أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - المعمودية والولادة الروحية















المزيد.....

المعمودية والولادة الروحية


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6280 - 2019 / 7 / 4 - 02:56
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


كلُّ مَنْ يتلقّى روح الله القدوس، ويصبح إما رجلا جديدا وإما امرأة جديدة بفضل الولادة الروحية الثانية، إنما هو إنسان متحرّر، وواثق، ومطمئن، وذو نفس زاهية، وينعم الله عليه بالقوة التي تجعل كل ما تتناهى صعوبته بل حتى ما يستحيل تحقيقه ممكنا وواقعيا جدا. وكان أوريجانوس Origen يصرخ في حنينه لذلك الزمان الماضي، أيام المسيح، قائلا:
آه، كم أتمنى أن يضع الرب يسوع يده على أعيننا، لكي نبدأ نحن أيضا ننظر إلى الأمور التي لا تُرى وليس إلى الأمور التي تُرى! وآه، كم أتمنى أن يفتح أعيننا، لكي نرى الأشياء المستقبلية وليس الأشياء الحاضرة! وآه، كم أتمنى أن يكشف لنا أيضا رؤية القلب التي تدرك الله بالروح القدس من خلاله هو، الرب يسوع المسيح.
كان مسيحيو ذلك الزمان «عابدي الله والكلمة.» ولأن الروح القدس مَسَكَهُم في أعماق كيانهم ومسّ وجدانهم وامتلك صميمهم، أصبحوا يتخذون مواقفهم وسلوكهم من مبادئ المستقبل الآتي، أي من ملكوت الله الآتي. وكان إيمانهم يرى جوهر الله، لذلك صار مصدر قوتهم لتحقيق «المستحيل.»
ورأى حتى الوثنيين، كما نرى هنا في أحد أقوال الكاتب الوثني صاحب الكتابات المعادية للمسيحية مقاريوس ماغنس Macarius Magnes، بأن ما كانت تطلبه الكنيسة كان ما يلي: «لا يمكن احتساب أيّ شخص من بين شركة أخوية المؤمنين، ما لم يكن له إيمان بقدر حبة الخردل، ذاك الإيمان القادر على عمل المستحيل.»
كان المقصود بالمساواة التي تحققت بفضل الإيمان أن كل مؤمن – أيّا كان – أُعتبِر طاهرا ومقدسا فور خروجه من غسيل المعمودية، فكان جميع المؤمنين سواسية في نيل الغفران الكامل. وقد انذهل الفيلسوف الأفلاطوني المعادي للمسيحية بورفيريوس Porphyry من أن غسيلا واحدا يمكن له أن يُطهِّر ويُبرِئ هؤلاء الذين تغطيهم الآثام والشرور، بحيث أن الإنسان الشَرِه في الأكل، والفاسق، والزاني، والسكير، واللص، واللوطي، والمفسد، وكل خسيس، أو شرير، أو نجس، بأيّ شكل من الأشكال، يمكن ببساطة أن يتعمّد، ويدعو باسم المسيح، وبذلك يتحرر بهذه البساطة طارحا عنه إثما جسيما بالسهولة نفسها التي تخلع بها الحية جلدها. وقال الفيلسوف بورفيريوس أيضا: «كل ما عليهم أن يفعلوه هو أن يؤمنوا ويتعمّدوا.»
وقال الشهيد المسيحي جَستِن Justin عن هذه المغفرة والمحو الكامل للإثم: «لا ينال المعمودية إلّا الذين ينقطعون حقا عن اقتراف الخطايا.» فكل من أعتمد يجب أن يحافظ على الختم طاهرا ولا ينتهك قدسيته. وإنّ مَطلبا لا يُصدق كهذا، الذي يتوقع تغييرا كليّا في حياة الإنسان، لا يمكن أن يتحقق إلّا بالإيمان بقوة الروح القدس الحيّ، الذي يحلّ على ماء المعمودية ويجعلها مغسلا للولادة الروحية الجديدة، ورمزا للحياة الجديدة الطاهرة، والعفاف، ونقاوة القلب.
