهُ و الأتصال بجميع الدوائر العُليا, بما فيها رئاسة البلاد و سفارة بلادهِ. و لقد وصلتني الرسائل من رئاسة تلكَ الدولة, و الإدعاء العام و رئاسة الشرطة الى إخرهِ. و لقد سبَّبَ لي هذا العمل, مخاطر, كادت تودي بحياتي. و منذُ تلكَ الليلة, أخذتُ زوجتي و طفلتي الى مكانٍ آخر آمن لننامَ فيهِ ليلآ. رغمَ تواجدي بين الناس نهارآ. و ذاتَ يومٍ, إتصلَ بي مؤجر المحل الذي أُُعتدي عليَ ببابهِ. و طالبني بالحضور فورآ, لأمرٍ هام. إذ قالَ لي: لقد جاءني وليد و كان غاضبآ, و كان ينتظرهُ شخصٌ إخر. و لم يقل مَن هوَ الشخص, و لكنني أدركتُ مَن يكون. و قال لي المؤجر, بأنَ وليد يُريده, أي يُريد المؤجر ليذهب معهُ و يُوقّع معهُ عقد بيع و شراء المحل, و إن وليد سيدفع لهُ مبلغآ مُعينآ, رغم إنَّ المؤجر ليس مالكآ. و المعروف إن وليد لا يملكُ مالآ, فكُلُّ ما يملكهُ يرميهِ في صالات القِمار التي يرتادها يوميآ. و ليس من الصعب الحدس, من هو صاحب المال الذي سيدفع لوليد. فقُلتُ للمؤجِّر: الساقط وليد و من معهُ و أنت ستدخلون السجن و سيتِمُّ إلغاء عقد البيع. و لقد فكّرتُ بقصةِ شقِّةِ فاضل, و فيما إذا ما كانت بالتنسيق مع وليد و مُعين للأيقاع بي, و لكنَّني أبطَلتُ المؤامرة, بتسجيل الشقة بأسمي. المهم من هذهِ الأحداث, هو كل هذا الأذى الذي لحقَ بي, و من ثُمَّ السرقة التي تعرَّضتُ لها فيما بعد, و التي أشكُّ بأنَّ لوليد علاقةً بها, هي بسببِ عملي للخير و أحسن خير. فلم يكُن جزاء الأحسان بالأحسان. بل إنَّ عملي للخير, لم يجلب لي غير الأذى الكثير. فإتقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليهِ! كانَ الأذى الذي لحقني من وليد و مَن كان مِن خلفهِ لا يُوصف. هكذا, و بدونِ أدنى سبب. و لم أدعُ في صلاتي على شخصٍ. لقد إستمريت أدعو على وليد هذا في صلاتي, بأن يكفيني الله شَرَّهُ. و يعاقبهُ بقدرِ الأذى و الشتائم التي كالها لي. و أنا الأنسان الذي لم يُؤذِ أحدآ قط. بل ما عاشرني أحدٌ إلاّ رَبِحَ و لم يخسر. فلسوءِ حظّي, فأنا أعرفُ أن أعطي و لا أعرفُ أن آخذ!! و الله يرى كُلَّ شيء. و مضت سنواتٍ قليلة, و طُرد هذا الساقط وليد الى العراق, إذ كان يجلسُ بشكلٍ غير قانوني. كما إنَّ الشرطة كانت تعرف علاقاتهُ المشبوهة. و هُناك في العراق, عاقبهُ ربُّ العِباد العقاب العادل, الذي يستحِقَّهُ.
.............................................................................
سعيد: في بدايةِ الألفية الثاني شاركتُ في مُؤتمر المُغتربين. إذ عُدتُّ للوطن و الأهل, بعد غيابٍ إستمرَّ أكثر من أربعةِ عشرِ سنة. و لقد جلبتُ معي زوجتي الأجنبية و طفلتي. و إستمرَّ المؤتمر شهرآ كاملآ. و تمَّت إستضافتنا طِيلة فترة المؤتمر في فِندق الشيراتون. إذ كانت شقَّتي في الطابق السادس, مُطِلَّةً على نهرِ دجلة. و لقد شارك في الإجتماعات المُتكرِّرة, جميع قادة البلد إنذاك, عدا رئيس الدولة. ناهيكَ عن الإجتماعات الجانبية مع الوزراء. و الحضور البارز للوزير الفذ, و أقصد وزير الخارجية. و لقد زرنا الكثير من المرافق و المُنشآت و الجامعات. و رأينا الدمار الذي حلَّ ببلادِنا. و لقد بكيتُ مِثلَ إمرأةٍ على ما رأيتُ و ما سمعتُهُ من شرحٍٍ عن المآسي التي حلَّت ببلدي. كما زرتُ الأضرحة في كربلاء.
