|
راسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 / 6 ) ..ه
أرام عبد الجليل
الحوار المتمدن-العدد: 1544 - 2006 / 5 / 8 - 11:48
المحور:
حقوق الانسان
الفقرة الثالثة: علاقة المحكمة بمجلس الأمن .
حسب القراءة الخاصة للمواد (13) و(16) من ميثاق الأمم المتحدة يتجلى أن لمجلس الأمن دورا ممكنا في تنشيط وإدارة عمل المحكمة من جهة، كما أن له دورا ممكنا في تعطيل وتعليق نشاطها من جهة أخرى. فالمادة 13 (الفقرة ب) والمتعلقة بممارسة الاختصاص، بالإحالة من طرف مجلس الأمن لقضية ما على المحكمة " تعد طبيعية ومفيدة في الوقت نفسه. ولكن تتضمنها بعض النواقص بسبب طبيعة مجلس الأمن ومساطر عمله"(1) . فهي مسألة طبيعية ذلك أن مجلس الأمن تناط به مسؤولية الحفاظ على السلم والأمن الدوليان. أي أن العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن ما هي إلا تطبيق لسلطة مجلس الأمن كما هي محددة في ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة الفصل السابع والذي يعطي به المادة 35 لمجلس الأمن سلطة فرض العقوبات ، وبقاء السلام ونتيجة لذلك فإن لمجلس الأمن الحق في أن يحيل حالة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق وإقامة الادعاء النهائي(2). ومما لاشك فيه أن هذه الحالات بالضرورة هي ذات طبيعة سياسية .ان التساؤل يثار هنا حول المقصود بالإحالة من مجلس الأمن ما إذا كان ينصرف إلى الإجراءات ( رفع الشكوى للمحكمة ) أم إلى الموضوع ( لفت انتباه المحكمة إلى وضع معين). فكما سبقت الإشارة فإن ممارسة مجلس الأمن لصلاحياته بالإحالة تخضع للأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما أنه لا يمكن للمجلس أن يتخذ إجراءات استنادا لهذا الفصل ،إلا إذا كان هناك تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عدوان، وهذا يعني لمجلس الأمن ،أن يعلم المحكمة بوجود جريمة تعتبر المعاقبة عليها ضرورية لتحقيق الاهداف المتوخاة من الفعل السابع من الميثاق ، و ان يطلب من المحكمة مقاضاة مرتكبي هذه الجريمة سواء حددهم بالاسم أو لم يحددهم على أن الجريمة لا بد و أن تكون واحدة من الجرائم الواردة في المادة الخامسة من النظام ،و لا يقوم مجلس الأمن بالدور المسند للمدعي العام. فالإحالة للمحكمة التي يملكها مجلس الأمن شيء، ومهمة التحقيق المنوطة بالمدعي العام شيء آخر ، و بالتالي فإن المقصود بحق مجلس الأمن في الإحالة ينصرف إلى استدعاء نظر المحكمة إلى وقوع جريمة تدخل في اختصاصها (3) . كما أن المدعي العام ليس ملزما بالضرورة بإجراء المتابعات حتى لو أحال القضية عليه مجلس الأمن كما تخول له ذلك المادة ( 53 ) من النظام الأساسي، فإنه ملزم بمقتضى نفس المادة أن يبلغ لمجلس الأمن بالنتيجة التي انتهت إليها، و بالأسباب التي ترتب عليها هذه النتيجة، ويجوز لمجلس الأمن أن يطلب من دائرة ما قبل المحاكمة أن تراجع قرار المدعي العام بعدم مباشرة إجراء ،و أن تطلب منه إعادة النظرفي قراره. كما يجوز لدائرة ما قبل المحاكمة بمبادرة منها مراجعة قرار المدعي العام بعدم مباشرة إجراء إذا كان قراره يستند فقط إلى مجرد تقديره على أساس خطورة الجريمة و مصالح المجني عليهم، أو ظروف الشخص المنسوب إليه الجريمة، ان إجراء التحقيق أو المفاوضات لن يخدم مصالح العدالة(4). ان الدور الطبيعي لمجلس الأمن يحمل في طياتة العديد من الصعوبات ،و المخاطر المرتبطة بالاعتبارات السياسية ،عن واقع التنازلات و المساومات المتبادلة بين الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن خدمة لمصالح ذاتية ،و قومية و ما يتنافى ذلك مع متطلبات تحقيق عدالة جنائية دولية شاملة. إن الاعتبارات السياسية تنصرف إلى عرقلة مجلس الأمن للممارسة المحكمة الجنائية لاختصاصاتها على قضية أحيلت عليها من الدول الأطراف أو من المدعي العام.. فوفقا للمادة (16) من ميثاق الأمم المتحدة يجوز لمجلس الأمن أن يطلب وفق الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية لمدة 12 شهرا .