لقد كانت الكنيسة الأولى تشترط مَطالب متشددة للحياة المسيحية، حتى أن كلّ مَنْ طلب المعمودية أُعِدَّ شخصيا (لو أمكن) إلى الطريق الجديد، بخصائصه التي يهبها الروح القدس، وبالتزاماته الأخلاقية والاجتماعية. فقد تعلّموا كيف يشهدون لله وللمسيح.
ازداد بشكل متزايد عدد جنود الروح القدس من الذين قطعوا على نفسهم عهدا بالوفاء والولاء، على غِرار «القَسَم العسكري،» من خلال المعمودية وتلاوتهم لشهادة الإيمان المسيحي في المناسبة نفسها. وقد ألزمهم هذا «السِرّ العجيب» بخدمة المسيح وببساطة أعماله الإلهية. فمن خلال التغطيس في الماء – عند المعمودية – كان المؤمنون يدفنون كل قيودهم وارتباطاتهم السيئة بحياتهم السابقة. وعندما كان يجري تغطيسهم في الماء، الذي يرمز إلى دم المسيح المصلوب، كانوا ينالون انتصار الصليب، وقوته التي مزقت كل القوى الشيطانية. وبذلك صار بإمكانهم منذ تلك اللحظة أن يحيوا بقوة ذاك القائم من بين الأموات – يسوع المسيح – وبالقوة التي كانوا يستلهمونها من مستقبله الآتي. ولم يساير أيّ مؤمن روحية وتيار الوضع القائم في العالم، بل عاش في قطيعة مع فساد الدنيا، والتزم بأن يعيش ويستشهد في سبيل القضية الإلهية. أما المجاهدون في سبيل العصر الجديد، فاجتاحت مسيرتهم الظافرة العصر القديم، بِالحَقّ وقدرة الروح القدس التي كانت تؤيدهم.
أدى الموقف الحازم لمقاطعة الشرّ والفساد بفضل المعمودية، التي تدعو إلى عدم المساومة مع الخطيئة مهما كلف الأمر، إلى وقوع خلاف حادّ بين المجاهدين المسيحيين في ذلك الوقت من جهة وأقربائهم من الجهة الأخرى؛ فتفكَّكت بيوت، وتصدَّعت عائلات بأكملها، وفُسِخت خطوبات، وتهدَّمت علاقات زوجية. وشنّ سِلسُس Celsus المعادي للمسيحية، هجوما ضاريا على النساجين والإسكافيين والدباغين المسيحيين الذين كانوا يجابهون زبائنهم من الشباب والنساء حينما كانوا بمفردهم. لقد أتهمهم بإغراء «ضحاياهم» بكلمات رائعة ليتركوا والديهم ومعلميهم حتى يتعلموا ما هو صالح من الحرفيين في ورشاتهم. ولقد أعترف سِلسُس بأنهم غالبا ما كانوا يحققون هدفهم.
تأخذنا المعمودية إلى موت يسوع، حتى يتسنى لنا تذوق القيامة معه - والتي هي المحور المركزي للخلاص. وإذا أردنا الخلاص، وَجَبَ إذن على طبيعتنا البشرية أن تجتاز بالموت، لكي نحيا حقا بفضل القيامة، بحيث يتم تغيير الطبيعة القديمة إلى خليقة جديدة. فهذا هو الإيمان الذي نشهد عليه في المعمودية، ذلك الإيمان الذي يؤمن بأن الروح القدس سيحلّ على الشخص الذي يجري تعميده وستطغي محبة الله على حياته وتسودها. (أعمال الرسل 2: 38)
نريد الإعلان بوضوح أنّ تقييد الشخص للإدلاء بشهادة إيمانه بصيغة محددة من الكلمات هو ضد نهج حياتنا تماما. فلتغرب عنا هذه الأمور! ولكوننا نؤمن حقا بالله وبالمسيح وبروحه القدوس، فلا يمكننا رؤية أي داعٍ لإجبار الناس للإعراب عن هذا الإيمان بصيغة واحدة ليس غيرُ. فإنَّ ما ندليه من شهادة عن الإيمان المسيحي يفوقنا نحن البشر بأضعاف المرات بحيث لا نحتاج إلى إقناع الآخرين ليعربوا عن أيمانهم بالطريقة نفسها. وبالحقيقة والواقع فإنَّ الذي لا يعترف بالله لا يغيّر الله (أي لا يغيّر شيئا من حقيقة الله.)