حضرت والدتي الى بغداد برفقةِ أخي العسكري, مُنذُ اليوم الأول لوصولي. بينما كان أخي الثاني قد جاءني الى الخارج, قبل قدومي ببضعةِ أشهرٍ. إذ تركتهُ مكاني لأدارة مكتبي. و لقد حجزتُ لوالدتي و لأخي الذي كان يتردَّد علينا, و أختي الصغرى غاليتي. حجزتُ لهم شقةً في فندق بغداد. و كانت تلكَ الشقيقة ترافق والدتها مِثلَ خيالها. تلكَ الشقيقة الغالية, التي أصبحت مُعلِّمةً شابّةً تقتربُ مِن سِنِّ الثلاثين. و لكِنّها كانت نحيلةً حزينةً ضعيفة, لا تفارقها الدموع. و كانت تَتَعلَّق بأذيالِ و الدتي, مِثلَ طِفلة. بينما كُنتُ أرى بوضوح, كيف كانت والدتي , تحبُّها حُبّآ جمَّآ, أكثر مِن حُبِّها لأيٍٍّ من أبناءِها الآخرين. كانت والدتي توصيني بها كُلَّما سنحت لها الفرصة. هذهِ أختُكَ الغالية عندك و التي قُلتَ إنّكَ تحُبّها أكثر من أمِكَ و أبيك. و التي أردتَ لها حالآ مُميَّزةً. و وعدتَّها خيرآ. أختكَ التي أحبتكَ كثيرآ و أمضت السنين, تبكي لفراقك. و أختك تُعاني ليلَ نهار من آلام المعدة الحادّة. و ذهبتُ معها لأحسن طبيب. و لم يكشف فحص الناظور أي مرض. ماذا يُبكيكِ أيتُها العزيزة. و سقطت على صدري, شُبهَ مغشيآ عليها, و هي تبكي و تنحب. لقد فقدتُ الأمل, سأبقى عانسآ. كُلُّ زميلاتي تزوَّجنَ و نصيبي عاثر. و لا أريد أن أكون زوجةً لأحدٍ سيضعني في بيتِ أهله, خادمةً ذليلةً مُهانة. سأموت و لا أكون ذليلة عندَ الناس. لن تكوني ذليلةً خادمةً لأحد و أنا على قيدِ الحياة. بماذا أُساعدك؟ قالت بصوتٍ خافتٍ تخنقهُ العبرات: أُريدُ بيتآ. فأثنت عليها والدتي: بيتآ بسيطآ تسكن بهِ الى أن تقف على رجليها. قُلتُ لوالدتي: لا مانعَ عندي. سأترك مُدَّخراتي عندكِ و أنتِ تتصرّفين كما يجب. و لا تبخلي عليها بالمُساعدة من مُدَّخراتي التي ستبقى عندكِ. كما أرغب أن تشترين لي بيتآ شخصيآ لائقآ. كانت الأسعار رخيصةً جدآ في تلكَ الفترة, و لكنَّنا لم نستغل الظروف, لعدم الخِبرة. و لقد كُدنا نشتري بيتآ شخصيآ لي في مدينةٍ ثانية, و ذلكَ في فترة وجودي في بغداد, و لكنَّنا ألغينا الأمر في آخرِ لحظة. و لقد أهديتُ أختي الغالية الحزينة, هديةً ماليةً لا بأس بها. و مُنذُ ذلك الوقت, و حتى قبلهُ, إنهالت عليها الأوراق. منّي شخصيآ أو من والدتي , مِن مُدَّخراتي طبعآ.. إذ كان راتبها لا يكفيها حتى لشراءِ وجبتي كباب, كما قيلَ لي. و لقد بقيت هذهِ الشقيقة غالية أخيها مع والدتها في الفندق في بغداد, شهرآ كامِلآ. و هي الفترة التي أمضيتها أنا في المؤتمر. و لكنَّني - و مع الأسف الشديد - إستنتجتُ فيما بعد, إن سبب بقاء تلكَ الأخت " الحنونه ", ليس حُبّآ " بالحُسين " و لكن حُبّآ " بالهريسه "!! و عُدتُ, و لسوء حظَّي, فقد كان الأغتراب و الغياب الطويل, كانَ مِثلَ القبر للمُغترب. و لقد بلغني من أخي بعد بضعِ سنين. بأنَّهم قد أشتروا لأختي بيتآ. و لم أسألهم عن إجراءات التسجيل. لأنَّ المفروض أن يتم تسجيل البيوت بإسمِ والدتي. و بعد ذلك بفترةٍ قصيرة,, بلغني بأن شقيقتي الغالية تلك, قد تزوَّجت. و كان زوجها شخصآ لا أعرفهُ. ما لاحظتهُ أنا و بمرور الوقت, بإنَّ هذهِ الشقيقة قد إنقطعت عن مُراسلتني و مُنذُ زواجها. كانت تضع رسائلها الخاصةِ لي, جنبآ الى جنب مع رسائل أهلها لي. بينما كُنتُ أُعنوِّن رسائلي الى الأهل هكذا: الى الوالد و الوالدة, كيف حالكم, و كيف حالَ الغالية فُلانه؟؟ أي كُنتُ أُسلِّم على الأهلِ جميعآ بالجُملة, بينما على شقيقتي بالتخصيص. حتى هم, و عندما يذكرونها لي, يُسبقون إسمها بالغالية. كان أهلي جميعآ ينظرون لي بنظرةٍ أقرب للتقديس. الغريب في الموضوع, أن الإتصالات أصبحت مُيسَّرةً بعد السقوط. و كانت والدتي و أخي يتَّصلون بي و بأخي معي بإستمرار. إذ كانت المُكالمة لا تُكلِّف أكثر من عشرة آلاف دينار, تستطيع إستقطاعها من عشرات و عشرات الأوراق التي حصلت عليها منّي مُباشرةً أو مِن والدتي أيضآ من مُدَّخراتي. و بعد فترةٍ قصيرةٍ من السقوط, عدتُّ بزيارةٍ قصيرةٍ الى العراق. و لقد أُقترحَ إستضافتي في بيتِ زوجة أخي الموجود معي, في مدينةٍ مُجاورةٍ لمدينتي. و جائتني الوالدة, و كانت بصحبتها شقيقتي هذهِ. و التي كانت هذهِ المرَّة تشعُّ سعادةً و فرحآ, تمامآ بالعكس من حالها البائس عندما جاءتني بصحبةِ والدتها في بغداد قبلَ خمسِ سنوات. و كُنتُ أتوقّع - و هذهِ هي الأصول أن تأتيني - بصحبة زوجها لتقديمهِ لي. و لِتُذكِّره أمامي, قائلةً لهُ: هذا أخي الغالي الذي أحبني أكثر من الجميع و الذي غير وجه حياتي تمامآ تمامآ, عندما كُنت صغيرة. و لولاهُ لما دخلتُ المدرسة و لولا والدي و والدتي و كفاحهما و إصرار أخي على مُساعدتي أن أُكمل دراستي, في مُجتمع الريف, حيث ليس من المُمكن دخول الفتاة للمدرسة. و حتى لو كان ذلكَ مُمكِنآ, لن تسمح بذلكَ التقاليد. و لو دخلت الفتاة المدرسة, بقدرةِ قادر, فلن يتركها ذووها أن تُكمل حتى الأبتدائية. و ما بالكَ بِأنَّ أهلي ليسوا بأغنياء. و أكملتُ دراستي في أقسى أيام الحصار, لأصرار أخي الطيّب الشهم هذا, و كفاح أعظم أب و أعظم أم. و ها أنا مُعلِّمةً سعيدة " أد الدنيا ". و لم يتركني أخي حتى بعد التخرَّج. فهذا البيت الذي نسكنُ فيهِ ( يعني هي و زوجها. و هي هُنا تُخاطب زوجها ). هذا البيت الذي نسكنُ فيهِ هو من مالِ أخي و الأثاث في البيت هي من مالِ أخي هذا. و السيارة التي تركبها و تبيعها و تشتريها هي من المال الذي أعطاني إياهُ أخي هذا. فراتبي لا يكفينا حتى للأكلِ و الشرب, و إطعام الأطفال ( إذ هي أرسلت زوجها للمُتاجرة بالسيارات بالمال الذي جمعتهُ من أخيها الكبير المُغترب ). و هذا المال الذي تحملهُ أيُّها الزوج, في جيبك, لتذهب الى معارض السيارات لشراء السيارات و بيعها, هو من المال الذي أعطاني إياهُ أخي هذا. أ تعرف يا زوجي إنَّ أخي هذا لا مثيلَ لهُ في العراق كُلَّهُ. ستجد الأخوة يتعاركون و لرُبَّما يقتلون بعضهم بعضآ من أجلِ مِيراثٍ بائس ورثوهُ من أبيهم و أمهم. و لرُبَّما يطردون حتى والديهم الى الشارع. بينما ترك أخي مُدّخراتهِ عند والدتهِ و أخيهِ دون حساب, و سمح لها بشراءِ بيوت الى أخوتهِ و أنا أولهم, عكس الناس كُلِّها. و هو أمضى عشرات السنين كادحآ يشتغل يوميآ و بدون إستراحة و من الساعة السادسة فجرآ الى الساعة الثانية عشر عند منتصف الليل. دون أن ينام و لو ساعة واحدة في قيلولة بعد الظهر العراقية. إذ نمضي و الكثير من الناس, قيلولةً لخمس أو ست ساعات, تحت نسيم المُبرِّدات العليل. و أخي هذا يحرم نفسهُ الراحة, لكنَّهُ لم يبخل على أهلهِ. أذ هو عندهُ مكتب تصريف عُملة, و هذا عملٌ من أخطر الأعمال و أصعب الأعمال. أذ يعملُ أخي في خوفٍ دائمٍ و قلقٍ دائمٍ. و كم هوجم من عصابات اللصوص و كاد أن يفقد حياتهُ. و أخي هذا نظيفٌ مِثلَ ملاك. فلم يسرق و لم ينصب على أحد, بل جمع ما جمعهُ بعرق الجبين, فلسآ فلسآ, حلالآ حلال. و يشهد بذلك عشرات الآلاف من الزبائن و الناس الآخرين. طبعآ أُضيفُ أنا فلقد كُنتُ وقتها حزينآ. إذ تعرّضتُ قبل سنةٍ من ذلك الوقت, لسرقةٍ كادت تقضي على حياتي. و على أثرها أصبحتُ أُعاني من الضغط و ضعُفَ بصري. و لقد تعرّضتُ لِمشاكلِ أخرى مع اللصوص. أقول: حتى لو لم أعطِ أختي هذهِ فلسآ, و لم أكُن قد غيَّرتُ حياتها بأيِّ شكلٍ, و لو كان زوجها شيخَ العشيرة, و لو كان يملك الثروات, لكانَ من واجبها أن تستشيرهُ أن يأتي هو معها لزيارةِ أخيها المُغترب الذي عاد زائرآ, للسلام عليهِ خير سلام و لتحيتهِ خير تحية. و أذا رفض, فهذا شأنَّهُ. حدّثني ذات مرّةٍ زميلٌ مُغترب, قال: تصادفت عودتي للوطن في أحدِ المرّات, سفر شقيقتي و زوجها للعلاج في الخارج. فرفضت أختي السفر. و قالت: عندي رؤية أخي خيرٌ من صحتّي. قُلتُ لهُ: موقف عظيم. و لكن قُل لي: هل أشتريتَ لها بيتآ؟ قال: أنتَ مجنون. قُلتُ حسنآ, و هل أعطيتها مالآ . قال: لا و الله لم أعطها فلسآ واحدآ. و هل تُشترى الأّخوّة. قُلتُ: لقدَ ثبتَ لي إنَّ المال يهدم الأُخوَّة. و أنا أعرفُ هذا الزميل, جلفآ بخيلآ. كما قال: لقد تزوّجت إختي بغيابي شخصآ لا أعرفهُ و لا يعرفني, فجاء زوجها قبل الآخرين لأستقبالي في المطار, و لم نكن لِنتعرَّف على بعضنا بين الناس!! أ تعرفونَ ماذا حدث؟ لقد جلستُ في بيتِ مُستضيفيني حوالي الأسبوع. لقد كان زوج أختي هذا يَمُرُّ بهذا البيت يوميآ تقريبآ. و ذلكَ لِجلبِ زوجتهِ أو لزيارتها. و لكنُّه, كان يقف بسيارتهِ قرب باب البيت الذي كُنتُ فيهِ. و لم يأتِ قط للسلام عليَ. كُنتُ أنتظرُ تفسيرآ من أختي, و لكِنَّها لم تقُل شيئآ, و كأنَّ الأمرَ طبيعيآ جدآ. و لم أرَ أيةَ ردّةَ فعلٍ من والدتي. و لقد بلغني بأنَّ " نسيبي " هذا, كان يأتي في كُلِّ مرةٍ بصحبةِ أخية الأكبر. كما عرفتُ بأنَّ أخاهُ هذا كان مديرُ المدرسة التي كانت شقيقتي مُعلِّمةً فيها. طبعآ لم يأتِ للسلام أيٌّ منهما؟؟!! كُنتُ أفورُ من الغضب, و أشعرُ بالحرج من مُضيفيِّي. و لم أسأل شقيقتي مُتعمدّآ لأرى ردةَ فعلها. بينما لم تجد والدتي تفسيرآ. و شعرتُ كأنَّ الجميع كانوا مُحرجين و لا يملكون الشجاعة. قُلتُ رُبّما أنا أختلَّ تفكيري, و لم أعد أعرف الأصول. و لأولِ مرّةٍ شعرتُ بالأهانة و الخذلان, من قِبلِ الناس الذين كانوا يحبُّونني حدّ التقديس. و الذين كانوا لن يسمحوا بجرحِ مشاعري, من أيٍّ كان. و كان تفسيري للأمر, إنَّها تشعر هي أيضآ بالحرج و الإهانه, لكِنَّها كانت تخاف أن يهجرها زوجها. و لم تكن قبيحة. و لقد كُنتُ أشعر بأنَّ أختي الغالية, قد تغييرت كثيرآ. و كانت نظراتها تُخفي زِيفآ لم أعتدهُ و كانت تُراوغ. و لقد عرفت فيما بعد, بأنَّ زوجها هذا, كان شابآ مُفلسآ لا يملكُ قُوتَ يومهِ, يتيمآ يجلس في بيت أخيهِ الكبير. بلا مُستقبل, بائسآ لم يكن ليحلم حتى في أحلى أحلامهِ, أن يجد زوجةً شابّةً, تمتلكُ الوظيفة و البيت و المال. فتأويهِ و يصبح بيتها بيتهُ و مالها مالهُ. و تعطيهِ مالآ ليبدأ بها تِجارةً يجني منها الأرباح. و لكن كان الأمرُ مُخجلآ و مُحيِّرآ و مُذهلآ. فلا أختي ثارت لكرامة أخيها العزيز المُهانة و لا لكرامتها هي المُهانة أيضآ, و لا والدتي ثارت للكرامة المُهانة, و لا هذا النكرة زوجها, عرف الأصول و أحترم المشاعر, و لم يُعلِّمهُ أحدٌ الأصول. كانت هذهِ الحادثة هي بداية الشرخ في علاقتي مع الأخت التي كانت الأقرب الى نفسي, و التي لم تعُد كذلك. إضافةً طبعآ لأنقطاع المُراسلة. رُبَّما لن يُصدّقني أحدٌ, إذا ما قُلتُ, بأنَّ أختي الغالية تلك, كما كُنتُ أنعتها, لم تتصل بي قط, مُنذُ سنة 2002 و بعد حصولها على البيت و من ثُمَّ زواجها, و حتى يومنا هذا!! لا بالرسائل و لا بالتلفون الأرضي و لا بالتلفون الموبيل, و لا بالإنترنيت و لا بالمسينجر و لا بالواتساب و لا بالفيسبوك و بأيٍّ من وسائلِ التواصل المُختلفة, و لا حتى طلبتني صديقآ في صفحة الفيسبوك. خلال فترة سبعة عشر سنة. كانت قد واجهتني طيلة تلكَ الفترة, شتى المشاكل و الأحداث المُحزنة و المُفرحة. و مرضتُ و دخلتُ للمستشفيات ما لا يقل عن عشرِ مرّات. و تعرَّضتُ لحوادث سرقة على مكتبي. و ذاتَ مرّةٍ سُرقتُ مبلغآ, سبَّبَ لي الكثير من الأذى. و الطريف, إنَّ ذلك المبلغ الذي سُرقَ منّي, كان أقلَّ من سعرِ البيت الذي أشترتهُ لها والدتي إليها من مُدَّخراتي و سجَّلتهُ بإسمها, دون إستشارتي بذلك. إذ باعتهُ هذهِ الأخت عديمة الوفاء هي و زوجها فيما بعد, بأكثر من ستةِ دفاتر, و أشترت مكانهُ بيتآ " لقطة " في شارعٍٍ رئيسي مع محلاّت تجارية بحوالي ثمانية دفاتر...ما رأيكم؟ و رغم إرسالي الكثير من عتابِ الأخوَّة لهذهِ الأخت, لكنَّها لم تتغيّر قط, و لم تتَّصل بي قط. مع العلم, إنَّهُ لم يصدر مِنيّ أيةَ إساءةٍ لها سابقآ. و الطريف, إنَّ والدتي و أخوتي, كانوا على إتصالٍ دائمٍ بي. و عندما أسألهم عن هذهِ الأخت, و لماذا لم تتصل بي, يُجيبون بالنفي؟؟ لقد أنتهت الأخوّة الروحية فيما بيننا..