و ذلك إذا ما رأى مجلس الأمن أن الحالة التي رفع بموجبها الإدعاء تشكل تهديدا "للسلام و الأمن وفقا كما نص عليه في ميثاق الأمم المتحدة ،و بموجب السلطات المبينة في الميثاق من أن لمجلس الأمن الحق في إصدار قرارات ملزمة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "(5) . إن صيغة المادة (16) تثير العديد من التساؤلات التي تتجاوز الخلفيات الدافعة إلى طرحه بقوة رغما عن إرادة المؤتمرين(6)،إلى تناول التركيبة القانونية كما جاء به. فكيف " نتصور أن أهداف مجلس الأمن بموجب الفصل السابع يمكن أن تتناقض مع عمل المحكمة الجنائية الدولية في بدء أو متابعة تحقيق أو مقاضاة لأشخاص يشتبه أو تثبت تورطهم في جرائم خطيرة تشكل هي نفسها إخلالا بالسلم و الأمن الدوليان؟ . أو تسبب في ضحايا يمكن أن يدفع عدم إنصافهم إلى نمو الكراهية و الرغبة في الانتقام و القصاص بمختلف الوسائل مما يهدد به السلم و الأمن الدوليان؟ ألم يبرر مجلس الأمن إنشائه للمحكمتين الجنائيتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة و رواندا 1993 و 1994 على التوالي، بكون ذلك يشكل مساهمة في إقرار السلم و الأمن الدوليان "(7)، كما أن الصلاحية التي تتيحها المادة 16 من النظام الأساسي لها أبعاد خطيرة خاصة انها غير مقيدة بأي قيد مادي اوزمني غير أن الفقيه " محمود شريف بسيوني " يرى ان النظام الأساسي " لا يقر لمجلس الأمن إلا بصلاحيته المبينة بالميثاق، و في حقيقة الأمر أن النظام الأساسي يقيد هذه السلطات"(8). كما أن علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية من خلال الإحالة مثلا تتيح إمكانية متابعة الأشخاص مهما كان مستوى مسؤولياتهم وذلك حتى في الحالات التي لم تنظم فيها دولهم ، أو الدول التي ارتكبت فوق اقليمها الى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فيصبح للمحكمة امكانية ممارسة اختصاص عالمي بفضل تدخل مجلس الأمن إضافة إلى ضرورة تمكين مجلس الأمن من اللجوء إلى المحكمة إلى إنشاء محاكم متخصصة .كما أن هيبة المحكمة و سمعتها تقتضي تخويل المجلس صلاحية اللجوء إليها ، لأن إضطرار المجلس بالرغم من وجود المحكمة إلى إنشاء محاكم مخصصة لحالات معينة، يرى فيها ضرورة انتهاج هذا المسار يضعف دون شك مكانة المحكمة و يثير التساؤلات بشأن مبرر وجودها، كما أن التداعيات الايجابية لهذا النشاط القضائي للمحكمة على الرأي العام الدولي الذي يناصر بقوة ممارسة عدم الإفلات من العقاب في حق كبار المجرمين. "إن واضعي النظام الأساسي قد سعوا إلى التوفيق بين واقع السياسة الدولية ،و موازين القوى فيها ومطالب العدالة من جهة أخرى ، فتعليق تدخل المحكمة أو متابعة عملها القضائي ، ربما يترك فرصته للوصول إلى حلول سياسية مستديمة يشكل فيها التهدية بالمتابعات القضائية عنصر ضغط إضافي على بعض أطراف النزاع، ويفترض هذا الأمر أن هناك أولوية للسياسي على القانوني والقضائي ، أولوية للحلول السلمية الطويلة المدى أو للمصالحة الوطنية على مطلب العدالة وإنصاف الضحايا"(9).