نؤمن بالله أبينا السماوي لأننا تلقينا روحه الطفولية، (أي الروح القدس البريء كبراءة الأطفال). ونعترف به كخالق السموات والأرض. ولذلك لا يمكننا أن نعبد أيّاً من مخلوقاته بدلا عنه، وأينما كانوا سواء في عالم الأرواح أو في الطبيعة.
فقد وجدناه في يسوع المسيح، ملك الملكوت الآتي، المسيح الذي صار ربّاً لنا وسيداً علينا، والذي نطيع كلامه ونعيش بحسب روحه القدوس. ونعلم أنّ هذا المسيح هو يسوع نفسه الذي ذكره التاريخ والذي ولد من مريم العذراء وأُعدم من قبل الدولة الرومانية على يد الحاكم بِلاطُس البُنطي. ونحن نعلم أنّ خدمته الكهنوتية قد هبطت ووصلت إلى الجحيم وإلى قبور الموتى. ونعلم أنه بَشَّرَ بإنجيله هناك ومستمر في تبشيره مثلما هو مستمر الآن في تبشيره بالإنجيل الناس الأحياء على الأرض.
ونعلم أنّ يسوع المسيح الذي وُضِع في القبر قد قام حقا من بين الأموات، وأخذ مكانه في العرش السماوي في عظمة وجلال ملكوت الله. ونتوقع عودته من هناك ليدين البشرية جمعاء في ذلك اليوم عندما ينفتح كتاب الحياة، وعندما ستحلّ الدينونة الأخيرة على كل شيء يمجد البشر، لكي يحكم الله وحده في ملكوته.
ونؤمن بالروح القدس، الذي هو قدوس حقا لأنه ليس ملطخا بالشرّ. فهو ليس لديه أية شركة مع الشرّ ولكنه يوحّدنا في وحدة الكنيسة المقدسة الجامعة الواحدة. ولا نؤمن بمعتقد "وحدة الوجودPantheism " الذي يجمع الخير والشر معا.
وبفضل الروح القدس نؤمن بوحدة الكنيسة، حيث الغُفران فيها حيّ، وحيث يُنظر إلى الخطيئة كخطيئة وحيث تُزال الخطايا وتُمْحَى بالروح القدس الجبار الذي يحكم الكنيسة المقدسة. ونؤمن بالحياة الأبدية، أي بالحياة الباقية التي ظهرت في هذه المحبة للمسيح يسوع، وفي هذه الكنيسة المقدسة للروح القدس، وفي هذه المغفرة للذنوب.
لقد أعطانا يسوع عملين رمزيين لهما أهمية خاصة. فالأول هو الأكل والشرب المشترك (إشارة إلى العشاء الرباني)؛ والثاني هو الاغتسال بسكب الماء على الشخص أو تغميسه بالماء (إشارة إلى المعمودية). فالأول هو غذاء والثاني هو تطهير. ويقترن عمل التطهير أو التنقية مع ما يرمز له الموت، أي الدفن في الأرض والقيامة ثانية. ولذلك يحتوي رمز المعمودية على صورتين: الأولى، سكب الماء على الشخص، بمعنى التطهير والتنقية؛ والثانية، تغميسه بالماء، والذي يعنى الموت والدفن والقيامة.