مجيد: كان مُعين, كادحآ مثلي و مثلكَ. و مثل الكثير من المُغتربين,. و كان قد حرمَ نفسهُ من الراحة و ملذاّت الحياة. و كان و مُنذُ بداية التسعينيات, يُرسلُ ما يجمعهُ من القليل من المال الى والدهِ الذي كان أمينآ على مُدَّخرات إبنهِ الغائب. و كان والدهُ طيلة التسعينيات يشتري له العقارات, مُستفيدآ من الأنخفاض الكبير للأسعار في العراق. أذ بنى لهُ مبنىً في مركز المُحافظة. إضافةً للبيوت و الأراضي. و كان والدُهُ يُسجّل أيَّ عِقارٍ يشتريهِ لمُعين, يُسجِّلهُ بأسمهِ, أي بأسم الوالد. و كان الأب يُذَكِّر أولادهُ, إنِّ كُلُّ ما أشتريهِ لمُعين من مالهِ و تعبهِ, هو مُلكٌ خالصٌ لهُ, و لا حقَّ لكم بهِ. كان مُعين يحلمُ أن يعودَ للعراق, ليفتتِحَ مستشفىً لهُ. و رغم إنَّ مُعين كان شخصآ شريرآ, و رغم الأذى الذي لحقني منهُ, إلاّ إنّني أتعاطف معهُ كثيرآ. و كان مُعين قد ساعد أخوتهُ, رغم إنَّهم لم يكونوا فقراءآ. إذ كانوا من أتباع النظام و في جهاز مُخابراتهِ. و مات والدُ مُعين. فإذا بمُعين يُفاجىء بغدرِ أخوتهِ لهُ. أذ جلسوا لتقاسم الميراث. فقالَ كبير الأخوة, سنتقاسم كُلَّ مُمتلكات والدنا. فقال مُعين: تقصد بيت أبي. قال الأخ الكبير: بل أقصد جميع الأملاك المُسجَّلة بأسمِ أبي. فأستشاط مُعين غضبآ و قال: أظُنُّك تمزح, فأملاكي هي مُلكٌ خالصٌ لي. و هذهِ كانت أمانة عند والدي لي, لأنَّني كُنتُ في الخارج. و أيُّ تعدٍ عليها هوَ باطل و خيانة لوالدي. فقال الأخ الكبير لبقيةِ أخوتهِ ماذا تقولون: قالوا نحنُ نُؤَيِّد كلام أخينا الكبير. نقتسِمُ كُلَّ شيءٍ بالتساوي. و حاول مُعين تقديم مُختلف التنازلات لأخوتهِ, دون جدوى. و آخرها أقترحَ أن يأخذوا هم كُلَّ شيءٍ و يتركون لهُ المبنى الذي يحلم أن يُحوِّلهُ الى مُستشفى. أذ هو أبتدأ في دراسةِ الأختصاص. فرفض الأخوة الغادرون, و أصرّوا أن يُقسَّم كُلَ شيءٍ بينهم بالفلس و السنتيمتر. عاد مُعين حزينآ مكسور الخاطر. و لقد إشتكى غدرَ أخوتهِ لِكُلِّ من أستمعَ لهُ. أقتربَ مُعين من سِنِّ الخمسين, و لم يتزوَّج و لم يكن لهُ وريثآ من صُلبهِ. كان يُعاني من الضغط. و كان في فترتهِ الأخيرة, حزينآ كئيبآ جدّآ, بسببِ غدرِ و خيانةِ أخوتهِ. و كانت عندهُ صديقةٌ صدوقةٌ معهُ أو هكذا تتظاهر خوفآ منهُ. و لكِنَّهُ كان قاسيآ معها. كان قد سجّلَ محلاّتهُ بإسمها. و ذاتَ يومٍ نادتهُ صديقتهُ للحضور, لمقابلةِ مُفتِّشٍ من المالية. و بسببِ سوء تفاهم, حدثت بينهُ و بين المُفتِّش مُشادَّةً كلامية. قيل إن موظَّف المالية قد أهانهُ بالكلام, و بسببِ حالة الغضب, إرتفعَ عندهُ الضغط, فأنفجر شريانٌ في الدماغ, و سقطَ مغشيآ عليهِ. لقد دخلَ في غيبوبة. و في المستشفى, و بعد أن تأكدَّت صديقتهُ إنَّها غيبوبة الموت. تركتهُ في الأنعاش, و لم تعد قط. رغمَ إنَّها كانت معهُ لأكثر من عشرين سنة. و كانَ يثق بها و يُسجَّل أيَّ شركةٍ لهُ بإسمها. و تلكَ محلاّتهُ بإسمها. و لكِنَّها لم تُشاك حتى في مراسم تشيعهِ. ذهبت و لم تعد قط. و لم يكن مُعين ليمتلك حتى شِقَّةً صغيرة. إذ كان ينامُ في غرفةٍ صغيرةٍ في الفندق أو يزور صديقتهُ. و عبثآ حاول أخوهُ الذي جاء لأخذِ الجثة, أن يحصلَ على شيءٍ من صديقةِ أخيهِ أو أن يعرف شيئآ عن أيةِ مُمتلكاتٍ لهُ. و أثناء مراسيم الفاتحة, إذ كان هُناكَ جمعٌ من الحضور يقترب من الخمسين شخصآ, معظمهم من العراقيين. فُوجئنا