هوامش :
Abdelaziz Nouaydi . Le fonctionnement de la CPI . principe de complémentarité , compétence limitée , saisine , roledu coseilde secourité , maroc : lutte contre l’impunité , Instance Equitté et Réconciliation et Cour pénale internationale. p 4 2 Morten bergsmo and selema Pejic Article 16 deferral of inverstigation or prosecution in commentary on Rome statute P 373 - 382
3 علي يوسف الشكري ، القانون الجنائي الدولي م.س.ص (182 – 133) 4 Abdelaziz Nouaydi , op cit , p 6 5 إن عمل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق الأممي يتعلق يتوصياته في حالات التهديدات ضد السلام أو الإخلال به أو قيام عدوان و ذلك بهدف الحفاظ على السلم أو إعادته إلى نصابه و يمكن للمجلس أن يدعو أطراف النزاع لتدابير مؤقتة لا تخل بحقوقهم أو مطالبهم، و مراكزهم كما يمكنه أن يقرر تدابير لا تتطلب استخدام القوة لتنفيذ قراراته ، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية و الدبلوماسية ووقف المواصلات بكل أشكالها ،و يمكن لمجلس الأمن اخيرا إذا تجلى له أن التدابير السابقة ليست ملائمة أو تجلت كذلك أن يتخذ بطريق القوات الجوية و البحرية و البرية كل عمل ضروري للحفاظ على السلم، أو إعادته إلى نصابه و تلزم هذه التدابير جميع الدول بالتعاون لتنفيذها طبقا لقرارات مجلس الأمن. 6 نقصد بذلك بالمحاولات الأمريكية في إجهاض و إقبار المحكمة الجنائية الدولية، فمنذ انعقاد مؤتمر روما و الولايات المتحدة و معها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تسعى إلى ضمان دور للمجلس في مجال الادعاء الدولي امام المحكمة الجنائية الدولية .غير أن مواقف الأعضاء الدائمين و بالرغم من اتفاقهم على المبدأ، لم يتطابق بصورة كاملة إذ اتجهت المملكة المتحدة و فرنسا و روسيا و الصين إلى مؤازرة مبدأ إنهاض اختصاص المجلس هذا بالتوازي مع الدول المعنية من جهة أخرى. أما الولايات المتحدة فكانت تسعى إلى تمكين مجلس الأمن دون غيره من مباشرة الادعاء الدولي أمام المحكمة ،و لو في مواجهة جرائم انصرفت مجمل الدول صاحبة الاختصاص الأصيل في شأنها إلى عدم قبول ميثاق روما ذاته. كما أن الولايات المتحدة لم تكتف بعرض إرادتها على المؤتمرين أريد به الإجهاض الكامل للمحكمة الجنائية الدولية و ذلك بإدراج المادة 16 في النظام الأساسي رغما عن إرادة المؤتمرين. 7 لقد اعتمد مجلس الامن صراحة على الفصل السابع من الميثاق (بخصوص يوغوسلافيا القرار 808 بتاريخ 22 فبراير 1993 و القرار 827بتاريخ 25 ماي 1993 الذي بموجبه تبنى المجلس نظام المحكمة الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة ، و القرار 955 انظرAbdelaziz Nouaydi op cit
8 محمود شريف بسيوني م.س ص 70 9 Abdelaziz Nouaydi , ibid
#أرام_عبد_الجليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الاليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب
...
-
الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 /2 )
...
-
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الإفلات من العقاب
-
حول الاصلاح الدستوري في المغرب الكبير * قراءة في تجربة مجهضة
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|