يسوع يعطي حياة جديدة
المسيح هو الحياة الجديدة. فهو يلتقي بنا عند كل منعطف من حياتنا. فإذا سلّمنا حياتنا للمسيح ليؤثّر فيها، فسيبيّن لنا أنّ كل شيء جيد كنا نعتزم القيام به أو فعلناه سابقا هو أسود وشرير، وخبيث وظالم، بل هو على نقيض النقاء الحقيقي الوحيد، والمحبة الحقيقية الوحيدة والصلاح الوحيد، أيْ المسيح نفسه. فهو يقودنا إلى تلك التوبة التي ينقلب فيها تفكيرنا كله رأسا على عقب ولا يعود بإمكاننا الادعاء بعدُ بأن الأسود أبيض أو القذر نظيف. ولكن يسوع هو أكبر من يوحنا المعمدان. لأن صليبه يفتح لنا جوهر قلب الله. وموته قد كشف لنا عن محبة الله الحاضنة للجميع، التي قدمت لنا الغُفران والمصالحة الصافية والصادقة مع الله. وبإتحادنا مع ذاك المصلوب، فإننا نجدد باستمرار قطيعتنا مع كل ما مضى، ومع كل ما كنا عليه، ومع كل ما فعلناه سابقا. لأن المسيح يبيّن لنا عدم استحقاقنا ويفضح الحالة المخزية لانعدام المحبة عندنا التي كانت قد كبّلت حياتنا حتى هذه اللحظة. فهو يجعل الضباب والغيوم تنقشع لنتمكن في ومضة عين من رؤية الهوّة التي بين طبيعتنا الفاسدة وقلب الله القدوس. ولكننا نراه على الفور يسدّ تلك الفجوة هو بنفسه بالقوة غير المحدودة لذراعيه الممدودتين وبيديه المثقوبتين. فهو يوحِّد قلوبنا مع قلب الله القدوس ويجعلها متآلفة من خلال المغفرة التي يقدمها لنا مجانا.
الولادة الجديدة والملكوت الآتي
كلنا نحب الفصل الثالث من إنجيل يوحنا، لكننا نميل إلى نسيان أنّ سياق هذه الولادة الشخصية الجديدة هو ملكوت الله - فهي تتجاوز حدود الفرد. فمجيء ملكوت الله هو الموضوع الأكثر أهمية في الكتاب المقدس كله ونلاحظه يمرّ من خلال طيّاته، ونحن بحاجة إلى أن نمتلئ من وعد المستقبل هذا ونُغْمَر بفرحه. (أشعيا 11: 1-10) ويريد الروح القدس أن يقوينا ويملأنا ويقودنا إلى الملكوت الآتي. فهو يُحيِي فينا كلام يسوع عن المستقبل ويساعدنا على أن نصبح الآن نموذجا حيا أو صورة حية أو شاهدا حيا ومنظورا لملكوت الله القادم.
نحن ننتسب إلى ملك الملكوت السماوي، لذلك يجب على حياتنا أن تكون مشابهة للحياة في ملكوته. والسؤال الذي يطرح نفسه على كل واحد منّا هو: أتريد المضيّ في طريق الصليب أم لا؟ هل أنت على استعداد أن تتعمد بمعمودية الآلام التي تعمّدتُ بها، وأن تشرب من الكأس التي شربتُ منها؟ (في إشارة إلى ما سألنا المسيح إياه في مرقس 10: 38-39)
القطيعة مع الوضع الراهن
لقد أوصى ذاك القائم من بين الأموات تلاميذه بالذهاب إلى العالم كله وإعلان بشارة الإنجيل لجميع الخلق، وبالدعوة إلى التوبة، وبتعميد الناس كعلامة على القطيعة الحاصلة ما بين المتعمدين وجميع القوى الشريرة لهذه الدنيا وأيضا كعلامة على دخولهم إلى شركة الموت والقيامة في الملكوت الجديد. (متى 28: 19-20)
إنَّ المعمودية تعني القطيعة مع الوضع الراهن، أي مع وضع العالم الحالي الذي يتبنى نظام يعتمد على القوة. وتعني إماتة الحياة الشريرة عند الفرد التي هي جزء من روحية العنف السائدة حولنا. وتعني التخلي عن ذلك النوع من الحياة الذي يستخدم وسائل عنيفة لفرض ذاته. وتعني الامتناع عن الانصياع للإلحاح الفطري في داخلنا لاستخدام القوة والعنف. ثم إنها تعني أننا سنوَدِّع وإلى الأبد جميع أمنياتنا للحصول على ثروات وممتلكات دنيوية؛ وهذا يشمل امتلاك الشهوة الجنسية. وهي تعني وضع حدّ لأسلوب المعيشة الذي يرمي إلى الملذات والدنس الجنسي غير الطاهر الذي يقضي على الحياة الحقيقية التي يقدمها الله.