بحضورِ طاقمٍ تلفزيوني, جاء لأجراءِ تحقيقٍ في سببِ الوفاة. و التي أُتُهمَ موظَّف المالية, بالتسبُّبِ فيها. و إذا بي أُفاجىء, بخروج جميع الحضور. و وجدتُّ نفسي أنا لوحدي في القاعة التي تُقامُ فيها الفاتحة, مع زميلٍ من بلدٍ عربي و الطاقم التلفزيوني. و كان هذا الزميل العربي, ناطقآ بإسمِ الجالية. لقد هرب الجميع, خوفآ أن تظهر صورهم في التلفاز, فيعاقب مُوظَّف المالية دكاكينهم البائسة. و لقد " غسلتُ " يديَ من الجميع, و أدركتُ إنَّ الذي لا يحميهِ اللهُ و يحفظهُ من نوائب الدهر, فلن يُفيدهُ و لن يُعينهُ و لن يقف معه بشرٌ قط. فالكُل سيتخلُّون عنكَ في ساعةِ السقوط. و لقد حزنتُ و بكيتُ على مُعين, بينما كان بعض الزملاء الشامتين بهِ يلعنونهُ و يرقصونَ فرحآ لمصيبتهِ. و لقد حاولتُ مع البعض من الغيورين المُساعدة في كشفِ الحقيقة, و لكِنَّ الأمور كانت أصعب. و قد أبلغني أحدهم, بأنَّهُ لم تكتمل أربعينيةُ مُعين بعد, بينما كا البعض من أخوتهِ الخونة الأنذال, يغازلون الفتيات في الفيسبوك, و يضحكون معهُنَّ طربآ!! لا إلاهَ إلا الله.
سعيد: كُنتُ سعيدآ و أنا أرى أختي تُحاولُ جاهدةً المشاركة مع الآخرين في إختيارِ زوجةٍ عراقيةٍ لي. بعد أن ثبُتَ لي و للكثير من الزملاء المُغتربين, إنَّ الزواجَ بأجنبيةٍ هو خطأٌ كبيرٌ, و مضيعةٌ للوقت و العمر, و تهديمٌ للمستقبل. و لقد إصطحبتني و زوجتي الجديدة, هي و زوجها بسيارتهم الى كربلاء, التي أمضينا فيها بضعةَ أيامٍ و كانت مُناسبةً لي لأتعرَّف على " نسيبي " الذي لم يُكلِّف نفسهُ قبلَ بُضعِ سنواتٍ لدخولِ الدار التي كانت تستضيفني, بينما كان يأتي و يقف ببابها و لمرّاتٍ عديدةٍ. و من كربلاء ذهبنا لزيارةِ قبرِ والدي و زيارة إمام المُسلمين. و لقد لاحظتُ إنَّ أختي إنتظرتني في السيارة مع الآخرين, بينما ذهبتُ لزيارةِ قبرِ والدي و والدها, الذي بعرق جبينهِ و كفاحهِ وصلت الى ما هيَ فيهِ. إضافةً لحقِّ الأبوة للأبِ الحنون الطيب الذي أفنى حياتهُ من أجلنا جميعآ. و الطريف, إنَّ هذهِ الأخت العاقّة, تذهب بطيبةِ خاطر لزيارةِ قبور ذوي زوجها. و هي تحبُّ زوجها و تحترمهُ كثيرآ, و لم تُشعرهُ قط, بفضلها العظيم عليهِ. و هذا هو الأمر الجميل من جانبها. بالعكس من البعض اللواتي, لا يشكُرنَّ ربَّهُنَّ على النعمةِ التي أغدقَ اللهُ عليهُنَّ بها. و هذا يشبه الكفر. و لكِنَّ علاقةََ أختي بزوجها لن يُعفيها من نكرانِ حقوقِ الأبوّة و الأمومة و الأخوّة. لن يُعفيها من خطيئة نكران الجميل و عدم الوفاء للذين خلقوها و بذلوا الغالي و النفيس في سبيلها و في سبيلِ أن تصل الى ما وصلت إليهِ. و أن تنسى أخاها الذي غيّرَ كُلَّ حياتها رأسآ على عقب. و الذي لن تجد أخآ لأختٍ قط مثلهُ, يبذل الغالي و النفيس في سبيلها. فأتلقىّ عشرات و مئات الرسائل و التحايا من والدتي و أخوتي و الناس الأقرباء و الغرباء, و الذين أعرفهم و الذين لا أعرفهم. بينما الأخت الشقيقة التي لا يكفي الكلام لوصف العِلاقة الأخوية بها, لم ترسل لي و لو السلام عليكم, طيلة سبعة عشر سنة. لا في فرحٍ لي و لا في أحزاني. و لم ترسل لي و لو تهنئة عندما رزقني الله بأولادي. لا إلاها إلا الله. الله لا يوفقها. هذهِ الأمور هي خطايا كُبرى, لن يغفرها لها ربُّ العالمين, و لن تفيدها لا صلاتها و لا صومها و لا حجها لبيتِ الله, جنبآ الى جنب, مع زوجها ناكر الجميل و الذي لا يعرف الأصول.
