|
ذكريات ابن معتقل مصري
عماد فواز
الحوار المتمدن-العدد: 1548 - 2006 / 5 / 12 - 07:16
المحور:
حقوق الانسان
مثل الأيتام تبدأ الدراسة ويذهبون إلى مدارسهم بدون الأب ، تمنوا مثل ملايين الأطفال أن يكون معهم قبل بدأ الدراسة، يخرج معهم لشراء لوازم الدراسة، الزى المدرسي، الكراريس، الكشاكيل والجلاد،البراية والاستيكة، أن يمسك في يده صباحا ويتوجهان إلي المدرسة ،وعلى بابها و أمام الحارس وسائر الأطفال يطبع قبلة على خده ويودعه حتى الظهيرة..3 حلموا مثل جميع الأطفال بعد العودة من المدرسة يخلعون الزى ويجلسون مع والدهم على الغداء يسألهم عن دروسهم وفي المساء يستذكر لهم دروسهم..يمسك كتاب الدين ويقرأ لهم عن الأخلاق، يخرجون معه إلى الصلاة، يذهب معهم إلى المدرسة لتسديد المصروفات ، يسأل عنهم المدرسين ويوقع علي شهادتهم كل أول شهر. تمنوا حضنه الدافئ ليلجئوا إليه مثل جميع الأطفال ، لكنهم تماما مثل الأطفال الأيتام الذين مات والدهم وحرموا من نطق اسمه ، وعندما يسألهم المدرس والدك بيشتغل إيه؟..يقف متعثرا وخجولا ،لا يعرف ماذا يقول ..يلتفت يمينا ويسارا ،ينظر في أعين التلاميذ ،يفرك في أصابعة ،يتلثم،ينظر في الأرض، ويقول بصوت غير مسموع: معتقل. هذا هو إحساس آلاف الأطفال الذين تم اعتقال والدهم ، بعضهم اعتقلت أمن الدولة والدهم وهم أجنة،وبعضهم رضع ،وبعضهم صغار ليتذكرون حضنه، ليس لديهم أحاسيس حضن الأب ولا قبلته ،يسمعون عن الآباء وحبهم لأطفالهم ،ويشاهدون آباءهم وهو ذليل ومهان وراء القضبان . ذلك الرجل الذي يرتدي ملابس ممزقة وشعره أشعث وذقنه دائما غير حليقة، هذا الرجل الذي يقف هناك بعيدا خلف القضبان خائفا من الحارس، فاقد الأمل في الخروج من هذا المكان المميت،هذا الرجل الذي تملأ عينيه الدموع ، هناك قالوا أنه أبي ، وعى أن أقول له يا بابا ،وأرى امى وجدتي دائما في كل زيارة يبكيان ويشجعانه رغم الفقر والحاجة عندما يسألهما عن حالنا ، يقولان له الحمد لله،ينظر لي ولإخوتي، يتمنى أن يتحسسنا ، يضمنا إلى صدره، يسأل عن المدرسة، وفي كل زيارة يقول أنني كبرت عن الزيارة السابقة،وأنا أراه هنا بعيدا خلف القضبان خائفا مهدما ، منكسرا،أتمنى أن أدخل إلى حضنه يحملني إلى رأسه ،يضمني بشدة ، أشم رائحة الأب فيه. على باب النائب العام كان يقف عبد الله (11 سنة) ومعاذ (9سنوات) والداهما هو عمرو عبد العزيز محمد إبراهيم الروبي (32سنة) عامل،تم اعتقاله في 15 أكتوبر 1996 بتهمة الانضمام لجماعة دينية محظورة، عبد الله كان لم يكمل عامه الثاني عندما اقتحم ضباط أمن الدولة منزلهم وألقوا القبض عليه،عبد الله بكى وهو يحكى لي : لم أكن واعيا لما يحدث حولي ، وكان معاذ شقيقي عمره اشهرا معدودة، عندما كبرت وبدأت أدرك ما حولي شاهدت أبى لأول مرة خلف قضبان معتقل وادي النطرون. تخيل يا عمو:(والكلام لعبد الله) لم يضمني إلى صدره أبدا،لم أتحسس يده ،الزيارة دائما عبر الأسلاك والقضبان ، والدتي وجدتي تقدموا بأكثر من طلب لإدارة السجن حتى يسمحوا لنا أن تكون الزيارة (بطانية) أي نفرش بطانية على الأرض ونجلس عليها مع والدي،ولكن إدارة السجن رفضت، منذ تسع سنوات والزيارة سلك،وتمنيت أن تكون بطانية لكي يضمني إلى صدره ،أشعر به ،أتحسس أبى،أرى ملامحة جيدا،في كل زيارة أتطلع إلى وجهه وأنظر إلى ملامحة،وعندما أعود إلى المنزل أحاول أن أتذكرها إلا اننى دائما ما كنت أنساها سريعا،فهي دائما بعيدة وغامضة، تسع سنوات أشاهد أبى أنا وأخي معاذ من بعيد، منذ أعتقالة ونحن لانزور أحد ،كل الناس تخافنا ولا يطرقون باب منزلنا ،كثيرا ما يسألونني في المدرسة عن والدي وأخجل من الإجابة ،لا أعرف ماذا أقول لهم ؟ الناس لأتعرف الفرق بين المعتقل السياسي والمجرم، تماما مثلما كنت أنا أعتقد أن والدي مجرما من اللصوص أو القتلة أو تجار المخدرات ،حتى وضحت لي جدتي الصورة،وأكدت لي أنه معتقل سيأسى ، وأن البوليس اتهم بابا بأنة مع جماعة الأخوان المسلمين ،وأنهم يحاولون قلب نظام الحكم ،لم أكن أعرف ما هو نظام الحكم ومعنى قلب نظام الحكم،حتى جدتي لم تكن تعرف ،وعندما اعتقل بابا وسمعت التهمه وسألت عنها قالوا لها أن بابا يسعى للتخلص من رئيس الجمهورية. ياعمو:بابا بريء ، لم يشترك مع الجماعة اللي قالوا عليها ،والمحامى أكد أنة بريء,وقال أن المحكمة برأته والقاضي قال أن بابا بريء وقال أنة يخرج من السجن،لكن الشرطة رفضت الإفراج عنه،وفى إحدى الزيارات بابا قال لجدتي انه وقع على إقرار توبة وعلى مبادرة نبذ العنف ورغم ذلك مازال في المعتقل. السيدة أنجا والدة المعتقل وجدة عبدا لله ومعاذ،أقسمت لي أنها كثيرا لا تذهب لزيارة ابنها لعدم امتلاكها للمال أجرة المواصلات من القناطر الخيرية إلى وادي النطرون ، ابنها كان عامل باليومية، وزوجتة ربة منزل،وتقول وهى تبكى: ظروفنا يا بنى وحشة لكن الحمد لله على كل حال ،كل اللي إحنا عاو زينه ينقذوا قرار المحكمة وابني لابتاع سياسة ولا غيره، وأقول للرئيس مبارك ياريته يسمع..ارحم من في المعتقل ..يرحمك من في السماء.
#عماد_فواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في دفتر وزارة الداخلية والمختلين عقليا!
-
أمن الدولة اعتقلت باحثاً رفض قتل المزيد
-
الموت يعشش داخل معتقل وادي النطرون :
-
قلب نظام الحكم
-
أمن الدولة تقتل المعتقلين بالأمراض داخل السجون !
-
عزرائيل الطريق الوحيد لتداول السلطة في تاريخ الوطن العربي
-
قراءة فى دفتر وزارة الداخلية ومختليها العقليين
-
كل شبر في أرض مصر صالح للزراعة .
-
قراءة في احتجاجات عمال مصر
-
التعذيب والموت والانتحار في سجون وادي النطرون
-
مؤامرات النظام المصري لتدمير المجالس القومية المتخصصة
المزيد.....
-
هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم
...
-
الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام
...
-
تصيبهم وتمنع إسعافهم.. هكذا تتعمد إسرائيل إعدام أطفال الضفة
...
-
الجامعة العربية تبحث مع مجموعة مديري الطوارئ في الأمم المتحد
...
-
هذا حال المحكمة الجنائية مع أمريكا فما حال وكالة الطاقة الذر
...
-
عراقجي: على المجتمع الدولي ابداء الجدية بتنفيذ قرار اعتقال ن
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطن -قصاصًا- وتكشف اسمه وجر
...
-
خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين
...
-
عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|