والقطيعة تامة جدا بحيث لا يوجد أي تساؤل عن وجود أدنى مساومة فيها. (يعقوب 4: 4) فيجب أن نطرح عنا كليا جميع طرقنا القديمة المعتادين عليها وننبذها، ومن الضروري أن يحلّ محلها شيء مختلف، وشيء ثوري. (أفسس 4: 22-24) فهذه هي المهمة التي تبنيناها عند المعمودية، ألا وهي مهمة التبشير، أي مهمة نشر الوعد الأكيد من أنّ سيد الأكوان الذي سيأتي في المستقبل هو قادر أيضا على فرض سلطانه هنا والآن، وأينما يجري العمل بهذه المعمودية وأينما يتمّ الإيفاء بهذا التبشير.
هل يحتاج الأطفال الصغار إلى معمودية؟
أنّ الأطفال الصغار ليس محكوما عليهم بالهلاك الأبدي. ونحن على يقين من أنهم متحدين مع الله لأن محبة المسيح لا تُبعد أحد، بالإضافة إلى أنّ المسيح قد بذل حياته من أجلهم أيضا. ثم إنّ الله يحب جميع الأطفال، وكذلك كل من له الروح الطفولية البريئة سواء كان على الأرض أو في السماء. (متى 19: 13-15) ويريدنا الله أن نكون كلنا كالأطفال، ومملوئين من روح يسوع المسيح الطفولية البريئة.
إنّ الأطفال لا يحتاجون إلى معمودية، لأن المعمودية هي علامة على التوبة ومغفرة الخطايا، والتجديد. فالمعمودية علامة على أنّ الروح القدس قد حلّ على ذاك الذي لم يكن عنده الروح القدس بسبب شرّ حياته / أو حياتها السابقة.
نعترف عند المعمودية بخطايانا ونشهد بكل وضوح عن قناعتنا الوجدانية بشأن موضوع الخطيئة، ثم إننا نلمس أنّ الله رحيم، وأن خطايانا قد غُفرت، وأننا قد تُبْنَا عن شرّنا، وكذلك نؤمن بملكوت الله الآتي، وبأن جميع الأكوان ستتبدل في يوم من الأيام.
فلا ينبغي لنا أن نحمّل الأطفال الصغار بكل هذه الأعباء ونثقّل عليهم. فهم لم يدخلوا بعد في الدنيا التي قد عبأ فيه الشيطان وروحه العدائية قواته ضد الله وروحه القدوس - روح السلام. فهم ما يزالون محميين بروح المسيح الطفولية والبريئة أي الروح القدس.
ولكن سيتمّ الاعتراض عليها حينما نقول أنّ الطفل يعيش في الخطيئة الأصلية على الرغم من براءته شخصيا. وهذا صحيح. لكن الخطيئة الأصلية عند الأطفال الصغار تعني ما يلي: أولا، أنّ الأطفال لديهم نزعة موروثة نحو الشرّ والخير على حدّ سواء؛ وثانيا، أنهم معرضين للموت الجسدي، مثل كل البشر. وذلك لأن المرض والموت جاءا إلى العالم من خلال الخطيئة التي هي انفصال عن الله، ذاك الإله الحيّ. وللأسف، فإنّ أولادنا قد ورثوها؛ فهم بشر فانون. ولكن إذا كانت لنا شركة كاملة مع الله الأزلي؛ وإذا كنا متحفزين بالروح القدس الحيّ لفعل الخير وليس غير الخير وذلك بالقيام بأعمال ونشاطات طوعية وحيوية؛ وإذا مكثنا في حياة الله، وفي محبته، دون أي تعكير لصفاء علاقتنا الحية مع سلطان الله - فلن نفنى.
إنَّ الأطفال الرضع غير قادرين على تقديم الشهادة عن إيمانهم أو اختيار طريق المسيح بقرار واعٍ. لذا لا يمكننا التحدث حقا عن عهد يقطعه هؤلاء الصغار على نفوسهم عند معموديتهم بترك حياتهم السابقة، أي حياة الشرّ والفساد. فلا يمكنهم أن يفهموا شيئا عن الخليقة. فهم لا يستوعبون مدى فداحة سقوط الخليقة! ثم إنهم ليس في مقدورهم أن يستوعبوا من أنّ المسيح قد جاء فعلا وأنه قد وهبنا تحرّرا كاملا وشفاء كاملا!
وهم لا يستوعبون الروح القدس، الذي يحلّ على الكنيسة ويخلق اِتفاقا بالإجماع!
وبغض النظر عما تقدم، فإنّ الأطفال الرضع ليسوا بحاجة إلى المعمودية أساسا وذلك لأن العهد الذي يقدمه طالب العماد يستند على توبته (كما رأينا). إذ أنّ التوبة تعني الابتعاد عن الطرق الشريرة والفاسدة لعصرنا الحاضر، وتعني التوبة أيضا القطيعة مع الخطيئة وظلم هذا العالم. أما الأطفال الرضّع فلا يعلمون أي شيء عن كل هذه الأمور، فكيف لهم إذن أن يقيموا هذه القطيعة أو يتوبوا؟
وهذا يقودنا إلى أعمق سر عجيب نكنّ له الوقار فيما يتعلق بالأطفال الرضع. فقد مات يسوع المسيح من أجل خطايانا، ومن أجل خطايا العالم كله، ولذلك تقدم لنا تضحيته المصالحة والوحدة مع الله اللتان تحتضنان العالم كله وتشملانه بحنان الله الذي لا يستثني أحد. (يوحنا 1: 29) فنحن بحاجة إلى مغفرة الخطايا يوميا، تلك المغفرة التي صنعها يسوع المسيح بموته، مصالحا إيانا تماما مع الله. ولكن الأطفال الرضع لم يفعلوا حتى الآن أي شيء عمدا. فكل ما يفعلوه هو فطري. لذلك فإنّ المصالحة التي صنعها يسوع للعالم كله تسري أيضا على جميع الأطفال الرضع والأولاد الصغار. وقد تمّ رفض هذه الحقيقة المهمة للغاية من جانب الكنائس التقليدية. فهم يؤكدون على أنّ الأطفال غير المعمدين محكوم عليهم بالهلاك بسبب لعنة الخطيئة الأصلية. إلا أننا لا نؤمن بذلك، لأن يسوع المسيح فتح ذراعيه لهم وأحتضنهم، ولاعبهم وقبّلهم، وقال: "إنْ كُنتُم لا تَتَغيَّرونَ وتَصيرونَ مِثلَ الأطفالِ، فلن تَدخُلوا مَلكوتَ السَّماواتِ". وكذلك: "...لأنَّ لأمثالِ هَؤُلاءِ مَلكوتَ اللهِ...". (متى 18: 3؛ مرقس10: 14-16)...
نحن ليس لدينا أدنى شك في أنّ الأطفال الصغار بحكم طبيعتهم ينتسبون إلى ملكوت الله، وإذا جاء أجلهم في أي سنّ مبكرة، فسيكونون أعضاء في ملكوت الله من ساعتهم، لأن المصالحة مع الله تنالهم أيضا؛ فهم مقبولون في ملكوت الله.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكنسيه
- رساله الى المسيحين اليوم
- ما هي الصابئة أو المندائية
- الخطيئة المُتعمَّدة
- الصراع الروحي في الانسان
- الشيعه المندائيَّة أو المندعيَّة
- الرهبان و المصليانيّة أو جماعة المصلّين
- ظهور التعفُّفيَّة أو حركة المتعفِّفين في المسيحيه
- العالم الغنوصي و الفكر الديني وتطوّراته
- سبب الخلاف في الطبيعتين بين الارذوكس و باقي المسيحيين
- من دون إكراه او ضغط سلم نفسك الى الله
- لا تقلق لعدم سماع أولادك لكلامك ولكن أقلق عندما يراقبك أولاد ...
- مسيحيه المسيح و اليوم طوائف مسيحيه تغير فظيع
- البحث عن الكنسيه الحقيقيه
- الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟
- لماذا تغيرت الكنسيه الاولى الى تلك الكنائس اليوم
- مقابله مع انسان ضحى بكل شئ حياته في سبيل ايمانه
- انما الامم الاخلاق
- اراده الانسان و اختيار التعليم المناسب للاولاد
- التخلف و الجهل الاسلامي


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - المعمودية والولادة الروحية