جئتُ الى العراق في آخرِ سفرةٍ لي. و لقد جاءتني هي و جلست قليلآ. ثُمَّ أخذت هداياها و ذهبت. ياألهي, أين هي أختي العزيزة عند أخيها و العزيز عندها أخيها. هذهِ المُراوغة, التي أقرأها في عيونها. و ذلك الزيف في النظرات الذى لا يُخفى عن حدسِ واحدٍ مثلي. إنَّها ليست أختي. أُختي الحقيقية, رُبَّما قد ماتت. و هل من المعقول أن تتغير الأخوات بهذا الشكل الجذري, بل أسوء من الأخوة الرجال. و للعلم, فإنَّ الأخوة بعد الزواج و الخروج من بيتِ الأخوَّة, لن يبقوا كما كانوا قبل ذلك. و ستصبح العلاقة بينهم, علاقة قرابة عادية, رغم التظاهر بغير ذلك. و لم يأمر لا الله و لا أيُّ إلاهٍ و لا الأنبياء و لا الرُسل و لا الأديان, بأن يتكفَّل الأخ أخوتهُ البالغين. و لكن كل الأرباب و الأديان و الرُسل, أمرت جميع الأبناء, ذكورآ و إناثآ, بإكرامِ الوالدين. (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً). و لكِّنَ الله قد يُحمِّل بعض الأخوة الكِبار ( الكِبار بعمرهم و بأخلاقهم و بطيبتهم و بشهامتهم و بنُبلهم ), أن يصبحوا أبآ و أُمّآ و أخآ لأخوتهم, رغم إنَّ هؤلاء الأخوة, لن يُجازون أخاهم الكبير هذا و لو بجزءٍ بسيطٍ جدآ جدآ مِمّا قدَّمهُ لهم أخوهم. أُنظر كيف يبخلون عليهِ حتى بالسلام؟؟!! و حتى أُُثبت بأنَّني أحاول نسيان كُلِّ شيء, جلبتُ لأختي عطرآ ثمينآ. و لكن سُرقَ عندما سُرقت حقيبتي في المطار. و جلبتُ لزوجها دواءآ دون أن يوصيني بهِ. إذ كُنتُ قد جلبتهُ لهُ سابقآ و أفادهُ, فجلبتهُ لهُ بدلَ الهدية. و يأتيني زوجُ أُختي للسلام. و جلس خمس دقائق فقط. و دون أن ينتظر ليشرب الشاي, و لا للغداء الذي كان الوقتُ وقتهُ. و خرج بينما كُنتُ أسترسلُ في الحديث معهُ. و لم يأتِ لي بعدَ ذلكَ قط. رغم إنَّني بقيتُ في هذهِ المرَّة لشهرين كاملين. و كُنتُ أجلسُ في بيتِ أخي الذي يبعد عن بيته و بيتِ زوجتهِ, 150 مترآ فقط. و لم تأتينيالأخت, سِوى مرتينِ عابرتين. بينما جلسَت هي شهرآ في بغداد تنحبُ و تبكي لخداعي و خداعِ والدتي. يزورني أُناسٌ لا أعرفهم, و يجلسون لساعات نتبادل أطراف الحديث. والدتي, التي أصبحَ حالها مِثلَ حالي, لأنَّنا المُحسنون - و لن يُضيرالآخرون مشاعري. رُبَّما لأنّهم " في الهوى سوى "!! كُنتُ أُلاحظ إختي هذهِ, و كيف كانت تتملمّل و تسكت أو تُشغلُ نفسها عن الكلام, كُلَّما ذكَّرتها, بأخوّتنا و كيف ناضلتُ من أجلها. و لم تشكر قط و لم تذكر الإحسان. و نفس الحال, حالها, كُلَّما ذكَّرتها بوالدنا و تضحياتهِ الجِسام من أجلنا. و لم أسمعها تذكرهُ أو تتَرَحَّم عليهِ قط. كُنتُ أنا و أخوتي نُحاولُ جاهدين أن نُقنع أُمَّنا أن تسكن عندَ إبنتها هذهِ. و كونها , و هذا أمر طبيعي, بحاجةِ للحنان و لِمن يعتني بها, في هذا العمر الذي وصلت إليهِ. و ليس أحسن من إبنتها التي كانت أربَ إنسانٍ إليها و حفيداتها. الشيء الذي لا تشعرهُ عند زوجةِ الأبن و إن حاولت. لقد كان لوالدتي الفضل العظيم على هذهِ الإبنة.. و بفضلِ والدتها العظيم عليها, هي في الحالِ الذي هي فيهِ. و هي تمتلكُ هذهِ الخيرات بمساعدةِ والدتها. فهي الآن تمتلكُ البيوت و المحلاّت و الأموال. و لولا سعي والدتها لكانَ حالُها حالَ أختها الكُبرى. و لكنني رأيتُ إنَّها و زوجها و أولادها يلوذون بالصمت, كُلَّما تكلَّمتُ أنا و أخي في هذا الموضوع. بينما كانت والدتي ترفض البقاء عندهم. لأَنَّها تُدرك جيدآ إنَّها غير مُرحّب بها. لا من إبنتها و لا من زوج إبنتها. الذي - و على ما يبدو هو الذي غسلَ دماغَ زوجتهِ, و أقنعها أن تُغيير علاقاتها معَ ذويها. و أن لا تستقبل والدتها في بيتهم - هوَ يلوذُ بالصمتِ, و كأنّهُ لا يسمع شيئآ, أو كلأنَّ الأمرَ لا يعنيهِ. قُلتُ لأخي ألا تلاحظ إنّها و زوجها و بناتها يلوذون بالصمت, و نحنُ نُحاول إقناعِ أُمِّنِا بالبقاء عندهم. و هذا دليل قاطع إنَّهم لا يُريدونها. و هم إتفقوا جميعآ على عدم الترحيبِ بها. بينما كانت والدتي ترفض البقاء عندهم. لأنَّهُ لا يُعقل أن تسكن عندَ أحدٍ لا يُرحِّب بك, و لا يقولُ لكَ أهلآ و سهلآ. جاءتني دعوةٌ للعشاء من أختي, بمناسبة عيد الفطر, فرفضتُ و لكن أقنعني أخي, كي نذهب للسلام على الوالدة. بينما لا يُكلِّف زوجها نفسهُ المجيء للسلام على مَن أنقذهُ من الفقرِ و الضياع. و هو ينتظر الآخرون يأتونَ لهُ أذِلاّء صاغرون. فأقنعني أخي أن نذهب للسلام على والدتنا. و قدّموا أمامي فخذ دجاجٍ و صحنٍ صغير من الرز. و نسوا المثل الشهير من لحم ثوره!! فقُلتُ في نفسي: " وافقَ شَنٌّ طبقة ". و لكن هِيهات, فأين الثُرى من الثُرية. فلا شَنٌّ شنٌّ و لا طبقةً طبقة. بل قُل, إنَّ الطيور على أشكالها تقع. و أنا أقول: " فحسبكم هذا التفاوتُ بيننا, فكُلُ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ ". و لقد جئنَّ لي بعض النسوة القريبات. و إنتظرنَني لساعات, و جلسنَ معي ساعات. و قُلنَ لي كانت والدتك تبكي و تكسر الخاطر. فذهبتُ لها و لم أزل تحتَ تأثير الدواء لتخفيف آلام الكِلى التي ألَمَّت بي. فقُلتُ لأختي لماذا لا تعتنين بأمِّكِ؟ فأجابتني بكُلِّ صلافةٍ: لا أُريدها أن تبقى عندي و أحسن لها تذهب لبيتِ إبنها. لقد كُنتُ أشعرُ كيف إنَّ الأرض كانت تدورُ بي. و كُنتُ أشعر برغبةٍ للتقيوء. بينما همست لي والدتي: إبنتي لا تُريدني. أنا نادمة فلقد أخطأت لأنَّني سجّلتُ بيتها بأسمها و البيوت الأخرى بأسمائهم. و ها أنا اليوم أُطرد من الجميع. و هذهِ طبعآ نصيحة الى أيِّ أبٍ و أيِّ أُمٍ: أن لا تٍُسجِّلوا بيوتكم و أملاككم, بأسماءِ أولادكم, و أنتم لا زلتم على قيدِ الحياة. لأنَّكم ستجدون أنفسكم بالشارع مع الكلاب. و في اليوم التالي أرسلتُ أخي : قُلتُ لهُ أذهب و أجلب والدتك لنجلس للحديث. و لم تسمح هذهِ الأخت لوالدتها بالمجيء للقائي و في اليوم التالي سافرتُ الى بغداد و بعدها الى بلاد الأغتراب, و لم ألتق والدتي قط. طبعآ, أنا لساني عند الغضب سليط, و قلمي يذبح الطير. و لكن أخلاقي وطيبتي و شهامتي و نُبلي منعوني. سأحاول بجميع الوسائل القانونية و العشائرية, لأستردادِ حقوقي. التي أفنيتُ حياتي و صحتي لجمعها..إنَّ الله سينصرني إنشاء الله, على كُلِّ مُحتال. الله كريم.



#سعدون_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانُ أحمقٌ شِرِّير: الحرب العالمية الأولى!
- لا أمة عربية واحدة, و لا ذات رسالة خالدة!
- سيموتُ العراقيون عطشآ عمّا قريب!
- سيموتُ العراقيون عطشآ, عمّا قريب. أيُّها العراقيون إستيقضوا!
- ذكرياتٌ و خواطر لا يسعها عنوانٌ واحد- 5
- ذكرياتٌ و خواطر لا يسعها عنوانٌ واحد- 4
- ذكرياتٌ و خواطر لا يسعها عنوانٌ واحد- 3
- ذكرياتٌ و خواطر لا يسعها عنوانٌ واحد- 2
- ذكرياتٌ و خواطر لا يسعها عنوانٌ واحد
- حرب الخليج ( الملّف السري )....الحلقة الخامسة عشرة
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الرابعة عشر
- أمةُُ النكاح و شاربي بول البعير تقتلُ العراقيين!
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الثالثة عشر
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الثانية عشر
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الحادية عشر
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة العاشرة
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة التاسعة
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الثامنة
- المال هو رب البشر الحقيقي و القانون البشري دينهم!
- حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة السابعة


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعدون الركابي - أذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ و إن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا